إنه "شهر الفخر" الذي يتم الاحتفال به في معظم أنحاء العالم، كحركة سلمية للتحرير وتأكيد الذات، وهي حركة تعترف بالتوجهات الجنسية المختلفة والهويات الجنسية والجندرية التي تشكّل الإنسانية.
في حين يحتفل المثليون والمثليات ومزدوجو الميل الجنسي وثنائيو الجنس وعابرو/ ات الجندر أو النوع/ الدور الاجتماعي وأفراد مجتمع الميم-عين، في جميع أنحاء العالم، بالتقدم التاريخي -والمستقبل- لمجتمع الميم-عين، لا يزال العديد من هؤلاء الأفراد في المنطقة العربية (بكل تنوّعها الإثني والديني)، يواجهون/ ن على نطاق واسع تمييزاً وإقصاءً مؤسسيَّين وهيكليين واجتماعيين وعائليين على أساس الجنسانية والهوية الجندرية والجنسية.
الإطار القانوني... ميسِّر للانتهاكات
تظهر هذه الممارسات الإقصائية بشكل خاص في لبنان. فمنذ العام 1943، حظرت المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني أي "اتصال جنسي بما يخالف نظام الطبيعة"، وهو تعريف غامض استخدمته السلطات لتجريم أفراد مجتمع الميم-عين (ويعدّه البعض من بقايا الاستعمار الفرنسي).
تسعى مواد أخرى من قانون العقوبات اللبناني، مثل المواد 521، 531، 532، و533، صراحةً وضمنياً، إلى السيطرة على العلاقات المثلية، وعلى الأفراد غير المتقيّدين بالتنظيمات الجنسانية، من خلال السيطرة على الأخلاق والآداب العامة.
بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد قانون لبناني أو إطار قانوني آخر يذكر أفراد مجتمع الميم-عين أو يوفر أي نوع من الحماية من التمييز القائم على النوع/ الدور الاجتماعي، وما يزيد من تعقيد هذا الوضع القانوني الهش لأفراد مجتمع الميم-عين في لبنان، هي صعوبة وصولهم/ نّ بسهولة إلى الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية ذات الجودة، مما يفتح الباب أمام أشكال مختلفة من التهميش والتمييز من قبل بعض مقدّمي الرعاية الصحية.
ما الذي يجعل عوائق الحقوق الجنسية أكثر خصوصيةً لمجتمع الميم-عين؟
يواجه مجتمع الميم-عين في لبنان، خطراً أكبر في مواجهة الحواجز التي تحول دون الرعاية الصحية العادلة، ويفتقر هؤلاء إلى الدعم المجتمعي بمستوى أقرانهم نفسه، ويتعرضون للوصمة الاجتماعية والتحيز.
أظهر استطلاع أجرته منظمة أوكسفام، في العام 2021، أن العديد من الأشخاص من مجتمع الميم-عين في لبنان يواجهون صعوبات في الوصول إلى الخدمات الصحية العامة والصحة الجنسية والإنجابية، ويرجع ذلك جزئياً إلى الأزمة الاقتصادية المستمرة في لبنان والقيود المفروضة خلال كوفيد19 وتداعيات انفجار مرفأ بيروت.
وفقاً للتقرير، كشف 46% من أفراد مجتمع الميم-عين في لبنان، أنهم/ نّ واجهوا/ ن "صعوبات كبيرةً" في الوصول إلى الرعاية الصحية العامة مقارنةً بـ29% كانوا يقولون ذلك قبل الأزمات، وأبلغ 44% منهم أنهم يواجهون "صعوبات كبيرةً" في الوصول إلى الخدمات الصحية الجنسية والإنجابية، مقارنةً بـ32% قبل الأزمة.
كما يفتقر مجتمع الميم-عين في لبنان إلى أعداد كافية من المتخصصين/ ات في الرعاية الصحية والمتمكنين/ ات في مجال الصحة ومرافق الرعاية الصحية التي توفر بيئات رعاية صحية آمنة لهؤلاء الأشخاص.
وفي ظل تزايد الأزمة الصحية النفسية المقلقة، كشف نحو 75% ممن شملهم استطلاع أوكسفام، أن صحتهم النفسية "تأثرت بشكل سلبي" بالأزمات التي يواجهها لبنان، وقال الـ25% الآخرون إنهم "تأثروا بشكل سلبي إلى حدّ ما".
وقد وجدت منظمة أوكسفام، أن الكويريين/ ات اللبنانيين/ ات، واجهوا/ ن تحديات كبيرةً في ما يتعلق بسلامتهم/نّ النفسية، وقال 44% من المشاركين/ ات في الاستطلاع إن خدمات الصحة النفسية "يصعب الوصول إليها" أو "لا يمكن الوصول إليها على الإطلاق".
يواجه أفراد مجتمع الميم-عين في لبنان أيضاً، مضايقات روتينيةً وانتهاكات لحقوق الإنسان، وهو اتجاه يبدو أنه يتزايد مع الوقت.
في العام 2021، على سبيل المثال، قامت منظمة "حلم" الحقوقية "Helem"، التي تتخذ من بيروت مقراً لها، بمعالجة أكثر من 4،000 حالة من الاحتياجات الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان والمخاطر والعنف تعرّض لها أفراد مجتمع الميم-عين في لبنان، بزيادة 667% مقارنةً بالعام 2019.
ويُعدّ اللاجئون/ ات الكويريون/ ات في لبنان أكثر عرضةً للعنف الجنسي وإلى زيادة انتشار أمراض الصحة العقلية مقارنةً بسائر المواطنين والمواطنات في لبنان.
وفي الوقت نفسه، ضربت الأزمة الاقتصادية في لبنان هذه الفئة بشكل خاص، فكان المواطنون/ ات اللبنانيون/ ات واللاجئون/ ات من مجتمع الميم-عين عاطلين/ ات عن العمل، بمعدل يقارب ضعف المعدل الوطني في جميع أنحاء لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت وفي أثناء جائحة كوفيد19.
ووفقاً لتقرير أوكسفام، بلغت معدلات البطالة داخل مجتمع الميم-عين نحو 79% في ذلك العام، ولم يكن لدى ثلثي المستجيبين أي دخل.
ويواجه أفراد مجتمع الميم-عين سلسلةً من ممارسات العمل التمييزية في سوق العمل، بما في ذلك التوظيف المتحيز، عدم وجود ضمانات عمل قانونية، عدم المساواة في الأجور، عقود العمل المسيئة أو غير الموجودة وظروف العمل غير الآمنة، مما يعيق قدرتهم/ نّ على تأمين احتياجاتهم/ نّ الأساسية والوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، وتالياً العيش بشكل صحي.
من هنا، تكافح العديد من منظمات المجتمع المدني اللبناني لتغيير الوضع القانوني والمجتمعي الصعب الذي يواجهه أفراد مجتمع الميم-عين في البلاد.
في هذا التقرير، أجرى رصيف22، مقابلات مع ثلاثٍ من هذه المنظمات لفهم الهوموفوبيا/ رهاب المثلية المؤسساتي بشكل أفضل والتحديات التي يواجهها أفراد مجتمع الميم-عين في الوصول إلى الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية. تهدف المقالة أيضاً إلى تسليط الضوء على بعض الموارد المتاحة لهم حالياً.
معالجة نقص الخدمات بشكل مباشر (ناديا بدران، SIDC)
في حديثها إلى رصيف22، أكدت ناديا بدران، المديرة التنفيذية لجمعية العناية الصحيّة للتنمية المجتمعية الشاملة (SIDC) في لبنان، وهي منظمة تأسست في العام 1991 ومقرها بيروت، توفّر خدمات الحدّ من الضرر والصحة العقلية والجنسية والإنجابية، أن معظم شباب مجتمع الميم-عين الذين تتعامل معهم جمعية العناية الصحيّة يعانون من مستويات عالية من التوتر والقلق، أو حتى الأفكار الانتحارية.
بصفتها مقدمة رعاية صحية متكاملة، توفر جمعية العناية الصحيّة مختلف خدمات الرعاية الصحية البدنية لمجتمع الميم-عين بأشكال مختلفة، بما في ذلك استشارات فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، علاج المخدرات، خدمات وعلاج الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، الفحوصات المختبرية، إعلام الشريك/ ة بإصابته/ ا بفيروس نقص المناعة البشرية، التطعيمات واللقاحات وتوزيع الأدوية (مثل PrEP للرجال المثليين).
كما تقدّم جمعية العناية الصحيّة أيضاً دعماً للصحة العقلية لمختلف الأفراد.
يواجه مجتمع الميم-عين في لبنان التمييز والتجريم بسبب هويتهم، ويواجهون العدوان الاجتماعي وعدم القبول في مجتمعاتهم، وهو وضع تفاقم ويزداد سوءاً بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد
وأشارت ناديا إلى أن هذا له علاقة بعدم قبول المجتمع لأفراد مجتمع الميم-عين، إذ غالباً ما يواجَه الشباب، أفراد مجتمع الميم-عين، بالتمييز والتجريم بسبب هويتهم، ويواجهون عدواناً اجتماعياً وعدم القبول في مجتمعاتهم، وهو وضع تفاقم ويزداد سوءاً بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد.
على سبيل المثال، غالباً ما يواجه الرجال المثليون والعابرون جنسياً الوصم من زملائهم وأفراد الأسرة والجهات الأمنية (الشرطة والأمن) ومقدّمي الرعاية الصحية، بسبب الصور النمطية المرتبطة بمظهرهم. العديد من البيئات "لا تقبل المظاهر المرتبطة بشكل شائع في المجتمع"، مما يؤدي إلى التنمر، وفي بعض الأحيان، إنهاء العمل.
زيادةً على ذلك، يواجه الرجال المثليون تشهيراً ووصماً شديدين بسبب الارتباط الإشكالي بينهم وبين فيروس نقص المناعة البشرية، مما يؤدي إلى احتمال القيام بفصل الأفراد المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية من العمل، بسبب عدم وجود حماية قانونية في مكان العمل.
وللمساعدة في مكافحة هذا، تحافظ جمعية العناية الصحيّة للتنمية المجتمعية الشاملة (SIDC)، على سرّية تامة لسجلات الرعاية الصحية المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية، وتتجنّب طلب أسماء المرضى.
بالإضافة إلى تقديم خدمات الرعاية الصحية البدنية والعقلية الثمينة لمجتمع الميم-عين، توثّق جمعية العناية الصحيّة للتنمية المجتمعية الشاملة (SIDC)، انتهاكات العمل والتحيّز الاجتماعي لإشراك وتثقيف الجمهور وأصحاب العمل.
في محاولة للحدّ من التحيّز العام المرتبط بالأشخاص ذوي الهويات الجنسانية المتعددة، يقوم مركز العناية الصحيّة بتدريب العديد من أفراد المجتمع اللبناني لتحسين كيفية تعاملهم مع مجتمع الميم-عين.
وفي هذا السياق، تقوم جمعية العناية الصحيّة بتدريب مقدمي الرعاية الصحية، لفهم الصحة المتعلقة بمجتمع الميم-عين بشكل أفضل والتفاعل الإيجابي معهم، وتشجع على القبول والتسامح مع الشخصيات الدينية والإعلاميين/ ات، وتعمل مع الشرطة لمساعدتهم/ نّ على تعلم كيفية التعامل مع الأشخاص الكويريين/ ات بشكل أفضل في مراكز الاحتجاز، كما تشارك جمعية العناية الصحيّة في حملات الاتصالات والمناصرة، وتتفاوض مع أصحاب العمل، وتحاول العمل مع المجتمعات اللبنانية لتحسين الوضع للأشخاص اللبنانيين/ ات من مجتمع الميم-عين.
SIDC وLebMASH وHelem، ثلاث منظمات غير حكومية تناضل من أجل تغيير الوضع القانوني والاجتماعي الصعب الذي يواجهه مجتمع الميم-عين في لبنان. معاً، يدعمون ويقودون ويخلقون البيئة المناسبة لنجاح حركة التحرر لمجتمع الميم-عين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
"مع التعليم، يمكن تغيير السلوك" (زافي لاكيسيان، LebMASH)
"نحن بحاجة إلى أن نكون أعلى صوتاً. نحتاج إلى التحدث عن القضايا التي يواجهها مجتمع الميم-عين [...] يجب أن يبدأ الناس بالاستماع. يجب أن تتغير الأمور"؛ هذا ما قالته زافي لاكيسيان، مديرة الجمعية الطبية اللبنانية للصحة الجنسية (LebMASH)، وهي مجموعة من الأطباء والمعلمين/ ات السريريين والمتخصصين/ ات في مجال الرعاية الصحية في لبنان الذين/ اللواتي يعملون/ ن على تحقيق المساواة والعدالة الصحية، وتحديداً لمجتمع الميم-عين.
تحتل الجمعية الطبية اللبنانية للصحة الجنسية (LebMASH)، مكانةً فريدةً في توفير بناء القدرات والتدريب وحملات التوعية لأخصائيي/ ات الرعاية الصحية، للتأكد من أنهم/ نّ يعرفون/ ن، كيفية توفير رعاية صحية شاملة ومؤكدة. غالباً ما تتعاون الجمعية الطبية مع منظمات أخرى، وتعمل في جميع أنحاء لبنان، بهدف سد الفجوة في عند جميع أنواع مقدّمي الرعاية الصحية من خلال تعليمهم/ نّ وتثقيفهم/ نّ حول تقديم الخدمات الضرورية لأفراد مجتمع الميم-عين، لأن هذه المعلومات لا يتم تدريسها أو إتاحتها لهم عادةً.
التدريب الذي تقدّمه الجمعية الطبية اللبنانية للصحة الجنسية (LebMASH)، يزيد الوعي لدى المتدربين/ ات بالمصطلحات الأساسية والمتعلقة بالرعاية الصحية لأفراد مجتمع الميم-عين، لتوفير فهم أساسي للمفاهيم المهمة، بما في ذلك جوانب الصحة البدنية والسريرية والعقلية للرعاية الشاملة.
تجعل الجمعية الطبية مقدّمي الخدمات على دراية بالاحتياجات المختلفة لمجتمع الميم-عين، وإن كانت محددةً، وتساعد الأطباء الذين يرغبون في العمل مع أفراد مجتمع الميم-عين على مساعدة المجتمع بشكل صحيح، وتدريب مقدمي الرعاية الصحية المهتمين بتدريب الآخرين على توفير الرعاية الصحية الشاملة.
كما أنشأت الجمعية الطبية "LebGUIDE"، وهو دليل للأطباء/ الطبيبات الذين/ اللواتي يعدّون/ يعددن أنفسهم/ نّ أصدقاء لمجتمع الميم-عين. تقوم الجمعية الطبية باختيار الأطباء بدقة من خلال استبيانات وإجراء مقابلات معهم/ نّ قبل إدراجهم/ نّ في "LebGUIDE". ومع ذلك، أوضحت زافي أن الجمعية الطبية اللبنانية للصحة الجنسية (LebMASH)، تركّز بشدة على ضمان أن مقدّمي الرعاية الصحية الذين يرغبون في تقديم رعاية شاملة يفعلون ذلك بشكل صحيح.
أكدت زافي على العديد من القضايا التي تعمل الجمعية الطبية على معالجتها في مواجهة التحديات التي يواجهها مجتمع الميم-عين في الرعاية الصحية. واحدة من أبرز المشكلات هي أنه لا يزال هناك العديد من المفاهيم المغلوطة الشائعة حول مجتمع الميم-عين، واحتياجاتهم/ نّ. على سبيل المثال، أشارت زافي إلى أن بعض مقدّمي خدمات الرعاية الصحية والصحة العقلية ما زالوا يعتقدون أن كون المرء مثلياً، مشكلة تتعلق بالصحة العقلية أو باضطراب عقلي ويدعمون علاج التحويل ويضفون الطابع الطبي على هذه الهويات.
وعدد كبير من مقدمي الرعاية الصحية ببساطة لا يدركون أن كون المرء مثلياً أو عابراً/ ةً جنسياً/ ةً لم يعد يُعدّ اضطراباً في الصحة العقلية، وهم يميلون إلى التدقيق في العلاقات المثلية والعلاقات غير الثنائية بشكل سلبي، بينما لا يعرفون سوى القليل أو لا يعرفون شيئاً عنها ويستخدمون أساليب ومناهج قديمةً للغاية لتشخيص أفراد مجتمع الميم-عين، مثل تقديم وصفة علاجية لمشكلات الصحة الجنسية والإنجابية، كما قالت زافي: "لقد قمنا بإضفاء الطابع الطبي على المجتمع بأكمله، ومع ذلك لم نقم بإعداد النظام الطبي لعلاجهم/ نّ بشكل جيد".
واحدة من القضايا الأخرى التي تركز عليها الجمعية الطبية اللبنانية للصحة الجنسية (LebMASH)، هي العلاقة بين الطبيب/ ة والمريض/ ة.
غالباً ما يعتمد الأطباء بشكل متناقض على المرضى من مجتمع الميم-عين، لإعطائهم المعلومات بسبب عدم وجود معرفة حول الرعاية الصحية التي تركز على مجتمع الميم-عين، مما يخلق بيئةً غير مريحة وغير مفيدة إذ يهدفون إلى "إصلاح" المريض.
على سبيل المثال، يطرح العديد من المتخصصين/ ات في الرعاية الصحية أسئلةً غير مفيدة، وغالباً ما تكون تمييزيةً بسبب نهجهم/ نّ المغاير جنسياً في تقديم الرعاية.
وأشارت زافي إلى أن العديد منهم/ نّ يسألون الرجال المثليين مثلاً عن وضعهم الجنسي المفضل ودورهم (على الرغم من أن السؤال وقح ولا يتعلق بالصحة الطبية)، ويسألون من هو "الرجل" ومن هي "المرأة" في العلاقة؟ ويفترضون أن الرجال المثليين يمارسون الجنس من دون وقاية، ويطرحون الصحة العقلية من دون داعٍ عندما يأتي المرضى بحاجة إلى رعاية صحية جسدية (مفترضين بشكل حاسم أن الهوية المثلية والكويرية هي مشكلة عقلية).
يمكن أن يؤدي عدم شمول مقدّمي الرعاية الصحية لمجتمع الميم-عين، في الكثير من الأحيان إلى تدهور الصحية المجتمعية. على سبيل المثال، تلقّت الجمعية الطبية تقارير عدة من منظمات المجتمع المدني وأفراد المجتمع حول زيادة في القضايا الصحية المتعلقة بالوصول غير الكافي إلى المعلومات حول الوقاية من العدوى بفيروس نقص المناعة البشرية والعلاج المبكر (PrEP وPEP).
قامت المنظمات غير الحكومية ووزارة الصحة العامة، وهما الموزعان الرئيسيان لـPrEP وPEP، بتوزيع الدواء على نطاق واسع من دون تقديم معلومات كافية عنه أو المتابعة والمراقبة اللازمتين، وقد أدى ذلك إلى زيادة مرتبطة بالرجال المثليين الذين تم تشخيصهم بمرض الزهري والكلاميديا عند تناول كلا الدواءين بشكل غير صحيح، على افتراض أنهما يحميان من جميع الأمراض المنقولة جنسياً.
ذكرت زافي أن منظمات أخرى سجلت أيضاً العديد من النساء المثليات في لبنان، اللواتي يعتقدن أنهن لا يمكنهن الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً إذا لم يمارسن الجنس مع الرجال، وهذا يؤكد كيف يمكن أن تؤثر افتراضات صحية عامة شائعة بين مقدّمي الرعاية الصحية وأفراد المجتمع على المجتمع، مما أدى إلى ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً بين النساء المثليات.
وشددت زافي على أن نقص الرعاية الصحية الشاملة والمتاحة بكثافة قد أدى إلى قيام بعض الأشخاص العابرين/ ات جنسياً بتشخيص الأدوية لأنفسهم/ نّ من دون تدخل طبي، خاصةً خلال الأزمة الاقتصادية ونقص الأدوية المرتبط بها، بحيث أصبحت أدوية معيّنة مثل العلاجات البديلة الهرمونية غير متوفرة في بعض الأحيان أو مكلفة للغاية، مما دفع بعض الأفراد العابرين/ ات جنسياً إلى استخدام أي دواء يمكنهم/ نّ العثور عليه بنفسهم وبأي شكل ممكن، ويمكن للأفراد الذين يرغبون في العبور بشكل أسرع بسبب التكلفة المرتفعة للرعاية الخاصة بالتأكيد الجندري إلى زيادة جرعات الأدوية أو تناول الأدوية استناداً إلى ما يرونه ويسمعونه من نظرائهم من دون مراقبة من قبل الطبيب/ ة، مما يؤدي إلى تناول جرعات عشوائية من الأدوية بأساليب مغلوطة.
لهذا السبب، تعمل الجمعية الطبية اللبنانية للصحة الجنسية (LebMASH) أيضاً، بجدّ، لتطبيع المفاهيم الطبية المتعلقة بمجتمع الميم-عين، للحدّ من التضليل والمعلومات المغلوطة والتمييز -والمضاعفات الصحية الناتجة عن ذلك- ضد المرضى. من المهم أن يدرك مقدّمو الرعاية الصحية أن تقديم الرعاية الصحية للأشخاص المثليين/ ات "ليس مسألة اختيار"، وأضافت زافي: "أنت أقسمت اليمين، فاحترم/ ي هذا القسم بعدم إلحاق الأذى".
عند سؤالها عن كيفية التعامل مع التحيّزات المختلفة التي يواجهها مجتمع الميم-عين في المجتمع اللبناني، أشارت زافي إلى أن الجمعية الطبية تشدد على أهمية استخدام المعرفة القائمة على الحقائق بدلاً من المعتقدات الثقافية والدينية للتعليم حول الرعاية الشاملة المناسبة.
تضمن الجمعية الطبية أن مقدّمي الرعاية الصحية بالتدريب يعرفون الإرشادات والتوجيهات المحدثة، ويصيرون أقل دفاعاً عن الآراء ووجهات النظر الشخصية، ويشعرون بالراحة في طرح الأسئلة الصحيحة، وحثّت زافي على التعليم قائلةً: "من خلال التعليم، يمكن تغيير السلوك"، ويمكن لمقدّمي الرعاية الصحية أن يتعلموا القيام بعمل أفضل.
وأخيراً، شددت زافي على أن النقص العام الحالي في المساءلة في لبنان، يسمح باستمرار التمييز في مجال الرعاية الصحية، كاشفةً أن هناك طرائق مهمة عدة لمعالجة هذا، بالإضافة إلى بناء قدرات المتخصصين/ ات في الرعاية الصحية، سنّ وإقرار قوانين عدم التمييز والإصرار على أن المؤسسات والمنظمات لديها سياسات عدم التسامح ضد التمييز، والتحدث ضد الظلم وعدم المساواة وزيادة المساءلة، تساعد في مكافحة هذا التمييز المنهجي في الرعاية الصحية.
بناء القدرات والمناصرة القانونية والسياسية لمكافحة التمييز المؤسسي (طارق زيدان، Helem)
بصفتها أول منظمة غير حكومية تركز على مجتمع الميم-عين في العالم الناطق باللغة العربية، تركز "حلم" على دعم وقيادة وخلق البيئة المناسبة لنجاح حركة التحرر لمجتمع الميم-عين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي لبنان على وجه الخصوص.
تأسست "حلم" في العام 2001، وهي قائمة على المجتمع المحلي وتقدّم العديد من خدمات المناصرة والخدمات التشريعية لمجتمع الميم-عين في لبنان، بما في ذلك العمل على إصلاح القوانين والسياسات في هذا الصدد، وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، والاستجابة للأزمات، ومناصرة الحقوق الرقمية ودعم الحلفاء وبناء الحركة، توفير مركز مجتمعي للتجمع، ودعم الأسرة والعمل على برامج للآباء.
تقوم "حلم" أيضاً بإعداد أبحاث حول مجتمع الميم-عين في لبنان. تركز أبحاثها على إلغاء العقوبات المفروضة على العلاقات الجنسية المثلية والهويات الجندرية غير المطابقة وغير المعيارية للنوع الاجتماعي، وخطاب الكراهية عبر الإنترنت والحصول على الرعاية الصحية والتعليم والإسكان والمساواة في السكن.
بهدف بناء القوة إلى جانب منظمات حقوق الإنسان الأخرى في لبنان، تستخدم "حلم" نهجاً متمحوراً حول "تعبئة المجتمع كرد أساسي على رهاب المثلية الجنسية ورهاب العابرين/ ات جنسياً المؤسسي في المنطقة".
وبناءً على ذلك، شدد المدير التنفيذي لمنظمة "حلم" (Helem)، طارق زيدان، على أن "حلم" لا تعمل لتكون المكان الوحيد الشامل لمجتمع الميم-عين في لبنان، بل مكاناً "يبني قدرة المنظمات الإنسانية على الارتقاء إلى مستوى تفويضها ومساعدة أفراد مجتمع الميم-عين في الحصول على الخدمات التي يستحقونها".
مثل زافي وناديا، تحدث طارق عن الصور النمطية المختلفة المتعلقة بمجتمع الميم-عين في لبنان، والتي يعقّد الكثير منها قدرة أفراد مجتمع الميم-عين على الوصول إلى الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها.
وكشف طارق أن إحدى الخرافات الرئيسية التي يواجهها مجتمع الميم-عين في لبنان حالياً، هي أن "المثلية الجنسية والانجذاب نحو نفس الجنس من الأمراض المعدية".
وحذّر طارق من أن "عدم وضوح الاتهامات أمر مهم. وكلما كانت الاتهامات أكثر غموضاً، كلما كانت أكثر قوةً".
تعمل "حلم" بشكل أساسي على مكافحة الممارسات المختلفة التي تشوّه أو تجرم حياة الأشخاص المثليين/ ات والكويريين/ ات في البلاد، وإلغائها.
بالإضافة إلى العمل على إلغاء التجريم، تهدف المنظمة أيضاً إلى مساعدة أفراد مجتمع الميم-عين في النقابات ومساعدتهم في الحصول على السكن، وإنهاء ممارسات العمل غير العادلة.
وتحيل "حلم" أفراد مجتمع الميم-عين إلى الخدمات الضرورية في جميع أنحاء البلاد، وتوفر معلومات حول الرعاية الصحية والحقوق، وتقدّم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والتواصل مع أفراد مجتمع الميم-عين إرشادات حول السلامة من استخدام المخدرات وتجنّب الابتزاز والتشهير وغيرها من المسائل القانونية المحتملة التي قد يواجهونها.
شدد طارق بقوة على عمل "حلم" للانضمام إلى تحالفات قائمة على القضايا، لتمهيد الطريق أمام مجتمع المثليين/ ات لمواجهة المؤسسات التي تدعم أنظمة رهاب المثلية الجنسية ورهاب العبور الجنسي.
تواجه العديد من المنظمات الإنسانية في لبنان جبلاً من البيروقراطية للحصول على تمويل لتقديم أي خدمات إنسانية؛ وإذا تمكّنت المنظمات من الحصول على تمويل كبير، قال طارق إنه في الكثير من الأحيان لا يذهب إلى أفراد مجتمع الميم-عين. وعليه، من المهم أن تعمل "حلم" جنباً إلى جنب مع منظمات أخرى تشاركها الرؤية لبناء تحالف أكثر قوةً، وذي رؤى مماثلة.
زيادةً على ذلك، ولتحسين الوضع الراهن، تتّبع "حلم" نهجاً متعدد الأوجه لتحسين حياة أفراد مجتمع الميم-عين في لبنان، وتعمل جنباً إلى جنب مع منظمة أوكسفام وغيرها من منظمات المجتمع المدني اللبنانية والأمم المتحدة، لتحقيق تحسينات في التعليم والرعاية الصحية والمؤسسات الاجتماعية للأشخاص المثليين/ ات.
على سبيل المثال، تعمل "حلم" على تطوير مشروع موارد بالتعاون مع جمعية العناية الصحيّة للتنمية المجتمعية الشاملة (SIDC) في لبنان، وذلك من خلال رسم خريطة المواقع الشاملة لخدمات تشمل مجتمع الميم-عين استناداً إلى المقابلات المجتمعية ومعرفتهم بالموارد المحلية.
مع مراعاة نهجها المبني على المجتمع، كان عمل المناصرة القانونية لمنظمة "حلم" ناجحاً أيضاً. في العام 2022، ساعدت "حلم" في وقف الحظر الذي فرضته وزارة الداخلية اللبنانية في حزيران/ يونيو 2022، على أي لقاء أو تجمع يهدف إلى الترويج لما أسماها وزير الداخلية "ظاهرة الشذوذ الجنسي".
من خلال رفع دعوى قضائية إلى جانب"المفكرة القانونية"، دفع طعن "حلم" المحكمة العليا اللبنانية إلى تعليق القرار في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وأوضح طارق أن هناك قدراً من الحدود بما يتعلق بفعالية تكتيكات التنظيم الناجحة في الغرب في لبنان، وأن "حلم" تعمل باستمرار على إعادة تقييم تكتيكاتها التنظيمية وإعادة تقييمها وتحسينها.
يمكن وصف نهج "حلم" بأنه نهج صريح وتصادمي للغاية في المناصرة، مما دفع المؤسسات الدينية والجهات الفاعلة المحلية غير الحكومية، مثل "جنود الرب"، وقوات الشرطة المحلية، إلى معارضة عملها بشكل عدواني.
ومع ذلك، فإن هذا التهميش والتمييز لم يؤديا إلا إلى تحفيز حركة "حلم" نحو تحقيق التحرر الكويري ونضالها لمواجهة السياسيين الذين يدعمون الأيديولوجيات المتحيزة.
ومع تزايد نجاح "حلم"، فإن هؤلاء الزعماء السياسيين والمجتمعيين، على حدّ تعبير طارق، "اكتشفوا للأسف المكاسب السياسية الهائلة المتمثلة في تنامي حالة من الذعر الأخلاقي حول الجندر أو النوع الاجتماعي والجنس".
لا تزال المعركة لإنهاء رهاب المثلية المؤسساتي ومساعدة أفراد مجتمع الميم-عين على تحقيق المساواة والوصول العادل إلى الرعاية الصحية الشاملة، مستمرةً كل يوم في لبنان. أين مسؤولية الدولة في الحفاظ على موارد مستدامة لجميع الأفراد من دون تمييز؟
لا تزال المعركة لإنهاء رهاب المثلية المؤسسي ومساعدة أفراد مجتمع الميم-عين على تحقيق المساواة والوصول العادل إلى الرعاية الصحية الشاملة مستمرةً كل يوم في لبنان.
ومع استمرار إهمال حق الوصول إلى الصحة الجنسية والإنجابية في بلد يعاني من أزمات اجتماعية واقتصادية عميقة، يدفع أفراد مجتمع الميم-عين وغيرهم من المهمشين/ ات الثمن الأعلى، بينما يحاولون الاعتماد على الموارد البديلة ومؤسسات المجتمع المدني.
لحسن الحظ، تعمل هذه المنظمات بجد لتوفير حلول قصيرة وطويلة الأمد اليوم لمساعدة المجتمعات المهمشة، ولكن أين مسؤولية الدولة في الحفاظ على موارد مستدامة لجميع الأفراد من دون تمييز؟
تواصَل رصيف22، مع العديد من منظمات حقوق الإنسان المعنية بأفراد مجتمع الميم-عين في لبنان، في أثناء كتابة هذا التقرير.
وقد وافقت ثلاث منظمات: Helem وLebMASH وSIDC فقط، على إجراء مقابلات مع أعضاء فريق رصيف22.
بالإضافة إلى هذه المنظمات، يقدّم "مشروع الألف"، و"المؤسسة العربية للحريات والمساواة"، و"هيفوس"، و"مرسى"، و"موزاييك"، و"Proud Lebanon"، و"سلامة"، خدمات المناصرة وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية وغيرها من الموارد المهمة لمجتمع الميم-عين في لبنان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...