شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
تسريحات شعر المرأة الإيرانية عبر عقود… مزيج من التحدي والتطور والجمال

تسريحات شعر المرأة الإيرانية عبر عقود… مزيج من التحدي والتطور والجمال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بالنظر إلى تاريخ تسريحات الشعر، وكيفية تصفيفه في إيران، لا سيما بالنسبة إلى النساء، يمكن الوصول إلى حقيقة تفيد بأن تسريحات شعور النساء في إيران تأثرت بالتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية على مدى سنوات عديدة، كما كان للشخصيات البارزة أثر كبير على ذوق النساء في تصفيف شعورهنّ، وذلك خلال فترات زمنية معيّنة.

نساء إيرانيات في فترة القاجار



يُظهر تاريخ تسريحات الشعر النسائية في المئة عام الأخيرة في إيران، التفاعل والاندماج بين التقاليد والثقافة والدين والسياسة، فضلاً عن تأثير العالم الغربي على أسلوب حياة الناس، وعلى وجه الخصوص النساء في إيران.

التسريحات النسائية في إيران خلال القرن الماضي

في أوائل القرن العشرين، تأثرت تسريحات الشعر النسائية بشدّة بالعادات والتقاليد الإيرانية، حيث كانت شعور النساء الإيرانيات، خلال هذه الفترة، طويلةً تقريباً، وغالباً ما كنّ يجدلنه أو يربطنه ويجمعنه خلف رؤوسهن، وكان طول شعر المرأة في الواقع رمزاً للأنوثة بتعريفها التقليدي.

يُظهر تاريخ تسريحات الشعر النسائية في المئة عام الأخيرة في إيران، التفاعل والاندماج بين التقاليد والثقافة والدين والسياسة، فضلاً عن تأثير العالم الغربي على أسلوب حياة الناس، وعلى وجه الخصوص النساء في إيران

كانت السيدات المتزوجات يقضين وقتاً أطول في تصفيف شعورهنّ، فيربطنها ويجمعنها بشكل أكثر أناقةً، حيث يستخدمن المزيد من الزخارف فيها مستخدمات الدبابيس ووسائل أخرى. استخدام الدبابيس والزينة لم يكن أمراً مسموحاً به للفتيات الصغيرات والآنسات، بل كان ممنوعاً وغير لائق بهنّ، ولهذا السبب غالباً ما قامت الفتيات العزبات بتجديل شعورهنّ بطريقة بسيطة أو ربطها إلى الخلف واستخدام الزينة التي لا تجذب الانتباه.

إمرأة إيرانية في القرن العشرين

والموديل المضفّر الذي كان من أكثر تسريحات الشعر شيوعاً في ذلك الوقت، يُستخدم في الغالب على شكل نسج الشعر على جانبي الرأس وبالقرب من الأذنين، وكان يزيَّن بأشرطة أو أحياناً بالمجوهرات، ومن الطبيعي أن تكون تسريحات شعر المرأة، سواء كانت مضفّرةً أو مربوطةً خلف الرأس، متوافقةً مع حجابها، بحيث يُجمع الشعر ويُربط في أسفل الرأس بالقرب من من مؤخرة الرقبة، حتى يمكن إخفاؤه بسهولة، تحت الوشاح أو الحجاب.

والسمة المشتركة بين جميع النساء في ذلك العصر، كانت الحجاب. وعلى الرغم من الوقت الذي كانت تقضيه النساء في تصفيف شعورهنّ، خاصةً السيدات المتزوجات، ما كان يمكن للآخرين رؤيته، باستثناء محارمهنّ. ومن المثير للاهتمام معرفة أنه من خلال النظر إلى الصور المتبقية لنساء من عصر القاجار في أوائل القرن العشرين ومنتصفه، من السهل أن نرى عادةً أن قصّ الجزء الأمامي من الشعر كان عادةً شائعةً بين النساء. في الواقع شعر المرأة، كان مخفياً في حضور الآخرين، ومن الواضح أن الحجاب كان رمزاً للعفة والأخلاق لدى النساء في إيران.

إيرانيات في السبعينيات

ومن إكسسوارات الشعر الرائجة في ذلك الوقت، يمكن أن نذكر "دبابيس الشعر الصغيرة المزيّنة باللؤلؤ والأحجار الكريمة"، و"أشرطة الحرير"، وفي الاحتفالات والمناسبات الخاصة كنّ يضعن "التيجان" أو "الأقمشة المنسوجة والمطرزة أو المزيّنة بالأحجار الكريمة"، كما كان استخدام الحنّاء شائعاً جداً بين الإيرانيات في تلك البرهة، إذ استخدمنها ليس لتلوين الشعر فحسب، ولكن بسبب خصائصها في نمو الشعر وترميمه.

رضا شاه بهلوي وشعور النساء

مع وصول رضا شاه بهلوي، إلى السلطة، تحرّك المجتمع الإيراني تدريجياً نحو الحداثة والعلمانية، حيث بدأ الشعب الإيراني بالتخلي عن تلك الثقافات والعادات والتقاليد المقيّدة. كما كان لهذه التغييرات، أو ما يسمى "بالإصلاحات"، تأثير على تسريحات شعور النساء الإيرانيات، خاصةً الحضريات منهن، إذ انعكس رويداً رويداً تأثير العالم الغربي على تسريخات شعر المرأة، وأصبحت تسريحات الشعر القصيرة أو المعقدة والأكثر حداثةً، شائعةً بين نساء الطبقتين المتوسطة والعليا.

تاج الملوك، زوجة رضا شاه

ومن بين النساء الغربيات اللواتي كان لهنّ أثر واضح على تسريحات وقصّات شعر المرأة الإيرانية، خلال الفترة الممتدة بين 1920 و1940، يمكن ذكر الممثلة الأمريكية لويز بروكس، بتصفيفة شعرها الشهيرة "بوب"، والتي يمكن عدّها رمزاً للحداثة لدى المرأة. كما كانت تسريحة شعر الممثلة والمغنية الألمانية مارلين ديتريش، التي اشتهرت بشعرها المجعّد والمغري، من التسريحات الرائجة لدى الإيرانيات اللواتي كنّ أكثر ميلاً إلى تقليد تسريحات الشعر الغربية.

وبين عامي 1950 و1970، جذب شَعر أودري هيبورن، ذو الغرّة القصيرة والعقدة البسيطة، انتباه النساء الإيرانيات الباحثات عن الأناقة الأنثوية. كما كانت لممثلات مثل إليزابيث تايلور أو بريجيت باردو، وإحداهما ذات شعر كثيف ومنتفخ ومجعد، والأخرى ذات شعر طويل وكثيف، وهما من رموز الجمال في تلك السنوات، مكانة كبيرة وتأثير على الطريقة التي كانت تظهر بها المرأة الإيرانية.

غلاف مجلة إيرانية قبل الثورة الإسلامية

وفي هذه الأثناء، لا يمكننا أن نتجاهل تأثير نساء مثل ملكة إيران وزوجة رضا شاه بهلوي تاج الملوك، ولاحقاً زوجة محمد رضا شاه بهلوي الملكة فرح ديبا، وذلك نظراً إلى إتاحة الفرصة لنساء البلاط والأثرياء آنذاك، للسفر إلى بلدان أخرى وعلى وجه الخصوص البلدان الغربية، حيث تمكنن من خلال هذه الرحلات من معرفة أذواق وعادات المرأة الغربية، وبعد ذلك نقلن ما تعلّمنه من ثقافة هذه البلدان إلى المجتمع الإيراني.

كما كان للمشاهير والشخصيات المشهورة في ذلك الوقت، على سبيل المثال المغنية والممثلة الإيرانية كوكوش (بالفارسية: گوگوش)، أثر خاص على النساء الإيرانيات، حيث غيّرت هذه الفنانة اتجاهات المرأة في مجال الملابس ومكياج الشعر والوجه، بخلقها شجاعةً لديهن على كسر التقاليد والأعراف السائدة بينهنّ، وتشجيعهنّ على التغلب على القيود المفروضة على النساء من قبل المجتمع التقليدي في إيران.

الثورة الإسلامية وأثرها على تسريحات الشعر النسائية

انتصرت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وسنت قانون الحجاب القهري للنساء الإيرانيات، وهنا كان على الإيرانيات التخلي عن العديد من التسريحات المعروفة والمحبوبة. ففي الثمانينيات، كان لتسريحات شعر الشخصيات المعروفة كالمغنية الأمريكية مادونا بتسريحة شعرها الجريئة، والأميرة ديانا بشعرها القصير والمكثف، تأثير كبير على تسريحات شعر المرأة الإيرانية، كنساء سائر نقاط العالم.

ومع هذا التغيير، لم تُتَح للمرأة الإيرانية إمكانية التواجد في المجتمع بهذه التسريحات، واكتفت بإبرازها في الدوائر الخاصة والحفلات والتجمعات الودية.

إيرانيات في السبعينيات

وبرغم القوانين الصارمة المتعلقة بالحجاب، منذ قيام الثورة الإسلامية وحتى اليوم، تغيرت تسريحات شعر المرأة الإيرانية، بشكل مستمر، بسبب الإبداع الفردي وبالطبع الجماعي، فضلاً عن الوعي بما يحدث في أجزاء أخرى من العالم، إذ ظهرت هذه التسريحات بأشكال مختلفة في البيئة الخاصة بالمنزل، وتدريجياً في المجتمع.

إيرانيات في حفل في الثمانينيات

وفي الثمانينيات، كانت النساء أكثر ميلاً إلى الموديلات البسيطة التي تضفّر الشعر أو تجمّعه خلف الرأس، وأحياناً القصات والتسريخات القصيرة، لأن مسألة الحجاب كانت أكثر صرامةً مما هي عليه في القرن الحادي والعشرين، حيث كانت السيطرة على الشعر الطويل بموديلات معقّدة تحت الأوشحة والحجاب أصعب مما هي عليه مع الشعر القصير.

الاختلاف الرئيسي بين المرأة الإيرانية ونساء الدول الأخرى في القرن الحادي والعشرين، يكمن في المبادرة إلى إيجاد طرق لحمايتها من المخاطر المحتملة لكشف الحجاب في إيران، وإتاحة الفرصة لها لعرض جمال وجهها وشعرها قدر الإمكان

سعت النساء تدريجياً إلى اكتشاف نماذج محدثة في التسعينيات، وكانت التسريحات متوافقةً نسبياً مع أذواق ذلك الوقت، لكنها ظلت مختبئةً تحت الحجاب، وخلال هذه السنوات، ظهرت تسريحات مثل تسريحات المغنّية الإيرانية التي هربت بعد الثورة الإسلامية إلى أمريكا، ليلى فروهر، إذ ظهرت مراراً بشعر كثيف وقصير، أو عارضة الأزياء الأمريكية الشهيرة سيندي كروفورد، بشعرها الطويل والمجعد، وكذلك الممثلة الأمريكية جنيفر أنيستون، ذات الشعر المنتفخ والقصير، وكان لهن جميعاً تأثير كبير على ذوق المرأة الإيرانية في تصفيف الشعر. كما يمكن أيضاً عدّ التسعينيات، سنوات راج فيها تلوين الشعر وصار شعبياً، وكان للون الشعر الفاتح العديد من المعجبين/ ات في ذلك الوقت.

... وفي القرن الحادي والعشرين

تغيّرت تسريحات شعر المرأة الإيرانية منذ عام 2000 وحتى اليوم، متأثرةً بصناعة الأزياء في أجزاء أخرى من العالم، وبالأعراف الثقافية وبالطبع القيود السياسية والدينية، ولعل الاختلاف الرئيسي بين المرأة الإيرانية ونساء الدول الأخرى في القرن الحادي والعشرين، يكمن في المبادرة إلى إيجاد طرق لحمايتها من المخاطر المحتملة لكشف الحجاب في إيران، وإتاحة الفرصة لها لعرض جمال وجهها وشعرها قدر الإمكان.

إيرانيات في السبعينيات

ولذلك، أصبح استخدام الشالات الملونة أو الطرق المبتكرة لربط الوشاح وتغطية الشعر جزئياً، أمراً شائعاً منذ عام 2000 فصاعداً، وفي الوقت نفسه، كانت النساء يتابعن تسريحات شعور الوجوه المشهورة في مختلف أنحاء العالم، تماماً كما كان الحال في الثمانينيات والتسعينيات، وكانت النماذج القديمة، مثل موديل "البوب"، والشعر العاري والطويل، والموديلات التي تُظهر الجرأة والتفكير الحرّ لدى نساء الطبقة المثقفة، أكثر شعبيةً.

بشكل عام، يمكن القول بجرأة إن المرأة الإيرانية، على الرغم من كل القيود التي فُرضت عليها، ليس بعد الثورة الإسلامية فحسب، وجدت طريقةً فريدةً للتعبير عن شخصيتها الفردية، وإظهار تسريحة خاصة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

‎من يكتب تاريخنا؟

من يسيطر على ماضيه، هو الذي يقود الحاضر ويشكّل المستقبل. لبرهةٍ زمنيّة تمتد كتثاؤبٍ طويل، لم نكن نكتب تاريخنا بأيدينا، بل تمّت كتابته على يد من تغلّب علينا. تاريخٌ مُشوّه، حيك على قياس الحكّام والسّلطة.

وهنا يأتي دور رصيف22، لعكس الضرر الجسيم الذي أُلحق بثقافاتنا وذاكرتنا الجماعية، واسترجاع حقّنا المشروع في كتابة مستقبلنا ومستقبل منطقتنا العربية جمعاء.

Website by WhiteBeard
Popup Image