في نهاية القرن التاسع عشر، تم العثور على أعمال الشاعرة الإغريقية صافو، التي كانت من أكثر الشاعرات إثارةً للجدل في التاريخ. عثِر على أشعارها في الآثار القديمة لمدينة أوكسيرينخوس القريبة من العاصمة المصرية القاهرة. تُعدّ صافو أول شاعرة مثلية جنسياً في العالم، حتى أن مفردة "lesbian"، والتي تعني المرأة المثلية جنسياً، مأخوذة من مكان ولادتها.
وعلى الرغم من اكتشاف أعمال صافو في مصر، إلا أنها كانت شاعرةً يونانيةً من القرن السابع قبل الميلاد. وُلدت في جزيرة لسبوس في اليونان. مفردة "lesbian" تعني لغوياً الشخص الذي يكون من مدينة لسبوس اليونانية، وبما أن صافو كانت مقيمةً في هذه الجزيرة، فإن هذه المفردة أصبحت اليوم تشير إلى النساء المثليات جنسياً.
صافو... الشاعرة الإغريقية
منذ العصور القديمة، عُرفت صافو بأنها أعظم شاعرة غنائية يونانية. كانت أول امرأة عَبّرت عن معظم مشاعرها حتى الخاصة منها، في أعمالها وأشعارها، حيث كان لشعرها تأثير كبير على معاصريها. خلال حياتها لم يُقرأ شعرها في مسقط رأسها فحسب، بل في أماكن مختلفة من العالم أيضاً.
برغم أن الأعمال التي تركتها صافو قليلة جداً، إلا أن قصائدها تُعبّر عن الكثير من العاطفة الجنسية تجاه المرأة، وفي الثقافة اليونانية القديمة، كانت المثلية الجنسية وازدواجية الميول الجنسية موضع احترام
أشاد الفيلسوف اليوناني سقراط، بشعر صافو، ووصفَها بأنها "جميلة". كما قال أفلاطون، الفيلسوف اليوناني الآخر عن صافو: "يعتقدون أنه لا يوجد أكثر من تسعة آلهة للفن. يا له من خطأ جسيم! فصافو لسبوس هي الإلهة العاشرة".
لا يُعرف عن حياة صافو سوى القليل، والمعروف أنها وُلِدت عام 620 قبل الميلاد، وتوفيت بعد ذلك بنحو 50 عاماً، ومن الصعب تجميع تفاصيل عن حياتها بسبب قلة المصادر الموثوقة. المرجّح أن صافو وُلدت في أسرة أرستقراطية كانت تعيش في الجزيرة الكبيرة اليونانية لسبوس، ويقال إنها كانت قصيرة القامة ولها بشرة حنطية، إذ وصفها أحد الشعراء المعاصرين لها بأنها "أرجوانية الشعر، نظيفة ومبتسمة".
وبرغم أن الأعمال التي تركتها صافو قليلة جداً، إلا أن قصائدها تُعبّر عن الكثير من العاطفة الجنسية تجاه المرأة، وفي الثقافة اليونانية القديمة، كانت المثلية الجنسية وازدواجية الميول الجنسية موضع احترام، خاصةً بين طبقة النبلاء، كما كان الحبّ المثلي يُعدّ ممارسةً طبيعيةً، ولذلك حظيت صافو بإشادة كبيرة بسبب قصائدها التي لم يبقَ منها سوى جزء صغير، إذ كانت هذه الأعمال محفوظةً في تسعة كتب في مكتبة الإسكندرية الأسطورية الكبرى.
مع ذلك هناك من تكلم عنها سلباً، لأن لها ميولاً جنسيةً مثليةً "محرمةً في الأديان السماوية". من هذا المنطلق وصفها كاتب مسيحي في القرن الثاني بـ"العاهرة المجنونة بالحبّ، التي تصنع الشِّعر من فجورها".
صافو والشائعات... بنت الهوى السوداء عازفة القيثارة
يذكر بعض المؤرخين أنه كان لصافو شقيقان أو ثلاثة. كاراكسوس، ولاريشوس، وربما أوريجيوس. ويقال إن شقيقها الأكبر كان على علاقة بامرأة تُدعى دوريكا، وهي امرأة غنية وبائعة نبيذ. اشترت دوريكا كاراكسوس الذي كان أسيراً لدى المصريين وحررته.
وتشكو صافو في قصائدها من الشقيق الأكبر بسبب علاقته بدوريكا. وعلى ما يبدو، كانت هناك قصة في القرن الأول قبل الميلاد، مفادها أن أحد الأهرامات المصرية تم بناؤه على يد عاشق دوريكا، أي شقيق صافو. الشيء الوحيد الذي نعرفه عن شقيقها الآخر أنه كان يبيع النبيذ لحكومة ميتيليني المحلية، ومن هنا يمكن استنتاج أن صافو كانت من عائلة ثرية في لسبوس، وكانت تمتلك مزارع وكروماً كبيرةً، كما يقول البعض إنها تزوجت من تاجر يوناني يُدعى كيركولاس، عندما كانت في سن المراهقة.
على الرغم من اكتشاف أعمال صافو في مصر، إلا أنها كانت شاعرةً يونانيةً من القرن السابع قبل الميلاد. وُلدت في جزيرة لسبوس في اليونان.
وفي القرن الرابع الميلادي، خُلقت قصص وأساطير عديدة حول صافو، بما في ذلك أنها كانت بنت هوى تعزف على القيثارة وتغني قصائدها، أو أنها وقعت في حب بحّار وبعد سماعها برفضه إياها، ألقت بنفسها من أعلى هاوية وانتحرت. كما يقول البعض إنها كانت مديرةً لمدرسة البنات وكانت قصائد حبّها تحكي عن الحبّ الأفلاطوني، وليس عن حبها الجنسي لطالباتها.
ويكتب الفيلسوف اليوناني القديم مكسيموس أوف تير: "صابو جميلة، لأن سقراط كان يحب أن يسميها كذلك، لجمال أشعارها وجمال نفسها، برغم أنها كانت قصيرة القامة وذات بشرة داكنة". كما ادّعى كاتب قديم آخر أن "صافو كانت تعاني من إعاقة جسدية، وكانت مثل عندليب بأجنحة مشوّهة وجسم قصير جداً". ويدّعي بعض الباحثين الأمريكيين المعاصرين أن صافو كانت سوداء البشرة.
ربما تأتي فكرة أن صافو كانت صغيرةً وقصيرةً من إحدى قصائدها التي تقول فيها إن يدَيها لا تصلان إلى السماء لأنها صغيرة. لكنها في الحقيقة عدّت نفسها في هذه القصيدة صغيرةً أمام المجرّة والسماء الضخمة، وربما يكون سبب عدّها سوداء البشرة، لون بشرتها الحنطي أو الزيتوني، وهو أغمق بكثير من لون الأوروبيين وبعض اليونانيين.
قصة حبّ صافو وأثيس... في رواية ويل ديورانت
كانت أثيس طالبة صافو. كتب الفيلسوف والكاتب الأمريكي ويل ديورانت، مؤلف كتاب "قصة الحضارة"، أن صافو تزوجت من تاجر ثري وأنجبت منه ابنةً، ولكن سرعان ما توفي زوجها فأنشأت مدرسةً للنساء كانت الأولى من نوعها في ذلك الحين، وكانت تعمل على تعليم السيدات الشعر والموسيقى والرقص. وصافو التي لم يكن لها زوج في ذلك الوقت، وقعت في حب طالباتها، وحول هذا الموضوع تقول: "لقد حطم الحبُّ روحي، مثل الرياح التي تضرب وتسقط أشجار البلوط".
وفي قصيدة موجهة إلى أثيس تقول: "لقد أحببتك منذ زمن طويل، عندما كنت أنا عذراء في المهد، وكنت أنتِ يا أثيس طفلةً صغيرةً ومتمردة". عندما قبلتْ أثيس حبََ أحد الشباب، عبّرت صافو عن غيرتها في قصيدة:
"ذلك السعيد الذي يجلس بجانبك
وينظر إليك كالإله
ذلك الرجل الذي يستمع إلى كلماتِكِ
الرقيقةِ في صمت
والابتسامة اللطيفة التي تصنعينها
تُرجِف قلبي المؤلم في صدري
ويزداد شوقي إلى لقائك
حين كُتم صوتي
وعجز لساني
اشتعلتْ نارٌ بداخلي
عيناي لم تعد تريان
وأذناي تطنّان بالضجيج
العرق يتدفّق من جسدي
والموت يهدّدني
وأنا غارقة في نشوة حبّك".
أشاد الفيلسوف اليوناني سقراط، بشِعر صافو، ووصفَها بأنها "جميلة". كما قال أفلاطون عن صافو: "يعتقدون أنه لا يوجد أكثر من تسعة آلهة للفن. يا له من خطأ جسيم! فصافو لسبوس هي الإلهة العاشرة"
حين علمت أسرة أثيس بحب صافو لطفلتها، أخرجتها من تلك المدرسة وجعلت صافو تعاني بشدة. تقول صافو لأثيس: "اذهبي، لكن تذكريني أيضاً، لأنك تعلمي كم أحبك، وإذا لم تتذكريني، فسوف أذكّرك بما نسيته، من الحياة السعيدة والجميلة التي عشناها معاً. عندما كنت بين ذراعيّ، وزينت شعرك المجعد بزهور البنفسج، وغطيت رقبتك الرقيقة بالزهور، ووضعت على بشرتك الرقيقة والجميلة الزيت الثمين. لم يكن هناك تلة أو مكان مقدس أو نهر ماء إلا ذهبنا إليه معاً، ولم يملأ النبع أي غابة بغناء العندليب إلا عندما كنا نسير هناك".
وبرغم أن أعمال صافو أصبحت مشهورةً جداً في عصرها، وتم الحفاظ عليها حتى قرون لاحقة، إلا أنه لم يبق لدينا اليوم سوى أجزاء من أعمالها، لا سيما بعد سيطرة المسيحيين على مكتبة الإسكندرية، حيث تم حرق أعمالها كونها أعمالاً فاحشةً، وعلى سبيل المثال: في عام 1073، أحرقت السلطات الدينية في القسطنطينية وروما أعمال صافو. بالرغم من ذلك، يعتقد العديد من الباحثين أنه ربما لا تزال المزيد من أعمال صافو موجودةً في المتاحف أو المكتبات ولم يتم اكتشافها بعد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 4 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 4 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ اسبوعينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.