شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
حوار مع مروان قعبور... مؤلف

حوار مع مروان قعبور... مؤلف "المعجم العربي الكويري" ومؤسس منصة "تكوير"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

الجمعة 17 مايو 202408:50 ص


"تأريخ تاريخ الكوير"، هي المهمّة التي أخذها مروان قعبور على عاتقه، خالقاً أرشيفاً لفئة من الناس لطالما تعرضت للتهميش من قبل بعض المجتمعات.

بين بيوت شعر عصر الجاهلية، الإسلام، الأمويين والعباسيين، أفلام السينما والمسلسلات، والكتب والصحف، يغرق "أستاذ مروان" (كما يعرّف عن نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي)، في بحثه عن خيوط توثّق "أننا كنّا هنا"، بحسب ما يؤكد في حديثه إلى رصيف22: "إنها محاولة لخلق هوية تاريخيّة لمجتمع الميم-عين العربي، تسمح له بالتعرف على جذوره التاريخية، فتنقُض كلّ ما يروَّج له بأنّنا صناعة غربيّة وجزء من مؤامرة كونية وأداة تسويقيّة لأجندات دوليّة".

الفن يولّد فنّاً

وُلد مروان قعبور في بيروت في عام 1987، وعاش في كنف عائلة فنيّة متواضعة، فوالدته إيمان مكداش، فنانة تشكيلية، أمّا والده أحمد قعبور، موسيقي وفنان لبناني ومدرّس للّغة العربية: "وهو ما أثّر على نظرتي إلى العالم الذي أصبحت أراه بعين مختلفة وبفكر الناقد والمحلل"، وفق ما يقول.

ويتابع قعبور: "أمّا تربية أهلي، فأسست فيّ حبّ التعبير عن الذات بطريقة خلّاقة، فورثت عشق الموسيقى والتمثيل واللغة العربية من أبي، والتعبير البصري والرسم والفن من أمي. كما أنّ أهلي كانوا يحبون سرد القصص، وهو ما زرع في شخصيتي حبّ سرد القصص وكتابتها. ومنذ عمر الـ8 سنوات وحتى الـ19 عاماً، وأنا أؤدي أدواراً تمثيليةً على التلفزيون، كما أهوى الرقص وكنت أسعى إلى خلق مشاريع للتسلية".

"إنها محاولة لخلق هوية تاريخيّة لمجتمع الميم-عين العربي، تسمح له بالتعرف على جذوره التاريخية، فتنقُض كلّ ما يروَّج له بأنّنا صناعة غربيّة وجزء من مؤامرة كونية وأداة تسويقيّة لأجندات دوليّة"

على عكس معظم الأهالي التقليديين، تنبّه أهل مروان إلى كونه مميّزاً عن غيره من أولاد جيله، ولديه حسّ فني فأعطوه مساحةً آمنةً للتعبير عن نفسه دون انتقاده أو قمعه.

وتعليقاً على هذه النقطة، يقول قعبور: "غالباً ما يضرب الأهل المحافظون ابنهم الذكر إذا ما رقص أو لعب بالدمى أو غنّى، أمّا أنا فكنت محظوظاً بأهلي الذين سمحوا لي بالتعبير عن نفسي بالطريقة التي أجدها مناسبةً، ما أعطاني فرصةً لاكتشاف نفسي أكثر والتعرّف على ذاتي وتكوين قناعاتي الخاصة وأصبح صاحب رأي".

الانتقال إلى لندن

في عمر الـ18، كان مروان قعبور أمام خيارين؛ إمّا التخصص في المسرح والسينما أو التصميم الغرافيكي: "نصحني والدي بأن أتخصص في مجال التصميم الغرافيكي، لكون الفن لن يؤمّن لي المال الكافي لأعيش عيشةً كريمةً، بناءً على تجربته. فاقتنعت برأيه خصوصاً أنني كنت قد كوّنت خبرةً في عالم التمثيل، حيث مثلت في حملات دعائيّة، ومسلسلات تلفزيونية، فيما أردت أن أطوّر جزءاً آخر من شخصيتي الفنيّة، وساعدتني جامعتي والدكاترة في قسم الهندسة والتصميم في الجامعة الأمريكية في بيروت، في تبنّي فكر وتقنيات متطوّرة في مسيرتي المهنيّة، حيث شجعونا على عدم حصر عملنا في التصاميم التجارية، وشجعونا على استثمار تصاميمنا في حملات تخدم القضايا الاجتماعية كالتوعية حول القضايا الحقوقية، أو تسخير مهاراتنا لخدمة المجتمع أو لقضايا سياسية أو حملات إنسانية".

شكلت رحلة بحث مروان قعبور عن هويته العربية الكويرية محطّةً رئيسيّةً غيّرت مجرى حياته ومسيرته المهنيّة، فجعلته "مرجعاً تاريخياً لقصص الكوير" في العالم العربي، عبر منصّة "Takweer"، التي أسسها في العام 2019، وهي المنصّة الأولى من نوعها التي تبحث في تاريخ الكوير في العالم العربي

ويضيف: "وعليه، تبنّيت هذا الفكر في مسيرتي المهنية، فكانت أوّل تجربة مهنيّة لي في إستوديو Mind the Gap، في لبنان، وبعد عام قررت التعمق في دراستي، فسافرت إلى لندن، في الـ2011، لإكمال الماجستير، فيLondon College of Communication، لأعمل بعدها لمدة 7 سنوات في إستوديو Barnbrook، وهو واحد من أشهر وكالات التصميم الغرافيكي في بريطانيا، لصاحبه جوناثان بارنبروكJonathan Barnbrook، الذي اشتهر في التسعينيات، وتميّز عمله بأنّه مزيج بين السياسة والاجتماع والتجارة والثقافة، وهو ما كمّل اهتماماتي بمجال التصميم الغرافيكي، وأمّن لي فرص العمل مع أشخاص ومؤسسات كنت أحلم بالعمل معهم".

ويتابع: "آخر مشروع لي كان تصميم كتاب لريهانا، وبعدها بدأت رحلتي بالتواصل مع جزء ثانٍ في شخصيتي، وهو هويتي العربية الكويرية، والتي لم أتمكن من التواصل معها، حيث أنّ عملي كان مرتبطاً بالثقافة الغربية وبعيداً عن هويتي العربية".

رحلة البحث عن الهوية الكويرية العربية: "تكوير"

شكلت رحلة بحث مروان قعبور عن هويته العربية الكويرية محطّةً رئيسيّةً غيّرت مجرى حياته ومسيرته المهنيّة، فجعلته "مرجعاً تاريخياً لقصص الكوير" في العالم العربي، عبر منصّة "Takweer"، التي أسسها في العام 2019، وهي المنصّة الأولى من نوعها التي تبحث في تاريخ الكوير في العالم العربي.

وعن هذه المبادرة، يقول مروان: "أتت هذه الفكرة في أثناء محاولتي خلق أرشيف يعود لأشخاص مثلي يشبهونني، وتالياً تعالج هذه المنصة الوجود التاريخي للكوير في التاريخ العربي والثقافة الشعبية العربية، فقمت بأبحاث في التاريخ، الموسيقى، الشعر، والسياسة، والسينما ... لأؤرّخ أي ظهور لشخص كوير أو سردية كويرية في تاريخنا وثقافتنا الشعبية، عبر التلفاز أو في الموسيقى أو في الشعر الجاهلي أو عند الخلافة الإسلامية أو أيّ مكان أو حقبة أخرى، وهكذا لاقت المنصّة نجاحاً واسعاً، حيث حصدت خلال 4 سنوات 22 ألف متابع/ ة".

وعن سبب تسمية المنصّة بـ"Takweer"، يجيب قعبور: "كان هدفي أن أطلق تسميةً على المنصّة يمكن أن يفهمها الأجنبي كما العربي، فعبارة 'تكوير' تعني أن تجعل الشيء 'كوير'، أمّا في العربية فتعني أن تُكَوِّرَ الشيء، أيّ أن تجعله على شكل كرة، وهكذا خلقت مصطلحاً لمجتمع الميم-عين، ويعني أن ننظر إلى العالم وتاريخه من منظار كويري".

ويشرح مروان أن مصطلح "كوير" كان يُستخدم في الإنجليزية لوصف شيء خارج عن المألوف، ليتحوّل في فترة الستينيات والسبعينيات إلى كلمة تُستخدم ضد المثليين/ ات، ولكن منذ الـ2000 وحتى اليوم، أصبحت هناك إعادة برمجة لهذه الكلمة لتصبح دالّةً على مجتمع الميم-عين ويتبناها قسم كبير من مجتمع الميم-عين ككلمة عامة وشاملة تصفهم دون تحديد هوية هذا الشخص، وخلق هذه المصطلحات مهم جداً للمجموعات المهمّشة، فهي تسمح لها بوصف تجاربها الخاصة".

الفئات التي تستهدفها المنصّة

إن منصّة Takweerموجهة لثلاث فئات من المجتمع، وفق ما يشرح مروان قعبور: "الفئة الأولى الأساسيّة، هي مجتمع الميم-عين لنقول إننا موجودون منذ بداية التاريخ وفي كلّ حقبة تاريخية كان لنا وجود، ولو أنّه لم يكن سهلاً أو سلساً وخالياً من التحديات، ولكننا كنّا وسنبقى موجودين، وهذه هي الإثباتات، وليس من الضروري أن ننظر إلى الغرب على أنه المنقذ الذي يفهمنا، لا بل بالعكس يمكننا العودة إلى أرشيفنا العربي والتعرف على تاريخ مجتمع الميم-عين".

أمّا الفئة الثانية التي تستهدفها المنصّة، فهي الجمهور الغربي، بحسب مروان: "هذا الجمهور قد يصف العرب بأنّهم هوموفوبيك، وعنصريين، ويكرهون النساء والكوير، وإرهابيين، ونقول لهم أنتم على خطأ. وهذه ليست سوى أفكار عنصرية استخدمتموها كسلاح ضدنا نحن المجتمع العربي، فأنا ككوير عربي ومسلم، أقف مع حقوق المرأة وحقوق الكوير والفلسطينيين وحرية الشعوب في تقرير مصيرها وحقوق الأفراد".

ويضيف مروان: "الفئة الثالثة التي تستهدفها منصتي، هي المجتمع العربي المحافظ، الذي يتهمنا بأنّ هويتنا ككوير هي بدعة غربية، ويزعم أن لا علاقة لها بعاداتنا وتقاليدنا، وأنا أجيبهم بالأدلة والبراهين بأننا موجودون في هذه المنطقة ومنذ آلاف السنين".

معجم الكوير العربي

Takweer لم تكن فقط منصّةً لتسليط الضوء على تاريخ وجود الكوير، بل أصبحت أيضاً وسيلة تواصل سمحت لمروان قعبور بالتعرف على عدد كبير من الكوير العرب، وفتحت أمامه مشروعاً جديداً هو "المعجم العربي الكويري".

يشرح مروان: "فكرة المعجم العربي الكويري جاءت بعد أن تواصل معي عدد من الكوير العرب عبر منصّة تكوير، ولم أكن في البداية أفهم جميع المصطلحات التي كانوا يستخدمونها، ما دفعني للسؤال والبحث عن أصل هذه المصطلحات، وهكذا قررت تأليف معجم للعبارات التي تُستخدم لوصف مجتمع الميم-عين أو الكوير، يسمح لي ولغيري بفهم هذه البيئة أكثر والتعامل معها بشكل أوعى".

ويرى قعبور أنّ "في مصطلحات الكوير، لا يمكن الفصل بين كلمات تحمل معنى إيجابياً، أو ازدرائياً، حيث أنّ معنى الكلمة يتغيّر وفق استخدامها وسياقها والجهة التي تقولها، وفهم معنى الكلمات في المعجم، له الأهمية ذاتها عند الشخص الكوير والشخص الآخر".

أمّا حُبّه للّغة العربية، فاكتسبه مروان من والده الذي كان يدرّس اللغة العربية ويشرح له معنى الكلمات وأصولها، وهو ما جعله يحب البحث عن جذور الكلمات وفهم علاقتها بثقافته وطبّق هذا المبدأ على الكلمات التي تُستخدم في العامية لوصف الكوير: "إن كلمة طبجي لا أصول لبنانية لها لا في اللغة الفصحى ولا العامية، وفي أثناء بحثي تبيّن لي أنّ هذه الكلمة أصلها تركي، وهي شبيهة بعبارة نسونجي وكندرجي ودكنجي، حيث أنّ حرف "الجيم" و"الياء" في آخر الكلمة، يستخدمهما الأتراك للدلالة على الشخص الذي يعمل في شيء ما أو يتخصص فيه أو يهواه وتالياً كندرجي تعني من يعمل في الكنادر، ونسونجي من يهوى النساء، وأخيراً طبجي تعني المثلي، وهي كلمة نابية، وعندما نفهمها نحن نفهم بُعداً ثقافياً واجتماعياً ودينياً وسياسياً في فترة المملكة العثمانية".

"فكرة المعجم العربي الكويري جاءت بعد أن تواصل معي عدد من الكوير العرب عبر منصّة تكوير، ولم أكن في البداية أفهم جميع المصطلحات التي كانوا يستخدمونها، ما دفعني للسؤال والبحث عن أصل هذه المصطلحات، وهكذا قررت تأليف معجم للعبارات التي تُستخدم لوصف مجتمع الميم-عين أو الكوير، يسمح لي ولغيري بفهم هذه البيئة أكثر والتعامل معها بشكل أوعى"

واللافت أن معجم اللغة العربية للكوير، والذي كان مشروعاً شخصياً يعمل عليه مروان في وقت فراغه، أصبح اليوم كتاباً يقدّم كمية معلومات هائلة حول مجتمع الكوير، سيُنشر الشهر المقبل، بعد أن تعاقد مروان مع دار Saqi Books، والتي تأسست في لندن في أوائل الثمانينيات وأبدت اهتمامها بالكتاب، وسيوزَّع في المرحلة الأولى في أوروبا، ومن ثمّ أمريكا، ليصل إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص ويتمّ التفكير بطريقة مبتكرة لتوزيع الكتاب في العالم العربي بطريقة يتوافق فيها والثقافة المجتمعية: "لا نريد تغيير عادات وتقاليد وأخلاق أحد، بل كلّ ما نسعى إليه هو سرد تاريخ ووقائع وسرد قصتي كشاب عربي لبناني كويري، والتي قد تشبه قصة أي شاب عربي كويري آخر. وكل ما نطالب به، هو أن تكون قيمتنا الإنسانية محترمةً، وهذا المشروع هو مشروع عربي، عن اللغة العربية بالدرجة الأولى، قبل أن يكون "كوير" ولست أنا من اخترع هذه الكلمات في المجتمع".

ويوجه مروان رسالةً لأفراد المجتمعات العربية المحافظة يقول فيها: "كلّ ما نريده هو أن تحاولوا رؤية هذا العالم من منظار آخر وليس من منظار واحد ضيّق".

إلى جانب هويته العربية الكويريّة، يُعدّ مروان قعبور مدافعاً شرساً عن القضية الفلسطينية: "إنها موضوع انساني بحت، فبغض النظر عن جنسك، أو لون بشرتك، أو عرقك، أو تاريخك وثقافتك وميولك الجنسية، تبقى القضية الفلسطينية قضيةً مصيريةً وتبقى نظرتنا إلى العدو الإسرائيلي على أنه مستوطن، وما أواجهه ككوير من مشكلات مع المجتمع العربي المحافظ لا علاقة له بموقفي من القضية ونظرتي إلى العدو الإسرائيلي. والأخير عندما خسر معركة الرأي العام، لجأ إلى طرق أخرى لتغيير نظرة المجتمع إليه، فبدأ يتهم كل من يقف مع القضية بأنه معادٍ للسامية وأن العرب يكرهون النساء ويغتصبونهنّ ويقتلون الأطفال، واستخدموا مجتمع الكوير كأداة لنشر صورة سيئة عن العرب، وتصوير العربي على أنّه متوحّش وهمجي، وهو ما أرفضه وأحاربه، وأنا كشخص عانى من التهميش أفهم معاناة الشعب الفلسطيني ولا يمكنني إلا التضامن معه. أمّا مشكلاتنا كعرب فعلينا أن نحلّها بين بعضنا البعض".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

الأفراد في مجتمعاتنا مختلفون/ ات، ومتنوعون/ ات، وكي نبني مجتمعات كريمةً وعادلةً، لا يسعنا سوى تقبّل هذا الاختلاف والبناء عليه، واحترام قيمة الإنسان في الدرجة الأولى. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فهي جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image