يستمر التشكيلي المصري محمد عبلة، في الغوص في تفاصيل مدينة القاهرة، وإن كان قد قرّر التحليق فوقها في معرضه الحالي "بساط الريح"، ليستعين ببراح الخيال هروباً من زحام شوارعها.
المعرض استضافته قاعة الزمالك للفن من الفترة 14 تشرين الأول/أكتوبر إلى 5 تشرين الثاني/نوفمبر، ويتضمن 40 لوحةً أنجزها الفنان خلال عام 2024، استناداً إلى واحدة من قصص "ألف ليلة وليلة"، عن سجادة مسحورة يطير بها البطل الوسيم لينقذ محبوبته الأميرة، إلا أن هذا البطل يختفي في لوحات محمد عبلة ليحل محلّه أبطال عاديون مثل أب يجلس مع أسرته، أو جدّ مع عائلته وأحفاده، أو أطفال ينطلقون بحرية ويحلّقون ببالونات.
يقول عبلة لرصيف22: "كثيراً ما نستعين بالخيال عن طريق استدعاء أساطير قديمة لنتمكن من مواجهة قسوة الواقع، وإيجاد مساحة للحرية والطيران فوق القاهرة، ونشاهدها من فوق هرباً من الزحام، وبعدها يقرر كل منّا ما إذا كان يريد العودة إلى الواقع أو البقاء على البساط مستسلماً للحلم".
ويضيف: "المعرض عبارة عن قصص عن الحرية والحب، لذا تجد على البساط مشاهد لطقوس الحياة اليومية، لكننا نسرح بالخيال لتحقيق التوازن مع الواقع، والبساط ما هو إلا وسيلة للسفر في الخيال لمن لا يستطيع السفر في الواقع، والهروب من الزحام إلى مكان هادئ".
يستمر التشكيلي المصري محمد عبلة، في الغوص في تفاصيل مدينة القاهرة، وإن كان قد قرّر التحليق فوقها في معرضه الحالي "بساط الريح"، ليستعين ببراح الخيال هروباً من زحام شوارعها
البساط السحري قصة من قصص "ألف ليلة وليلة"، تم إنتاج أفلام عدة عنها، عبر صنع قصص خارقة للعادة، آخرها فيلم "علاء الدين" (2019). إلا أن محمد عبلة يُرجع خياله إلا التأثر بفيلم أًنتج قبل قرن كامل، ويقول: "لم أشاهد فيلم ‘علاء الدين’، وإنما تأثرت في صباي بفيلم ‘لص بغداد’ (إنتاج عام 1924). أتذكر أنني شاهدته عندما كنت في بداية المرحلة الإعدادية، ووقعت في حب سحرية البساط والهروب به من الواقع، ونسيته لفترات من عمري إلا أنّ التأثر به عاد مجدداً لأنتج هذا المعرض".
في مغامرات ألف ليلة وليلة، تُنسَج حول بساط علاء الدين قصص خيالية خارقة، إلا أن بساط محمد عبلة يتحول إلى أداة لاستعادة فرحة الأطفال وتحرير الخيال أمام قسوة الواقع، وهمٌ يهرب منه الناس من ضغوط اقتصادية، بحسب وصف عبلة.
فعلى بساط عبلة، يخرج أبطال عاديون من الشارع؛ أطفال يلعبون ببالونات، أبٌ وأسرته، وجدّ مع أحفاده على بساط وشحاذون حتى.
تقول الناقدة الفنية منى عبد الكريم، في تقديمها للمعرض والذي جاء في الكتيب الدعائي للمعرض: "لجأ عبلة إلى بساط الريح كمنفذ للأحلام، ودعوة ليتمسك كل منّا بحلمه بأن يحلق فوق الواقع بحواجزه دون أن يفقد اتصاله به وبجذوره وماضيه".
وتضيف: "يصوّر عبلة الكثير من حالات البهجة في هذا المعرض، فهي بهجة مصرية خالصة نتذوقها مع أبطاله فوق بساطه السحري، الذي يشبه في كثير من الأحيان ‘الكليم’ بتصميمه الشعبي وبألوانه التي ظلّت معروفةً لأجيال مصرية سابقة، والذي قد لا يعرف قيمته وجماله كثير من أبناء الجيل الحالي ممن يشاهدون العالم من وراء شاشات الهاتف. أما دلالات البساط، فمتنوعة تكشف عن نفسها في كل لوح، فالبساط هو الحرية والانطلاق، والفنان محمد عبلة يمارس الحرية والانطلاق في كل مرحلة من مراحل حياته التي خاض فيها مغامرات شتى سجّلها فناً في لوحاته، لذا فإن بساطه السحري هو مرادف لتلك الحرية التي تسكنه في الانطلاق من مكان إلى آخر وفي رؤية العالم من أعلى نقطة".
يكمل محمد عبلة رؤيته من على "بساط الريح"، لمدينة القاهرة التي تعامل معها في ثلاثة معارض متتالية، هي "الدوامة" و"أضواء المدينة" و"أبراج القاهرة"، حيث تناول في كل منها منظوراً للمدينة التي يهوى تصويرها من أعلى نقطة فيها، مثل هضبة المقطّم أو برج القاهرة، إلا أنه يرتفع أكثر في السماء على بساط الريح.
"المعرض عبارة عن قصص عن الحرية والحب، لذا تجد على البساط مشاهد لطقوس الحياة اليومية، لكننا نسرح بالخيال لتحقيق التوازن مع الواقع، والبساط ما هو إلا وسيلة للسفر في الخيال لمن لا يستطيع السفر في الواقع، والهروب من الزحام إلى مكان هادئ"… محمد عبلة عن معرضه
يقول عنها: "بالتأكيد أحبّ التعامل مع القاهرة، وأعمالي مترابطة مع رؤية المدينة من أعلى، فعلى البساط ترتفع أسر وناس عاديون عن زحام الشوارع وضغوطها الاقتصادية التي تطحنهم، ولا يحتاج الناس إلى بساط فارسي وثير، ففي الكثير من اللوحات كل يستعين بخياله ليطير على بساط أو ‘كليم’ شعبي تقليدي أو حتى بالونة طفل، كل وما يحمله خياله".
في عدد من اللوحات، يختفي البساط، فيمارس الأبطال التحليق الحرّ. الجميع لديه الفرصة للتحليق والحلم كما يقول عبلة. والبساط مساحة آمنة للجميع سواء من البسطاء أو حتى المثقفين أو الفنانين، ويحمل كل منهم ما يعينه على الرحلة، وما يفتح أبواب الأمل، فتجد فوق البساط كتباً ونباتات وحيوانات آليفةً وبالونات، بل إننا نرى أحد الأبطال وهو يصطحب معه عملاً نحتياً من إبداعات عبلة من المعرض نفسه، ليمحو من خلال هذا العمل مرةً أخرى الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال، ويجعلنا نتساءل عما إذا كان هو بذاته يعيش داخل لوحاته على بساطه السحري، أو أن أبطال لوحاته هم من يقفزون فوق الواقع.
خلال المعرض، يتيح محمد عبلة لزوّاره تجربة بساط الريح حين يخصص مساحةً يثبت بها بساطاً مرتفعاً عن الأرض يستطيعون الجلوس عليه، وتدوين انطباعاتهم وأحاسيسهم منه، أو حتى رسم صورة شخصية لمحمد عبلة نفسه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...