هناك حديثٌ نبويّ يقول: "لن يفلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأةً". لقد قال الرسول هذا الحديث بناءً على أخبار بأنّ الفرس قد ولّوا أمرهم لابنة كسرى. وفي ما بعد، استُخدم هذا الحديث في التداعيات التي تلت معركة الجمل التي دارت رحاها بين ابن عم الرسول الإمام علي بن أبي طالب، وزوجة الرسول عائشة بنت أبي بكر. لقد روى هذا الحديثَ البخاري، ووضعه النسائي في سننه، وأنشأ عليه باباً في كتابه تحدّث فيه عن النهي عن استعمال النساء في الحكم، فالإسلام يمنع أن تكون للمرأة ولاية الأمر: "عَنْ أَبِي بَكْر رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ. قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً".
مهما يكن من مقاصد للرسول في تعليقه على أحداث تولية ابنة كسرى الحكم، إلّا أنّ من جاء بعده من المسلمين، عمّموا قول الرسول بأنّ أي قوم لن يفلحوا عندما يولّون امرأةً عليهم، لكن هناك امرأةً ترأست قيادة الجيوش الإسلامية في زمن المعتصم، وفتحت القسطنطينية التي تمنّعت ثلاث مرّات على الفتح في الزمن الأموي، حتى عندما هاجمها القائد مسلمة بن عبد الملك، الذي شُبّه بخالد بن الوليد في العبقرية العسكرية. فمن هي هذه المرأة، التي فتحت القسطنطينية حتى إن كان في الخيال؟
بين التاريخ والخيال
قبل الدخول في عرض سيرة ذات الهمّة، لا بدّ من إيراد رأي الدكتورة نبيلة إبراهيم، في كتابها "سيرة ذات الهمّة دراسة مقارنة"، بأنّه لا يمكن تحديد الزمن الحقيقي الذي نشأت فيه هذه السيرة القصصية، لكن من الممكن التخمين، فقد ذكر اليهودي السموأل بن يحيى المغربي (558هـ/1163م)، الذي اعتنق الإسلام، في مذكراته، أنّه كان يستمع إلى سيرة الأميرة ذات الهمّة. ونضيف إلى رأي السموأل، بأنّ الراوي في السيرة ذكر المسعودي (345هـ-959م)، وذكر باب زويلة في القاهرة الذي أُسّس ما بين عامي 1087 و1092م.
إذاً، الرواية كانت تُروى وتُقصّ على المستمعين في زمن الصليبيين وما قبله، وكأنّها كانت وسيلة دفاع نفسيةً تحثّ على المقاومة؛ فما دامت الأميرة ذات الهمّة، وهي امرأة، قد استطاعت أن تفتح القسطنطينية عاصمة البيزنطيين في الزمن الماضي، فما حال رجال هذا الزمن، لا يقدرون على مواجهة البيزنطيين ومن بعدهم الصليبيين!؟
هناك امرأةً ترأست قيادة الجيوش الإسلامية في زمن المعتصم، وفتحت القسطنطينية التي تمنّعت ثلاث مرّات على الفتح في الزمن الأموي، حتى عندما هاجمها القائد مسلمة بن عبد الملك، الذي شُبّه بخالد بن الوليد في العبقرية العسكرية. من هي هذه المرأة، التي فتحت القسطنطينية حتى إن كان في الخيال؟
لقد كانت الشعوب العربية والمسلمة التي تعيش بمحاذاة الثغور في بلاد الشام عرضةً للهجوم البيزنطي دوماً، حيث تُسبى النساء ويسترقّ الأطفال ويُقتل الرجال، فكان لا بدّ من اختراع بطلٍ يستقرّ في وجدان الساكنين هناك، ولأنّ الرجال كانوا في أكثر أوقاتهم في قلاع الثغور أو في الحقول، كانت البيوت تبقى تحت حراسة النساء. ولأجل ذلك اختُرعت شخصية ذات الهمّة لتستبطنها النساء في مناطق الثغور وتصبح من عماد شخصياتهن، فإن هاجم البيزنطيون انبرت النساء للدفاع عن بيوتهنّ، فلقد ملأت السيرة صفحتها بنساء مقاتلات شجاعات لا يرضين الضيم، وحتى من جهة الأعداء البيزنطيين ذُكرت سيرة نساء شجاعات مقدامات في الحرب للأسباب ذاتها. وكلّ ذلك من أجل تقوية إرادة المرأة، بحيث تقف في وجه من يعتدون على حرمة بيتها.
والدليل على ما ذهبنا إليه في تحليل أحد أسباب نشوء السيرة، أنّها تذكر أنّ جدّ الأميرة ذات الهمّة، الصحصاح، قد شارك القائدَ مسلمة بن عبد الملك في محاولة فتح القسطنطينية، فنشأت الأميرة على أمجاد جدّها وأرادت إعادتها. لم تكتفِ السيرة بذلك، بل استعانت بشخصيات تاريخية حقيقية منحتها أدواراً مهمّةً في سردها، فمن ذلك القبيل كان ابن ذات الهمّة، عبد الوهاب، إذ ورد ذكره في التاريخ باسم "عبد الوهاب بن بخت"، كما جاء عند الطبري، وقد توفي عبد الوهاب في الواقع في حروب الثغور ضد البيزنطيين عام 113 هـ. أمّا السيد البطّال، وهو من الشخصيات الرئيسية في السيرة فقد توفي عام 122 هـ، كذلك في حروب الثغور، ولهذا استدعتهما السيرة من التاريخ الحقيقي وزجّت بهما في الخيال المشتهى الذي فتح به المسلمون بيزنطة، واستولوا على عاصمتها القسطنطينية، لتجعل للسيرة أصولاً تاريخيةً، وتعضد مقاومة المرأة التي تسكن الثغور.
وذكرت السيرةُ الخلفاءَ الأمويين على زمن والد ذات الهمّة وجدّها، والخلفاء العباسيين على زمن ذات الهمّة، وولدها عبد الوهاب. وتزيد السيرة خلط الخيال بالواقع، بأنّها كانت تُروى للخليفة الواثق (200-232 هـ/816-847م)، ابن الخليفة المعتصم صاحب عمورية الذي استجاب للمرأة التي صرخت "وا معتصماه"، فقاد جيشاً عظيماً وفتح عمورية وحرّر المرأة من احتلال الأروام. وقد خلّد أبو تمام هذه الواقعة بقصيدة من عيون الشعر العربي، استفتحها بهذا البيت: "السَيفُ أَصدَقُ إنباءً مِنَ الكُتُبِ/في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ".
وقد أوردت السيرة قصة المعتصم في فتح عمورية: "ثمّ أنّ المعتصم أدار وجهه إلى بلاد الروم وقال: لبّيك لبّيك، أيّتها الداعية، لبّيك لبّيك أيّتها المنادية، ناديني على أذن صاغية، وعين على خلاصك باكية، ولا بدّ لي ما أرمي الروم من أجلك بداهية". وعندما فتح المعتصمُ عمورية، أُحضرت المرأة أمامه، فقال لها: "يا زينب، فقالت: لبّيك لبّيك، فقال لها: ارفعي صوتك ونادي وا معتصماه. فعند ذلك رفعت صوتها ثم نادت: وا معتصماه. فأجابها المعتصم وقال لها: لبّيك لبّيك، ها أنذا قد سمعت نداءك، وبادرت إلى خلاصك من أعدائك".
إذاً، أحداث السيرة تدور بين العصر الأموي والعباسي، أمّا فضاؤها المكاني، ففي منطقة الثغور التي تفصل بلاد الشام عن آسيا الصغرى التي تُعرف اليوم باسم تركيا، وكانت تحت حكم البيزنطيين إلى أن استولى محمد الفاتح على عاصمتها القسطنطينية عام 1453م. ولقد جعلت السيرة ذات الهمّة من قبيلة بني كلاب التي هاجرت إلى بلاد الشام، واستوطنت الجزيرة الفراتية، وكانت تشنّ هجمات على البيزنطيين، وتتصدّى لهجماتهم، كما يذكر القلقشندي. وكل ذلك من أجل توطين السيرة ذاتها في التاريخ الحقيقي، لذلك كان عنوان السيرة، "سيرة ذات الهمّة وولدها عبد الوهاب، والأمير أبي محمد البطّال، وعقبة شيخ الضلال، وشومدريس المحتال، أكبر تاريخ للعرب وخلفاء بني أمية والخلفاء العباسيين. جمعت هذه السيرة أخبار العرب وحروبهم وأخبار ملك مصر والشام وبغداد وغيرها من الإسلام وبلاد الفرنج وفيها من الفتوحات ما يبهر العقول".
نصف المسلمين
ذات الهمّة، هي صاحبة السيرة الأكبر بين السيَر الشعبية، من عنترة بن شداد إلى حمزة البهلوان، إلى السيرة الهلالية، وأخيراً علي الزيبق ودليلة. اسمها كما هو مذكور في السيرة، فاطمة بنت مظلوم بن الصحصاح بن جُندبة بن الحارث الكلابي. كان الحارث الكلابي زعيم قبيلة بني كلاب، وهو زعيم كبير، ذو بطشٍ ومنعة دانت له القبائل في الجزيرة العربية. من هذا المنطلق تبدأ السيرة بالتأسيس لولادة البطلة عبر سلسلة من الحوادث الصعبة والنساء القويات اللواتي يرفضن الضيم، فجدّتها "الرباب"، تهرب إثر موت زوجها كي لا تُسترقّ أو تُقتل، حيث نهضت القبائل التي غزاها الحارث تطلب الثأر من قبيلة بني كلاب بعد موته.
بضغط من الخليفة، توافق ذات الهمّة على الزواج من ابن عمّها، مع أنّها أخبرت الخليفة بأنّها "ما خُلقتُ إلّا للنّزال، لا للفراش ولا للزواج، ولا يضاجعني سوى سيفي وعُدّة حربي، وكُحل غبار النّجع مُرادي".
وأمام هذا الواقع الجهنمي تشدّ الرباب رحالها نحو ديرة أهلها مع عبدها، الذي يطمع فيها ويحاول اغتصابها، فتقاومه بشدّة، حتى يفاجئها المخاض، وتلد ابنها في تلك اللحظات العصيبة. وعلى إثر ذلك يقتلها عبدها ويهرب، وقبل أن تموت تعلّق تميمةً على عنق ابنها ليعرف من هو عندما يشبّ. وتدور الدوائر ويترعرع ابنها "جندبة" في قبيلة أخرى، وعندما يعرف نسبه يعود إلى قبيلة بني كلاب، ويُعجب بأنثى تسمّى "قتّالة الشجعان"، فهي فارسة في الميدان، ولا ترضى زوجاً لها إلّا من يستطيع أن يهزمها في الضِراب والطعان.
ومن ثم ينتصر عليها جندبة ويتزوجان ويسودان القبيلة. ويحدث أن ينقذ جندبة وزوجته أميرةً أمويةً من هجوم قطّاع الطرق، ويرافقانها حتى تصل إلى دار أبيها الخليفة عبد الملك بن مروان، فيطمع ابن الخليفة بقتّالة الشجعان، ويدبّر مقتل الأمير جندبة ويحاول بشتى الوسائل أن يصل إلى زوجته.
وأمام رفضها له وتعييره بأخلاقه السيئة يقتلها. وكان قد وُلد لجندبة طفل يسمّى "الصحصاح"، يصبح في ما بعد قائداً كبيراً يشارك في الدفاع عن الثغور الإسلامية ضد الدولة البيزنطية، ويتزوج الصحصاح ابنة عمّه بعد مغامرات وصعاب كثيرة، فتنجب له ولدين "ظالماً ومظلوماً"، يتقاسمان سلطة القبيلة. ولكيلا يحدث خلاف بين الأخوين أقرّت القبيلة أن تكون السلطة مقسّمةً بينهما إن كان أول أطفالهما ذكراً.
وكان أن أنجب ظالم ولداً أسماه "الحارث"، وأنجبت امرأة مظلوم فتاةً سمّيت "فاطمة". وأمام هذا الواقع كُسرت شوكة مظلوم، وتمنّى لو أنّ فاطمة تموت، لذلك عهد بها إلى مربّية وأخفى مولدها عن الناس. وحدث أن هاجم بنو طيء قبيلةَ بني كلاب، وسُبيت فاطمة وخادمتها. استرد بنو كلاب الغنائم من قبيلة بني طيء بهجوم مضاد، وعندما لم يجد مظلوم ابنته ومربيتها دخل السرور قلبه وانشرح صدره! تنشأ فاطمة في قبيلة بني طيء وتصبح راعية أغنام عند أحد ساداتها، وعندما تكبر وتظهر ملامح الجمال عليها، يحاول أحد كبار بني طيء أن يغتصبها، فهي مجرد عبدة، ولا أحد يكترث لأمرها، لكن فاطمة كانت روحها وثّابةً، فقد تعلّمت بنفسها الفروسية وضرب السيف والطعان بالرماح. وفي الوقت نفسه كانت عابدةً مخلصةً لله تقوم الليل والنهار.
قتلت فاطمة المعتدي عليها، وذهبت حججها بالدفاع عن نفسها أدراج الرياح. فتكلّف سيدها دفع ديّة كبيرة لأهل القتيل، وهمّ أن يقتلها. وهنا قالت له، أعطني سلاحاً وفرساً وسأغنيك لولد ولدك. وطفقت فاطمة تغزو القبائل من حولها وتجلب الغنائم والأسلاب إلى سيدها حتى ذاع صيتها وسُمّيت "داهية بني طيء". ويحدث أن تُغير فاطمة على قبيلة أبيها وتأسره، وهنا يفرح الطائيون كثيراً، ويتجهزون لقتل سيد بني الحارث. وأمام ذلك تخبرها مربّيتها بأنّ مظلوماً هو والدها، فتنقذه وتعود به إلى قبيلتها وتترأس غزواتها حتى يصبح أبوها غنياً جداً.
هذا الواقع الجديد الذي استجدّ على ظالم، دفعه للتفكير في تزويج ابنه الحارث من فاطمة، وذلك ليكسر شكوتها بعدما استراح من منافسة أخيه على حكم القبيلة بعدما أنجب بنتاً، وها هي تعود، ولا أقوى الرجال مثلها، فقد جاء ذكرها على لسان ظالم: "وقد عزمت أن أزوّجه بها لوجهين: الأول لجمالها، والثاني إنّها إذا صارت له، انكسرت حرمتها، وقلّ نشاطها وذهبت قوتها، وبانكسارها نبلغ من أبيها سائر الأغراض".
ترفض فاطمة ابن عمّها الحارث، ومن ثم تشترط أمام الضغط أن يهزمها في الميدان، فتهزمه شرّ هزيمة، لكنّ تحرّك البيزنطيين على الحدود الشمالية يستدعي أن تحضر ذات الهمّة لدى الخليفة العباسي في بغداد ومعها أسياد بني كلاب، وهناك بضغط من الخليفة توافق ذات الهمّة على الزواج من ابن عمّها مع أنّها أخبرت الخليفة بأنّها "ما خُلقتُ إلّا للنّزال، لا للفراش ولا للزواج، ولا يضاجعني سوى سيفي وعُدّة حربي، وكُحل غبار النّجع مُرادي".
أحداث السيرة تدور بين العصر الأموي والعباسي، أمّا فضاؤها المكاني، ففي منطقة الثغور التي تفصل بلاد الشام عن آسيا الصغرى التي تُعرف اليوم باسم تركيا، وكانت تحت حكم البيزنطيين إلى أن استولى محمد الفاتح على عاصمتها القسطنطينية عام 1453 ميلادية
ترفض ذات الهمّة أن تضطجع في فراش الزوجية، لكن الحارث يدبّر مكراً يجعلها تحمل منه. وبعد أن تمرّ أشهر الحمل تنجب بطل السيرة الثاني "عبد الوهاب"، الذي كان أسود البشرة مع أنّ والديه أبيضان. يرفض الحارث أبوّة عبد الوهاب، ويتّهم ذات الهمّة بأنّها اضطجعت مع عبدها. كان بإمكان فاطمة أن تقتل ابنها لتتخلّص من هذه التهمة، إلّا أنّها تحتضن عبد الوهاب وتربيه بأخلاق الفرسان وتشدّ الرحال لتخوض غمار الحرب ضد البيزنطيين، حيث ترتب الأقدار أن تكون أول معركة ينتصر فيها العرب على البيزنطيين في موقعة ملطية، حيث كانت قائدة جيش الأروام تُدعى "ملطية"، وقد سُميّت القلعة باسمها. وكانت بقوة ذات الهمّة، إلّا أنّ الجانب الروحي الكبير عند ذات الهمّة يحسم المعركة لصالحها. تتابع المعارك في السيرة حتى تفتح ذات الهمّة عاصمة البيزنطيين وتجلس على العرش.
تمتاز هذه السيرة، بأنّها أنصفت المرأة في مواجهة الحيف الذكوري، وقد برز ذلك في نقاط عدة: لقد كانت قضية وأد البنات قد انتهت بمجيء الإسلام على صعيد دفن الأنثى حيّةً هرباً من عارها، لكن ظلّت الأنثى موؤدةً معنوياً، بأن يكون البيت مكان محياها ومماتها. وقد رأينا في السيرة كيف تم الوأد المعنوي عبر إخفاء مولد فاطمة، وسعادة أبيها بسبيها من قبل قبيلة بني طيء. ومن دلائل هذا الوأد عدم مساواة الأنثى مع الذكر، فلقد خسر مظلوم سيادة القبيلة ليسودها أخوه ظالم وأولاده من بعده، فقط لأنّه أنجب أنثى، ومع ذلك تخرج فاطمة من وأدها المعنوي وتصبح ذات الهمّة.
أما القضية الثانية، فكانت عن الزواج، فقد رأينا قتّالة الشجعان ترفض أن تتزوج إلّا من كفءٍ لها أو أكثر؛ لذلك كانت ترفض من تهزمهم في الميدان حتى جاء الأمير جندبة. وهذا ما فعلته فاطمة فقد هزمت ابن عمّها الحارث ولم تتزوجه إلّا بضغط كبير من الخليفة ومشورة من الفقيه عقبة السلمي، الذي كان دوماً خنجراً مسموماً في خاصرة المسلمين وقبيلة بني كلاب، ولأجل ذلك انتقمت السيرة من الفقيه عقبة السلمي، بأن انتهى مصلوباً على باب القسطنطينية بعدما فُتحت بقيادة ذات الهمّة.
إهذه القضايا التي تناولتها السيرة، تكشف لنا، بأنّ عدم قيام المرأة بتفعيل طاقاتها وقدراتها، لا يعود إلى طبيعتها الجسدية والعقلية، بل لأنّ المجتمع الذكوري قد حرمها القدرة على ذلك، فقد كان يئدها في الجاهلية، ويخفيها خلف أبواب البيوت وشبابيكها في الإسلام. ومن ثم سحب منها حقّها الطبيعي في أن تكون صنواً للذكر، بدءاً بالمواريث وانتهاء بمنعها من تسلّم القيادة.
لقد أثبتت السيرة، بأنّ المرأة قادرة على أن تكون ما تريد؛ ولأجل ذلك ندّدت السيرة بالسلطة السياسية والدينية، فلقد ازدرت الخلفاء العباسيين ولم تكرّم إلّا المعتصم بالله، ذلك الخليفة الذي استجاب لصرخة امرأة سباها البيزنطييون. هذا من جانب السلطة السياسية. أمّا الدينية، فقد صوّرت السيرة رجل الدين فاسداً، على عكس المبادئ التي يقوم عليها الدين، فقد فصلت السيرة بين الدين ورجاله. وأخيراً تثبت السيرة فضل ذات الهمّة، المرأة، بالقول بأنّ البيزنطيين كانوا يعدّون ذات الهمّة نصف المسلمين، وإذا اجتمعت مع ابنها عبد الوهاب والبطّال، أصبحوا كلّ المسلمين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 18 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع