"بغض النظر عمّا ستستهدفه إسرائيل في ردّها على القصف الإيراني الأخير لأراضيها، فإن مثل هذه الضربة لا بدّ أن تجبر طهران على الردّ، ما يؤدي إلى إطلاق صاروخ باليستي يمكن أن يدفع المنطقة بأكملها إلى الهاوية"، حسب مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، علي فايز.
وحسب المجلس الأطلسي، لا المنطقة فحسب، بل العالم بمجمله، نظراً إلى شراكة إيران المتزايدة مع روسيا والصين وكوريا الشمالية، في ظلّ المساعي الجماعية لهذه الدول لتقويض النظام العالمي الذي أقامته الولايات المتحدة وشركاؤها بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ما يجعل المخاطر أكبر.
لكن هل ستنحاز روسيا إلى أحد أطراف الصراع في حال اندلاعه، خاصةً أنها سعت ولا تزال إلى تحييد الساحة السورية التي تتشارك فيها النفوذ مع إيران، عن التصعيد المتدرج صعوداً بين الأخيرة وإسرائيل منذ عملية "طوفان الأقصى"، وذلك ضمن مساعي موسكو للحفاظ على مكاسبها المعززة في سوريا، إلى جانب ما قد يؤدي إليه هذا الانحياز من تداعيات في أماكن أخرى؟
وهل ستنحاز الصين التي تعمل دون نتائج تُذكر على تهدئة سخونة المنطقة، وضبط حدود الصراع، بهدف ضمان تدفق إمداد الطاقة اللازم لتنميتها الاقتصادية، إلى جانب ضمان سلامة مصالحها الاقتصادية والاستثمارية في المنطقة؟
في حال حدوث المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران... هل تنحاز روسيا إلى أحد الطرفين، خاصةً وقد سعت ولا تزال إلى تحييد سوريا؟ وهل تنحاز الصين التي تعمل دون نتائج تُذكر على تهدئة سخونة المنطقة، وضبط حدود الصراع، بهدف ضمان تدفق إمداد الطاقة اللازم لتنميتها الاقتصادية، إلى جانب ضمان سلامة مصالحها الاقتصادية والاستثمارية في المنطقة؟
وغير بعيد عنهما، هل تنخرط واشنطن في أي حرب محتملة بين طهران وتل أبيب لصالح الأخيرة، مانحةً الفرصة لموسكو وبكين في تعميق انغماسها في وحول هذا المستنقع، لتحقيق أهدافهما المنفردة في أوكرانيا وتايوان، بجانب أهدافهما المجتمعة في إقامة عالم متعدد الأقطاب. أو ستعمل، كما عملت على مدار عام مضى، على تجنّب اندلاع حرب إقليمية؟
موسكو... "سنتدخل حتماً"
تخلّت روسيا عن دفء علاقاتها السابقة مع إسرائيل لاحتضان إيران، حسب صحيفة "ذا أتلانتك"، نظراً إلى دعم طهران للمجهود الحربي الروسي في أوكرانيا. والأخيرة ساحة ساخنة أخرى بجوار الحرب الدائرة في غزّة والمنطقة، تقوم فيها كل من أوكرانيا وإسرائيل بالعمل كبديلين لتحالف غربي أوسع يدافع عن نظام الأحادية القطبية. ولأن كييف وتل أبيب غير قادرتين على الحفاظ على موقفهما دون دعم خارجي، فإن هذا الدعم هو هدف رئيسي ينسّقه المحور عبر كلتا الجبهتين.
في المقابل، تزوّد إيران وكوريا الشمالية المجهود الحربي الروسي. وبدورها تدعم موسكو النظام الموالي لإيران في سوريا، ووقّعت مؤخراً اتفاقاً أمنياً مع بيونغ يانغ. فيما تشيد الأخيرة بحركة "حماس"، باعتبارها "جزءاً من تحالفنا". ومن جانبها، تحافظ بكين على مسافة من الصراع الروسي الأوكراني عسكرياً، لكنها توفر دعماً صناعياً وتكنولوجياً لمجهود روسيا الحربي. كما وقّعت معها "شراكةً بلا حدود"، وتساعدها على التغلب على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
عن الأحداث الأخيرة والمتسارعة في المنطقة، قال مدير برنامج إيران والزميل الأول في برنامج البحر الأسود في معهد الشرق الأوسط، أليكس فاتانكا، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يسعى إلى تدمير خصومه عبر حرب إقليمية تدعمه فيها واشنطن والعواصم الأوروبية. في المقابل سيحجم حليفا إيران الإستراتيجيان، روسيا والصين، عن دعمها.
"ما نراه الآن هو جزء من نظام عالمي متغير ومتحرك. عندما تترك واشنطن فراغاً، هناك من سيملأ هذا الفراغ".
لكن هل ستقف موسكو وبكين حقاً على الهامش كما ذكر فاتانكا؟ أو أن الصواب قد جانبه في هذه الزاوية كما جانبه في تشكيكه في الانتقام الإيراني لاستهداف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، إلى جانب مقتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ونائب قائد فيلق القدس، عباس نيلفوروشان؟
يقول الباحث في التاريخ والعلاقات الدولية، ورئيس تحرير مركز الدراسات العربية الأوراسية، أحمد دهشان، على صفحته الخاصة في منصة "إكس": "معلومة وليست تحليلاً، قال الروس للإيرانيين: ‘نحن لسنا طرفاً في هذا الصراع، ولا بد من تحييد الجبهة السورية، لكن لو حدث وتدخّلت أمريكا لتوجيه ضربات لكم، فسنتدخل حتماً، ونقدّم لكم كل أشكال الدعم العسكري والتقني بلا أي تردد أو قيود وبشكل معلن’"!
ما ذُكر أعلاه، يذكر الباحث دهشان لرصيف22، أنه حصل عليه بشكل شخصي من مصادر موثوقة في روسيا، مشيراً إلى أنباء جادة تتحدث عن تسليم موسكو منظومة الدفاع الجوي "S400" إلى طهران. ويأتي ذلك في إطار اتفاق الطرفين غداة الحرب الروسية الأوكرانية، وإمداد طهران لموسكو بالطائرات المسيّرة، وبناء مصنع مشترك لهذه الطائرات في مدينة قازان الروسية بالخبرة الإيرانية.
وفي هذا السياق جاءت زيارة سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شوغو إلى طهران مؤخراً، حيث قال لمضيفيه: "لو تدخلت الولايات المتحدة في ضرب إيران، ستقف روسيا معكم بالتأكيد، سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً وتقنياً وبشكل واضح وصريح ودون أي لبس"، حسب دهشان، الذي يعتقد بعدم استعداد موسكو لرؤية هزيمة إيران أو حزب الله حتى في هذه الحرب، منبّهاً إلى أهمية حزب الله الكبيرة في الإستراتيجية الروسية في منطقة شرق المتوسط.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال"، قد أشارت قبل عام تقريباً، إلى أن معركة إسرائيل وحماس لا تخاطر بنشوب حرب إقليمية فحسب، بل إنها تؤثر أيضاً على ميزان القوى العالمي، مع تخفيف الضغوط على روسيا وتوفير فرص جديدة للصين. "لدى موسكو مصلحة كبيرة في تمديد النزاع في إسرائيل لأطول فترة ممكنة، وسيكون هذا انتصاراً تكتيكياً للروس في أوكرانيا، وإستراتيجياً، من خلال تعزيز روايتهم ضدّ العالم الغربي"، قال وزير خارجية ليتوانيا، غابريليوس لاندسبرغيس.
أضاف رئيس وزراء فنلندا آنذاك، ورئيسها الحالي، ألكسندر ستوب، للصحيفة: "ما نراه الآن هو جزء من نظام عالمي متغير ومتحرك. عندما تترك واشنطن فراغاً، هناك من سيملأ هذا الفراغ".
يؤيد ذلك ويضيف عليه أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة كويا في مدينة أربيل، سربست نبي، مشيراً إلى أماني وجهود كل من روسيا والصين لإحراج الولايات المتحدة والضغط عليها في منطقة الشرق الأوسط عبر الذراع الإيرانية. لذا، ستشجعان وتدفعان طهران إلى مواجهة النفوذ الأمريكي، دون انخراط مباشر منهما في أي صراع مفتوح محتمل. "الروس لديهم حذر شديد تجاه الانخراط المباشر، والصينيون يحاولون التعامل بنعومة مع النزاعات الدولية، ومنصرفون أكثر للهيمنة على الأسواق وتعزيز النفوذ الاقتصادي أكثر من خلق صدامات مسلّحة هنا وهناك"، يقول الأكاديمي نبي.
"لو تدخلت الولايات المتحدة في ضرب إيران، ستقف روسيا معكم بالتأكيد، سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً وتقنياً وبشكل واضح وصريح ودون أي لبس"، حسب دهشان، الذي يعتقد بعدم استعداد موسكو لرؤية هزيمة إيران أو حزب الله حتى في هذه الحرب، منبّهاً إلى أهمية حزب الله الكبيرة في الإستراتيجية الروسية في منطقة شرق المتوسط
وخلال حديثه إلى رصيف22، يشبّه نبي، روسيا والصين بـ"الضباع الرابضة على التلال"، لا تفتك بالفريسة مباشرةً، لكنها تراقبها كيف تُنهَك، ثم تنقضّ عليها. وهما حالياً رابضتان تتربصان ضعف الدور الأمريكي في الخليج، ضمن طموحهما اللامحدود للانقضاض على الخليج، وإعداد العدة للحلول كبديلين عن النفوذ الأمريكي هناك؛ التقانة والاقتصاد للصين، والأمن لروسيا، مشيراً هنا إلى منح طهران موسكو حق استخدام بعض قواعدها في الخليج.
الحرب الدائرة "عالمية"... في العالم الافتراضي
"روسيا لا تريد حرباً شاملةً بين إسرائيل وإيران"، قالت خبيرة شؤون روسيا والشرق الأوسط في مركز جيمس مارتن للدراسات الخاصة بمنع انتشار الأسلحة النووية، هانا نوتي، سابقاً. لكن "إذا ذهبت الأمور باتجاه ذلك، ووقفت أمريكا إلى جانب إسرائيل، حينها لن تجد موسكو مناصاً من أن تندفع أكثر إلى جانب إيران، دون رغبة منها في حدوث ذلك". فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، "لا يزال يعلي من شأن علاقاته مع إسرائيل. كما أن الدبلوماسية الروسية لا ترغب في الوصول إلى نقطة تكون فيها مجبرةً على اختيار طرف معيّن. لكن كلما تصاعد هذا الصراع، زاد شعورهم بالضغط".
بالإضافة إلى ذلك، قد يحفّز الوضع الإقليمي صراعات أخرى. "لقد أرسلت الولايات المتحدة إشارات خطأ إلى الحلفاء الخطأ في الوقت الخطأ، ما أدى إلى تصعيد الوضع الخارج عن السيطرة والانتشار"، قال مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة فودان، صن ديغانغ. "لذلك، من المرجح أن تندلع حتماً صراعات متعددة النقاط بعد ذلك"، أضاف.
وفي وقت سابق، قالت صحيفة "هآرتس"، إن الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، تحولت إلى حرب عالمية، لكن على شبكة الإنترنت. وخلالها، استخدمت كل من إيران وروسيا والصين وسائل إعلامها الحكومي، وأكبر شبكات التواصل الاجتماعي في العالم، لدعم حماس وتقويض إسرائيل، حيث "تخوض هذه الدول منافسةً جيو-إستراتيجية ضد الولايات المتحدة، وهي تدرك أنه عندما تتورط إسرائيل، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، في مثل هذه الحرب، فإن ذلك يضعف الولايات المتحدة"، قال المسؤول السابق في البيت الأبيض والبنتاغون، مايكل دوران، للصحيفة الإسرائيلية.
تتنافس كل من إيران وإسرائيل على النفوذ الجيو-سياسي في المنطقة، وهذا هو سرّ الاحتدام بين الطرفين، حسب نبي. يضيف: "لكن وراء هذا المشهد هناك أمر جوهري؛ ثمة تكهنات وتقارير بحثية تشير إلى إمكانية امتلاك طهران، عشرة رؤوس نووية في نيسان/ أبريل القادم. ونتيجةً لإدراك وقناعة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن واشنطن ليست في صدد الصدام مع النظام الإيراني، يدفع بالأمور للتأزّم والاحتدام، رغبةً منه في إرغام واشنطن على الانخراط في معركته ضد إيران".
من جانبها، تدرك إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، هذه الرغبة، وتنأى عنها. وهو ما أشار إليه بوضوح تصريح بايدن، بأنه لا يرغب في رؤية تل أبيب تضرب المنشآت النووية الإيرانية، في ردّها على الهجوم الصاروخي الإيراني مؤخراً على أراضيها، في إطار ضبط إدارته لردود الطرفين ضمن سقف عدم اندلاع الصراع بينهما. ويعتقد نبي، بوجود تسويات تتم خلف الأبواب المغلقة، قد تأتي بمفاجآت وتغييرات تجعلنا على أعتاب خريطة سياسية وجيو-سياسية جديدة لم نعهدها سابقاً، ولا يستبعد فيها انسحاب إيران من لبنان وسوريا، مع إقرار واشنطن لطهران بالنفوذ في جنوب العراق ووسطه.
صنّاع السياسة الأمريكية توصلوا مؤخراً إلى أن المنافسة الإستراتيجية مع الصين وروسيا، عالمية في نطاقها، ويلعب الشرق الأوسط دوراً رئيسياً فيها. وفي هذا الإطار جاء التدخل الروسي في سوريا دعماً لنظام الأسد عام 2015. وبدورها، لم تعد الصين تنظر إلى المنطقة من خلال المصالح الاقتصادية الضيقة، بل من خلال عدسة منافسة واشنطن
يتنافس منافسو واشنطن مرةً أخرى على النفوذ في الشرق الأوسط، حسب معهد رونالد ريغان. ويأتي ذلك بعد أن صاغت واشنطن منذ نهاية عام 2010، سياسةً خارجيةً تقوم على تجنّب الانخراط في الحروب، مع تركيز الاهتمام على منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، لمواجهة صعود الصين. وهو ما يعني تضاؤل التزامها تجاه الشرق الأوسط.
إلا أن صنّاع السياسة الأمريكية توصلوا مؤخراً إلى أن المنافسة الإستراتيجية مع الصين وروسيا، عالمية في نطاقها، ويلعب الشرق الأوسط دوراً رئيسياً فيها. وفي هذا الإطار جاء التدخل الروسي في سوريا دعماً لنظام الأسد عام 2015، وهو ما منحها، إلى جوار شراكاتها الإقليمية، فسحةً لمواجهة الضغوط الاقتصادية والسياسية الغربية.
وبدورها، لم تعد الصين تنظر إلى المنطقة من خلال المصالح الاقتصادية الضيقة، بل من خلال عدسة منافسة واشنطن، وأولوية تعزيز هيبتها العالمية مع تقويض النفوذ الأمريكي. وبحسب المعهد، شكلت رعاية بكين للاتفاق السعودي-الإيراني، في آذار/ مارس 2023، رسالةً إلى واشنطن مفادها تصميم الصين على ممارسة نفوذها السياسي في الشرق الأوسط وقدرتها على الاستفادة من علاقاتها للقيام بذلك.
إلا أنّه لا يوجد الكثير لدى بكين، لتقدّمه لطهران من الناحية العسكرية، في حال اندلاع الصراع بين إيران وإسرائيل، وتعرّض الأولى لضربات جوية قوية من تل أبيب أو واشنطن تُعّطل سير النفط، غير دعمها السياسي لطهران، حسب دهشان، علماً بأنّ المتضرر الأكبر من ضرب المنشآت النفطية الإيرانية سيكون الصين التي تعتمد بشكل كبير على النفط الإيراني. كما أن ضرب إيران ومنشآتها النفطية قد يتبعه إغلاق مضيق هرمز، وربما إيقاف إمدادات النفط والغاز من منطقة الخليج العربية، وهو ما يؤثر سلباً وبشكل كبير جداً على الاقتصاد الصيني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع