شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
من مريم الأسطرلابية إلى فاطمة المجريطية… نساء مسلمات غيّرن علمَ الفلك

من مريم الأسطرلابية إلى فاطمة المجريطية… نساء مسلمات غيّرن علمَ الفلك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والنساء نحن والحقيقة

الخميس 11 يوليو 202412:57 م

إلى جانب كثير من العلماء في التاريخ العربي والإسلامي، هناك نساء عالمات ربما لم نعرفهن كثيراً ولم يأت ذكرهن في بعض الكتب التي تشيد بإسهامات العلماء المسلمين، إلا أن العالم لا ينسي إسهامات هؤلاء العالمات المسلمات وبصماتهن ما زالت متواجدة في صفحات التاريخ وسوف تظل. هذا المقال محاولة من أجل توثيق وتكريم دور هؤلاء النساء فى الحضارة الاسلامية.

مريم الأسطرلابية

هى مريم بنت العالم كوشيار الجيلي الذي نبغ في علوم الفلك وله إسهامات في وضعِ العديد من الجداول الفلكية. نشأت مريم في مدينة حلب بسوريا في القرن العاشر الميلادي، تتلمذت على يد والدها فى علوم الفلك وعند ظهور تميزها في هذا المجال، تمّ تعيينها في مجال علوم الفلك داخل بلاط سيف الدولة الحمداني.

هناك نساء عالمات ربما لم نعرفهن كثيراً ولم يأت ذكرهن في بعض الكتب التي تشيد بإسهامات العلماء المسلمين، إلا أن العالم لا ينسي إسهامات هؤلاء العالمات المسلمات وبصماتهن ما زالت متواجدة في صفحات التاريخ 

وسميت بمريم الأسطرلابية نسبة إلى إسهامها في تطوير الأسطرلاب المسطح الذي اخترعه الأغريق إلى جهاز أكثر تطوراً يسمى "الأسطرلاب المعقد"، وكان يتم استخدامه قبل إسهامات مريم في تحديد قبلة الصلاة وارتفاع الشمس في السماء وأوقات الليل والنهار وتحديد الشهور الهجرية وأوقات الصيام والحج.

مريم الأسطرلابية

لكن بعد تطوير مريم له، أصبح ذا استخدامات أكثر توسعت إلى أغراض الملاحة البحرية واستكشاف الطرق الجديدة، وأطلق عليه العرب "جهاز ذات الصفائح". كان هذا الأسطرلاب نوعين: الأول بحجم ساعة الجيب، والثاني كبير الحجم يصل قطره لأمتار، وكان هذا الاختراع نواةً لتطوير تقنية "جي بى إس" في وقتنا الحالي، كما تشير بعض التقارير.

فاطمة المجريطية

هي ابنة عالم الفلك مسلمة المجريطي ويُلقّب بالمجريطي، بمعنى المدريدي نسبة إلي مدريد، مسقط رأسه قبل انتقاله إلى قرطبة. لم يُحدّد وقت ميلاد فاطمة، لكنه كان في القرن العاشر أو الحادي عشر الميلادي، وقد تتلمذت على يد والدها في علم الفلك والرياضيات، وأصبحت في ما بعد رائدة في علم الفلك، ومن أشهر إنجازاتها استبدال التقويم الشمسي الفارسي بالتقويم القمري الإسلامي، وتكييف جداول فلكية معينة بخط طول، وإحداثيات مدينة قرطبة من أجل جعلها مرجعاً لجميع الحسابات كما هو الحال مع مدينة غرينتش حالياً.

الأسطرلاب

وقامت فاطمة بالعديد من التصحيحات في الجداول الفلكية في كتاب المجسطي لبطليموس، مما جعلها تدون كتاباً يحمل عنوان "تصحيحات فاطمة". ولم يكن هذا الكتاب الوحيد لها، بل قامت بتأليف كتاب "رسالة حول الأسطرلاب"، و يوجد هذا الكتاب حالياً في مكتبة دير الإسكوريال في إسبانيا. كما أنها قامت بمساعدة والدها في ترجمة السنوات الفارسية إلى السنوات العربية وتحديد مواقع الكواكب.

فاطمة المجريطية

المثير للغرابة أنه في ما بعد شكك بعض المؤرخين في وجود فاطمة المجريطية، وقال بعضهم إنها مجرد أسطورة، ولكن في عام 2016، قام الباحث الإسباني جوان نونيز فالديز بتقديم ورقة بحثية تحمل عنوان "هل كانت فاطمة المجريطية موجودة حقاً؟"، وتوصل جوان نونيز في بحثه إلى أن فاطمة شخصية حقيقية ولم تكن شخصية من نسج الخيال كما ادعى بعض المؤرخين، وقد ذكر الباحث أن من أهم أسباب إنكار فاطمة هو عدم وجود تاريخ محدد لميلادها والاكتفاء بترجيح ظهورها في القرن العاشر الميلادي أو الحادي عشر، ولكن الأسباب التي تؤيد وجودها هو اعتراف المواقع الرسمية للكيانات المنتمية لعالم الفلك بحقيقة وجودها بل وتكريمها كواحدة من روّاد علم الفلك، وفي مقدمة هذه الكيانات الاتحاد العالمي لعلم الفلك.

ستيتة المحاملي

ولدت في مدينة بغداد وقد حُصر مولدها في عام 896م أو 897م. تنتمي ستيتة إلى أسرة المحاملي وهي أسرة نابغة في أمور الأدب والعلم. جدّها إسماعيل المحاملي، محدث بغداد، ترجم له الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" ووالدها هو الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبي المحاملي قاضٍ وفقيه كان له ثقل ووزن في بغداد، وله العديد من المؤلفات. درَست ستيتة الفقهَ والفرائض، وفي ما يخص العلوم الدنيوية نبغت في الرياضيات، وسخرت ذلك في خدمة الناس؛ على سبيل المثال من كان يريد البناء كان يذهب إلى ستيتة المحاملي، فتقوم له بقياس حجم البناء وسطح الأرض وساعات العمل المطلوبة باستخدام عمليات رياضية وجبر معقدة، وكذلك حساب المواريث وتقسيم التركة بين أهل المتوفى، وذلك بعد استعانة القضاة بها في بغداد كشاهدةٍ علمية ومتمرسة في علم الرياضيات.

تقويم فلكي

وكذلك لها إسهامات ومحاولات علمية في حلّ وتطوير المسائل الجبرية، لذلك تعدّ امتداداً لمحمد بن موسى الخوارزمي. وقد نالت ستيتة المحاملي قليلاً من السّرد في كتب التاريخ، منه وصف خير الدين الزركلي لها في كتابه "الأعلام" حيث ذكر: "فاضلة وعالمة بالفقه والفرائض وحاسبة من أهل بغداد". توفيت ستيتة في عام 987م.

لبنى القرطبية

هي امرأة استثنائيه جعلت العلم سلاحاً حررها من حياة العبودية. حُضرت لبنى إلى الأندلس كجارية من أصل إسباني ولم يعرف المؤرخون تاريخ ميلاد محدد لها، لكنها عملت في نسخ الكتب، وحينما أظهرت نبوغها في المعرفة والعلوم، عينها المستنصر بالله الكاتبةَ المدونةَ له، ثم تمّ تكليفها بالإشراف علي المكتبة الملكية، وعند زيادة حصيلتها العلمية لم تبق مجرد ناسخة كُتبٍ، بل كانت تضيف آراءها العلمية إلى الكتب التي كانت تقوم بنَسخها، ولم تكن نابغة في علم واحد، بل في العديد من العلوم. وهذا يتضح في تدوينات المؤرخ الأندلسي ابن بشكوال عنها: "كانت حاذقة بالكتابة، نحوية، شاعرة، بصيرة بالحساب، وعلمها في الرياضيات واسع".

من خلال البحث في إسهامات العالمات في التاريخ الإسلامي يتضح لنا سببان كانا وراء ظهورهن ونبوغهن؛ الأول هو ازدهار الحكم، أما السبب الثاني هو نشأة المرأة في بيت يهتم بالعلم كما الحال لدى الرجال طبعاً

توفيت لبنى عام 984م بعد قضاء سنوات من نسخ الكتب وإضافة آراء علمية لها، و تعليم الأطفال في مجالات العلوم داخل الأندلس.

