تألّق الرياضيون/ ات العرب بشكل كبير في بارالمبياد باريس 2024، المخصّص للرياضيين/ ات من ذوي الإعاقات الحركية، ونجحوا في تحقيق 55 ميداليةً مختلفةً. وقد اعتاد الرياضيون/ ات العرب التألّق في هذه المسابقة، وغالباً ما كانت نتائجهم/ نّ فيها، أفضل من النتائج في دورة الألعاب الأولمبية، وهناك العديد من الأرقام القياسية المسجّلة بأسمائهم/ نّ.
كيف بدأت حكاية البارالمبياد؟
تعود فكرة تنفيذ مسابقات رياضية للأشخاص من ذوي الإعاقة إلى فترة بعيدة. ففي أواخر القرن التاسع عشر، تمّ إنشاء فريق رياضي في العاصمة الألمانية برلين، مخصص للأشخاص الأكفّاء، حيث كانوا يلعبون ويتنافسون في بعض الرياضات مثل الجري والفنون القتالية ضمن قواعد ومعايير تضمن سلامتهم.
مع مرور الوقت تطوّر الأمر وصار يتم تكييف بعض الرياضات لتتلاءم مع أصحاب وصاحبات الإعاقات الحركية، كذلك ظهرت رياضات جديدة يمارسها فقط ذوو الاحتياجات الخاصة، مثل سباق الكراسي المتحركة التي يستخدمها الأشخاص غير القادرين على السير على أقدامهم، وكرة الهدف المخصصة للأكفّاء وغيرهما.
بنجاح استثنائي تألّق الرياضيون/ ات العرب بشكل كبير في بارالمبياد باريس 2024، المخصّص للرياضيين/ ات من أصحاب الإعاقات الحركية، وتمكنوا من تحقيق 55 ميداليةً مختلفةً.
خلال أولمبياد 1948، الذي احتضنته العاصمة البريطانية لندن، تم تنظيم سباق بالكراسي المتحركة بين 16 جندياً وجنديةً كانوا قد أصيبوا بالشلل خلال الحرب العالمية الثانية، وقد ألهمت هذه اللفتة الإنسانية يومها المنظمات والجمعيات المهتمة بذوي الاحتياجات الخاصة، وبدأت تتشكل فكرة تنظيم أولمبياد مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة، فأبصرت الفكرة النور للمرة الأولى في روما 1960، بمشاركة 400 رياضي من 23 دولةً، وقد اقتصرت هذه النسخة على ثماني ألعاب هي الرماية وألعاب القوى والسنوكر والسباحة وتنس الطاولة والمبارزة وكرة السلة على كراسٍ متحركة.
في العام 1989، تأسّست اللجنة الدولية البارالمبية في مدينة دوسلدورف الألمانية، كمنظمة غير ربحية هدفها رعاية الـParampics، وهي كلمة يونانية تعني ألعاب أولمبية موازية للمعوّقين حركياً، باعتبار أنها تُقام بالتوازي مع الألعاب الأولمبية، وصارت تنظّم البارالمبياد مرةً واحدةً كل أربع سنوات، ابتداءً من عام 1992 في برشلونة، وذلك في المدينة نفسها التي تُقام فيها الألعاب الأولمبية الصيفية، وتبدأ بعد فترة قصيرة من نهاية الأولمبياد.
تاريخ المشاركات العربية في البارالمبياد
جرت العادة أن يحصد الرياضيون العرب ميداليات من الأنواع الثلاثة في دورات البارالمبياد، أكثر مما يحصدونه في الأولمبياد، وقد بدأ التألق العربي في هذه المسابقة منذ نسخة العام 1976، في مدينة تورنتو الكندية، إذ حصلت مصر على خمس ميداليات ذهبية، وازداد عدد الدول العربية المشاركة في النسخ اللاحقة وتألّق الرياضيون العرب بشكل لافت.
في نسخة العام 1980، في أرنهايم في هولندا، شارك رياضيون من مصر والكويت والسودان في البارالمبياد، وحقّقوا 14 ميداليةً مختلفةً، وتواصل التألق مع الوقت، وكان بارزاً حصول فلسطين للمرة الأولى على ميدالية برونزية في بارالمبياد سيدني في أستراليا عام 2000، بينما كانت أفضل مشاركة عربية على الإطلاق في دورة 2004 في اليونان، مهد الألعاب الأولمبية، حيث حقق الرياضيون العرب 77 ميداليةً.
تألّق عربي في بارالمبياد 2024 في باريس
شارك 214 رياضياً ورياضيةً عربياً/ ةً في بارالمبياد باريس 2024، يمثّلون/ ن 17 دولةً عربيةً، وقد نجحوا في حصد حصة وافرة من الميداليات بلغت 17 ذهبيةً و13 فضيةً و17 برونزيةً.
من المعروف أن معظم الدولة العربية لا تولي الاهتمام اللازم لمواطنيها ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث أشار تقرير للـ"يونيسكو"، نُشر في العام 2017، إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الإعاقات والصعوبات الحركية في المنطقة العربية هم من أكثر الفئات السكانية تهميشاً، وكثيراً ما يغيبون عن الحياة العامة بسبب صعوبة انخراطهم في البيئة الاجتماعية والمادية، وهم أكثر عرضةً للضرر بفعل الأزمات والكوارث، كما أن التقارير حول النزاعات العنيفة التي تشهدها المنطقة نادراً ما تتطرق إلى محنة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين لا يستطيعون الهروب من الدمار، أو لا يدركون المخاطر التي تهددهم، وحتى يمكن أن تتخلى عنهم عائلاتهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مقابل كل شخص يُقتل، هناك عدد أكبر يُصاب إصابات بالغةً أو يتعرض لإعاقات دائمة.
خلال أولمبياد 1948 في لندن، تم تنظيم سباق بالكراسي المتحركة بين 16 جندياً وجنديةً كانوا قد أصيبوا بالشلل خلال الحرب العالمية الثانية، وقد ألهمت هذه الفكرة المنظمات المهتمة لتأسيس أولمبياد مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة، وأبصرت الفكرة النور للمرة الأولى في روما 1960، بمشاركة 400 رياضي من 23 دولةً
بالإضافة إلى دفعهم الثمن الأكبر للحروب، فإن أصحاب وصاحبات الإعاقات الحركية، حتى في الدول العربية التي لا تشهد نزاعات وحروباً، يعانون من التهميش وغياب الرعاية، وقلّما يحترم المواطنون المساحات والممرات المخصصّة لهم، كما أن الأشخاص من ذوي الإعاقة البصرية والسمعية لا يحصلون على حقهم في الوصول إلى المعلومات والموارد، بالرغم من بعض المبادرات التي بدأت تظهر في السنوات الأخيرة لتحسين أوضاعهم.
برغم كل ما سبق، فإن هؤلاء الرياضيين والرياضيات يثبتون نجاحهم الرياضي في البارالمبياد مرةً بعد مرة، وعلى صعيد النسبة والتناسب، فإن نتائجهم أفضل بشكل لا يقارن مع مواطنيهم من الأصحّاء في الألعاب الاولمبية، بالرغم من أن هؤلاء، أي الأصحّاء، يحصل بعضهم على رعاية كبيرة من دولهم التي ترصد ميزانيات لدعمهم سواء في الرياضات الفردية أو الجماعية، طمعاً في تحقيق إنجازات رياضية تستخدمها الأنظمة في تلميع صورتها.
نجاحات الرياضيين العرب في البارالمبياد تخفي في طياتها قصص المثابرة والسعي نحو التميّز ومحاربة الصعوبات مهما بلغت.
نجلة عماد تنتصر على العبوة الناسفة
خسرت الطفلة العراقية نجلة عماد، في عمر الأربع سنوات، يدها وقدميها بعدما استهدفت عبوة سيارة والدها، وهو جندي في الجيش العراقي، في مدينة بعقوبة في محافظة ديالي مسقط رأسها، في العام 2008.
بيد واحدة ومن دون قدمين، قررت الطفلة نجلة عدم الاستسلام، فبدأت بتعلّم لعبة تنس الطاولة. تدرّبت في البدء على طاولات جُمعت من ساحة للخردة؛ راحت تستند بيدها اليمنى المقطوعة حتى الكوع على عكازها الخشبي، وتمسك المضرب بيدها اليسرى وتسدد ضرباتها مطيحةً بكل الخصوم الذين يقفون في وجهها.
أثبت الرياضيون من أصحاب الإعاقات الحركية نجاحهم الرياضي في البارالمبياد مرةً بعد مرة، وعلى صعيد النسبة والتناسب، فإن نتائجهم أفضل بشكل لا يقارن مع مواطنيهم من الأصحّاء في الألعاب الاولمبية.
في سنّ الـ16 فقط، خطفت نجلة عماد الأنظار وحققت الميدالية الفضية في بارالمبياد 2020 في طوكيو، لتعود وتدخل التاريخ في باريس 2024، وتهدي بلاد الرافدين الميدالية الذهبية الأولى على الإطلاق في الألعاب البارالمبية.
فوز نجلة عماد، بذهبية البارالمبياد، انتصار أيضاً على أصحاب ثقافة القتل والتدمير وزرع العبوات والقنابل، ورسالة لكل من أفقدته الحرب أطرافه أو حواسه، تفيد بأنه قادر أيضاً على أن يقف في أكبر محفل رياضي دولي، ويقبّل الميدالية الذهبية على مرأى من كل العالم.
عمر قدورة بطل لا يعرف الاستسلام
حقق البطل الأردني عمر قدورة، الميدالية الذهبية في رفع الأثقال لوزن 49 كلغ، بعدما رفع وزناً يساوي أربعة أضعاف وزنه تقريباً، ليهدي بلاده ميداليةً ذهبيةً، مع العلم بأنه كان قد حصد الميدالية الذهبية في بارالمبياد طوكيو 2020، وفضية بارالمبياد ريو دي جانيرو 2016، وبكين 2008.
فقد عمر قرادة، الجزء الأسفل من جسده، فأصرّ على تحويل هذه الإعاقة إلى طاقة من خلال الإصرار والتحدي والمثابرة، فبدأ بممارسة رفع الأثقال في العام 2003، عندما كان في سنّ الـ20، وقد فاز ببطولة العالم وبعدد كبير من البطولات المحلية والقارّية.
يقول عمر قرادة، إنه يحظى بدعم كبير من عائلته، خاصةً زوجته وهي رافعة أثقال أيضاً، ويشير إلى أنه سيبدأ استعداداته لحصد ذهبية مونديال 2028، في لوس أنجلوس، بالرغم من أنه سيكون في سنّ الـ45 حينها.
طالبة كلية الآداب ترفع الذهبية البارالمبية
رحاب رضوان، شابة مصرية من محافظة الشرقية، تقول إن الرياضيين العرب الذين حققوا ميداليات ذهبيةً في البارالمبياد من قبل، ألهموها وأعطوها الدافع لكي تكون بطلةً بدورها.
أصيبت رحاب بشلل الأطفال عندما كانت رضيعةً. شلل يعني أن الكثير من وظائفها الحيوية لن تعمل بشكل سليم طوال حياتها، إلا أنها امتلكت عوضاً عن ذلك عزيمةً صلبةً لا تلين، جعلتها تواجه كل المصاعب التي واجهتها وتنتصر عليها.
بدأت رحاب بممارسة رياضة الأثقال في سنّ متأخرة نسبياً، كانت تدرس الأدب العربي في جامعة الزقازيق عندما تعرف إليها أحد المدربين ونصحها ببدء ممارسة رفع الأثقال وبدأ بمتابعتها.
وقد نجحت رحاب رضوان أخيراً في تحقيق الذهبية بعدما حصلت على الفضية في النسختين السابقتين من البارالمبياد في طوكيو 2020، وريو دي جانيرو 2016، بالإضافة إلى تحقيقها أربع ميداليات ذهبية في بطولة العالم، لتكون واحدةً من أنجح الربّاعات في البارالمبياد على الإطلاق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 9 ساعاتعن أي نظام تتكلم عن السيدة الكاتبة ، النظام الجديد موجود منذ سنوات ،وهذه الحروب هدفها تمكين هذا...
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...