شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"أتجنّب النظر في المرآة"... كيف تعتني الغزيّات بأجسادهنّ وأرواحهنّ؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

السبت 23 نوفمبر 202401:28 م

"لم أتخيل طوال عمري أن أغسل شعري بالماء البارد، دون شامبو. ولم أشعر بنقص في حياتي مثلما شعرت لحظتها"، تقول ميسون الحداد (26 عاماً).

وتصف، خلال حديثها لرصيف22، حرب الإبادة بالجاثوم الذي يكبّل يديها خلال النوم. "أحاول الهرب منه بالصحو لكنّي لا أمتلك القدرة على ذلك. فقد سُحبنا نحو الإعدام دون أيّ ذنب"، تضيف.

كانت ميسون تعمل مندوبة مبيعات في شركة تجارية. وكان مظهرها الخارجيّ أمراً أساساً في عملها. لكن فجأة، انقلب الحال ووجدت نفسها في خيمة، تحرق وجهها سخونة نار الطبخ وحرارة الشمس صيفاً. وتلسع بشرتها البرودة الشديدة لطقس الخيمة مع بدء الشتاء.

تتابع:"جاءت الحرب على أشياء كثيرة، منها أمننا وغذاؤنا الصحي، والآن تجمّلنا واهتمامنا بأجسادنا. كثيراً ما أتجنب النظر إلى جسدي ووجهي، أعرف أن المرآة ستعطيني نتيجة قاسية".

نتيجة الحصار الإسرائيليّ الخانق، لم تدخل المساعدات الإنسانيّة إلى القطاع منذ نحو 50 يوماً. وحتّى حين كانت تدخل بكميّات قليلة في السّابق، عانى الغزيّون والغزيّات من شحّ مستحضرات العناية التجميل والنظافة الشخصيّة، ومن استغلال التّجار من خلال رفع أسعار ما توفّر منها. فبلغ سعر عبوّة "الشامبو" 22 دولاراً. في الوقت الذي يحتاج فيه قطاع غزّة، شهريّاً، بحسب مدير شبكة المنظّمات الأهليّة أمجد الشّوا، إلى نحو 5 مليون قطعة صابون و500 ألف عبوّة شامبو.

ويمكن القول إنّ تجربة نساء غزة مع حرب الإبادة تحمل خصوصية تتعلق بمتطلبات يعتبرنها أساسيّة، جسديّاً وروحيّاً، في حياتهنّ اليوميّة. فوصفت هيئة الأمم المتحدة للمرأة الحرب على غزّة بأنّها "حرب على النّساء"، قائلةً: "لا شكّ أنّ نحو مليون امرأة وفتاة يتحمّلن العبء الأكبر".


الاعتناء بالجسد كجزء من الهويّة

لقد وجدت ميسون حلّاً قاسياً لغياب مستحضرات العناية: "اضطرت لقص شعري خلال الحرب، لتقليل كمية الشامبو التي استخدمها، خلال الاغتسال. فقد بلغ سعر العبوّة منها إلى 25 دولاراً. والكثير من صديقاتي فعلن ذلك".

لا ترى ميسون أنّ نظافة الجسد والعناية به من كماليّات الحياة، بل أمر أساس في حياة المرأة وهويّتها ووجودها.

عانى الغزيّون والغزيّات من شحّ مستحضرات العناية التجميل والنظافة الشخصيّة، ومن استغلال التّجار من خلال رفع أسعار ما توفّر منها. فبلغ سعر عبوّة "الشامبو" 22 دولاراً

وتردف قائلة: "إنّه لأمر شاقّ أن تبقى جميلاً ونظيفاً وسط حرب سلبت منك طاقتك وكل الأدوات اللازمة للتجميل والنظافة. إنها حرب سلبت منك القدرة على البقاء كما أنت".

فيما تكشف روان صالح (24 عاماً) عن جانب آخر من معاناة صبايا غزّة مع الحرب. فتعبر عن الإرهاق الكبير الذي يطال المرأة نظراً لاهتمامها بالتفاصيل بدرجة أكبر من الرّجل.

تقول روان لرصيف22: "أصبح الحصول على مزيل للعرق هنا أمراً مستحيلاً. إنّه مطلب بسيط للبقاء في حالة رضا ذاتيّ وعدم إزعاج الآخرين برائحة العرق".

تتابع: "أعرف صديقات لجأن لحلق شعورهنّ بشكل كامل، من أجل النجاة من ورطة نظافة الشعر، في ظلّ انعدام الخصوصيّة والنظافة وسط مخيّمات وسط مخيمات النازحين، وهو ما يترتب عليه انتقال العدوى والقمل للشعر بكل سهولة".

تجد روان صعوبة في التأقلم مع واقع مفروض عليها: "من أسوأ الأشياء التي تحدث للإنسان أن يمر بتجربة الحرب، لكن تجربة النزوح وانعدام خيارات النظافة أمر أشدّ قسوة".

وتؤكّد أنّ شعرها واهتمامها بجسدها يتقزّم أمام مسؤولياتها مع العائلة وازدياد الأعباء اليوميّة بسبب مرض والدها وظروف الحرب.

روان صالح بجانب دمار أحد البيوت في الحرب الحالية

الخصوصيّة الغائبة

كانت ميسون السقا (36 عاماً) تهتمّ على نحو كبير بجسدها وبشرتها ومظهرها. كانت تذهب إلى النادي الرياضيّ بشكل دوري، وتمارس الرياضة، لإيجادها في ذلك فائدةً صحيّةً ونفسيّة.

تعمل السقا مدربة رياضية مع الأطفال في إحدى مؤسسات المجتمع المدني وترى أن ظهورها المتكرر تحت الشمس والتراب يجعلها بحاجة للعناية ببشرتها. وهو أمر يتعذّر تحقيقه في الحرب. تقول لرصيف22: "أواجه أزمات نفسية كبيرة خلال عملي الشاقّ، والذي يتطلب واقياً للجلد وكريمات مرطبة، للحفاظ على بشرتي، وهو أمر مستحيل في ظل انعدام المنتجات الوقائية".

كانت غرفتي تمنحني شعوراً بالسيادة، ومساحة مفتوحة على اكتشاف ذاتي والقراءة وتطوير مهاراتي وحواسي، والاستماع للموسيقى. حتى العبادة، صارت أمراً لا يمكن تحقيقه في خيمة صغيرة

وتضيف: "أشعر أنني فقدت هويتي وقدرتي على مواجهة ما يحدث. أصبح وجهي يمثل الحرب وقسوتها وشحوبها، أكثر مما يمثلني".

تعاني ميسون أيضاً من فقدان الخصوصية خلال الحرب، إذ كانت تعتبر غرفتها جزءاً من وجودها، وليست مكاناً للراحة وحسب. تقول: "اعتدت إنهاء عملي والعودة إلى منزلي، فكانت غرفتي تمنحني شعوراً بالسيادة، ومساحة مفتوحة على اكتشاف ذاتي والقراءة وتطوير مهاراتي وحواسي، والاستماع للموسيقى. حتى العبادة، صارت أمراً لا يمكن تحقيقه في خيمة صغيرة، تملؤها الأصوات من كل جانب".

"في أوقات كثيرة، نطرح فكرة بيننا كعائلة، ثمّ نجد، أثناء النقاش، أنّ جارنا في الخيمة المجاورة، يدلي برأيه في النّقاش. هذه هي الفوضى التي جلبتها هذه الحرب الغبية"، تقول ميسون.

وتوضح روان صالح معاناتها في سياق الخصوصيّة:"أحيانا كثيرة، أكون بحاجة للبكاء، لكنني منذ السابع من أكتوبر، لا أجد مكاناً أبكي فيه لوحدي".

في حين ترى السقا أن اشتراكية الحياة داخل الخيمة والمجتمع التي تحدث الآن غير منصفة، ومؤذية جداً لشخص يميل للعزلة والهدوء، وتردف: "ما يحدث خلال فوضى المخيم ونزع الخصوصية، هو كأن يسوقك أحدهم لمنصة الإعدام كل يوم".

روان صالح تتسوّق قبل الحرب

اللجوء إلى البدائل الطبيعيّة

ترى ريتا أبو كوش (24 عاماً) أنّها تعيش مرحلة قاسية مع ذاتها وجسدها وهويتها، في ظل الحرب والنزوح. تقول لرصيف22:" انتقلت من حياة مليئة بالطموح والأحلام والترفيه، إلى حياة صعبة ومعقدة ومليئة بالتعب والخوف والحزن، هكذا استبدلت الحياة فرحتنا بالنقيض".

إلى جانب رسالة الماجستير في تخصّصها العلميّ، كانت ريتا تقضي وقتاً يسيراً في النادي الرياضيّ، كما أنّها اعتادت ارتياد صالونات التجميل والاعتناء ببشرتها ومظهرها".

لا تجد ريتا في الحرب بديلاً لهذه العادات. فوجدت في البحر مؤخراً متنفساً؛ تمشي وتمارس الرياضة هناك، بعد نحو 400 يوم من العيش في زحام الخيام. "البحر يعيد لي بعضاً من صحتي المفقودة"، تقول مؤكّدة.

أشعر أنني فقدت هويتي وقدرتي على مواجهة ما يحدث. أصبح وجهي يمثل الحرب وقسوتها وشحوبها، أكثر مما يمثلني

تشكو ريتا انعدام سبل الحصول على منتجات العناية بالصحة والبشرة: "صرت أفرح حينما أجد بديلاً من الطبيعة للاعتناء ببشرتي. فقد زرعت نبتة الألوفيرا، التي عوضت بعض الشيء عن غياب المستحضرات المصنعة. كذلك، استعنت برمل البحر للغرض نفسه. واستطعت أن أحصل لمرة واحدة فقط على بعض المستحضرات من السوق، واشتريتها بأربعة أضعاف ثمنها".

وتضيف بسخرية: "بفعل الحرب والمنع والحصار، أصبحت مزارعة ماهرة، أزرع ما أعتقده مفيداً لبشرتي وصحتي، فأجد في ذلك تعويضاً لصحّتي النفسيّة".

وترفض ريتا حالة التأقلم مع الواقع. "لكنّي مجبرة على الإكمال، حتّى إن كان ذلك يُشعرني أنني نقيض لريتا الطبيعية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image