من خلال البحث في إسهامات العالمات في التاريخ الإسلامي يتضح لنا سببان كانا وراء ظهورهن ونبوغهن؛ الأول هو ازدهار الحكم، حيث كلما ازدهر الحكم زاد الاهتمام بعِلمِ النساء وتقدير دورهن، وهذا يتضح في تاريخ فاطمة المجريطية، حيث كانت في قرطبة التي سميت آنذاك بلؤلؤة الغرب، وكانت تنافس القسطنطينية في الثقافة، وكان بها مكتبة تضم أربعمائة ألف مجلد. ويتكرر هذا الأمر مع ستيتة المحاملى التي ولدت في عصرٍ وصفت فيه بغداد أنها منبع العلماء، وكانت من أهم المراكز الثقافية العربية التي يقصدها راغبو العلم. أما السبب الثاني هو نشأة المرأة في بيت يهتم بالعلم كما الحال لدى الرجال طبعاً، فنجد مريم الأسطرلابية هي ابنة العالم كوشيار الجيلي، وفاطمة المجريطية هي ابنة عالم الفلك مسلمة المجريطي، وستيتة المحاملى ولدت في بيت يهتم يالعلم والأدب.

لبنى القطربية

وكعادة كل زمان في بلادنا العربية كان منذ القدم أيضاً جدال حول المرأة في عصور الحضارة الاسلامية؛ فعلى سبيل المثال كان يرى الفارابي أن المرأة أقل رتبة من الرجال مصنفاً إياها في مرتبة الأوضعين مع الجهال و الصبيان الصغار الذين هم قليلو العقل والتمييز، والمرأة في نظره تفتقر للحصانة والرزانة وينصح الرجل بعدم أخذ مشورتها. وفي مقابل ذلك كان هناك علماء تصدوا للنظرة الدونية للمرأة ودافعوا عن حقوقها، منهم العالم ابن رشد الذي كان يرى أنه يجب مساواة المرأة بالرجل، وأنها يمكن أن تكون حاكمة او فيلسوفة، وأنها لا توجد من أجل متعة الرجال والرضاعة و الإنجاب فقط، بل يجب أن تشارك الرجل في الأعمال الضرورية للمجتمع. كما أنه يؤمن أن جوهر الإنسان في نفسه وليس في جسده، وبالتالي لا فرق بين عقل الرجل وعقل المرأة، وطالب بضرورة مشاركة المرأة مع الرجل في كافة الأعمال الإنسانية واعتقد أن الخلاف بين الرجل والمرأة في القيام ببعض الأعمال الإنسانية إنما هو خلاف بالدرجة فقط وإنه لا يعطي تفوقاً أو أفضلية لطرف على آخر، ومرور النساء بحالات من الضعف البدني في بعض الفترات مثل فترة الحمل أو الرضاعة لا يجب أن يتم فهمه على أساس أنهن أقل من الرجال.

وهذا الاختلاف والجدل حول المرأة لم يمنع ظهور عالمات مسلمات، بل كثير منهن أظهرن نبوغهن وأخذن تقدير العوام و الملوك.

وبعد مرور مئات السنوات نجد أن العالم ما زال يتذكر العالمات المسلمات وإسهاماتهن في تاريخ العلم، بل ويضعهن في خانات التكريم و يذكر إنجازاتهن، فنجد العالم هنري إى هولت يطلق اسم مريم الأسطرلابية على حزام الكويكبات في مرصد بولمار عام 1990، وفي عام 2015 صرحت الكاتبة نيدي أكورافور الفائزة بجائزة نيبولا أن بطلة روايتها "بينتي" مستوحاة من شخصية مريم الأسطرلابية. وفي عام 2010 أطلق الكاتب سليم الحسني مبادرة تحمل "ألف اختراع واختراع" للتعريف بعلماء الحضارة الاسلامية تشمل كتاباً ومعرضاً متجولاً حول العالم وفيلماً، وقد ذكرت هذه المبادرة بعض العالمات وعلى رأسهن مريم الأسطرلابية، ولم تكن الأخيرةُ العالمةَ المسلمة الوحيدة التى تم تكريمها، بل تم تكريم فاطمة المجريطية من جانب الاتحاد العالمي لعلم الفلك عند ذكرها كواحدة من رواد علم الفلك في التقويم السنوي لعام 2009.


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image