مزج الفنان التشكيلي أحمد صابر، بين أساطير حول الأحصنة وطقس شعبي في صعيد مصر، في لوحات معرضه "حصان سليمان"، الذي أقيم في قاعة سفر خان في ضاحية الزمالك، بين 15 تشرين الأول/أكتوبر وحتى 27 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، حيث قدّم ثلاث مراحل تمثّل تطور رؤيته الفنية لفترة من تاريخ مصر والتراث الشعبي، بنظرة سوريالية معاصرة.
أقام صابر ثلاثة معارض شخصية في مصر، وله مشاركات في معارض دولية ومقتنيات في دول عدة من بينها الإمارات المتحدة وإثيوبيا، ويعمل حالياً مدرّساً في قسم الغرافيك والتصميم المطبوع في كلية الفنون الجميلة في الأقصر.
يقول صابر لرصيف22: "أنتجت لوحات المعرض خلال أربع سنوات، من خلال ثلاث مراحل أساسية، الأولى صياغة لمرحلة تاريخية لمصر وشكل تعليم الطب والتمريض والعلاقات الأسرية، وارتباط مصر بإنتاج كسوة الكعبة ومواكب المحمل خلال الطقوس الشعبية، والمرحلة الثانية تعبّر عن الواقع الحالي ليس فقط لمصر، ودمج رموز شعبية تراثية للحيوانات مثل الأسد والسمكة ورمزيتها في الثقافة الشعبية، ثم نظرة سوريالية إلى طقس شعبي يقام في صعيد مصر، هو ‘المرماح’، حيث يركب الفرسان أحصنةً قويةً ذات أجنحة ومن هنا يأتي عنوان المعرض ‘حصان سليمان’".
ترتبط فكرة الخيول المجنحة في التراث الشعبي الإسلامي باقتناء نبي الله سليمان، عشرين ألفاً من الخيل، من بينها خيول مجنحة كان يحبها ومفتوناً برؤيتها
ترتبط فكرة الخيول المجنحة في التراث الشعبي الإسلامي باقتناء نبي الله سليمان، عشرين ألفاً من الخيل، من بينها خيول مجنحة كان يحبها ومفتوناً برؤيتها، وذُكرت في القرآن الكريم في سورة "ص": "إِٕذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَاد"، والصافنات من الخيل وهي جمع صافن.
يشرح صابر: "الخيول كانت من الحيوانات المفضلة للملك والنبي سليمان، ويُحكى أنه كان يحبها وظل معها يتأملها حتى فاته موعد صلاة، وغربت الشمس، فهجرها حتى لا تبعده عن العبادة، ولكن ظلت الخيول رمزاً للهيبة والهيمنة لكل من يمكلها، خاصةً هنا في صعيد مصر حيث تفتخر العائلات بامتلاكها الخيل الأصيل، وتتبارى بها في طقوس المرماح المرتبط أبضاً بالاحتفالات الدينية والموالد".
ويضيف: "في لوحات المعرض تعاملت في صياغة طقس المرماح ليس بصورته العادية عبر رسم قوة الفارس أو جمال الخيل، وإنما نظرت إلى الحصان كأنه كائن أسطوري يمكنه فعل أي شيء. في المرماح يمكنه الجري السريع والاستعراض براكبه الماسك بعصا طويلة للمبارزة، ويمكنه أيضاً أن يطير".
ويردف: "الحصان المجنّح يظهر في أساطير عدة في الثقافة اليونانية القديمة، وله قصة في الميثولوجيا الإغريقية، ويسمّى ‘بيغاسوس’، ولكنني بحثت أكثر عن ارتباطه بالثقافة المصرية والإسلامية في قصة سيّدنا سليمان".
وُلد صابر في محافظة سوهاج عام 1987، ويحكي عن نشأته في منزل أمامه ساحة تقام فيها الموالد الشعبية واستعراضات الخيول، ما جعله مولعاً بالطقوس الشعبية، خاصةً المرماح المنتشر في قرى صعيد مصر. والرَمح، بفتح الراء، الجري لاستعراض القوة والمهارة في ركوب الخيل، والمرماح في حد ذاته لا يُعدّ سباق فروسية، إنما محاولة استعراض الفارس لبراعته في الفروسية وركوب الخيل، وإعلاء شأن وسمعة القبيلة التي ينتمي إليها، والحصان أو الفرس الذي يمتطيه، يقول صابر.
ويضيف: "أُعيد توظيف الحصان على أنه كائن أسطوري، وتم الربط بين صورته في التراث الشعبي في صعيد مصر لأن المرماح نفسه مرتبط بطقوس واحتفالات دينية في الموالد، لذا المعرض له صفة دينية شعبية بالرجوع إلى مرجعية دينية مثل قصة سيدنا سليمان، لا إلى الرؤية الأسطورية للحصان المجنح في الحضارات الإغريقية أو الرومانية".
يعتمد صابر في أسلوله على تصوير عوالم حداثية ترسم خطوط أعماله بفلسفة سوريالية، حديثة بمعناها الواسع، حيث يهتم بتفاصيل عناصر اللوحة، وحتى تكون هذه التفاصيل هي اللوحة نفسها، ويقول عنها: "ليس معنى تقديم لوحة سوريالية أن نصوّر كائنات خياليةً، ولكن من المهم الاهتمام بتفاصيل وجوه البشر والعناصر الحيوانية في الرسم".
يميل صابر إلى استخدام الرمز الحيواني مع استعارة الشكل الأسطوري أحياناً عبر تصوير الحصان المجنح في طقوس المرماح، ويتكرر الاستخدام في لوحات صابر في رمزية السمكة التي تعني في رسومات المصري القديم الخير القادم من النهر، ويتكرر رسمها في جداريات أهل الصعيد على منازلهم، وفي رمزية الديك والأسد والحصان والقطط، وكلها لها معانٍ في الثقافة المصرية الفديمة، وتطور استخدامها بمنظور ميتافيزيقي أحياناً يعكس رؤيته التي طبقها في نيل رسالة الماجستير عن الميتافيزيقا في الرسم المصري المعاصر، وتأطيره للمدرسة الواقعية المفاهيمية ومدرسة "اللو برو" إحدى مدارس ما بعد الحداثة الأمريكية، وهي محور بحثه لنيل درجة الدكتوراه.
الحصان هو المرحلة الثالثة من المعرض الذي يتناول في مرحلته الأولى ماضي مصر برسوم كلاسيكية لشكل التعليم والتمريض في الماضي وطقوس نقل محمل كسوة الكعبة والهودج في الموالد، والمرحلة الثانية تمثل الواقع الحالي بثلاث لوحات بحجم كبير متأثرة أيضاً بالتراث حيث يستلهم رمزيات القوة بظهور الأسد الذي يحمي كنزاً على نهر يسير الناس بجواره، ولا يتلفتون إليه، ويحاولون الهرب من مياهه التي ترتفع، ثم بعد أن يغمر الماء القرية يتعايش الناس فيها بشكل عادي، وتصبح حياتهم عاديةً تحت الماء وتتآكل السمكة التي هي أحد رموز الخير في الصعيد. كما تظهر في رسومات الحج على جدران المنازل.
الحصان هو المرحلة الثالثة من المعرض الذي يتناول في مرحلته الأولى ماضي مصر برسوم كلاسيكية، والمرحلة الثانية تمثل الواقع الحالي بثلاث لوحات بحجم كبير متأثرة أيضاً بالتراث
فى حديثه إلى رصيف22، يقول صابر: "ضمن لوحات المعرض مرحلة حول ما أتصوره للواقع الحالي ليس في مصر حالياً، وإنما قد يتسع ليشمل العالم كله، ففي ثلاث لوحات يتم تصوير التراث المصرى الموجود فى الصعيد بحشود من البشر تسير باتجاه النهر، ولا تلتفت إلى كنز من الذهب يحرسه أسد، غير مهتمة بالنهر الذي يرتفع منسوبه فيغرقها، ويبدأ الناس بالتأقلم مع الوضع بعد أن غمرتهم المياه وغرقوا، ويظهرون في اللوحة الثانية وهم تحت الماء يعيشون حياتهم بشكل طبيعي، وحتى بعد أن تحللت أسماك النهر وأصبحت مجرد هياكل عظمية ما زالوا يتأقلمون".
في اللوحات الثلاثة، اهتم صابر بتفاصيل وجوه البشر ونقل تعابير وجوههم، حيث يمكن أن ترى حكاية كل منهم، ويؤكد تأثره بتراكم رؤيته الفنية، حيث تظهر في خلفيات اللوحات مشاهد من قرى الأقصر القديمة، ورموز من معرضه السابق "المقام" حيث يظهر مقام "أبو الحجاج الأقصري" في خلفية لوحات من المعرض، ينظر إلى الضريح أو المقام والحالة الشعبية حوله من احتفالات وموالد، ويقول: "في المقام لم يشغلني التعامل مع مجاذيب المقام، وصورهم التقليدية في الموالد. شغلتني طريقة التعامل مع حمل الهودج أو المحمل الذي يسير به الناس في الموالد وما يحمله من دلالات وزينات تميّزه، وارتباط الناس داخل المولد به. وهو ما جعل المحمل يظهر في كثير من اللوحات وقد أعيد استخدامه في المعرض الحالي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينعظيم