كي يكون مجتمع الميم-عين متماسكاً أكثر، لا بد أن يعرف أفراده حقوقهم وما لهم وما عليهم، حتى لو كانوا يعيشون في بلاد عربية ليس لهم أي حقوق فيها. ولكي يكون هؤلاء الأفراد في مأمن، لا بدّ أن يساندهم محامون/ يات مختصون/ ات بالمجال القانوني الإنساني يحمونهم وقت الضرورة ويعرّفوهم على القوانين.
من هنا، يسعى المحامي اللبناني فادي هاشم، بشكل متواصل، إلى توعية المجتمع حول حقوق أفراد الميم-عين من خلال عقد ندوات ومحاضرات ومنشورات، ويعمل جاهداً كي يكون في صفّ هؤلاء الأفراد حين يقعون في مأزق أيضاً.
* كيف تعرّف عن نفسك وما هو سبب اختيارك لمهنة المحاماة؟ ما الغاية التي تطمح إلى تحقيقها؟ وما العراقيل التي اصطدمت بها على أرض الواقع؟
أنا محامٍ مختص بمجال حقوق الإنسان، وأستاذ جامعي وطالب دكتوراه في قسم القانون الدولي وحقوق الإنسان، اخترت مهنة المحاماة لأني أحب الدفاع عن حقوق الناس وأن أستلم قضاياهم.
"تعرضت للكثير من الانتقادات بسبب دخولي هذا المجال، وذلك ليس لدفاعي عن مجتمع الميم-عين فقط، بل لدفاعي عن كل الفئات المهمشة"
من أبرز العراقيل التي نتعرض لها في هذه المهنة اليوم، في لبنان، هي كثرة الإضرابات القضائية بسبب الميزانية القليلة المخصصة للقضاء في لبنان، بالإضافة إلى عدم احترام مبدأ فصل السلطات، والتفكير المؤسساتي البيروقراطي، والنقص الواضح في عدد المحامين/ يات المهتمين/ ات باستلام قضايا حقوق الإنسان.
* سنوات من العمل في مجال المحاماة والدفاع عن حقوق مجتمع الميم-عين، كيف حاربتَ بعض آراء الناس المناهضة لك في ما يخص حقوق هؤلاء الأفراد والتوعية تجاه قضاياهم؟
تعرضت للكثير من الانتقادات بسبب دخولي هذا المجال، وذلك ليس لدفاعي عن مجتمع الميم-عين فقط، بل لدفاعي عن كل الفئات المهمشة، من لاجئين/ ات سوريين/ ات، أو نساء، أو أطفال، أو أقليات دينية، فمقابل كل مجتمع مستضعَف اليوم هناك مجتمع آخر مناهض له، لكن طريقة التعاطي مع هذا الموضوع تُواجَه في النهاية بالعودة إلى مبادئ وشرعة حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية.
دوري في التوعية بمجال حقوق الإنسان قديم ومستمر حتى اليوم، سواء عن طريق مقابلات تلفزيونية أو مكتوبة، أو مقالات صحافية أكتبها شخصياً لأنشرها في الصحف، أو من خلال تنظيم ندوات وجلسات توعية مختلفة أقوم بها بمناسبات عدة في مجال حقوق الإنسان.
* البعض يرى أن الشخص المدافع عن حقوق مجتمع الميم-عين يجب أن يكون فرداً منهم، ما رأيك بهذه النظرة النمطية؟
الجواب عن هذا السؤال بسيط، فأنا أدافع عن حقوق ذوي الإعاقة لكني لست منهم، أنا ناشط في الدفاع عن حقوق الطفل لكني لستُ طفلاً، أنا ناشط في الدفاع عن حقوق المرأة لكني لستُ امرأةً، وتالياً ليس من الضرورة أن تكون منتمياً إلى مجتمع الميم-عين كي تدافع عن حقوقهم/ نّ. يكفي أن تكون إنساناً، لكن بالطبع فإن الأشخاص الذين ينتمون إلى الفئات المهمشة ويدافعون/ ن عن فئتهم/ نّ قد يكون اندفاعهم/ نّ أكبر، ولا أرى مشكلةً في إعطائهم/ نّ الأفضلية كي يشاركوا/ ن في مناصرة المجتمع الذي ينتمون/ ين إليه كونهم/ نّ منخرطين/ ات فيه أكثر.
* اليوم نحن في صدد أزمة كبيرة على مستوى البلاد في لبنان نتيجة ما خلّفه العدوان الإسرائيلي، ما هي مهمة المحامين/ يات خصوصاً لناحية التوعية القانونية والفكرية في هذه الظروف؟
دور المحامين/ يات أساسي جداً في هذه الظروف، فمهمتهم/ نّ أكبر في ضرورة توعية الناس بحقوقهم/ نّ، فالأشخاص الذين تعرضت بيوتهم للتدمير قد لا يعرفون/ ن إلى أين يذهبون/ ن، ولا إلى من يلجؤون/ ن، الأهل الذين ينقلون أبناءهم من مدرسة إلى أخرى لا يعلمون ماذا يجب أن يفعلوا، الأشخاص الذين يتعرضون/ ن للضرب أو القمع أو التعنيف أو الطرد التعسفي من العمل نتيجة الظروف الاقتصادية الراهنة لا يعرفون/ ن فعلياً ماذا يتوجب عليهم/ نّ أن يتصرفوا/ ن قانونياً.
هناك نساء من الجنوب اللبناني مثلاً، في طور الطلاق وقد أخذَ أزواجهنّ منهنّ أبناءَهنّ لأن إجراءات الطلاق لم تنتهِ بعد بسبب تدمير المحاكم في الجنوب، ولا يعرفنَ ماذا يفعلن، لذا فإن الناس اليوم وفي مثل هذه الظروف أحوج ما تكون إلى مشورة القانونيين/ ات، ومن الضروري أن يكثف المختصون/ ات بالقانون دورهم/ نّ في مجال التوعية القانونية بشكل أكبر حالياً.
* ما هي الطرق التي يتوجب تفعيلها لحماية أفراد مجتمع الميم-عين النازحين/ ات الذين/ اللواتي لا يجدون/ ن مأوى يحميهم/ نّ؟
تقع المسؤولية الأكبر في هذا الشأن على عاتق الجمعيات التي أُنشئت خصيصاً لحماية أفراد مجتمع الميم-عين، فهذا هو الوقت والتحدي الأكبر لهذه الجمعيات كي تثبت وجودها، وتبرهن على نجاحها على الأرض، سواء بالتشبيك بين بعضها البعض، أو بإنشاء مراكز خاصة بأفراد هذا المجتمع، وتفعيل خطوط ساخنة للتواصل معهم، وتأمين محامين/ يات للمساعدة القانونية، وتأمين حاجيات غذائية وطبية للنازحين/ ات منهم/ نّ.
"التحركات ما زالت قائمةً، وفي الحقيقة كان هناك حقوقيون/ ات يعملون/ ن لتغيير المادة 534 من القانون اللبناني، التي تجرّم العلاقات "الخارجة عن الطبيعة"، وذلك بالتعاون مع الجمعيات المعنية، لكن تم تقديم مشروع القانون في توقيت غير مناسب ما أدى إلى إفشال هذه المبادرة"
* هل واجهتَ بعض القضايا الصعبة التي تتعلق بمجتمع الميم-عين خلال الأزمة الحالية في لبنان أو حتى سابقاً؟ وكيف تم إيجاد حلول ملائمة لها؟
كانت لديّ حالة هي حالة فرد من أفراد مجتمع الميم-عين تعرَّض للعنف الأسري نتيجة اكتشاف ميوله الجنسية، وكان خائفاً من أن يبلّغ عن تعرضه للعنف لأن الشرطة قد تقوم بتوقيفه وإساءة معاملته، فذهبتُ معه إلى المخفر وذلك تكريساً لضرورة وجود المحامي مع المعنَّف/ ة في مثل هذه الحالات، لأن ذلك يمنحه حمايةً وتمثيلاً قانونياً أفضل بكثير مما لو كان قد بلَّغ بمفرده.
* ما هو واقع الحريات اليوم في لبنان مقارنةً بالدول العربية الأخرى؟
لسنا في أفضل حال، لكن ما زلنا أفضل من غيرنا مقارنةً بباقي الدول العربية، فتجريم المثلية مثلاً ما زال موجوداً في لبنان لكن هناك مساحةً "رماديةً" يمكن لنا التحرك من خلالها قانونياً، أما على صعيد الممارسات، فلسنا في وضع جيّد، لكن أظن أننا ما زلنا أفضل من غيرنا. الدولة اللبنانية اليوم تغضّ النظر لكن هناك عصابات تناهض المثلية وترهِب الناس ولا تقوم الدولة بإيقافها، فما الفائدة من هذا التغاضي؟
* هل هناك تحركات قانونية جدّية اليوم لتغيير القوانين في لبنان كي تتناسب مع حريات الأفراد، خاصةً الفئات المهمّشة ومجتمع الميم-عين؟
التحركات ما زالت قائمةً، وفي الحقيقة كان هناك حقوقيون/ ات يعملون/ ن لتغيير المادة 534 من القانون اللبناني، التي تجرّم العلاقات "الخارجة عن الطبيعة"، وذلك بالتعاون مع الجمعيات المعنية، لكن تم تقديم مشروع القانون في توقيت غير مناسب ما أدى إلى إفشال هذه المبادرة.
* كيف يمكن نزع فتيل الخوف من قلوب أفراد مجتمع الميم-عين على الصعيدين الاجتماعي والقانوني؟
ما زال هناك الكثير من المبادرات القانونية والجمعيات المساندة لأفراد الميم-عين التي يمكن اللجوء إليها وقت الضرورة، وهي تقوم بتفعيل خطوط ساخنة خاصة بهم، ويمكن طمأنة الأفراد قليلاً بوجود مثل هذه المبادرات.
* قد يتعرض بعض أفراد الميم-عين للاعتقال والإساءة من قبل الشرطة، أو في السجن في أثناء التوقيف. في هذه الحالة، هل يمكن للمتضرر/ ة أن يشتكي لجهة ما؟ وكيف يستطيع أن يحصل على حقه؟
يجب على كل فرد من أفراد مجتمع الميم-عين أن يكون لديه رقم طوارئ يتصل به، سواء كان لجمعية أم لمحامٍ خاص يستعين به وقت الضرورة في مثل هذه الظروف، فالمحامي يستطيع أن يمثله قانونياً ويحميه في حال تعرّضه للإساءة بأن يقوم برفع شكوى بشكل رسمي قانوني للجهات المختصة للنظر في الأمر.
* بماذا تنصح القانونيين/ ات الذين يستعدون لخوض غمار العمل في المحاكم وتطبيق الدستور والقوانين؟
على كل من يريد العمل في مجال حقوق الإنسان أن يكون لديه الدافع والشغف والاندفاع، وإن لم تكن هذه العناصر موجودة فالأفضل عدم خوض هذا المجال، فقضايا حقوق الإنسان والدفاع عنها تتطلب تفرغاً ووقتاً وجهداً كونها حساسةً ومهمةً وتمس بكرامة الشخص، لذا يجب ألا تكون ذات أهمية ثانوية بالنسبة للمحامي الذي يعمل فيها.
* كيف من الممكن برأيك أن يفصل القانوني بين اضطراره إلى تطبيق القانون ورفضه لبعض القوانين المنافية لمبادئ حقوق الإنسان في الوقت ذاته؟
القانون نفسه وحتى في أثناء تطبيقه يمكن أن يمنح أدوات مناصرة للمحامين/ ات، يمكنهم/ نّ استخدامها لإحداث تغيير في المجتمع، مثل التقاضي الإستراتيجي، وهو يعني إقامة دعوى بهدف إحداث تغيير، فمن خلال هذه الخاصية الممنوحة للقانونيين/ ات حصلنا في العام 2016-2017 على حكم تمييز يعترف بأن المادة 534 التي ذكرناها سابقاً لا يجب أن تُطَبَّق على الأشخاص، وهو قرار محكمة عليا، لذا يمكن الانطلاق من هكذا قرارات في تقديم مشاريع قوانين تغييرية ونشر التوعية...إلخ.
* كلمة أخيرة لدعم مجتمع الميم-عين في لبنان والفئات المهمشة التي لا تجد من يدافع عنها ويساندها؟
أقول للفئات المهمشة سواء كانت مكونةً من أفراد مجتمع الميم-عين أم من اللاجئين/ ات السوريين/ ات أو كانت أقليات دينيةً، إن التغيير لا يأتي فجأةً أو بسرعة، فهو يحتاج إلى وقت، وطالما هناك توعية صحيحة وجيل جديد واعٍ ومؤمن بأهمية تطبيق المبادئ الأساسية لشرعة حقوق الإنسان ومنفتح على الآخرين، سيزيد الدعم للفئات المهمشة بالتدريج، وأنا أعوّل على الشباب الجديد الذي نعمل معه اليوم والذي يبدي تقبّلاً للآخر واستعداداً للدفاع عن كرامة الإنسان أينما كان ومهما كان.
"يجب على كل فرد من أفراد مجتمع الميم-عين أن يكون لديه رقم طوارئ يتصل به، سواء كان لجمعية أم لمحامٍ خاص يستعين به وقت الضرورة في مثل هذه الظروف، فالمحامي يستطيع أن يمثله قانونياً ويحميه في حال تعرّضه للإساءة"
إن حقوق مجتمع الميم-عين جزء لا يتجزأ من شرعة حقوق الإنسان، تلك المبادئ التي أُعلِن عنها في إعلان عالمي عام 1948، من قبل الأمم المتحدة وتبنّتها كل الدول، ولأنها كذلك يجب أن تكون مصونةً لا تستوجب التجريم أو الإدانة مثلها مثل أي حقوق أخرى تحفظ كرامة الإنسان، وفي ظل تراجع إيمان الناس الحالي بصدقية تطبيق القوانين الدولية الإنسانية، يتوجب على كل فرد أن يتمسك أكثر بهذه الحقوق والمبادئ وينادي بها عالياً، فصوت خلف صوت خلف صوت، لا بد أن يعلو الصياح ويخرق جدار الصمت، ويصل الإنسان في أي بقعة كان على هذا الكوكب إلى حقوقه المشروعة مهما كان انتماؤه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...