یمثّل فن الزخارف والنقوش الإيرانية، بتاريخه العریق والغني، مرآةً للثقافة والفن الإيرانيين، إذ تعود جذور هذه الزخارف إلى حضارة إيران القديمة، التي تطورت وتغيرت بشكل مستمر على مدى قرون. يُعدّ تصنيف الزخارف الإيرانية وتطبيقها في مختلف الفنون، مثل نسج السجاد والهندسة المعمارية وأعمال البلاط والمرايا والترصيع وأعمال فنية أخرى، مهمةً معقدةً تتطلب الخبرة، كما أن فنّ الزخارف والنقوش في حياكة السجاد الإيراني تطور وتحوّل إلى درجة أنه دخل عالمَ صناعة الأزياء وتصميم الأقمشة.
يُعدّ السجاد الإيراني من أبرز الحرف اليدوية وأهمها في إيران منذ القدم، حيث أنه بالإضافة إلى جمال فنّه ونقوشه بأنماطه وألوانه الفريدة، حمل مفاهيم ثقافيةً ودينيةً واجتماعيةً مختلفةً، وتشكّل زخارف هذه السجادات، سواء النباتية أو الهندسية أو الحيوانية أو الأسطورية، انعكاساً لجزء من حياة الإيرانيين ونظرتهم إلى العالم عبر التاريخ، ويمكن ذكر أنماط عدة منها "البيزلي (بُتِه جِقّه)"، و"زهرة شاه عباس (گُل شاه عباس)"، و"برغموت (تُرَنج)"، التي تم استخدامها أكثر من غيرها من الزخارف، في تصميم الأقمشة وصناعة الأزياء.
"البيزلي" أو "بُته جِقّه"
لا يتفق الخبراء والحرفيون على مبدأ نقش "البيزلي"، فمنهم من يعتقد أن أصله يعود إلى الحضارة العيلامية الآشورية، ودخل عليه في ما بعد فن العصر الأخميني، بينما يرى بعض الخبراء أن هذا التصميم يعود إلى العصر الزرادشتي، في حين يعدّه خبراء آخرون مستمداً من الأساطير الهندية والشرقية، أو فن العصر المزداكي.
یمثّل فن الزخارف والنقوش الإيرانية، بتاريخه العریق والغني، مرآةً للثقافة والفن الإيرانيَّين، وقد تطور وتحوّل إلى درجة أنه دخل عالمَ صناعة الأزياء وتصميم الأقمشة
ومع ذلك، المهم هو أن هذا النمط النباتي الجميل، الذي له تاريخ عريق جداً، قد تطور وأصبح معقداً بشكل متزايد، فبفضل إبداع وفكر الفنانين الإيرانيين، سواءً في شكله الأصلي أو في شكله المطوّر، صار يُستخدم في جميع أنواع الحرف اليدوية في إيران، مثل صياغة الذهب ونسج السجاد و"القلم كاري" وفنون أخرى.
"برغموت" أو "تُرَنج"
يعتقد العديد من الباحثين أن خلق أسلوب "البرغموت" وازدهاره يعودان إلى العصر الصفوي (1501-1763م)، لكن مؤرخ الفنون وعالم الآثار الأمريكي، آرثر بوب، يشير إلى أن هذا النمط له تاريخ أطول بكثير من ذلك. مع ذلك، فقد استُخدمت صورة فاكهة "البرغموت" لفترة طويلة في المنحوتات والأعمال المعدنية، وعلى أقمشة ملابس الملوك، لكن انتشارها في الفن الإيراني يعود إلى فترة ما بعد دخول الإسلام إلى إيران.
في العصر التيموري (1363-1506م) استُخدم هذا النقش في أغلب الأحيان في تزيين أغلفة الكتب، وبعد ذلك في العصر الصفوي والقاجاري (1779-1925م) تمّ استخدام نقش البرغموت والنقوش الهامشية حوله (لَتشَك) بكثرة من قبل فناني وحرفيّي التذهيب.
ويرى بعض الخبراء أن صورة البرغموت هي في الواقع صورة متحولة للشمس، كما يعدّها آخرون رمزاً للنهر أو حوض الماء، أو رمزاً لنهر الكوثر المذكور في الروايات الإسلامية بأنها أحد أنهار الجنة، وقد تحولت هذه الصورة تدريجياً إلى البرغموت. لكن ما هو واضح حول هذا النمط، دوره المؤثر في العمارة والفن ما بعد العصر الإسلامي، حيث يتكرر بكثرة في تصميم إطار صفحات القرآن، أو في تبليط المساجد كـ"مسجد الشيخ لطف الله" في أصفهان والمساجد العثمانية.
في القرنين التاسع والعاشر الهجري (السادس عشر والسابع عشر الميلادي)، أصبح لدور البرغموت أهمية أكبر من قبل، حيث دخل فنَّ حياكة سجاد تبريز والسجاد الكاشاني، حتى أصبح أحد الزخارف الرئيسية فيه.
"زهرة الشاه عباس" أو "گُل شاه عباس"
يقال إن السجادة الأولى التي نُسجت بأسلوب زهرة الشاه عباس، تمت حياكتها في العصر الصفوي، وتحديداً في عهد الملك عباس الصفوي (حكم من 1588إلى 1629م)، حيث لا يمكن نكران حقيقة أنه في عهد هذا الملك، أحدث نسّاجو السجاد ومصمموه تحولاً كبيراً في إنتاج السجاد في إيران، وذلك من خلال قدرتهم وبراعتهم الفنيتَين الفريدتين من نوعيهما، إذ يُعدّ استخدام التصاميم العربية ونمط الزهرة أحد الخصائص الرئيسية لسجاد الشاه عباسي.
نقوش السجاد الإيراني وصناعة الأزياء العالمية
الحرف اليدوية الإيرانية، خاصةً السجاد الإيراني، معروفة في جميع أنحاء العالم، وعلى الرغم من رغبة الناس المتزايدة في الديكورات البسيطة، والاتجاه نحو البساطة وتجنّب الأنماط والألوان المختلفة، تحضر السجادة الإيرانية المنسوجة يدوياً في منازل الإيرانيين وأيضاً عند محبيها غير الإيرانيين في مختلف أنحاء العالم ، فوجودها يدلّ على أصالة صاحب المنزل وغنائه في بعض الأحيان.
في العهد الصفوي، وبسبب اتفاقيات الشاه عباس مع الدول الأوروبية، دخل جزء كبير من الفن الإيراني، خاصةً أنماط السجاد الإيراني، إلى العالم الغربي، ولاقى بطبيعة الحال نجاحاً كبيراً. وحول هذا الموضوع، تقول مديرة قسم العالم الإسلامي في متحف هيوستن للفنون الجميلة الدكتورة إيمي فروم إن "تاريخ تصميم البيزلي يعود إلى نحو 2500 عام، إذ يمكن عدّه رمزاً للسجاد الإيراني، كما تم تصدير هذا الفن لأول مرة إلى إنكلترا في الحلي وإكسسوارات الزينة، مثل الشالات وحقائب اليد، وكان أول ظهور له في تصميم ربطات العنق والمناديل".
وعلى هذا النحو شقّ هذا النمط من السجاد الإيراني، ثم غيره من النقوش، طريقه إلى صناعة الملابس الأوروبية، إذ شوهدت نقوشه لأول مرة على القمصان والفساتين، في ستينيات القرن الماضي.
في عام 2008، قدّمت دار أزياء "هيرميس"، مجموعةً كان تصميمها مستوحى من السجاد الفارسي. وفي خطوة جديدة، قررت هذه الشركة رفع السجاد الإيراني من غطاء للأرضية إلى غطاء للجسم، حيث عرضت هذه العلامة التجارية الفرنسية الفاخرة لجمهورها قماشاً أطلقت عليه اسم "تصميم تبريز"، وبحسب مسؤولين في شركة "هيرميس"، فإن فكرة قماش تبريز الذي استُخدم في مجموعة الخريف والشتاء، نشأت من سجادة قديمة منسوجة في مدينة تبريز شمالي غرب إيران. العلامة التجارية نفسها قدّمت مجموعة الخريف والشتاء لعام 2013-2012، بتصاميم مستوحاة من هذه النقوش.
من بين ملابس النساء والرجال الإيرانيين، تُعدّ العباءات و"المانطوات" الأنواع الوحيدة من الملابس التي تم تقديمها باستخدام أنماط وألوان السجاد في إيران
وفي عام 2013، قامت ماركة "رالف لورين"، في مجموعتها الخريفية والشتوية من الإكسسوارات، بتصميم حقائب كبيرة مصنوعة من قطع السجاد الصوفية المنسوجة يدوياً، ومندمجة مع قطع جلدية ونحاسية وفضية وذهبية. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الماركات العالمية المشهورة مثل: "فالنتينو" (في مجموعة خريف 2013)، "جيفنشي" (في مجموعة خريف وشتاء 2015)، "ماكوين" (في مجموعة خريف وشتاء 2017)، و"غوتشي" في مجموعة (شتاء 2016)، استخدمت الزخارف والنقوش الإيرانية في مجموعاتها.
إلى جانب العلامات التجارية الكبرى، استلهم العديد من مصممي/ات الأقمشة والأزياء والفنانين/ات المستقلين/ات من السجاد الإيراني في مجموعاتهم.
السجاد في صناعة الملابس الإيرانية
من بين ملابس النساء والرجال الإيرانيين، تُعدّ العباءات و"المانطوات" الأنواعَ الوحيدة من الملابس التي تم تقديمها باستخدام أنماط وألوان السجاد في إيران، والفرق بين هذا النوع من الملابس وأنواع الملابس الأخرى، هو أن "المانطوات" النسائية، تُعدّ من الملابس الرسمية، حتى في شكلها الأكثر راحةً.
تأخذ "المانطوات" النسائية المصممة وفق نمط السجاد، مظهراً أكثر تقليديةً، وتتميز عن "المانطوات" اليومية العادية بتصميمها ونمطها. أحد الاختلافات الواضحة بين استخدام تصاميم السجاد في صناعة الأزياء في إيران، وصناعة الأزياء في العالم، هو أن المصممين الإيرانيين لم يتمكنوا بعد من التغلب على التميز الجنسي في هذا الشأن، ولهذا السبب، يمكن رؤية نقوش السجاد الإيراني على ملابس النساء في هذا البلد.
على أية حال، المهم هو مدى معرفة مصممي الشركات العالمية الكبرى، أو حتى المصممين الإيرانيين، بالقيم الثقافية لهذه الزخارف والتاريخ والقصص التي تقف وراءها. فهل تجد زخارف السجاد الإيراني معنىً جديداً في صناعة الملابس والأزياء، بعيداً عن المعنى المحدد في خلفيتها التقليدية والثقافية أم نقوش "البيزلي" التي نشاهدها على ملابس العارضات الغربية أو الإيرانية، هي تلك تصوّر شجرة السرو اليائسة التي كان ترمز يوماً ما إلى تواضع الشعب الإيراني وحريته وحسب؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين