شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
كيف رأيتُ مريدي

كيف رأيتُ مريدي "آل البيت" في زياراتي الروحانية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"الحسين بيطبطب على اللي قلبه طاهر"؛ جملة قالها لي صديقي حينما أرسل لي صورةً لطيور الحمام فى ساحة مسجد الحسين في القاهرة، وأخبرني بأنه دعا لي من أمام المقام. لم أكن أشعر بقيمة جملته إلا بعد زيارتي للحسين؛ شعرت أن الحسين هدهدَ قلبي ولأم جرحي دون أن أدري أي سحر فعل.

عنوان جميل بندر كتابه "كمن زار الله في عرشه"، ويقصد زيارة مقام الحسين. استوقفتني فقرة في الكتاب عن زيد الشحام: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما لمن زار قبر الحسين؟ قال: كمن زار الله في عرشه". حديث ورد في بعض الروايات، مفاده أنّ مَن زار الإمام الحسين كان كمَن زار الله في عرشه، أو فوق عرشه، ومن هنا كان الدافع لبداية زيارتي الروحانية لمسجد الحسين.

بمجرد الاقتراب من المسجد، نظرت إلى مريدي الحسين لأول مرة بعين متأمّلة. يزدحم المقام بالفئات العمرية كافة من الأطفال حتى الشيوخ، وأغلبهم يحملون الحقائب على ظهورهم لتعبّر عن طول المسافات التي قُطعت من أجل الزيارة. تفرّقهم الطبقات ويجمعهم السياج المتلألئ بالذهب الخالص، والذي يحتضن قبر الحسين. يقف كلّ منهم ملامساً السياج يبوح بأسراره وأمنياته. أغلب الزوار من الشباب المصريين واللاجئين والسياح والطلاب، وممن يسكنون المحافظات.

 يزدحم المقام بالفئات العمرية كافة من الأطفال حتى الشيوخ، وأغلبهم يحملون الحقائب على ظهورهم لتعبّر عن طول المسافات التي قُطعت من أجل الزيارة. تفرّقهم الطبقات ويجمعهم السياج المتلألئ بالذهب الخالص، والذي يحتضن قبر الحسين

يرتدي أغلب مريدي الحسين شالاً أخضر تيمّناً به، وقبعات خضراء، وترتدي المريدات الأبيض والأخضر ويلبسن السبح الطويلة، لهنّ هيئة مميزة ويتضرعن على عتباته بسبب الزحام الشديد.

عادات مصرية غريبة

اعتاد المصريون على التبرّع في مساجد آل البيت، سواء لتحقيق دعواتهم أو كـ"نذور" يسددونها بعد تحقق الدعوة. يلقي زوّار المقام الأموال من "فتحات" ضيقة في السياج، وكأنهم يعتقدون أن الصناديق تحول دون وصولها إلى الحسين ذاته، وهكذا يراها أوضح! الأموال من جميع الفئات وتعبّر عن جميع الطبقات.

يؤكد الدكتور عبد الغني هندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، في تصريح لرصيف22، أن زوّار مسجد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة، متشابهون، والاختلاف يكمن في المريدين، فلكل مسجد مريدون يقيمون فيه ويختلفون في سماتهم عن بعضهم بعضاً، ولكل مريد منهم قصة مختلفة وأسباب للتعلق بالأضرحة، مشيراً إلى أن عدد زوار مسجد الحسين يتخطى المليوني زائر شهرياً، ويتضاعف العدد في أشهر الاحتفال، حيث يتم الاحتفال بالحسين ثلاث مرات في السنة: في ذكرى مولده، وذكرى وفاته، وفي الرجابية، والمقصود بها الاحتفال بمولده هجرياً. ويزور مقام الحسين أكثر من 80 ألف شخص غير مصري شهرياً، سواءً من المصريين وسكان مصر من غير المصريين والسياح.

