الوصول إلى مسجد الحسين، أو "سيدنا الحسين" كما يسمّيه المصريون، من أسهل ما يكون. كل ما عليكم القيام به هو بلوغ ميدان العتبة الشهير في القاهرة، ومن هناك ستجدون سيارات صغيرة عديدة ينادي سائقوها بصوت عالٍ "الحسين، الحسين"، وببضعة جنيهات ستنقلكم هذه السيارات إلى المكان الذي يعتبره الكثيرون من رائحة النبي محمد...
وصلتم المكان؟ أهلاً بكم في المسجد الذي يُجمع المصريون على عشقه وعشق صاحبه الذي يلقبونه بـ"سيد شباب أهل الجنة".
للمكان حياة خاصة في أيام رمضان. بائعو الفوانيس ينتشرون في كل مكان، والزينة المعلقة تجعل رؤية السماء مهمة صعبة، فالفوانيس تغطي كل الشوارع المحيطة بالمسجد، والمطاعم المجاورة تجهز قوائم طعامها لاستقبال الصائمين بأشهى المأكولات وقت الإفطار والسحور...
تعالوا نتعرف على خمسة أمور ربما لا تعرفونها عن هذا المسجد.
بركة الباب الأخضر
بُني المبنى الضخم، مسجد الحسين، في عهد الفاطميين، وبالتحديد في العام 549 هـ الموافق لعام 1154 ميلادية، تحت إشراف الوزير الصالح طلائع.
يضم المسجد ثلاثة أبواب تطل على أشهر شوارع القاهرة الفاطمية وهو شارع خان الخليلي، لكن هناك باباً آخر بجوار القبة يُعرف بالباب الأخضر، ويقول الكثيرون من المصريين البسطاء إن زيارة الباب الأخضر في حد ذاتها بركة، أو كما يقول الحاج رجب، أشهر بائع سبح في المنطقة، ويقف منذ سنوات طويلة أمام هذا الباب، لرصيف22: "حين تزورون الباب الأخضر ستشعرون بروح الحسين تستقبلكم وترحب بكم".
السبب في عشق الكثيرين من المصريين للباب الأخضر هو اعتقادهم بأن رأس الحسين حين أحضر إلى مصر مرّ عبره، وكان ملفوفاً بحرير أخضر اللون، لذلك سُمّي الباب بالباب الأخضر، ويقال كذلك إن دماءً من رأس الحسين سقطت عند هذا الباب.
هل رأس الحسين في المسجد فعلاً؟
يؤمن أغلب المصريين أن المسجد سمّي بهذا الاسم نظراً لوجود رأس الإمام الحسين مدفوناً فيه، وتحكي روايات أنه مع بداية الحروب الصليبية خاف حاكم مصر الخليفة الفاطمي على رأس الحسين من الأذى الذي قد يلحق به في مكانه الأول في مدينة عسقلان الفلسطينية، فأرسل يطلب إحضاره إلى مصر. وبعد ذلك، حمل الرأس الشريف إلى مصر، ودفن في مكانه الحالي وبني المسجد في المكان نفسه.
لكن انتظروا. ليست هذه الرواية الوحيدة التي تتردد عن الحسين، فهناك رواية تقول إن الرأس ليس مدفوناً في المسجد، وهو ليس في مصر أصلاً. أحد المؤمنين بهذه الرواية هو الباحث في معهد البحوث والدراسات العربية، أحمد حسين، الذي يقول لرصيف22 إن الرواية التاريخية الأكثر دقة تفيد بأنه مع مطلع فجر العاشر من مُحرم عام 61 هـ انطلقت أحداث معركة كربلاء في العراق، بين جيش حفيد النبي محمد وجيش يزيد بن معاوية، وبعد ساعات من القتال مات الحسين وقام أحد الأشخاص بقطع رأسه.
لكن أين استقر الرأس؟ يجيب حسين أن هذا الأمر موضع خلاف شديد، إذ هناك من يقول إن الرأس في سوريا، ومن يقول إنه في المدينة المنورة، ويؤكد آخرون أنه في كربلاء ولم يخرج من العراق، ويضيف أنه لا يوجد أي دليل على أن الرأس في مصر.
لكن لا تحاولوا أن تناقشوا المصريين في ذلك، فهم يؤمنون أن رأس الحسين في بلدهم، وأنه يجعل حياتهم ملأى بالخير والبركة.
معركة أنيس منصور والأوقاف المصرية
في ثمانينيات القرن الماضي، كتب الكاتب المصري أنيس منصور مقالاً حمل وجهة نظره في الموضوع، خلاصتها أن أحباء الحسين طافوا برأسه في ثماني مدن هي: كربلاء والمدينة المنورة ودمشق والقاهرة وعسقلان وحلب والرقة، إلى أن استقر به المقام في دمشق.
وتسبب مقال منصور بجدل كبير وقتذاك داخل مصر، حتى أن وزارة الأوقاف المصرية أعلنت أنها نزلت إلى مكان الرأس فوجدته في حجرة صغيرة ملفوفاً في قماش أخضر والحجرة تشع برائحة المسك والزعفران معاً، مؤكدة أن الرأس موجود في الضريح وأنها ترفض ما جاء في مقال منصور.
هل رأس الحسين مدفون فعلاً في المسجد الذي يحمل اسمه في القاهرة القديمة؟ باحث في التاريخ يجيب عن أسئلة رصيف22 بشأن أمور قد لا تعرفونها عن مقام حفيد النبي محمد والذي يشكل أبرز معالم القاهرة القديمة
محتويات مسجد الحسين
حين تدخلون مسجد الحسين، تلاحظون أنه يشتمل على خمسة صفوف من العقود المحمولة على أعمدة رخامية، أما محرابه فمبني بقطع صغيرة من الفسيفساء الملوّن، وهو مصنوع عام 1303 هـ، وهناك أيضاً منبر من الخشب يجاوره بابان يؤديان إلى القبة وثالث يؤدي إلى حجرة المخلفات التي بنيت في العام 1311 هـ.
والمسجد مبني بالحجر الأحمر على الطراز الغوطي، أما منارته فتقع في الركن الغربي القبلي، وقد بنيت على نمط المآذن العثمانية، فهي أسطوانية الشكل، ولها دورتان وتنتهي بمخروط.
داعية سلفي طالب بهدم الضريح
عام 2017، أثار الداعية السلفي سامح عبد الحميد حمودة جدلاً كبيراً في مصر حين طالب بهدم ضريح الحسين، مؤكداً أن لا صحة لوجود رأس الإمام الحسين بالمسجد، وأن كل ما يتردد في هذا الشأن مجرد أكاذيب.
وفي حواره مع رصيف22 يقول الداعية السلفي إنه بحث في الكثير من الكتب والمراجع الدينية، حتى خلُص إلى أن رأس الحسين موجود في السعودية، بحسب قوله، لذلك طالب بهدم الضريح الذي يعتبر "خدعة يصدقها المصريون" على حد تعبيره.
أين استقر رأس الحسين حفيد النبي؟ يقول باحث لرصيف22 إن الجواب محلّ خلاف شديد، هناك من يقول إن الرأس في سوريا، ومن يقول إنه في المدينة المنورة، فيما يؤكد آخرون أنه في كربلاء ولم يخرج من العراق، ولا دليل على أن الرأس في مصر
لم يقتنع أحباء الحسين بما قاله حمودة، ووصفوه بعدو الأضرحة، مضيفين أن الفكر السلفي الذي يتبناه يحرّم وجود أضرحة في المساجد.
آثار النبي
في مسجد الحسين حجرة تضم آثار النبي يتبارك بها الزوار من بينها قطعة من قميصه وأربع شعيرات من لحيته والسيف الذي يسمى العضد، وكان هدية للرسول من سعد بن عبادة، والمكحل والمزود اللذان كان النبي يكتحل بهما.
ومن بين الآثار الموجودة في المسجد، قطعة من عصا النبي محمد حين فتح مكة ويقال إنها مدهونة بمادة "الجمالاكا"، كما يوجد أحد المصاحف المنسوبة إلى الإمام علي بن أبي طالب خطّ بالخط الكوفي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ 3 اسابيعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...