هل تساءلنا يوماً لماذا لم نتحدث عن عُمان كما تستحق؟

برغم أنه بلد ذو تراث وتاريخ ثري وعظيم، إلا أننا في العالم العربي لا نعطي عمان الاهتمام الذي يستحق هذا البلد للكتابة عنه وتاريخه. لعُمان وضعها الثقافي المميز بين سائر دول الخليج، ليس اليوم فقط، ولكن منذ زمن طويل. هنا سوف نطوَّف على بعض من تاريخ وتراث عمان الثقافي والحضاري الذي يحوي ثراءً وتنوعاً كبيراً.

ثورة وأول لجوء سياسي عماني

للعمانيون ثقافتهم المتميزة وطابعهم الخاص منذ زمن طويل. ولعل ذلك هو ما دفع عمان في القرن الأول الهجري/السابع الميلادي، وبالتحديد في عهد الخليفة الأموي الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/646-705م)، لمحاولة الاستقلال عن الدولة الأموية في دمشق.

ولذلك قام سعيد وسليمان ابنا عباد بن عبد الجلندي بثورة ضد الدولة الأموية، إلا أنَّ هذه الثورة قوبلت بالقمع من قبل جيش الحجاج بن يوسف الثقفي، وذلك بسبب عدم تكافؤ قوة الثوَّار العمانيين مع بطش جيش الحجاج، واضطر سعيد وسليمان ابنا عباد بن عبد الجلندي في النهاية إلى الهرب باتجاه الساحل الإفريقي، وبالتحديد إلى أرخبيل "لامو" والذي يقع حالياً على الساحل الإفريقي في كينيا. وقد وصف الدكتور عبدالله الحارثي هذه الهجرة بأول لجوء سياسي عماني يسجله التاريخ.

عمان تشعل شرارة العربية والإسلام في أفريقيا

بهجرة سعيد وسليمان ابنَي عباد بن عبد الجلندي إلى الساحل الإفريقي فُتح الطريق إلى هجرات عُمانية متوالية إلى هذا الساحل، وبسبب هذه الموجات وجَدَ التُجَّار العمانيون أسواقاً لهم في منطقة الساحل الإفريقي.

تميز العمانيون منذ زمن بعيد في مجال الملاحة البحرية وذلك بحكم موقع عمان الجغرافي على الطرق التجارية البحرية الشرقية ودورها كهمزة وصل بين شبة الجزيرة العربية من جهة وبين الهند وإفريقيا من الجهة الأخرى

ويؤكد الباحث زياد بن طالب المعولي أنَّه "قد ساعدت الهجرات العُمانية إلى أفريقيا على ازدهار المدن الساحلية وأصبحت هناك مدن متناثرة على طول الساحل الأفريقي كمقديشو، وممباسا، ومالندي، وبمبا، وزنجبار، وكلوة، كل هذه المدن تجمع بين السكان الأفارقة إضافة إلى العرب الوافدين القادمين بديانتهم ودعاتهم، سواء من الساحل العُماني أم غير ذلك من سواحل البلدان المجاورة كما هو عليه الحال لسكان اليمن وحضرموت".

لغة جديدة ودين جديد واندماج

ومن خلال العرب العمانيين الذين وفدوا إلى السواحل الإفريقية انتقلت الثقافة العربية الإسلامية إلى تلك المناطق. نمت الثقافة العربية الإسلامية في تلك البلدان واندمجت مع الثقافات المحلية الموجودة هناك.

ومن ثمرات هذا الاندماج هو نشوء اللغة السواحلية التي تشكل المفردات العربية ما يقارب 45% من مفرداتها، وفقاً للمعولي. ويوضح تقرير عن نشأة اللغة السواحلية ومدى تأثرها باللغة العربية أنَّ اللغة السواحلية نشأت من اندماج لغة البانتو وهي اللغة الأصلية لسكان السواحل الشرقية مع اللغة العربية.

ويوضح هذا التقرير أنَّ "أصل السواحلية من لغة البانتو التي تتفرع إلى عدة لغات تستعمل في وسط إفريقيا وجنوبها من الكامرون إلى بلاد السواحل الشرقية، وتمتاز بكونها لا تقبل السكون في مقاطعها، وكل مقطع ينتهي بحرف محرك، وهذا ما جعل الألفاظ العربية التي دخلت هذه اللغة تتكيف حسب هذه القواعد، ومن مميزاتها أيضاً أن لها عدداً كبيراً من الزوائد في أول الكلمات (سوابق) وفي آخرها (لواحق) (Préfixes- Suffixes)‏ للتعبير عن عدة معان في الأسماء والأفعال، مما يجعل مثلاً أحياناً الكلمة العربية عائمة وسط هذه المقاطع".

للشعب العماني تاريخ كبير في نضال الاحتلال البرتغالي، وهو ما يعكس عظمة الشعب العماني ورفضه للظلم والعجرفة الغربية التي طالما عانت منها الدول العربية.

ويصف علي بن سعيد الريامي رئيس قسم التاريخ بجامعة السلطان قابوس في مقال له مع آخرين هذه الحالةَ من الاندماج اللغوي والثقافي: "وبحلول القرن السادس عشر بدأت تتكشَّف ما عُرف لاحقاً بالثقافة السواحلية، واللغة السواحلية وهي مكونة من لغة البانتو، ومفردات من اللغة العربية والسنسكريتية وكلمات من اللغة البرتغالية، كل ذلك كان يعكس ثراءً ثقافياً فريداً لا يمكن أن يزدهر في ظل احتلال، لأن المحتل غالباً ما يفرض سياساته ولغته وثقافته على المحتل، وهذا لم يكن موجود في ظل حكم عربي عماني متعايش ومتسامح مع سكان شرق أفريقيا".

ويصف الريامي في مقاله المذكور سابقاً علاقة عمان بشرق إفريقيا بأنها "علاقة حتمية متجذرة، فرضتها الجغرافيا الطبيعية، وأطّرتها الظروف السياسية، والمصالح الاقتصادية، وهي علاقة إنسانية ذات أبعاد اجتماعية وثقافية قبل أن تكون علاقة وجود ونفوذ، وبالنظر إلى الموقع الجغرافي لعمان، وتموضعها في خارطة العالم، وانفتاحها على ثلاثة مسطحات مائية مهمة هي بحر عمان وبحر العرب والمحيط الهندي فقد مثّلت القلب النابض بالحياة، والشريان الذي يربط بين أجزاء العالم القديم وعالم العصور الوسطى والعالم الحديث والمعاصر، حيث مثلت خطوط الملاحة البحرية بين الشرق والغرب القناة الرئيسة التي تتدفق عبرها البضائع من صادرات وواردات مختلفة ومتنوعة إلى الملايين من البشر".

العمانيون يدحرون المحتل البرتغالي

للشعب العماني تاريخ كبير في نضال الاحتلال البرتغالي، وهو ما يعكس عظمة هذه الشعب ورفضه للظلم والعجرفة الغربية التي طالما عانت منها دولنا العربية.

يقول محمد حميد السلمان في كتابه "الغزو البرتغالي للجنوب العربي والخليج في الفترة 1507 – 1525م": "منذ وطأت أقدام البرتغاليين سواحل الخليج عام 1507م، وذلك باعتراف المصادر البرتغالية نفسها أحياناً، ظل الوضع قلقاً ومضطرباً يسبب إحراجاً وتحدياً للوجود البرتغالي برمته في البحار الشرقية".

يؤكد محسن حسن يونس في دراسة له بعضَ إسهامات العمانيين في الحضارة الإسلامية؛ فللعمانيين نصيب كبير في الإنتاج العلمي والفكري منذ بدايات الحضارة العربية الإسلامية. فكان منهم الصحابي صحار بن عباس العبدي والذي روى أحاديث عن الرسول

وعن طرد العمانيين للاحتلال البرتغالي، يقول صلاح عقاد في كتابه "دور العرب والفرس في مكافحة الاستعمار البرتغالي في منطقة الخليج العربي": " فقد بدأت أولى خطوات طرد العدو البرتغالي المحتل منذ أن تسلَّم الإمام الإباضي ناصر بن مرشد اليعربي السلطة عام 1624م بمبايعة أهل الحل والعقد، وبدأ في توحيد عمان أولاً ثم واصل بعد ذلك التخطيط لطرد العمانيين تدريجياً من سواحل المنطقة العمانية حتى مضيق هرمز بعد الاستيلاء على صحار وحصنها عام 1633م".

ويضيف عقاد: "ولم يتوقف اليعاربة عن مناهضتهم للبرتغاليين عند منطقة الخليج وعمان، بل تابعوهم إلى الهند، وحرروا جزءاً كبيراً من الممتلكات البرتغالية في شرق افريقيا".

براعة مبكرة في العلم والأدب والملاحة والزراعة الصناعة

يؤكد محسن حسن يونس في دراسته بعض إسهامات العمانيين في الحضارة الإسلامية؛ فللعمانيين نصيب كبير في الإنتاج العلمي والفكري منذ بدايات الحضارة العربية الإسلامية. فكان منهم الصحابي صحار بن عباس العبدي والذي روى أحاديث عن الرسول.

وفي القرن الأول الهجري كانت مدرسة جابر بن زيد الأزدي (وكان تابعياً وتلميذ الصحابي عبدالله بن عباس) والتي نشطت في البصرة لتعليم علوم الدين الإسلامي، حيث وفد إليها الكثير من العمانيين لتلقي العلم والعودة لنشره في بلدهم.

وألَّف جابر بن زيد موسوعة علمية عُرفت باسم "الديوان" أو ديوان جابر"، وهناك من قال حظروا دراسته ونسخه وتداوله بين الناس. ولا يمكننا أن نتحدث عن الإسهامات العلمية لعلماء عمان وننسى عالم اللغة العربية الأشهر الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي العماني (ت. 170هـ/786م). وإنجازات الخليل في هذا الميدان معروفة، أبرزها تأليف "معجم العين" وابتكار علم العروض (أوزان الشعر العربي) ابتكاراً غير مسبوق.

وقد تميز العمانيون منذ زمن بعيد في مجال الملاحة البحرية، وذلك بحكم موقع عمان الجغرافي على الطرق التجارية البحرية الشرقية ودورها كهمزة وصل بين شبة الجزيرة العربية من جهة وبين الهند وإفريقيا من الجهة الأخرى. وبلغ تميُّز العمانيين في مجال الملاحة البحرية مبلغاً بعيداً فقد عرفهم الناس في موانئ العالم البعيدة وصارت عمان ملتقى للتجارة وتبادل السلع وعقد الصفقات التجارية، بحسب ما يذكر يونس في كتابه سابق الذكر.

كما برع العمانيون في الإنتاج الزراعي منذ فترة مبكرة في التاريخ الإسلامي؛ فقد اشتهروا بإنتاج التمور والعنب والموز والشعير والحنطة وغيرها من المحاصيل الزراعية، واشتهروا بإنتاج اللبان والصمغ. وقاموا بإنتاج اللؤلؤ في مسقط وصور. وازدهرت عندهم أيضاً صناعة الصموغ وصناعة المنسوجات، وفق ما ذكره عبد الرحمن عبدالكريم العاني في "تاريخ عمان في العصور الإسلامية الأولى".