تاريخ بناء مسجد الحسين

وفقاً للهيئة العامة للاستعلامات المصرية، بُني مسجد الحسين في عهد الفاطميين سنة 549 هجرية، الموافق لسنة 1154 ميلادية، تحت إشراف الوزير الصالح طلائع. وفي أواخر العصر الأيوبي وفي سنة 1235م، شرع الشيخ أبو القاسم بن يحيى بن ناصر السّكري، المشهور باسم "الزرزور"، في بناء مئذنة فوق باب المشهد المعروف حاليّاً باسم "الباب الأخضر"، وتوفي أبو القاسم بن يحيى قبل أن يتم بناء المئذنة، فأتمّها ابنه سنة 1236م.

وفي سنة 1862، أمر الخديوي إسماعيل بتجديد المشهد وتوسعته وبناء الجامع الحالي، وتم بناء الجامع سنة 1873، وبناء مئذنته الحالية على طراز المآذن العثمانية سنة 1878م، وفي سنة 1893 أمر الخديوِي عباس حلمي الثاني ببناء غرفة في الناحية الجنوبية لقبة المشهد، خُصِّصت لحفظ الآثار النبوية الشريفة التي تشمل قطعةً من قميص النبي محمد، ومكحلةً وموردين وقطعةً من عصاه وشعرتين من اللحية، بالإضافة إلى مصحفين نُسِب أحدهما إلى عثمان بن عفان، والآخر إلى علي بن أبي طالب.

تسمية المسجد بالحسين

سُمّي المسجد بهذا الاسم استناداً إلى روايات قسمٍ من المؤرخين المصريين تفيد بوجود رأس الحسين بن علي مدفوناً فيه، إذ تذكر هذه الروايات أنه مع بداية الحروب الصليبية خاف حاكم مصر، الخليفة الفاطمي، على "الرأس الشريف" من الأذى الذي قد يلحق به في مكانه الأول في مدينة عسقلان في فلسطين، فأرسل يطلب إحضار الرأس إلى مصر، وحُمل "الرأس الشريف" إلى مصر، ودُفن في مكانه الحالي، وأقيم المسجد فوقه.

زيارتي الروحانية

زغاريد "أم العواجز"

تتلألأ الفضّة المرصّعة بالذهب الخالص وتلمع في مقام السيدة زينب، حيث كشف مصدر في وزارة الأوقاف أنه تم استخدام 20 طنّاً و300 كيلو فضة، و16 كيلو ذهب لتطوير ضريح السيدة زينب، التي تارةً ينادونها "أم العواجز" أو "أم هاشم" وتارةً "أم البشائر"، وكلها أسماء يرددها كلٌّ من المريدين وفقاً لحالتهم النفسية والصورة الذهنية التي لديهم عن السيدة زينب.

مسجد الحسين

"دستة شمع يا أم هاشم"؛ جملة شعبية معروفة يرددها زوار السيدة زينب كـ"نذر" لها إذا تحققت الدعوة. يدخل مريدو السيدة زينب عليها بالزغاريد تيمّناً لمباركتها إياهم، فلا يمرّ أكثر من ساعة إلا ونسمع زغاريد السيدات، ويدخل عليها المريدون من الرجال بالتهليل والمدح بأصوات مرتفعة، فالمقام دائماً في حالة فرح من مريديه وتهليل وتكبير.

هللت أم محمد (من الزائرات) قائلةً: "الشفا يا ست... سبت المستشفى وجيتلك". تداوم أم محمد على زيارة "السيدة" أسبوعياً طالبةً الشفاء بيد بها "كانيولا" للعلاج، وتؤكد لنا أنها لا تستطيع الحجز فى المستشفى لأكثر من 5 أيام، وأن تنقطع زيارتها عن السيدة، وقد قامت بالخروج لزيارتها والدعاء بالشفاء ثم العودة مرةً أخرى.

صور فتيات معلقة على جدران المقام

بجوار مقام السيدة زينب، ثمة صور فتيات معلقة على الجدران، وضعتها والداتهنّ طالبات "الستر" من الله وتوسُّط "أم البشائر". خطوط "الجوابات" الملقاة من فتحات مقام السيدة زينب، يتضح أنها لفئات عمرية تتخطى الخمسينات من العمر، فهناك علامة مميزة لخطوط الأمهات المصريات من مواليد السبعينيات. أحد الخطابات الملقاة يحمل جملة "نفحاتك يا أم العواجز... استري بنتي". مريدو السيدة زينب من كل فئات المجتمع، ولكن أغلبهنّ موظفات، كما يبدو من لباسهنّ، ويبدو على الرجال أنهم من الطبقة المتوسطة.

أشهر مساجد القاهرة

مسجد السيدة زينب في القاهرة هو أحد أكبر وأشهر مساجد القاهرة عاصمة مصر، ويُنسب إلى زينب بنت علي بن أبي طالب، ويقع في حي السيدة زينب، وطبقاً لمعلومات الهيئة العامة للاستعلامات المصرية تم بناء المسجد فوق قبر السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب وأخت الحسن والحسين. ويروي بعض المؤرخين أن زينب رحلت إلى مصر بعد بضعة أشهر من معركة كربلاء، واستقرت فيها 9 أشهر ثم ماتت ودُفنت حيث المشهد الآن.

وأكد مؤرخون، منهم الرحالة الكوهيني الأندلسي الذي دخل مصر في عصر المعزّ لدين الله الفاطمي، أن المسجد بُني على قبر السيدة زينب منذ العام 85 هجرياً، والخليفة المعزّ هو من أمر ببناء المسجد ونقش على قبته ومدخله.

مقام الحسين

وأعاد بناءه وتشييده الأمير عبد الرحمن كتخدا القازوغلي، في القرن العاشر الهجري، وبنى مقام الشيخ العتريس الموجود الآن خارج المسجد ونقش على المقصورة "يا سيدة زينب يا بنت فاطمة الزهراء مددك". وقامت أسرة محمد علي باشا بتجديد المسجد مرات عدة. وفي عام 2024 تمت توسعته، وافتتحه الرئيس عبد الفتاح السيسي، ضمن خطة الدولة المصرية لعمارة بيوت الله، مبنى ومعنى بصفة عامة، واهتمامها بالقاهرة التاريخية ومساجد آل البيت بصفة خاصة، يرافقه سلطان طائفة "البهرة"، مفضل سيف الدين.

ويضيف الباحث الإسلامي عبد الغني هندي لرصيف22، أن عدد زوّار السيدة نفيسة، يتخطى المليون ونصف مليون شخص شهرياً، ولكن خلال العام الجارى يلاحظ زيادة أعداد الزوار السودانيين للسيدة زينب دوناً عن غيرها من "آل البيت"، ويفسر هذا الإقبال بأن السيدة زينب أقرب إليهم ويحبونها، ومن حيث القرب المكاني يُعدّ موقع السيدة زينب مكاناً حيوياً بالقرب من المناطق السكنية التي يرتادها اللاجئون السودانيون خاصةً في الفترة الأخيرة، وينخفض عدد زوّار السيدة نفيسة قليلاً، إذ يقلّ عن المليون ونصف مليون زائر بعدد ضئيل شهرياً.

حاملو الورود لـ"نفيسة العلم"

يحمل مريدو السيدة نفسية الأزهارَ ويضعونها على سياج المقام. وعلى الأغلب إنهم يحملون الأزهارَ نظراً إلى قرب المقام من المقابر، فتكون زيارتهم للمقابر مقترنةً بآل البيت، ولكن عند رؤيتهم شعرت بأنهم مقيمون هنا. تُعبّر جلساتهم حول المقام عن الراحة والاستقرار وليس عن العبور فقط للزيارة. يلقون دعواتهم وأمنياتهم ولا مانع أيضاً من إلقاء صورهم وخطاباتهم التي بدت منمقةً بشكل لافت، ولاحظت أن الأموال التي تُلقى في مقام السيدة نفيسة، من فئة العشرين جنيهاً حتى الـ200 جنيه، والصور الملقاة لشباب وبنات وعائلات، وتُعبّر عن تعدد الدعوات.

المميز في مريدي السيدة نفيسة، الهدوء خلال الزيارة والدعوات، إذ لم ترتفع الأصوات ولم نجد الزحام المعتاد في الأضرحة الأخرى. يجلس المريدون في هدوء يعبّر عن مدى وعيهم وثقافتهم، ويتحدثون بالهمس. سماح محمود، امرأة أربعينية، وهي زائرة دخلت المقام تقبّل كل ركن فيه، ثم رحبت بالعاملات في المقام وكأنها تعرفهم عن ظهر قلب، توضح لنا أن زوّار السيدة نفيسة بمجرد دخولهم المقام يشعرون بالسكينة، لذلك لا نسمع أصواتاً.

تأتي سماح يومياً إلى المسجد لتعليم النساء صلاة التسابيح وتصلّي بهم، وتتحدث عن شدة تعلقها بالسيدة نفيسة وحبها للتعلم ونشر العلم مثلها، ومن الملاحظ أن مريدي السيدة نفيسة يوصون بصلاة الجنازة عليهم في مسجدها بعد وفاتهم، كما سمعت خلال زياراتي لهذا المسجد.

"الحسين بيطبطب على اللي قلبه طاهر"؛ جملة قالها لي صديقي حينما أرسل لي صورةً لطيور الحمام فى ساحة مسجد الحسين، وأخبرني بأنه دعا لي من أمام المقام

غالباً ما يكون مريدو السيدة نفسية من أبناء "الطبقة العليا" من المجتمع. أغلب النساء لا يرتدين الحجاب ولكن يضعنه احتراماً للمسجد. أما الرجال فتبدي هيئتهم بأنهم في مستوى علمي مرتفع حتى من يرتدون الجلباب منهم يبدو عليهم نوع من الثراء بجانب الزوّار العابرين، ولكن المريدين لهم هيئة من الوقار والهدوء ويتحدثون بالهمس في مقام "نفيسة العلم"، وعلى الأغلب قرب السيدة نفيسة من المقابر أعطى المكان هدوءاً خاصاً، فجعل مريديها من زائري القبور.

ويقول حازم خالد، في كتابه "مساجد آل البيت"، إن زوّار السيدة نفيسة من نوع خاص تعلّقوا بالمكان منذ سنوات طويلة، لكونها تحظى بمكانة خاصة في قلوب أهل الفن والسياسة، حتى أن فرحة الشباب والفتيات المقبلين/ات على الزواج لا تكتمل إلا إذا تم عقد قرانهم في دوحة السيدة نفيسة.

أعرق مساجد القاهرة

يُعدّ مسجد السيدة نفيسة، من أعرق المساجد في محافظة القاهرة لاحتوائه على مقام السيدة "نفيسة بنت الحسن"، وهي من أهل بيت النبي، حسب معلومات الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ويُعدّ أول مسجد في طريق يُعرف بطريق "آل البيت"، وهو طريق يضمّ محطات مشرفةً عدة منها: مشهد الإمام علي زين العابدين، ومشهد السيدة زينب بنت الإمام علي، ومسجد السيدة سكينة بنت الحسين، والسيدة رقية بنت الإمام علي بن أبي طالب، ومحمد بن جعفر الصادق، والسيدة عاتكة عمّة الرسول محمد.

وجاء في كتاب "المواعظ والاختبار بذكر الخطط والآثار" للمقريزي، أن عبيد الله بن السري، والي مصر، هو أول من بنى على قبر السيدة نفيسة من قبل الدولة العباسية، ثم أعيد بناء الضريح فى عهد الدولة الفاطمية، وأضيفت إليه قبّة، وأعيد تجديد هذه القبة في عهد الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله، كما تم كساء المحراب بالرخام سنة 532 هـ/1138م.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard