شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
في كربلاء أم عسقلان أم القاهرة… أين دُفن رأس الحسين؟

في كربلاء أم عسقلان أم القاهرة… أين دُفن رأس الحسين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتاريخ نحن والحقيقة

الأحد 25 أغسطس 202403:17 م

في سنة 61هـ، قُتل حفيد النبي، الحسين بن علي بن أبي طالب مع عدد من أقاربه وأنصاره في موقعة كربلاء. تتباين أقوال مؤرخي الشيعة في تحديد الجهة التي اضطلعت بمهمة دفن جثمان حفيد الرسول.

يذهب البعض، ومنهم البلاذري (ت 279هـ) في كتابه "أنساب الأشراف" إلى أن أهل الغاضرية (مكان قريب من كربلاء) من بني أسد قاموا بدفن جثامين الحسين وأصحابه في اليوم الحادي عشر من محرم. بينما يذهب البعض الآخر، ومن بينهم السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه "مقتل الحسين" إلى أن الإمام علي زين العابدين بن الحسين هو الذي اضطلع بدفن جثة أبيه في اليوم الثالث عشر من المحرم.

بعيداً عن هذا الخلاف، تتفق المصادر التاريخية في القول بأن رأس الحسين لم يُدفن مع جسده في تلك الفترة. وأنه -أي الرأس- أُرسل بعد المعركة إلى والي الكوفة عُبيد الله بن زياد. ثم حُمل إلى الخليفة الأموي يزيد بن معاوية في دمشق. تُرى ما كان مصير رأس الحسين؟ وما هي أبرز الروايات التي نسبته إلى المقامات المختلفة المنسوبة إليه؟ وما هي أشهر الأساطير التي نُسبت إلى الرأس الشريفة؟

كربلاء

تذكر العديد من المصادر الشيعية أن والي الكوفة عُبيد الله بن زياد أرسل بعلي زين العابدين وزينب بنت علي بن أبي طالب إلى الشام ليُعرضوا على الخليفة يزيد بن معاوية. في هذا السياق، حُمل رأس الحسين إلى البلاط الأموي. بعد أيام، أُطلق سراح الأسرى. فأخذوا رأس الحسين معهم ورجعوا إلى كربلاء، وقام علي زين العابدين بدفن رأس أبيه الشهيد بجوار جثمانه.

تتفق المصادر التاريخية في القول بأن رأس الحسين لم يُدفن مع جسده في تلك الفترة. وأنه -أي الرأس- أُرسل بعد المعركة إلى والي الكوفة عُبيد الله بن زياد

من أشهر الروايات التي تذكر تلك المعلومة، ما ذكره الشيخ محمد بن علي بن بابويه الصدوق (ت 381هـ) في "الأمالي" :  "ثمّ إنّ يزيد -لعنه الله- أمر بنساء الحسين، فحُبسنَ مع علي بن الحسين في محبسٍ لا يكنّهم من حرّ ولا قرّ؛ حتى تقشّرت وجوههم، ولم يُرفع في بيت المقدس حجر عن وجه الأرض إلاَّ وُجد تحته دم عبيط، وأبصرَ الناسُ الشمس على الحيطان حمراء، كأنها الملاحف المعصفرة، إلى أن خرج علي بن الحسين بالنسوة، وردّ رأس الحسين إلى كربلاء".

وما ذكره ابن نما الحلي (ت 645هـ) في كتابه "مثير الأحزان ومنير سُبل الأشجان": "والذي عليه المعوَّل من الأقوال إنه -أي رأس الحسين- أُعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد، ودُفن معه".

من القصص الأسطورية التي ارتبطت بوجود الرأس في كربلاء أن الخليفة العباسي المتوكل على الله، كان شديد الكره لآل البيت، وأنه لمّا تولى الخلافة أمَرَ بهدْم قبر الحسين. فذهب العمال لتنفيذ أمره، ولكنهم وجدوا من يرميهم بالسِّهام. ولمّا حاولوا -أي اتباع المتوكل- أن يرموهم للدفاع عن أنفسهم، ارتدّت عليهم السهام فأصابتهم، فتراجعوا عندها ولم يتمكنوا من هدم الضريح الشريف!

النجف الأشرف

توجد أيضاً العديد من الروايات الشيعية التي ذكرت أن رأس الحسين دُفن في النجف الأشرف بجوار مرقد الإمام علي بن أبي طالب. نُسبت بعض تلك الروايات للأئمة من آل البيت، ومن ثم فإنها تحظى بقدر وافر من الاعتبار عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية. من أشهر تلك الروايات ما أورده محمد بن يعقوب الكليني (ت 329هـ) في كتابه "الكافي" عندما ذكر أن الإمام جعفر الصادق، وهو الإمام السادس عند الشيعة الاثني عشرية، اصطحب ابنه إسماعيل لزيارة مقام علي بن أبي طالب في النجف. فلما وصلا المقام، قال الصادق لابنه:  "...قُمْ فسلّمْ على جدّك الحسين بن علي". فسأله أحد أتباعه "جُعلتُ فداك، أليس الحسين بكربلاء؟ فقال الصادق: نعم، ولكن لمّا حُمِل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا، فدفنه بجنب أمير المؤمنين".

في المعنى نفسه، نقل جعفر بن محمد بن قولويه (ت 368هـ) عن الصادق رواية أخرى في كتابه "كامل الزيارات". جاء في تلك الرواية "إنك إذا أتيت الغري -النجف- رأيت قبرَين؛ قبراً كبيراً وقبراً صغيراً، فأما الكبير فقبر أمير المؤمنين، وأما الصغير فرأس الحسين بن علي".

وردت أيضاً العديد من الآثار التي تؤكد على دفن رأس الحسين في النجف؛ من ذلك ما رواه محمد بن المَشهَدي (ت 594هـ) في كتابه "المزار الكبير" الذي ألّفه في ما يُقال في زيارة مرقد الإمام علي في النجف. جاء في تلك الزيارة: "يا سيدي. يا أمير المؤمنين. ومولاي، وأنت يا أبا عبد الله -يقصد الحسين بن علي-، وسلامي عليكما متصل ما اتصل الليل والنهار".

كذلك أفرد محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104هـ) في كتابه "وسائل الشيعة" باباً بعنوان "استحباب زيارة رأس الحسين عند قبر أمير المؤمنين، واستحباب صلاة ركعتين لزيارة كلٍّ منهما".

ارتبطت فكرة دفن راس الحسين بالنجف ببعض القصص الأسطورية المنسوبة إلى مسجد الحنانة القريب من ضريح علي بن أبي طالب. قيل إن رأس الحسين دفن في أرض هذا المسجد. 

في السياق نفسه ذكر محمد باقر المجلسي (ت 1111هـ) في كتابه "بحار الأنوار ":  "ينبغي أن يُزار الحسين عند قبر أمير المؤمنين، مما يلي رأسه".

بحسب ما يذكر عبد الرزاق حرز الدين في كتابه "تاريخ النجف الأشرف" فإن الاعتقاد بدفن رأس الحسين في النجف كان أمراً شائعاً ومعروفاً في الأوساط الشيعية قديماً حتى "قيل إنّ غازان ملك التتار حينما جاء زائراً مرقد أمير المؤمنين سنة 698 هـ، أمر أن يبنى مسجد على الموضع المعروف قديماً بموضع رأس الحسين، وإنّهم أقاموا لبنائه سنة كاملة ضاربين خيامهم في الصحراء بين النجف ومسجد الحنّانة في الثويّة حتى أكملوه، وعُرف هذا المسجد بعد وإلى يومنا هذا بمسجد الرأس".

من جهة أخرى، ارتبطت فكرة دفن رأس الحسين بالنجف ببعض القصص الأسطورية المنسوبة إلى مسجد الحنانة القريب من ضريح علي بن أبي طالب. قيل إن الرأس الشريف دفن في أرض هذا المسجد. وإنه لمّا وُضع في التراب سُمع صوت كصوت أنينِ فصيل الناقة (ولد الناقة) الذي أضاع أمّه. ومن ثم سُمي المسجد بالحنانة تعبيراً عن الألم الذي شعر به المكان حزناً على حفيد النبي.

المدينة المنورة

من بين الآراء التي قيلت في مكان دفن رأس الحسين بن علي إنه دُفن في المدينة المنورة. ورد ذلك في بعض المصادر السنية، منها كتاب "الطبقات الكبير" لابن سعد (ت 230هـ). يذكر ابن سعد في كتابه أن "يزيد -يقصد الخليفة يزيد بن معاوية- بعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد نائب المدينة، فدفنه عند أمه بالبقيع". مما يضعف هذا القول إن مكان دفن السيدة فاطمة الزهراء -أم الحسين- غير معروف على وجه التحديد. كما أنه لا يوجد أي شاهد تاريخي على وجود قبر/مرقد للحسين في المدينة.

دمشق

يتفق أغلبية المؤرخين على أن رأس الحسين وصل ليد الخليفة الأموي يزيد بن معاوية في دمشق. ويختلف المؤرخون في ما فعله الخليفة بالرأس بعدها. تذكر بعض الأقوال إن يزيد دفن رأس الحسين بالقرب من قبر أبيه معاوية. وقيل إنه -أي يزيد- "أمر بغسل الرأس وجعله في حرير وضرب عليه خيمة ووكل به خمسين رجلاً"، وفق ما ذكر البيهقي في "المحاسن والمساوئ".

في كتابه "البداية والنهاية" يذكر ابن كثير الدمشقي (ت 774هـ) بعض الروايات التي تؤكد على دفن الرأس في دمشق. من تلك الروايات "أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي، فأُخذ من خزانته، فكُفن ودُفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق". ومنها أن يزيد نصب رأس الحسين لثلاثة أيام "ثم وُضع في خزائن السلاح، حتى كان من زمن سليمان بن عبد الملك جيء به إليه، وقد بقي عظماً أبيض، فكفنه وطيبه وصلى عليه ودفنه في مقبرة المسلمين".

من الروايات التاريخية التي تؤكد على دفن رأس الحسين في دمشق، ما نقله شمس الدين الذهبي (ت 748هـ) في كتابه "تاريخ الإسلام" عن شخص مجهول يُدعى بأبي كرب. شارك أبو كرب في الثورة على الخليفة الأموي الوليد بن يزيد سنة 126هـ، ويذكر:  "كنت فيمن توثب على الوليد بن يزيد بدمشق، فأخذت سفطاً وقلت فيه غنائي، فركبت فَرَسي، وخرجت من باب توما، قال: ففتحه، فإذا فيه رأس مكتوب عليها هذا رأس الحسين بن علي، فحفرت فيه بسيفي، فدفنته".

حتى اللحظة، تُحاط منطقة دمشق القديمة بقدر كبير من الاهتمام والتقديس عند الشيعة، ويعتاد العديد من الاثني عشرية على زيارتها والتبرك بها، خصوصاً أنها تحتوي على مقام السيدة زينب بنت علي.

عسقلان

تذكر بعض الروايات أن رأس الحسين دُفن في مدينة عسقلان. لا يوجد تفسير واضح لكيفية وصول الرأس إلى ذلك المكان. قال بعض المؤرخين إن الرأس لمّا خرج من دمشق في أعقاب سقوط الدولة الأموية فإن البعض حمله ودفنه في تلك المدينة. يرى آخرون أن الرأس دُفن في عسقلان في فلسطين منذ فترة مبكرة؛ على سبيل المثال، يقول الشبلنجي الشافعي في كتابه "نور الأبصار في مناقب آل بیت النبي المختار"ك "ذهبت طائفة إلى أن يزيد أمر أن يُطاف بالرأس في البلاد، فطيف به حتى انتهى إلى عسقلان فدفنه أميرها بها".

من المُحتمل أن أمر دفن الرأس في عسقلان لم يشتهر إلا في القرن الخامس الهجري. يشهد على ذلك ما ذكره شهاب الدين النويري (ت 733هـ) في كتابه "نهاية الأرب في فنون الأدب" بأن "رجلاً رأى في منامه وهو بعسقلان أن رأس الحسين في مكان بها، عُيّن له في منامه، فنبش ذلك الموضع، وذلك في أيام المستنصر بالله العبيدي صاحب مصر، ووزارة بدر الجمالي، فابتنى له بدر الجمالي مشهداً بعسقلان".

لا تزال آثار هذا المشهد قائمة حتى الآن، وتحيطها الحكومة الإسرائيلية بالحراسة باعتبارها أحد المزارات المقدسة عند الشيعة. من الكرامات المنسوبة لهذا المقام، أن رأس الحسين لما أخرج من النعش في عسقلان، ظهرت قطرات من الدم على الرأس، وفاحت ريح المسك في كل مكان!

القاهرة

يذكر العديد من المؤرخين أن رأس الحسين انتقل من عسقلان إلى القاهرة في زمن الدولة الفاطمية. يستشهد هؤلاء بما رواه المؤرخ تقي الدين المقريزي (ت 845هـ) في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار". يقول المقريزي: "وكان حمل الرأس إلى القاهرة من عسقلان، ووصوله إليها في يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة". ويذكر أنّ "هذا الرأس الشريف لما أخرج من المشهد بعسقلان وجد دمه لم يجف، وله ريح كريح المسك"

يرى البعض أن نقل الرأس إنما وقع بسبب الخوف عليه مما قد يلحق به من التدنيس أو الامتهان. كان الصليبيون في تلك الفترة يسيطرون على الساحل السوري، وكانوا دائماً ما يعملون على تدنيس المقدسات الإسلامية في أوقات الحرب. آثر الفاطميون أن ينقلوا رأس الحسين إلى عاصمتهم للحفاظ عليه، وأحاطوه بمختلف أنواع التبجيل والاحترام والتقديس. ومن ثم يعتقد الكثيرون أن الرأس مدفون حالياً في المشهد الحسيني المعروف في القاهرة.

آثر الفاطميون أن ينقلوا رأس الحسين إلى عاصمتهم للحفاظ عليه. وأحاطوه بمختلف أنواع التبجيل والاحترام والتقديس. ومن ثم يعتقد الكثيرون أن الرأس مدفون حالياً في المشهد الحسيني المعروف في القاهرة

من القصص الطريفة التي تحيط بدفن رأس الحسين في القاهرة، ما روي بخصوص مقام ومسجد أم الغلام بحي الحسين بالقاهرة. بحسب التقاليد الفلكلورية الشائعة في هذا الحي فإن المقام منسوب لسيدة مسيحية افتدت رأس الحسين برأس ابنها عندما حاول جنود يزيد بن معاوية خطفه. ثم جاءت برأس الحسين إلى مصر.

في كتابه "قاهريات مملوكية" تحدث الروائي المصري جمال الغيطاني عن تلك القصة، وأشار إلى بعض الروايات العجائبية التي تزعم أن رأس الحسين طار من كربلاء إلى القاهرة طوال أربعين يوماً، ثم هبط في حجر إحدى بائعات الفاكهة القبطيات في مصر. تعرفت البائعة على "الرأس الشريف" ورفضت تسليمه للجنود، ثم دفنته في المقام المعروف بأم الغلام.

على الرغم من غرابة القصة، إلا أنها توضح العلاقة المتينة المنعقدة بين الطبقات الفقيرة في المجتمع المصري من جهة، وآل البيت من جهة أخرى؛ فمنذ قرون، التمس المصريون البسطاء الشعور بالحماية والأمن في آل البيت، وظهر ذلك بشكل واضح في تقديس مقامات السيدة رقية، والسيدة زينب، فضلاً عن مقام الحسين.

على الجانب الآخر شكك بعض المؤرخين في وجود رأس الحسين بالقاهرة، وأعلنوا أن قصة نقل الرأس للقاهرة لم تكن إلا نوعاً من أنواع الخداع والكذب والتلفيق التي قام بها الفاطميون للدعاية السياسية.

يقول ابن كثير موضحاً هذا الرأي: "وادعت الطائفة المسمون بالفاطميين... أن رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية ودفنوه بها وبنوا عليه المشهد المشهور به بمصر... وقد نص غير واحد من أئمة أهل العلم على أنه لا أصل لذلك، وإنما أرادوا أن يروجوا بذلك بطلان ما ادّعوه من النسب الشريف، وهم في ذلك كذَبة خونة... قلت: والناس أكثرهم يروج عليهم مثل هذا، فإنهم جاؤوا برأس فوضعوه في مكان هذا المسجد المذكور، وقالوا: هذا رأس الحسين، فراج ذلك عليهم واعتقدوا ذلك والله أعلم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard