شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
حتّى القروض الزراعية صارت عبئاً... عمّا يواجه الزراعة المستدامة في مصر

حتّى القروض الزراعية صارت عبئاً... عمّا يواجه الزراعة المستدامة في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

السبت 4 يناير 202506:58 ص

على مدار أكثر من 25 عاماً، عانى عبد الستار الزناتي من عدم وصول المياه لأرضه الزراعية من خلال الترع والقنوات المائية، في مركز الدلنجات بمحافظة البحيرة، بسبب قلّتها وتسرّب المياه من الترع -قبل تبطينها- وامتلائها بالمخلّفات والحيوانات النافقة. لكن الري الحديث كان المنقذ له إذ يروي لرصيف22 كيف ساعده التحوّل من الري بالغمر الذي أرهق أرضه لسنوات ليتجه نحو الري الحديث (بالتنقيط)، في زيادة إنتاجية محاصيله على الرغم من استمرار مشكلة قلّة المياه الواصلة إليها.

يضيف الزناتي: "أمتلك حيازة زراعية 10 أفدنة في عزبة عبد القوي الزناتي بالدلنجات، أزرعها بمختلف المحاصيل من القمح والفاصوليا والبسلة وغيرها، وبسبب ضعف المياه في الترع تحوّلتُ للري الحديث وأنشأت شبكة ري بالتنقيط، وهو ما وفّر كثيراً في استهلاك المياه". 

الزراعة المستدامة في مصر

يشرح الزناتي سبب قلّة المياه قائلاً إنّ الدولة ممثّلة في وزارة الري توفرها كل 12 يوماً لمدة أربعة أيام كي يروي بها المزارع أرضه من خلال فتح منافذ الترع الفرعية من المنفذ الرئيسي، ومن ثم غلقها 12 يوماً أخرى، في حين أن الأفضل أن يكون الري بنظام توفير المياه كل ستة أيام لمدة يومين بحيث يكون الري على فترات متقاربة.

ويبيّن المزارع المصري تفاصيل إنشاء شبكة الري بالتنقيط في عمل شبكة طاقة شمسية بقوة 10 أحصنة لري أرضه من الآبار والمياه الجوفية، بسبب ما ذكره آنفاً، علاوة على ارتفاع أسعار الكهرباء والسولار اللازمين لتشغيل ماكينات الري، لافتاً إلى أنه الوحيد وسط جيرانه الذي يقوم بالري بالطاقة الشمسية.

يحكي الزناتي أيضاً كيف أن الري الحديث لم يوفّر له المياه بشكل دائم فقط بل كذلك ساعده في توفير كميات السماد المستخدم في رش المحاصيل الزراعية، مضيفاً أن "الفدّان كان يأخذ سابقاً ما بين أربع شكائر كيماوي يوريا أو نترات وحالياً تكفي شكارة واحدة من السماد تحلّ محل البقية وكذلك الأدوية التي تستخدم في رش المحاصيل". 

تحوّل مصر نحو الزراعة المستدامة أصبح الطريق الأساسي لتأمين غذاء المصريين، إلا أن الزراعة المستدامة هي الأخرى تواجه تحدّيات كبرى تحول دون الوصول إلى الاستدامة المنشودة. فما هي؟ وكيف يمكن التغلّب عليها؟

الزراعة المستدامة في مصر

الزراعة المستدامة وتحدّياتها

الزراعة المستدامة أصبحت إستراتيجية الحكومة المصرية خلال الأعوام الماضية بإتباع أساليب وطرق زراعية توفر المواد الغذائية للجيل الحالي دون المساس بحقوق الأجيال القادمة من خلال التحوّل من الري بالغمر إلى الري الحديث بسبب قلّة المياه، واتباع إجراءات تحافظ على المناخ والبيئة، وذلك في إطار رؤية مصر 2030 الهادفة لمواجهة التحدّيات التي تعاني منها الزراعة المصرية.

تحوّل مصر نحو الزراعة المستدامة أصبح الطريق الأساسي لتأمين غذاء المصريين، إلا أن الزراعة المستدامة هي الأخرى تواجه تحدّيات كبرى تحول دون الوصول إلى الاستدامة المنشودة، رغم الجهود الحكومية المتواصلة وتشجيع المزارعين على تبني ممارسات زراعية أكثر استدامة.

الزيادة السكانية… "التحدّي الأكبر"

 من هنا يُثار السؤال المهم: هل تستطيع مصر مواجهة هذه التحدّيات وخلق نظام زراعي مستدام يدعم الأمن الغذائي لسكانها البالغ عددهم أكثر من 106 مليون نسمة؟

"التحدّي الأكبر هو سكان مصر البالغ عددهم 106 ملايين"، بهذه الكلمات يجيب أستاذ الاقتصاد الزراعي، الدكتور جمال صيام، رصيف22 عن التحدّيات التي تواجه الزراعة المستدامة في مصر، والتي يرى أنها الاستخدام الأمثل للموارد الزراعية على المدى البعيد، من أجل ذلك وضعت الحكومة المصرية إستراتيجية التنمية الزراعية المستدامة 2030.

يوضّح صيام أن الأزمة تتمثّل في محدودية الأرض الزراعية التي تبلغ رقعتها نحو 10 ملايين فدان ومحدودية مواردها من المياه التي تقل عن 60 مليار متر مكعب هما كل ما نملك في حين أن عدد السكان في ازدياد دائم. أما الأرض والمياه فهما على حاليهما. لذلك هذا التحدي الأكبر.

ندرة المياه… "التحدّي الأخطر"

الزراعة المستدامة في مصر

يتابع صيام بأن ندرة المياه ومحدودية مواردها هما "التحدّي الأخطر". ففي حالة توافر المياه يمكن استصلاح الصحراء لزيادة مساحة الرقعة الزراعية ضمن خطط التنمية المستدامة في الزراعة المصرية، لذلك فإنّ المياه هي العقبة الكبرى وأهم محدّد في التنمية المستدامة في مصر، وقد أصبحت تحت خط الفقر المائي، على حد قوله. 

كما يلفت أستاذ الاقتصاد الزراعي إلى أنه من ضمن التحدّيات التي تواجه الزراعة المستدامة "ضعف الإرشاد الزراعي" الذي يمثل أساس تشجيع المزارع من أجل الاعتماد على التنمية المستدامة في الزراعة، وكذلك الاعتماد على التكنولوجيا والطرق الحديثة في الزراعة. كل هذه التحدّيات يمكن حلها بسهولة أمام المزارعين عند الاعتماد على الإرشاد الزراعي.

ويضيف أن دور الإرشاد الزراعي مساعدة المزارعين في خروج المحاصيل الزراعية ضمن رؤية التنمية المستدامة للزراعة، من خلال إعطاء بيانات وارشادات عن التربة ومنح الأسمدة وفق خصائص التربة والمحاصيل المزروعة، وكذلك توضيح الأصناف المقاومة للجفاف والملوحة، فمع الضغط على المياه تزداد الملوحة في التربة الزراعية خاصة في شمال الدلتا. 

ويستكمل صيام سرد التحدّيات الطبيعية التي تواجه التنمية المستدامة في الزراعة المصرية ومنها التغير المناخي والذي يتسبب في الحاجة إلى زيادة كمية المياه التي يحتاجها النبات لتعويض الاحتباس الحراري، لذلك فالتحدّيات تزداد بشكل طبيعي من التغير المناخي.

الحل هو تفعيل القوانين 

ويشدد أستاذ الاقتصاد الزراعي على أن التنمية المستدامة في الزراعة المصرية تحتاج إلى تفعيل قانون التكافل الزراعي أو التأمين الزراعي الذي أصدره مجلس النواب عام 2014 وهو غير مطبق، ويساعد الفلاحين عند حدوث أي مشكلة في الإنتاج الزراعي نتيجة التغيّرات المناخية أو إنتاج المحصول المعتاد عندها يتم منحهم تعويض من التأمين الزراعي.

وكذلك تفعيل قانون التعاون الزراعي إذ تحتاج التنمية المستدامة إلى روابط مستخدمي المياه والمجالس النوعية للمحاصيل منظمات المزارعين، كل هذه العوامل إذا لم يتم الاهتمام بها فهي تحدّيات تواجه التنمية المستدامة في الزراعة المصرية.

التوسّع في استخدام التكنولوجيا 

يتّفق معه أستاذ الاقتصاد الزراعي بالمركز القومي للبحوث، الدكتور يحيى متولي، في أن التحدي الأكبر أمام الزراعة المستدامة في مصر وزيادة الرقعة الزراعية هو كمية المياه المطلوبة للزراعة، لذلك هناك ضرورة لدراسة احتياجات المحاصيل الزراعية في الموسمين الشتوي والصيفي للمياه، ويتساءل: "كيف نزرع مساحات إضافية ولا يوجد ما يكفي من مياه لزراعتها؟".

ويوضح متولي لرصيف22 أن توجه الدولة المصرية للاعتماد على الري الحديث في الأراضي الحديثة يساعد في علاج أزمة نقص المياه وهو ما يجب تطبيقه في الأراضي الزراعية القديمة لتوفير المياه اللازمة للزراعة. 

ويرى أن التحدي الآخر أمام الزراعة المستدامة في مصر هو التكنولوجيا المستخدمة في الزراعة المصرية، فحتى الآن لم تتمكن مصر من الوصول إلى تحقيق الزراعة الآلية التي تتناسب مع الأراضي المصرية والحيازات المفتتة وهي من التحدّيات التي تواجه الزراعة المستدامة. 

يؤكد صيام أن ندرة المياه ومحدوديتها هما "التحدي الأخطر". ففي حالة توافر المياه يمكن استصلاح الصحراء لزيادة مساحة الرقعة الزراعية ضمن خطط التنمية المستدامة في الزراعة المصرية، لذلك فإنّ المياه هي العقبة الكبرى وأهم محدّد في التنمية المستدامة في مصر والتي أصبحت تحت خط الفقر المائي، على حد قوله

وعن الحل لهذا التحدّي، يجيب أستاذ الاقتصاد الزراعي: "يكون بالعودة للتعاونيات الإنتاجية والاستهلاكية والتصديرية، التي تؤدي إلى التجمع في المساحات الزراعية، وبالتالي استخدام التكنولوجيا بشكل موسّع وأكبر. وكلما زاد استخدامها قلّ الفاقد من المحصول الزراعي ويزيد الإنتاج الكلي من المحصول الزراعي، وقلّت نسبة استيرادنا من المحاصيل الزراعية".

القروض الزراعية باتت مشكلة؟

في غضون ذلك، عملت الحكومة المصرية على تشجيع المزارعين على تبنّي ممارسات الزراعة المستدامة ومنها توفير التيسيرات التمويلية للمزارعين من أجل تشجيعهم على تبني سياسات الري الحديث، وكذلك على  موارد الدولة المائية وتعظيم قدرات القطاع الزراعي.  

في نهاية عام 2021، أطلق البنك المركزي المصري، مبادرة لتمويل تحويل أربعة ملايين فدان لاستخدام الآليات والوسائل الحديثة والذكية لري الأراضي الزراعية، في إطار خطة مصر لترشيد استخدام المياه، من خلال التيسير على المزارعين وتشجيعهم على الانتقال إلى استخدام آليات الري الحديثة والذكية. وذلك من خلال توفير تمويل ميسر للمزارعين للاعتماد على الري الحديث، استجابةً لتوجه الدول خلال ثلاث سنوات بتعميم هذا الأمر وإلغاء الري بالغمر، وهو ما يعود بالنفع على المزارع من تعظيم إنتاجية الفدان، إذ يقوم المزارعون المستفيدون من المبادرة بسداد تكلفة التحول لنظم الري الحديثة للبنوك على أقساط خلال 10 سنوات من دون فوائد، على أن يجري سداد أول قسط بعد عام من انتهاء التنفيذ والتحول الكامل لنظم الري المستهدفة، ويقوم البنك المركزي بتعويض البنوك بالمشاركة مع وزارة المالية.

وعن القروض الزراعية، يقول أستاذ الاقتصاد الزراعي إنها قضية خطيرة جداً إذا لم تدر بشكل جيد لأن الزراعة المصرية موسمية الإنتاج، وذلك يعني أنه لا يمكن زراعة المحاصيل الصيفية في الشتاء أو العكس، وأن التغيّرات المناخيّة تؤثّر على المنتج، وكانت المناشدة منذ 30 عاماً بعمل صندوق موازنة للأسعار تحمي المنتج الزراعي من التقلبات الحادة في الأسعار والإنتاج، لأن انخفاض الإنتاج تعني خسارته.

النزاعات السياسية

يتّفق مع ذلك الرأي الخبير الزراعي والباحث في وراثة وتربية النبات، الدكتور محمد عبد الحميد عابدين، الذي يرى أن القروض الزراعية التي يفترض أن تساعد المزارعين على التوجّه نحو الزراعة المستدامة قد تمثّل عقبة، ويوضح أن الآثار الناجمة عن تغير المناخ في مصر والمتمثلة في ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة في أوقات كثيرة طوال العام، وتغيّر مواسم سقوط الأمطار هي مخاطر جمة على الزراعة والأراضي الزراعية وتسبّب مشاكل وخسائر للإنتاج الزراعي والاقتصاد القومي المصري، وبالتالي عدم تحقيق المزارع للانتاج المأمول والمتوقع الذي يغطي تكاليف الإنتاج ويوفر قسط سداد القرض مع ربح يعينه على متطلبات حياته هو ما يؤثر بالسلب على استمرار التنمية المستدامة.

وتابع: مع تكرار ذلك في المواسم ينتج عنه عجز وتراكم الأقساط وتهديد السلم الاجتماعي للمواطن. في مثل هذه الحالات لا بد أن توجه الدولة البنوك إما لإرجاء سداد الأقساط لحين استقرار الأوضاع بدون أي عقوبات تصاعدية، أو تسقط هذه الأقساط عن كاهل المواطن تماماً، أو يتم تفعيل الزراعة التعاقدية مع بند تأمين المحصول للمواطن حتى يضمن حصوله على عائد بيع زراعته بسعر وافٍ يكفي سداد أقساط القروض وتعويضه بالفارق حتى لو قل الإنتاج المورد.

عن القروض الزراعية، يقول أستاذ الاقتصاد الزراعي إنها قضية خطيرة جداً إذا كانت لا تدر بشكل جيد لأن الزراعة المصرية موسمية الإنتاج. ما معنى ذلك؟ وكيف قد تتحوّل القروض الزراعية إلى عبء على كاهل المزارع؟

نقص وعي المزارعين 

الأمر نفسه يؤكد عليه أستاذ وقاية النباتات بجامعة أسيوط، الدكتور محمد إبراهيم، الذي يوضّح أن التسهيلات الحكومية المقدّمة لتشجيع الفلاحين على تبني أهداف الزراعة المستدامة، ومنها القروض الزراعية تساعد في تقدم الزراعة المستدامة لأنها تعطي ضمانة واستمرارية في توفير المستلزمات الزراعية والاحتياجات الخاصة بالزراعة المستدامة.

ويضيف إبراهيم، في حديثه لرصيف22، أن هذه القروض وشروط سدادها قد تؤثر على الزراعة المستدامة في حالة كانت ميسّرة وقابلة للسداد في المواعيد المحددة بالنسبة إلى المزارع وتغطي جميع الاحتياجات اللازمة لاستمرار الزراعة المستدامة. 

ويختم: "أمّا في حالة تعثّر الإنتاج الزراعي في أحد المواسم بسبب المناخ أو أي عوامل أخرى تؤثر بدورها على قدرة المزارع على تسديد القرض، الأمر الذي يسبّب مخاوف له، في هذه الحالة يجب توفير التأمين الزراعى مثلاً على الحاصلات الزراعية وهو مطبّق فى عدة دول. وفي حالة تعثّر الإنتاج الزراعي، يتم صرف تعويضات ومساعدات لتقليل الضرر الناجم عن التأثيرات السلبية للتغيّرات المناخية. كذلك في حالة حدوث تأخير في سداد القروض يتم جدولة المبالغ التي تأخرت بما يتناسب مع دخل الفلاح أو المزارع".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image