شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
لماذا لا يجب أن ينتظر

لماذا لا يجب أن ينتظر "عربٌ" الكثير من ترامب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الأربعاء 6 نوفمبر 202405:59 م
Read in English:

Why Arabs shouldn't expect much from Trump

قد يكون من المفهوم أن يفرح زعماء دول عربية محددة، ولو قليلاً، بعودة من يعتقدونه حليفهم، أي الرئيس الأمريكي المنتخب لولاية ثانية دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض. فهذه العودة، تُعيد إلى ذاكرتهم مسارات كان قد بدأها، ويعدّونها لمصلحتهم، بعد معاناة انطلقت مع الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، واستمرت مدة ولاية كاملة أخرى مشابهة لولايته، مع جو بايدن، الذي حكم إلى حد ما في ظل أوباما، الذي لم يترك له مجالاً ليحكم من خارج ما رسمه في عهديه منذ عام 2008، وحتى عام 2016.

في الاعتقاد (يتخطى مجرد الاعتقاد فعلياً) العربي، والخليجي على وجه التحديد، سياسة أوباما-بايدن كانت مُقلقةً على أكثر من صعيد، لا سيما بنوع "الابتزاز" الذي كانت تقوم به، وبالتحديد في قضايا هذه الدول المحلية، بالإضافة إلى عدّها إيران لاعباً أساسياً في المنطقة يُمكنه بحسب وجهة النظر الأمريكية، أن يخلق نوعاً من الفوضى البنّاءة التي تُبقي المنطقة على حالها؛ صراعات متنقلة بين دولها، وفي داخل تلك الدول. وأوباما أساساً يُفضّل، وقد قالها بوضوح، التعامل مع "الشيعة" على حساب "السنّة".

في عهد ترامب الأوّل، وهو الذي يُردد أن ما يتحكم في خياراته هي المصالح الاقتصادية المباشرة، نجحت دول الخليج العربي في نسج علاقة جيّدة معه، فهو على سبيل المثال، فتح قنوات تواصل عريضةً مع المملكة العربية السعودية، وأقام اتفاقات تُعدّ الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة، حين أنجز اتفاق تعاون مع الرياض وصل إلى 380 مليار دولار أمريكي، خلال زيارته في أيار/ مايو من العام 2017.

لم يُجرَّب ترامب في الصراعات، ولا في واقع متحوّل في منطقة تقف على شفير هاوية. ما ينتظره اليوم مغاير لما يعتقده كثيرون. نحن فحسب، في بلدان الأزمات، يريد أن يرى كل منّا الأمور مناسبىً لما يريده، وعلى طريقته. والغالبية تريد نهايةً سريعةً ودمويةً، من دون أن يرفّ لهم جفن

في المقابل، كان واضحاً أن ترامب لا يُريد التفاهم مع إيران كما يفعل مع غيرها من الدول، وحساباته هنا تتراوح بين المصلحة المالية مع دول الخليج العربي، ودعمه اللامحدود لإسرائيل. وما كان منه بعد سنة من توقيع اتفاقاته في الرياض، إلا أن يُلغي العمل بالاتفاق النووي مع إيران، ويعيد فرض العقوبات عليها. هذا بحد ذاته كان رسالة طمأنة لدول الخليج العربي، بأن الولايات المتحدة ستعود لدعمها بكُل ما أوتيت، وأن سياسات الإدارة السابقة تجاه طهران قد انتهت، ليستمرّ عهد جديد قائم على فهم متبادل. فالدول الخليجية فهمت أن ترامب يريد المال مقابل تحقيق مصالحها، وكان له ولها ما أرادوا.

بين ذلك كله، لا يسقط من الحسابات "الإنجاز الأهم" كما يصفه ترامب، وهو اتفاقات أبراهام، التي رعاها بين إسرائيل من جهة، والإمارات والبحرين من جهة أخرى، وهي اتفاقات تطبيع العلاقات بين تلك الدول، استُتبعت بفتح باب لتعاون اقتصادي عريض بينها، خاصةً بين الإمارات وإسرائيل، ومهّدت الطريق لاحقاً لدخول أطراف أخرى على الخط، بشكل أقلّ وضوحاً، مثل المغرب والسودان، فيما كانت السعودية على الطريق نحو توقيع اتفاق مشابه لولا "طوفان الأقصى"، وحرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل على غزّة ولا تزال، والتي توسعت لتشمل لبنان أيضاً.

في الذاكرة الخليجية، على الصعيد الشعبي أكثر بكثير من الرسمي، يعتقد كثيرون من العرب، أن ترامب هو الرئيس الذي سيقف مع دولهم كما فعل في السابق، وكُثر منهم يرددون أنه الرجل الذي يعرف كيف ينهي الصراعات، علماً بأن ترامب في عهده الأوّل لم يحصل أن استطاع إنهاء أيّ من الصراعات، خاصةً تلك المتشعبة في المنطقة العربية، من اليمن وصولاً إلى فلسطين.

هذا الفرح بعودته، خاصةً من قبل جمهور عربي، مبنيّ في الأساس على أنه "يكره إيران"، لا على أنه الرئيس الذي يُبرم الصفقات كما يقولون. فحتى لو كانت لديه القدرة على إبرام صفقات في صالح "العرب"، في أمكنة محددة أو متفرقة في المنطقة، إلا أن واقع المنطقة والدول العربية اليوم يختلف تماماً عمّا كان عليه بين عامي 2016 و2020، أي في ولاية ترامب السابقة.

في الواقع، قد لا يكون ما انطبق على فترة حكمه الأولى قابلاً للإعادة الآن. دول الخليج اليوم في مكان آخر تماماً. هي تنظر حالياً إلى الولايات المتحدة من ضمن سياسة صارت أوسع مما كانت عليه الحال في السابق. الأمر الوحيد الذي يراه الخليجيون واعداً أو مفرحاً في نجاح ترامب، هو التخلّص من عهد الديمقراطيين الذين يعدّونهم أسوأ ما مرّ عليهم في تاريخ العلاقات مع الولايات المتحدة، وتحديداً منذ وصول أوباما، ولا يُسقطون من حساباتهم أنهم أيضاً في عهد ترامب كانوا في واقع هشّ، ولم يجدوا من الرئيس الأمريكي ما كانوا يتوقعونه، خاصةً في الصراعات التي كانت قائمةً في اليمن، والتهديدات والهجمات التي نفّذها الحوثيون ضد أهداف في دول الخليج.

أدركت دول الخليج على نحو خاص، أن الاتّكاء على التحالف مع الولايات المتحدة لم يعد مُمكناً كما في السابق، وأن سلاح النفط الذي كان فاعلاً في سبعينيات القرن الماضي، لا قوّة له اليوم كما في الماضي. لذا تحركت لنسج سياسات تعتمد على الاستفادة من النفط داخلياً لتطوير واقعها الاقتصادي، والاستفادة من موقعها الجغرافي ومواردها الكبيرة لتكون من الدول المقررة في السياسات العالمية، وهو ما يظهر في الكثير من السياسات الجديدة.

مثلاً، بلغ حجم التبادل السعودي-الصيني في 2024 أكثر من مئة مليار دولار، وهو في ارتفاع مستمر وبشكل كبير سنوياً. والتعاون بين الدولتين أيضاً يأخذ منحى تصاعدياً في مجالات كثيرة وحيوية. في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، أعلن البنكان المركزيان لكلا البلدين عن توقيع اتفاق تعاون بقيمة 50 مليار يوان صيني، أي 7 مليارات دولار. قد لا يكون هذا الرقم كبيراً نسبةً إلى تبادلات واتفاقيات أخرى، لكن تكمن أهميّته في أنه فتح الباب أمام الصين لاختبار استخدام عملتها في التجارة العالمية بعيداً عن الدولار، الذي يهيمن على التجارة العالمية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فقد بدأت السعودية بالتعاون العسكري مع الصين، ووقّعت صفقات شراء سلاح منها بما يقارب 8% من مجموع صفقاتها العسكرية. أما التحوّل الأهم، فكان إشراف الصين على الدفع نحو اتفاق "مصالحة" سعودي-إيراني من خلال استضافتها مباحثات مباشرةً بين الجانبين استمرت لسنتين قبل أن تُتوَّج ببيان ثُلاثي يُنهي قطيعةً بدأت في عام 2016، وعلاقات متوترةً سبقت تلك القطيعة بسنوات، تبعها الكثير من المتغيرات كان آخرها المناورة العسكرية المشتركة التي أجرتها كُل من السعودية وإيران قبل أسابيع.

الواقع الجديد، يُحتّم النظر إلى ولاية ترامب الثانية بشكل مغاير لكُل ما كان سابقاً. العقل العربي، والخليجي تحديداً، تغيّر، وكذلك ترامب الذي صالح العالم وخصوم بلاده اللدودين والتاريخيين.

كذلك الوضع بالنسبة للإمارات، التي وثّقت علاقاتها التجارية في السنوات الأخيرة مع الصين بشكل كبير، إذ ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 56 مليار دولار عام 2018، إلى ما يقارب 96 مليار دولار في عام 2023، وهو مُستمرّ في الارتفاع مع توقيع عقود تعاون في مجالات الطاقة والطاقات البديلة وبناء السفن والتسويق والتجارة وغيرها الكثير من القطاعات.

هذا الواقع الجديد، يُحتّم النظر إلى ولاية ترامب الثانية بشكل مغاير لكُل ما كان سابقاً. العقل العربي، والخليجي تحديداً، تغيّر، وترامب الذي صالح العالم وخصوم بلاده اللدودين والتاريخيين، وتحديداً روسيا التي تربطه برئيسها فلاديمير بوتين علاقات جيدةً، واجه بكُل ما أوتي من قوّة الصين. بالنسبة له، قوّة الصين الاقتصادية هي ما يجب وضع حدّ لها، ومع توسعها في السنوات الأخيرة في المنطقة، فإن السياسات السابقة له قد تكون بحاجة إلى تغيير، وقراءة لواقع جديد في المنطقة مُختلف تماماً عمّا كان عليه الحال في السابق، خاصةً أن بلاداً عربيةً كثيرةً مشمولة بمبادرة "الحزام والطريق"، التي حاول بايدن الالتفاف عليها من خلال مبادرة الممر الاقتصادي الهندي-الأوروبي العابر من الشرق الأوسط، والتي ينظر إليها كثيرون على أنها مبادرة هلامية، حتى الآن.

هذا وأكثر، يسقط من نظر الكثيرين في عالمنا العربي، الذي ينتظر دائماً من يلوّح له بخشبة الخلاص، والخلاص المنشود هذا لم يأتِ إلى الآن، ولن يأتي يوماً على هذا الشكل وتحديداً من ترامب.

هذه التحوّلات كلها، يُضاف إليها واقع متغيّر في شرق المتوسط؛ فالعدوان الإسرائيلي المستمرّ على غزّة ولبنان يفتح الباب أمام احتمالات كبيرة في المرحلة المقبلة، لكنّ النظرة إلى ترامب على أنه سيُنهي هذا الصراع بشكل سريع، على خلفية أنه معادٍ لإيران ويريد ضرب برنامجها النووي، كما يحلم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تبقى نظرةً قاصرةً، لا تراعي تاريخ الرجل الذي لا يهمّه سوى مصلحة بلاده، ولن يخوض الحروب من أجل أحد، حتى لو كانت إسرائيل التي يعدّ نفسه "أفضل صديق لها".

النظرة إلى ترامب على أنه سيُنهي هذا الصراع بشكل سريع، على خلفية أنه معادٍ لإيران ويريد ضرب برنامجها النووي، كما يحلم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تبقى نظرةً قاصرةً، لا تراعي تاريخ الرجل الذي لا يهمّه سوى مصلحة بلاده، ولن يخوض الحروب من أجل أحد، حتى لو كانت إسرائيل

في إسرائيل اليوم أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخها، ومشروعها التوسعي الدموي لن يتوقف طالما هناك من يموّله، ومن يدعمه، مع عدّ قادتها المتطرّفين أن ما يقومون به هو استعادة ما هو "حق لهم" كما يرددون. وهناك من يعتقد أن ترامب سيُعجّل في التسوية، التي يرونها فقط تسويةً على حساب النفوذ الإيراني، أي أن ترامب، لديه القدرة على الحسم، وهذا الحسم في رأيهم قد يكون من خلال ضرب إيران، وتحديداً النووي لديها.

لم يُجرَّب ترامب في الصراعات، ولا في واقع متحوّل في منطقة تقف على شفير هاوية. ما ينتظره مغاير لما يعتقده كثيرون. نحن فحسب، في بلدان الأزمات، يريد أن يرى كل منّا الأمور مناسبىً لما يريده، وعلى طريقته. والغالبية تريد نهايةً سريعةً ودمويةً، من دون أن يرفّ لهم جفن.

في ظلّ ما سبق، وحده انتظار مرور هذين الشهرين إلى أن يصل ترامب، سيكون مخيفاً، خاصةً أن ما ينشده نتنياهو ليس السلام. فالرجل يتهيأ لأن يُكمل ما بدأه ويوسّعه ويجرّ معه العالم إلى الملعب الذي يريده. أما ترامب، الذي يحب "الديكتاتوريات" و"الدكتاتوريين"، فينتظره الكثير، ومؤكد أن ما ينتظره ليس مجرد نزهة لرجل "أعمال" في ملعب غولف.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image