شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
كيف يواجه مجتمع الميم-عين التمييز والتحديات في طرابلس اللبنانية؟

كيف يواجه مجتمع الميم-عين التمييز والتحديات في طرابلس اللبنانية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

الاثنين 11 نوفمبر 202409:25 ص

في شمال لبنان، عاصمة الثقافة والحضارة، وفق المنظمة "العربية للتربية والثقافة والعلوم"، المدينة التي لطالما لعبت دوراً مركزياً في الحياة العلمية والفكرية والتطور، المدينة التي نجحت  في التحرر من الخوف من التطوّر، إلا أنها لم تتطوّر لمرحلة قبول أبنائها من دون أحكام على اختلاف ميولهم الجنسية إذ يعتبر غالبية أبناء طرابلس أن دعم أفراد مجتمع الميم-عين هو مشروع خطير على "ثوابتهم" الفكرية والدينية والاجتماعية.

لكن عمر (25 عاماً/ نادل في قهوة شعبية) وجنى (28 عاماً/ مهندسة معمارية مع شركة في الخارج)، وهما اسمان مستعاران بناءً على طلبهما، صديقان وشريكان في السكن من الشمال اللبناني قرّرا مواجهة أهلهما والمجتمع بعدما صرّحا بميولهما الجنسية علناً. 

"يخنقني الألم ويسيطر الخوف على كلّ جزءٍ من جسدي، هذه كانت حالتي لحظة إعلاني عن حقيقتي وكينونتي لمن وهباني الحياة، أمي وأبي"، يتوقّف عمر عن الحديث، يبلع ريقه قبل أن يضيف: "أنا مثلي الجنس".

يضع يده على صدره، كمن يحاول التقاط أنفاسه، يتذكّر طفولته وعائلته: "عشت طفولة صعبة جداً، كان والدي مدمناً على الكحول وعنيفاً. كان يعود إلى المنزل بعد منتصف الليل، يوقظني من النوم ليُفرّغ جام غضبه عليّ. يبدأ بالصراخ والتأنيب ثمّ يضرب جسدي الطري ويعنّفني".

تغمر عيناه الدموع ويسلّم قائلاً: "لم تتقبّلني عائلتي، حتّى أمي رفضتني. دائماً كانت تُقارنني بأقاربي فتُشعرني بالدونيّة. لم تتقبل والدتي يوماً طريقة عيشنا، لطالما شَعُرت أنّها أقل مستوى من أقاربها لأنّها تزوّجت أبي عندما كانا في التاسعة عشر من عمرهما ولم يُكملا دراستهما. لطالما عرفت أنّني مختلف، فضّلت دوماً اللعب بمستحضرات أمي التجميلية وارتداء فساتينها وكعوبها، بدلاً من اللعب بالكرة، كباقي الأولاد في شوارع طرابلس".

"الإنسان بطبيعته يخشى الآخر عندما يختلف عنه في العادات والتقاليد والأفكار التي لا تشبهه، لذلك يلجأ إلى التمييز الاجتماعي، لترويض خشيته، وذلك بسبب سوء فهم الاختلافات"... رحلة البحث عن السكن والعمل وأبسط الحقوق لمجتمع الميم-عين في طرابلس اللبنانية 

ويُضيف عمر بصوت متقطّع: "لم أكن أستطيع التعبير عن ذاتي الحقيقية في منزل عائلتي، منزلي".

بدورها تقول جنى وهي فتاة مثلية الجنسية أيضاً: "اكتشفت أنني أنجذب للفتيات حين مارست الجنس للمرة الأولى في حياتي مع صديقتي المقرّبة بعدما سألتني هل أريد تجربة شيء جديد".

"في عيون الجميع كنّا صديقتين وحسب، لكنّنا كنّا نعيش قصّة حب، حتّى رأتني أمي في 10 تموز/ يوليو 2020 وأنا أقبّلها. أمي مُدرّسة من عائلة محافظة، وأبي توفي عام 2004 عندما كنت في الثامنة من العمر. على الرغم من ثقتي في رفض أمي لميولي، قرّرت مواجهتها لأخبرها من أنا، حقيقتي. طردتني أمّي من المنزل"، تردف جنى.

رحلة البحث عن سكن

في العشرين من حزيران/ يونيو 2018، طُرد عمر من منزله ولم يعد إليه ثانيةً. في ذلك اليوم، قرّر إخبار والديْه عن ميوله، على الرغم من أنه كان متأكداً أنهما لن يتقبّلاه. تردّد كثيراً قبل مصارحتهما، "لأني كنت شاباً في التاسعة عشرة من عمري، ليس لدي أحد سواهما"، يلفت.

تركته عائلته بلا مأوى. خرج من المنزل بلا مال ولا طعام. لجأ إلى صديقه الوحيد واستقبله وعاش معه لفترة طويلة لكنه كان يشعر بالإحراج إذ كان صديقه يسكن مع أهله.

أما جنى، فبعدما طردتها والدتها من المنزل، كانت تنام عند أصدقائها على الأريكة، لأنها لم تكن تملك دخلاً ثابتاً يخولها استئجار شقة. كانت موظفة في مكتب هندسي بسيط في طرابلس إذ كانت متخرجة حديثاً من الجامعة. "بعد فترة، عندما أصبح بإمكاني تحمل تكاليف الإيجار، لم يقبل أي مالك التعامل معي، فهويتي الجنسية انتشرت بين أفراد مدينتي والمحيط بعدما أخبرت صديقتي المقربة أهلها عن ميولي… وثقت بها وأعلمتها بأمري لكن خذلتني"، تشرح.

العمل صعب المنال

أما عن رحلة بحثهما عن عمل، فوصفاها بـ"الجحيم" إذ تقدّم عمر، بعد فترة، إلى وظيفة نادل في قهوة شعبية، تكتّم عن قصّته وميوله خوفاً من الرفض، ومن راتبه الأول استأجر غرفة صغيرة سكنها بلا كهرباء، "بقيت 4 سنوات في الوظيفة عينها، وادخرت الأموال وتعلّمت المحاسبة لحين تخرّجي بدرجة جيد جداً"، يقول. 

"بعد تخرّجي، وجدت وظيفة جيدة في مجال المحاسبة، وتأقلمت بسرعة مع الموظفين كافة، حتّى أنني وثقت بأحدهم فأخبرته عن ميولي، لكن للأسف لم يمضِ وقت طويل حتى سرّب الأمر لزملائي، وبدأوا بمضايقتي"، يقول عمر. 

قضى عمر ثمانية أشهر في الوظيفة نفسها لكنه لم يستطع تحمل مضايقات زملائه اللفظية واستعمالهم أسلوب السخرية منه باستمرار، ما جعل الأفكار الانتحارية تتملّكه، فآثر مغادرة الوظيفة حتى قبل أن يؤمّن بديلاً.

"لم تتقبّلني عائلتي، حتّى أمي رفضتني. دائماً كانت تُقارنني بأقاربي فتُشعرني بالدونيّة… لطالما عرفت أنّني مختلف، فضّلت دوماً اللعب بمستحضرات أمي التجميلية وارتداء فساتينها وكعوبها، بدلاً من اللعب بالكرة، كباقي الأولاد في شوارع طرابلس"... عمر، شاب لبناني مثلي الجنس

تقدم عمر بعدها لوظائف عدة وتم رفضه لأسباب مختلفة لا تتعلق فقط بميوله مثل قلة خبرته، ومنذ نحو السنة تقدّم لوظيفة مستشار مالي في بنك يفضّل عدم ذكر اسمه. بعد إجراء المقابلة الأولى عبر الإنترنت، أُعجبوا به وطلبوا مقابلته، "لكن للأسف عند ذهابي للمقابلة، وجدت أن الشخص الذي يجريها معي أحد زملائي من الشركة السابقة، فأعلمهم بأمري، رفضوا توظيفي بلا تردد"، يقولها بضحكةٍ ساخرة ويضيف ""لم أجد مكاناً آمناً أو موطناً حقيقياً لأسمّيه منزلي، فاضطررت إلى العودة إلى وظيفة النادل في تلك القهوة الشعبية".

في العمل، واجهت جنى التحيّز والتمييز أيضاً. فكلما التحقت بوظيفة علم زملاؤها ميولها - إذ لم تستطع ترك منطقتها والسيطرة على تسريب معلوماتها الشخصية، ما دفعها إلى التصريح مباشرةً عن ميولها، وزادت مع ذلك الانتقادات والمضايقات عبر الإقصاء والتهميش. "مع مرور الوقت، بدأ الأمر يشعرني بالتعب والضيق، لم يكن لدي ملجأ، حتى تعرّفت على نادل في قهوة شعبية، عمر، فتقرّبنا واكتشفت أن قصّته مشابهة لقصتي، فسكنّا معاً"، توضح.

"نخشى الاختلاف"، عبارة تعتبرها العاملة الاجتماعية في جمعية "Embrace" ماري جوزيه نوفل، السبب الرئيسي وراء التمييز الاجتماعي ضدّ مجتمع الميم-عين في لبنان.

دور مؤثر للإعلام… سلباً وإيجاباً

وهي توضح أن "المجتمع اللبناني يعتبر هذه الفئة مختلفة عن سائر الأفراد المعتادين بالنسبة لهم"، لافتةً إلى أن "الإنسان بطبيعته يخشى الآخر عندما يختلف عنه في العادات والتقاليد والأفكار التي لا تشبهه، لذلك يلجأ إلى التمييز الاجتماعي، لترويض خشيته، وذلك بسبب سوء فهم الاختلافات".

وتضيف نوفل: "هذا الخوف يمكن أن يكون ناتجاً عن طريقة نشأة الشخص ومحيطه وثقافته، كما أن له علاقة بالمذاهب والمعتقدات الدينية، فكل فكرة لا تتطابق مع المعتقدات الدينية والتقاليد والقيم يعتبرها خاطئة".

وتتابع: "للإعلام سلطة، ويمكن أن يؤثر إيجابياً أو سلبياً على مجتمع الميم-عين"، ولكنه "حدّد مسلكه"، إذ تسلّط نوفل الضوء على دور الإعلام في ما يخصّ هذا المجتمع، قائلةً إنه "يستخدم سلطته بطريقة سلبية من خلال عرضه صوراً خاطئةً عن هذا المجتمع عبر منصات إعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، عندما ينقل صورة تمثلهم بطريقة استفزازية وهي صورة خاطئة عنهم"، كما تشير إلى أن "هذه الصور تهدف دائماً إلى إبراز عاداتهم وطقوسهم الجنسية بطريقة مستفزة ولا تمثل مجتمع الميم-عين، زارعاً أفكاراً سلبية في عقول ورأي الآخرين ويغذي الصورة النمطية عن مجتمع الميم-عين".

وتردف نوفل: "الإعلام يغذّي التمييز الاجتماعي عبر برامجه التي دائماً تهدف إلى استضافة رجال دين سبق أن حددوا موقفهم تجاه أفراد مجتمع الميم-عين، أو علماء نفس واخصائيين يفسرون بطريقة خاطئة عنهم ويقولون إنهم غير طبيعيين ومرضى، بذلك يدلون بمواقفهم بشكل يخلو من الموضوعية"، موضحةً أن "هناك تعتيماً عادةً وإذا تطرقت إليه يكون التعامل سلبياً في كل ما يخصّ هذا المجتمع".

وتقول المحامية غيدة فرنجية من المفكرة القانونية: "على الرغم من أن الدستور اللبناني والمواثيق الدولية تكرّس مبدأي المساواة وعدم التمييز، لا يوجد في لبنان قانون يجرّم التمييز أو يُعاقب عليه بشكل عام (على أساس الدين أو العرق أو الجنس) أو على أساس الميل الجنسي أو الهوية الجندرية بشكل عام".

وتوضح: "تعاقب المادة 534 من قانون العقوبات المجامعة على خلاف الطبيعة. على الرغم من أن هذه العبارة مبهمة، هناك تيار في القضاء يستخدمها من أجل معاقبة العلاقات الجنسية بين الرجال. بالمقابل، صدرت عدّة أحكام قضائية رفضت تطبيق هذه المادة على الميول الجنسية المثلية وعلى العلاقات المثلية لاعتبارها ممارسة لحق طبيعي، كما تُشكّل هذه المادة المبهمة سيفاً مسلّطاً على المثليين وذوي الميول الجنسية المختلفة كونها تفتح المجال لابتزازهم وتهديدهم، كما لملاحقتهم وتوقيفهم، علماً أنّه تم توثيق عدد من حالات تعذيب لمثليين خلال التحقيق معهم واحتجازهم. وهي تالياً تؤثر على استقرار المثليين وقدرتهم على الوصول إلى سوق العمل والخدمات الأساسية".

ينص الدستور اللبناني على مبدأ احترام الحريات الشخصية وأهمية قبول الاختلاف، لكن بشرط أساسي ألا يتعدى هذا التحرر الحدود ويصل إلى حد المساس بحرية الآخرين، تبدو هذه العبارة تلخيصاً لمجمل نقاشات المجتمع اللبناني حول قضية المثلية الجنسية

منذ العام 1943، حظرت المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني أي "اتصال جنسي بما يخالف نظام الطبيعة".

وتشير المحامية فرنجية، إلى أنه "لا يوجد حالياً في مجلس النوّاب اقتراحات قوانين تتناول مسألة التمييز بشكل عام أو على أساس الميل الجنسي والهوية الجندرية بشكل خاص، فتقدّم عدد من النوّاب باقتراح لإلغاء المادة 534، فيما تقدّم غيرهم باقتراح لتجريم "الترويج" للمثلية. ولا تزال جميع هذه الاقتراحات عالقة في مجلس النوّاب".

وفي ما يخص تخفيف التمييز ضد مجتمع الميم-عين، توضح نوفل: "من الممكن تخفيض نسبة التمييز في المجتمع ضد أفراد الميم-عين من خلال العمل على حملات توعية وهنا تلعب الوسائل الاعلامية دوراً كبيراً من خلال استغلال سلطتها بطريقة ايجابية إثر استضافتها خبراء وأخصائيين نفسيين وعاملين اجتماعيين يستندون على حقائق ودراسات تُفسّر عن الأسباب العلمية وراء هذه الميول"، لافتةً إلى "دور المدارس من خلال التربية الجنسية وإدخال مجتمع الميم-عين فيها".

أما من الناحية القانونية، فتقول: "يمكن أن تحذف القوانين التي تتوجه لهذه الفئة بطريقة عنصرية كي لا يكونوا مضطهدين قانونياً، كما تقع المسؤولية على رجال الدين الذين يجب أن يتحلّوا بالوعي"، مشددةً على أن "الثقافة هي الأساس وليس فقط حذف القوانين، لهذا يجب نشر الوعي العلمي والدراسي للأطفال لتنمّي معهم هذه الثقافة بأن المثلية  ليست مرضاً بل هي أمرٌ طبيعي وعلمي".

ينص الدستور اللبناني على مبدأ احترام الحريات الشخصية وأهمية قبول الاختلاف، لكن بشرط أساسي ألا يتعدى هذا التحرر الحدود ويصل إلى حد المساس بحرية الآخرين، تبدو هذه العبارة تلخيصاً لمجمل نقاشات المجتمع اللبناني حول قضية المثلية الجنسية، فحينما يطالب المثليون بحقوقهم الطبيعية، يواجههم المجتمع بشرائحه المتمسكة بخصوصيته والقيم الأخلاقية والدينية وآدابه وصورة العائلة، فمعاناة أبناء مجتمع الميم-عين في لبنان، تجسد واقعاً قاسياً يتطلب التغيير الشامل، لأن تحدياتهم لا تقتصر على التمييز الاجتماعي أو العنف الأسري فحسب، بل تمتد لتشمل غياب الأطر القانونية التي تحمي حقوقهم وتعزز تقبلهم في مجتمعهم.

*أُنجز هذا التقرير ضمن تدريب على خلق المحتوى خاضته مجموعة من الشابات والشبان خلال منتدى "شباب مش عَ الهامش" الذي نظّمه رصيف22.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image