هي فنانة لبنانيّة مقيمة في برلين منذ العام 2017. استطاعت من خلال موهبتها وشغفها أن تحجز لها مقعداً على مسرح الدراغ. تسعى من خلاله إلى تجاوز الحدود التقليديّة للجندر من خلال قوة شخصيتها وحضورها اللافت، كما تمتهن غيره من الفنون.
شكّل "قديرة"، وهو أوّل مهرجان دراغ كويري ناطق بالعربيّة في برلين، نقلةً نوعيةً ليس في مسيرة حسندرا المهنيّة فحسب لكونها شاركت فيه ونسقته، وإنّما على مستوى فن الدراغ نفسه، لجهة نشر الثقافة العربيّة في المجتمعات الغربيّة، والتي تشتهر بهذا النوع من العروض.
بابتسامتها المميزة وبحب كبير، تدخلنا حسندرا عالمها الخاص. نتنقل معاً بين صفحات حياتها، من الطفولة والظروف القاسية التي عاشتها، إلى سن المراهقة وأيام الدراسة الجامعيّة والتحديات التي واجهتها، وصولاً إلى برلين التي هاجرت إليها قبل ثماني سنوات لتبدأ مشوارها الفنيّ هناك، وترسم حياةً مختلفةً ومفعمةً بالأمل والطموح والكثير من الحب.
كغيمة سوداء فوق رأسي
في حديثها إلى رصيف22، تحكي حسندرا عن حسن الذي وُلد وترعرع في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، في بيت مكوّن من سبعة أفراد، وكان الابن الأصغر سنّاً وكان في طفولته مفعماً بالطاقة وحساساً للغاية: "لم تكن طفولتي سهلةً. فأنا كنت في عائلة متواضعة جداً مادياً، ولم تتمكن من دعم موهبتي. توفي أبي وأنا في الخامسة عشرة من عمري، وقبل وفاته كان شبه غائب عن تفاصيلنا اليومية".
وتتابع حسندرا: "لطالما شعرت بالنفي في المنزل والحي وفي مدرستي وجامعتي. تعرضت للتنمر والانتهاكات الشخصيّة، لأنني كنت أعبّر عن نفسي خارج الصندوق. تمرّدت منذ سنّ المراهقة، ولم أسمح لأحد بفرض رأيه عليّ في ما يتعلق بخياراتي الشخصية، مثل اختيار ملابسي وقصة شعري. عمري الآن ثلاثون سنةً، 22 سنةً منها مرّت كغيمة سوداء فوق رأسي".
وتستدرك: "لكن برغم ذلك، مارست شغفي بقدر ما سمحت الظروف. أذكر جيداً حين كنت أزيّن وجه أمي بألوان المكياج المختلفة وأنا في سن صغيرة. وفي سن المراهقة بدا واضحاً اهتمامي الكبير بالأزياء والموضة، وهكذا بدأت أصنع نفسي بنفسي".
"كنت أعبّر عن نفسي خارج الصندوق. تمرّدت منذ سنّ المراهقة، ولم أسمح لأحد بفرض رأيه عليّ في ما يتعلق بخياراتي الشخصية، مثل اختيار ملابسي وقصة شعري. عمري الآن ثلاثون سنةً، 22 سنةً منها مرّت كغيمة سوداء فوق رأسي"
بداية الحكاية
البداية الفعلية كانت على خشبة مسرح الجامعة، وفق ما تقول "حسندرا": "تخصّصت في المسرح وكنت أطمح إلى أداء الفنون الاستعراضية، وعلى مسرح الجامعة اللبنانيّة أدّيت أدواراً لشخصيات مختلفة، بعفوية وتلقائية تامّتين. بالغت مرات بوضع مساحيق التجميل لتجسيد الشخصيات النسائية وتعرضت للانتقاد من زملاء الدراسة".
وتضيف حسندرا متحدثةً عن اكتشاف موهبتها: "ربما هي مجموعة إشارات، لكنني لم أنتبه إليها إلّا حين هاجرت إلى برلين، وبدأت أكتشف مواهبي وقدراتي وذاتي أكثر، وهناك بدأت مسيرتي الفنية في ميادين المسرح المختلفة، التي سبقتها بعض التجارب ليس أكثر".
وعن قرار الانتقال إلى الخارج، تقول: "في العام 2017، انتقلت للعيش في برلين صدفةً، من دون أيّ تخطيط مسبق. عشت عاماً من الفراغ، فقدت الشغف في التمثيل لأسباب كثيرة منها عائق اللغة. ومع مرور الوقت، بدأت أتعلق بفنّ الدراغ وأشعر بأهمية ما أقوم به أكثر".
"ما يميز هذا النوع من الفن أنه حرّ، وهو بالنسبة لي ‘دراما ثيرابي’ أعيد من خلاله تمثيل أحداث مؤلمة حصلت معي سابقاً، بسبب الهوية الجنسيّة والجندريّة والظروف الصعبة التي عشتها في لبنان والمنحى الذي أخذته علاقتي بعائلتي ومن بعدها مشاعر الغربة والبحث عن المكان الذي أشعر فيه بوجود عائلة"
وتتحدث عن الخطوات الأولى في برلين: "قمت بشراء مساحيق التجميل زهيدة الثمن، وتعلمت وضع المايك آب وأصبحت اليوم أمتهن هذا العمل. كنت أحاول الابتعاد عن المسرح التقليديّ، إذ لطالما شعرت بالنقمة حيال الأدوار التقليدية التي كانت تُعطى لي في لبنان، وفي العام 2019، فزت في مسابقة ‘Miss Kotti’، ما شجعني على خوض تجارب ومشاريع أخرى. جمعت في أعمالي بين المسرح وفن الدراغ والرقص، ومن خلال امتهاني تنسيق الأغاني المسجلة ‘دي جي’، انتقلت إلى إقامة حفلات، ومنها أتت فكرة ‘قديرة’ التي ساهمت في شهرتي".
تُخبر حسندرا عن سبب اختيارها لفن الجرّ تحديداً، فتقول: "ما يميز هذا النوع من الفن أنه حرّ، وأكون فيه مخرجةً وممثلةً في آن، يتفاعل معي الجمهور مباشرةً، وهو بالنسبة لي ‘دراما ثيرابي’ أعيد من خلاله تمثيل أحداث مؤلمة حصلت معي سابقاً، بسبب الهوية الجنسيّة والجندريّة والظروف الصعبة التي عشتها في لبنان والمنحى الذي أخذته علاقتي بعائلتي ومن بعدها مشاعر الغربة والبحث عن المكان الذي أشعر فيه بوجود عائلة".
تسمية حسندرا
إن حسندرا واثقة ومحبّة، لديها كثير من الطاقة والحيوية، حساسة للغاية، تحب الألوان والموضة، لكنها اليوم باتت متصالحةً أكثر مع ذاتها ومع الآخرين، مرتاحةً مع نفسها، شفافةً أكثر، تشبه إلى حد بعيد شخصيات الأساطير القديمة: "أعتقد أن حسندرا أتت بعفويتها وبراءتها كعلاج لتخلّص حسن من ترسبات طفولته"، على حدّ قولها.
تتحدث حسندرا عن اسمها الفنيّ وسبب اختياره: "جاءت تسمية حسندرا، بعد محاولات تسميات سابقة عديدة، بدأتها بـcup cake، وكنت حينها أحاول تعريب اسمي الفنيّ كي أجد نفسي، حتى استقريت على اسمي الحالي، بعد أن اكتشفت أن الاسم الذي أريد ليس بعيداً عني، إذ إن حسن هو الأقرب إلى حسندرا".
وتتابع: "جاءت التسمية نتيجة تعلقي واهتمامي الكبير بالأساطير اليونانية القديمة. استوحيت اسمي من شخصية كسندرا اليونانية، علماً بأن الشخصيات اليونانية كانت الأحب إلى قلب حسندرا، في أثناء دراسة المسرح، لكن لم تسمح لها الفرصة بذلك لأسباب تتعلق بحصر أدوارها في صورة الذكر النمطيّة في المجتمعات العربيّة والتقليديّة بشكل عام. أما بالنسبة إلى مهرجان قديرة للدراغ/ الجر، الذي شكّل نقلةً نوعيةً وجرت فعالياته في برلين هذا العام، فقد شكّل مساحةً مميزةً ومختلفةً للمؤدّين/ ات لهذا الفن من الوطن العربيّ، وقدموا/ ن عروضاً للجمهور الكويري، وقد عرّفه القائمون عليه بأنه "رحلة نوستالجيا من موسيقى البوب العربية، من الثمانينيات والتسعينيات وبدايات الألفية الثالثة".
أعمال تفتخر بها
تكمل حسندرا الحديث عن الأعمال التي تفتخر بها: "شاركت في تأسيس جمعية Critical Queer Solidarity التي تجمع الناس في ورش العمل التي تقيمها والندوات من دول مختلفة مثل تونس وأرمينيا"، كما دخلت مؤخراً عالم البودكاست تحت اسم Baby I’m Home، وهو مستوحى من Honey I’m Home.
وتتابع: "هي فكرة مشتركة بيني وبين زميلتي في السكن مونيكا، ونحكي من خلاله عن أزمة السكن في الغربة وأهمية المنزل نفسه، ومعاناة الأشخاص في إيجاد بيت يلائمهم، وكيف أن زملاء السكن قد يصبحون بمثابة العائلة".
يتناول البودكاست مواضيع عدة، مثل الحب والمواعدة والتعارف والتأقلم مع ثقافات أخرى والطبقية والتفرقة التي يعيشها الشباب في لبنان، وتستقيها "حسندرا" من تجاربها الشخصية، وفق ما تشير: "جميع هذه الأفكار نابعة من تجارب شخصية، نحاول نشرها والتحدث عنها بطريقة كوميدية، بعيداً عن أيّ تعميمات بسبب حساسية الاختلاف التي يعيشها كل فرد منّا".
دعم مجتمع الميم-عين
تكشف حسندرا عن كيفية تقديم الدعم إلى مجتمع الميم-عين من خلال أعمالها الفنية: "نحاول من خلال قديرة دعم الفنانين العرب في برلين وخارجها، لعرض الفنون المختلفة والموسيقى، ولكن ليس أيّ فن، إنما الفن الذي يشبهنا ويعبّر عنا كعرب ولا يتطلب تغريبنا، وهذا ما كانت تفتقده مثل هذه المساحات هنا. وعليه، باتت لدينا مساحة واسعة تلتقي فيها هويتنا الكويرية بحضارتنا العربيّة لأننا لا نريد الهروب من أنفسنا وأن نرتدي قناعاً لا يشبهنا".
وتضيف: "أودّ خلق مساحات أكثر للجماعات الكويرية، تمثّلهم وتكون آمنةً، عبر الحفلات وورش العمل والندوات والتركيز على مجتمع الكوير العربي في برلين. ومن خلال البودكاست أعمل على طرح فكرة البيت، أهميته، أين نجده، ماذا يمثل بالنسبة لنا في الغربة، وما يحمل من ذكريات الطفولة؟".
أما عن الاختلاف الذي لاحظته بين لبنان وألمانيا لجهة الحريات الشخصية، خاصةً احترام الهويات الجنسية والجندرية، فتقول حسندرا: "لا شك أن الرقابة تجاه العرب باتت مشددةً أكثر. وأكثر ما يزعجني هو الحكم المسبق بأننا نستحق الشفقة بسبب التحديات التي نواجهها في بلادنا، لكن المؤكد أننا نعيش في برلين حريةً أكثر وتوجد قوانين تحمينا".
وتتحدث عن تفاعل الناس في أوروبا، لا سيّما العرب في أثناء العروض التي تؤديها: "إن تفاعل الناس معنا مباشرةً هو أجمل ما في فن الدراغ؛ تختلط مشاعر الناس، فتارةً يضحكون وأخرى يبكون، بحسب موضوع العرض نفسه ومدى تأثرهم به".
وتتابع: "أفضل لحظات لي على المسرح، حين فزت في المسابقة، ولحظة انتهاء مهرجان قديرة. هي مشاعر يصعب وصفها بالكلمات، كنت فخورةً بنفسي جداً وقويةً إلى حد كبير وشعرت بأن هناك أملاً في إحداث فارق في المجتمع سينقلنا الى مكان آخر، نريده ويشبهنا".
"أودّ خلق مساحات أكثر للجماعات الكويرية، تمثّلهم وتكون آمنةً، عبر الحفلات وورش العمل والندوات والتركيز على مجتمع الكوير العربي في برلين. ومن خلال البودكاست أعمل على طرح فكرة البيت، أهميته، أين نجده، ماذا يمثل بالنسبة لنا في الغربة، وما يحمل من ذكريات الطفولة؟"
أما عن التحضيرات التي تسبق الصعود إلى المسرح، فتقول: "أعمل على تفاصيل عروضي بنفسي، من تصميم العرض وتركيب الشخصية وتحضير النص والموسيقى والأغاني واختيار الملابس المناسبة والتبرّج والإشراف على كامل التفاصيل إلى أن تكون المرحلة الأخيرة على المسرح".
خلال أعوام قليلة ماضية، تمكّنت حسندرا من تحقيق نجاحات وتمكّنت من إلهام العديد من أفراد مجتمع الميم-عين، وعن الآمال والتطلعات، تجيب: "أطمح إلى الحرية وأن نكون مستقلين أكثر في كل مكان نتواجد فيه، سواء في برلين أو أوروبا أو الوطن العربي، وألا نقيَّد بحواجز وحدود، وألا تمارَس علينا أيّ رقابة".
وتتابع: "على المستوى المهنيّ، يعنيني كثيراً إعادة مهرجان قديرة، مرةً أخرى وعلى نطاق أوسع وأن أستمر في نجاحاتي الراهنة".
وتختم حسندرا حديثها برسالة إلى أفراد مجتمع الميم-عين الذين/ اللواتي يخشون مطاردة أحلامهم/ نّ بسبب المجتمع والتعليقات السلبية، قائلةً: "أول خطوة على طريق تحقيق الحلم تكون بتوفير الاستقلال المادي، هذا ما ساعدني في مواجهة كل العقبات ورسم طريق جديد في حياتي، بالإضافة إلى عدم التردد وطلب المساعدة حين نحتاج". وهنا تضيف ممازحةً: "كوني Miss Lebanon (ملكة جمال لبنان)، أحبّ أن أقول لكم: ثقوا بأنفسكم وكونوا أقوياء كما فعلت أنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين