يقولون لي: "ولدتَ بصحّة كاملة، مشيتَ مبكراً، وتكلّمت مبكراً، ولولا قليلاً، لتكلّمت في المهد. الحمد لله، خلْقة تامة، ولكن هناك حكمة عربية تقول: "من استعجل الشيء عُوقب بحرمانه"، هأ هأ، يا لِمكر الأقدار! ما هو المقصد من هذه المعلومة التاريخية عنّي؟ فلست الإسكندر، على سبيل المثال، حتى يكون لتاريخ ولادتي شأن.
تلك المقولة هي صيغة لشكر الله بأنّه خلقني خلْقة تامة، لا إصبع ناقص ولا آخر زائد، لا رجل عوجاء أو قدم حنفاء، حواسي مئة بالمئة، وجسدي كامل، إذن، أنا على صورة الإله، كما تقول التوراة، على الرغم ممّا حدث لاحقاً؟ لذلك كانت تكرّر جملة "ولدتَ بصحة كاملة" مادام المجتمع الذي ولدت فيه يتعوّذ من الشيطان إذا جاء الوليد معاقاً.
لقد بدأ جسدي بدءاً من السابعة من عمري يتحوّل إلى لوحة تكعيبية لبيكاسو، وأصبحت ممن يطلقون عليهم صفات ونعوتاً: "أهل الزمانة – المقعدون- العاجزون – العطيلة- المعوّقون – المعاقون – أصحاب الهمم – ذوو الاحتياجات الخاصة..." دليلاً على التوصيف الطبي والمجتمعي وعلى القبول التدرجي لهم من المجتمع، لكن مع إضمار بأنّهم مذنبون وفق مذهب الكارما، أو أنّ الله اختارهم ليكونوا عبرة يخوّف بهم البشر الأصحاء ليعبدوه، أو أنّهم استثناء من القانون الدارويني، البقاء للأصلح!
وعليه، لو اجتهد من يطلقون الصفات والنعوت على أمثالنا -نحن غير الأصحّاء- لأصبح لنا من الصفات والنعوت ما يقارب إلهاً حديث النشأة، يتخيّر له عبّاده الأسماء والصفات. وهذا حقيقي ليس من باب الشطح – كما عند المتصوفة – فصفة "أهل الزمانة" تعني بأنّهم من العاجزين المقعدين الذين امتدّ المرض بهم، حتى لا يُعرف لهم تاريخ كانوا به أصحّاء، وكأنّهم "قديم الأيام" (صفة للإله يهوا؛ والتي تعني أنّه لم يكن يوماً إلّا موجوداً، لذلك هو قديم الأيام، أزلي، أبدي) لذلك ما قصدته من تشابه؛ له معقولية ما.
بدأ جسدي بدءاً من السابعة من عمري يتحوّل إلى لوحة تكعيبية لبيكاسو، وأصبحت ممن يطلقون عليهم صفات ونعوتاً: "أهل الزمانة – المقعدون- العاجزون – العطيلة- المعوّقون – المعاقون – أصحاب الهمم – ذوو الاحتياجات الخاصة..."... مجاز
نيغاتيف
حقيقة، ليس لي ذكريات كثيرة من ذلك الزمن، هناك ذكريات قليلة من ذلك الماضي الصحي، ولولا أصدقاء وأقرباء أهلي، لم أكن لأصدّق ذلك، فالأهل يرون أولادهم أصحّاء وجميلين وفق المثل "القرد في عين أمّه غزال" ولم أكن لأقتنع بتلك الصورة الوحيدة لي بالأبيض والأسود في صغري، والتي أبدو فيها كحرف الألف، منتصب القامة، كطفل أمرد، سيصير شاباً أمرد، كما قال الرسول عن كيف شاهد الله في حادثة الإسراء والمعراج، أو كما غنّى مارسيل خليفة "منتصب القامة أمشي..."، لكنني لم أكن أحمل نعشاً، بل أحلاماً كثيرة عن الحياة تشفّ عنها تلك العيون البنية ذات النظرة الخجولة والماكرة، لكنّ الأحلام تحوّلت إلى كوابيس. إنّ الصورة وأحاديث أهلي يثبتون، بأنّني كنتُ صحيح الجسد، أحياناً أظنّهم يكذبون، وأنّ الذكاء الصنعي هو من أنتج تلك الصورة لذلك الطفل صحيح الجسد.
إذن، أنا من أهل الزمانة- مهما كان السبب- قديم أيام المرض، كالإله قديم أيام الوجود، ولأنّ الطيور على أشكالها تقع، صاحبت قديم الإيام وقبلت به إلهاً، إلى أن جاء وقت الحقيقة، واكتشفت أنّه لا يحبّذ أمثالي، فها هو يخاطب النبي موسى ليقول لأخيه هارون اللاوي: "قُلْ لهرونَ: مَنْ كانَ فيهِ عَيـبٌ مِنْ نسلِكَ على مَمرِّ الأجيالِ، فلا يقتَرِبْ ليُقدِّمَ طَعامَ إلهِهِ: الأعمى والأعرجُ والأفطسُ والأشرعُ، والمَكسورُ الرِّجْلِ أوِ اليدِ، والأحدبُ والقزَمُ والّذي في عينَيه بـياضٌ، والأجربُ والّذي في بدَنِهِ بُثورٌ، ومَرضوضُ الخِصيتَينِ. كُلُّ مَنْ بهِ عَيـبٌ مِنْ نَسلِ هرونَ لا يتقدَّمْ ليقرِّبَ وقائدَ طَعامِ الرّبِّ إلهِهِ. لكنَّهُ يأكلُ مِنْ طَعامِ إلهِهِ، سَواءٌ أكانَ مُقدَّساً أم مُقدَّساً كُلَّ التَّقديسِ. وأمَّا الحِجابُ المُقَدَّسُ، فلا يَقتَرِبْ مِنهُ، ولا يتَقدَّمْ إلى المذبَحِ إذْ بِهِ عَيـبٌ فلا يُدنِّسُ معبَدي الّذي كرَّسْتُهُ لي".
لقد قلت بأنّك خلقت الإنسان على صورتك في التوراة، فلماذا لا تكون أعرج في أحد الحالات حتى تشابهنا؟... مجاز
لماذا هذا التنكّر للصحبة يا يهوا؟ أليس نبيك موسى يتلعثم بالكلام مصاباً بالتأتأة والفأفأة، كما أخبرك عن نفسه: "هَا أَنَا أَغْلَفُ الشَّفَتَيْنِ. فَكَيْفَ يَسْمَعُ لِي فِرْعَوْنُ"؟ وعندما ألححت عليه بضرورة أن يحمل رسالتك إلى فرعون، مع أنّه كان من الأفضل أن تُرسلها مع الحمام الزاجل، قال لك موسى: "اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ، وَلاَ مِنْ حِينِ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ، بَلْ أَنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَان".
للصدق حركة "كش ملك" من موسى لك يا يهوا، لكنّك كإله تجيد المكر، ألم تقل عن نفسك في القرآن بأنّك "خير الماكرين": "مَنْ صَنَعَ لِلإِنْسَانِ فَماً؟ أَوْ مَنْ يَصْنَعُ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ بَصِيراً أَوْ أَعْمَى؟ أَمَا هُوَ أَنَا الرَّبُّ". هكذا أنهيت دست الشطرنج بينك وبين موسى بـــ "كش مات". ها أنت تعترف أنّك من تخلق أهل الزمانة، لكي تقنع موسى بالذهاب إلى فرعون، با للبراغماتية الإلهية! فلماذا تنكّرت لنا فيما بعد؟
صراحة، أنا لا أعاتبك! فأنت لا تُسأل عمّا تفعل، لكن موسى أخي في الزمانة، لماذا نسي ماضيه بالفأفأة والتأتأة، ألم يكن من المفترض أن يكون وفياً مع أهل الزمانة، صادقاً لتاريخه معهم؟ والشيء الآخر، ألم تجعل يعقوب أعرج بعدما كسرت له حُقّ جنبه، حتى لا يغلبك في الصراع، ورشوته بأن أسميته "إسرائيل/ عبد الرب/ صارع الرب" لأنّه جاهد معك وقدر، فكافأته وجعلته أعرج؟
أنت تتصرّف بغرابة يا يهوا. لست أفهمك، فمعنى كلمة (حَنف) أعرج القدم أي قدم عوجاء، وجاء في القرآن، بأنّ إبراهيم كان حنيفاً، أي أعرج القدم، لو أخذنا المعنى اللغوي فقط، بعيداً عن المعنى الاصطلاحي، بأنّه مال عن طريق الشّرّ إلى طريق الخير، فهل أنت أعرج وتخجل من عرجك الذي دفعك لأن تصبح إلهاً؟ ألا يقولون بأنّ كل ذي عاهة جبّار، و(جبّار) أحد أسمائك. هناك تحليل لألفرد إدلر أحد تلامذة فرويد، الذي يقول بأنّ النقص الموجود في الإنسان يدفعه لأن يتجاوز هذا النقص ويبدع.
لقد قلت بأنّك خلقت الإنسان على صورتك في التوراة، فلماذا لا تكون أعرج في أحد الحالات حتى تشابهنا؟ وكما قال إدلر عن النقص، فقد تجاوزت عرجك، وأصبحت بديع السماوات والأرض، ومن هنا أفهم رأفتك غير المبرّرة أو زلّة لسانك، التي فضحت لاشعورك كما حلّل فرويد؛ زلة اللسان، والتي تقول فيها: "لَا تَشْتُمِ الأَصَمَّ، وَلا تَضَعْ عَثْرَةً فِي طَرِيقِ الأَعْمَى"، بعدما وضعت قواعدك القاتلة بحقّنا؛ نحن أهل الزمانة، هل تريد منّا، أن ننسى، أنّك قد تكون من أهل الزمانة – عفواً- يا قديم الأيام، البيوت أسرار.
"تكون أو لا تكون هذا السؤال"
أتعرف يا يهوا، بأنّني أجد المسيح كهاملت متردّداً، فهو لم يكن قادراً على حسم أمره، كما في مسرحية شكسبير، فساعة يردّ على من يسألونه عن الأعمى من الولادة إن كان مذنباً أو أبواه مذنبين: "يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ، هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟"، فأجاب المسيح: "لاَ هذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ، لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ"، وساعة أخرى، يقول لأعمى آخر، بعدما شفاه من العمى، بأن لا يعود إلى الخطيئة، وكأنّه كان يقصد بأنّ عماه كان نتيجة الخطيئة.
لم يستطع المسيح أن يحسم أمره بحقّ أهل الزمانة، مع أنّه كان كريماً معهم، وللحق فهو يُشكر، رغم أنّه كان يجب أن يكون أكثر وضوحاً، فمن يتجرّأ على الصعود على الصليب، فعلى الأقل ليقل كلمة واحدة بحقّنا، نحن قديمي المرض: "أحبوهم! فهم تجلّ لقدرة الآب، أو أحبوهم لأنّهم سيموتون قريباً". إذن يا يهوا، فما معنى أن أكون عبرة لآخر يتمتّع بالصحّة، وعندما يراني يشكرك على ما حبيته من نعمة؟ ألّا تستطيع يا يهوا، أيّها الآب، يا الله، أن تبهر الأصحّاء، مثلاً بالجبال، أو بهيفاء وهبي، بدلاً منّي؟ صراحة، أنا لا أحبّ دوري في مسرحيتك، وها أنا أخرج عن النصّ والجمهور يصفق لي، فما أنت فاعل؟
ما معنى أن أكون عبرة لآخر يتمتّع بالصحّة، وعندما يراني يشكرك على ما حبيته من نعمة؟ ألّا تستطيع يا يهوا، أيّها الآب، يا الله، أن تبهر الأصحّاء، مثلاً بالجبال، أو بهيفاء وهبي، بدلاً منّي؟ صراحة، أنا لا أحبّ دوري في مسرحيتك، وها أنا أخرج عن النصّ والجمهور يصفق لي، فما أنت فاعل؟... مجاز
لا تقلق يا يهوا! أعرفك كالنساء تتأثّر بهرموناتك، على رسلك، فإنّني أمزح يا رجل، ألسنا أصدقاء! والدليل أنّني أجد في ثلاثيتك من الكتب: التوراة – الإنجيل – القرآن، أنّك تُراجع نفسك قليلاً، وتنظر لنا بعين الصداقة، ألّا يكفي أن تعاتب رسولك وحبيبك محمد، بعدما جاءه الأعمى عبد الله بن أم كلثوم، لأنّه أشاح بوجهه عنه، طمعاً بأن يؤمن به كبار قريش الكفار، فيعظم الإسلام بتصديقهم لدعوة الرسول، قائلاً له: "عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَن جَاءَهُ الأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى"، وفي مكان آخر تقول في القرآن: "وإذا مَرِضْتُ فهو يَشْفِيْنِ"، لكن أين كلمتك السحرية "أبراكادابرا" وتشفيني من مرضي، لكنّك لم تفعل! وأعرف أنك ستردّ عليّ، كما أجبت أيوب في سفره، بعدما سألك، لماذا أنزلت عليه الكوارث؟ بإماتة أبنائه وأهله ومن ثم إمراضه، بأنّك خلقت السماوات والأرض. يا صاحبي، ما هذه المزحة الثقيلة، على الأقل أعطه قليلاً من البنادول.
آه يا يهوا، أيّها الآب، يا الله، أعرفك أنّك تحبّ التاريخ، ألست قديم الأيام وتشعر بالملل؟ سأخبرك شيئاً عن آلهة قديمة، بطلت ألوهتها، ألا تعلم أنّ العملة السيئة تطرد العملة الجيدة؟ لماذا التجهّم فأنا أمزح.
زعموا، أيها الإله السعيد وذو الرأي الرشيد، بأنّ الإله إنكي، من الأسطورة السومرية، بعدما طلبت منه أمّه الإلهة (نمو) أن يخلق عبيداً/بشراً تشتغل وتعمل بدلاً عن الآلهة، لكي يستريحوا ويتنعّموا بالألوهة كالأرستقراطيين وحكّام الوطن العربي. هكذا جمع الإله إنكي الآلهة في حفل barbecue وأخبرهم عن خطته، وبدأوا بشرب بيرة الشرق من معمل حلب قبل الدمار في الحرب السورية الأخيرة، حتى سكروا.
لعبت الخمرة برأس الجميع، ولأنّ الإلهة ننماخ مسؤولة عن الخلق شعرت بالغيرة من تكليف إنكي بذلك، وقالت له: سأخلق مجموعة من البشر، ولن تكون قادراً على إيجاد أعمال لهم، وبذلك لن يكونوا قادرين على خدمة الآلهة. وسريعاً عجنت ننماخ بالطين وخلقت أعمى وأعرج وأصم وكسيح وغيرهم... متحدّية إنكي. لكنّه إله ذكي محتال، فأوجد لأهل الزمانة أعمالاً في المعبد وقصر الملك. فبهتت ننماخ وزادت من التحدّي/ المقامرة بحيوات بائسة، بأنّها قادرة أن تجد عملاً لأي مخلوق من صنع إنكي، فقام إنكي بصنع شخص يسمى (أومول – وكأنّه يعني الأمل- ليس لسعد الله ونوس شأن في ذلك) وخلق شخصاً آخر مصاب بالكآبة واليأس، فلم تستطع ننماخ أن تجد لهما أعمالاً.
وتفجّر الخلاف بين إنكي وننماخ، ولولا تدخل الأمم المتحدة السماوية برئاسة أنطونيو غوتيريش الذي يشعر دوماً بالقلق، لكنّا قد عدنا إلى الحساء البدئي الذي كانت تعيش فيه الإلهة تعامة، والتي قتلها مردوخ وخلق منها الكون، أي عندما كان الله كنزاً مخفياً وقبل أن يخلق الخلق ليُعرف.
تصوّر يا يهوا، أنّنا نحن، أهل الزمانة، كنّا نتيجة تحدّ بين آلهة خرقاء قديمة، ولربما أنت أيضاً قد كنت نتيجة لذلك. لقد كنّا نتيجة مجابهة بين راعيي بقر في الغرب الأمريكي. لقد كنّا نتيجة نكتة سمجة بين آلهة خرقاء تحب الكسل، لكن أليس معنى كلمة (حنف) القدم العرجاء؟ لكنّك لست أعرج! ولم يُعرف عنك ذلك، لذلك اعذرني، سأبحث عن إلهي من ذوي الزمانة.
ألا يوجد إله أخرس، أعمى، أبكم، أعرج، كسيح؟ كلهم آلهة كاملون؟ بالطبع هم آلهة الأصحّاء، وما شأننا نحن أهل الزمانة، لكنّ الحظ يبتسم يا يهوا، كما في المسلسلات المكسيكية والتركية والسورية، لقد وجدت إلهاً أعرج... مجاز
أتعرف يا يهوا؟ لم أجد إلهاً من ذوي الزمانة، كلهم "كاملين مكملين". ألا يُوجد إله أصم؟ مع أّنّك نادراً ما تجيب، وكما قال جاك مايلز في سيرتك في كتابه "سيرة الله" أنّ الخرس أصابك بعد آخر جدال بينك وبين أيوب.
ألا يوجد إله أخرس، أعمى، أبكم، أعرج، كسيح؟ كلهم آلهة كاملون؟ بالطبع هم آلهة الأصحاء، وما شأننا نحن أهل الزمانة، لكنّ الحظ يبتسم يا يهوا، كما في المسلسلات المكسيكية والتركية والسورية، لقد وجدت إلهاً أعرج، وصرخت: يوريكا... هللويا... سبحوا للرب... شابوش.
إنّ هيفايستوس، يا يهوا، إله يوناني من المكان الذي ولد فيه سقراط وأفلاطون وأرسطو آباء الفلسفة، فلا هو إله بطلت موضته كإنكي، ولا مثل الإله السماوي لا يعرف كثيراً عن شؤون الأرض، خلق الخلق وأدار ظهره لهم. إنّه إله مثلي، عطيلة، طردته أمّه هيرا زوجة زيوس بعدما رأت إعاقته، فسقط على الأرض وربّته جنّيات الكهوف، وهناك تعلّم الحدادة واللحام والصناعة، حتى أنّه اخترع الروبوت ليساعده قبل أيلون ماسك.
ولأنّه ضعيف مثلي، تزلّف إلى آلهة البنسيون اليوناني، وأرسل لهم هدايا، من بينها حذاء لأمّه هيرا، كانت تعتقد بنفسها بأنّها سندريلا، وعندما انتعلته، انكفأت على وجهها، وسقطت على الأرض، ولم تستطع بعدها المشي، واتحد الحذاء بقدمها. حاولت الآلهة كثيراً نزعه، لكنّهم لم يستطيعوا، وفشلوا فشلاً ذريعاً. وهنا لم يكن من حلّ إلّا أن يطلبوا هيفايستوس إلى السماء، فجاء، وحدّد طلباته: العودة إلى السماء والإقرار بألوهيته، وأنّه ضمن الآلهة الاثنى عشر المقدّسين، ومن ثمّ الزواج من أفروديت؛ لقد كان خبيثاً هذا الهيفايستوس! تخيّل أنّ ذلك لقد حدث في بلد الفلسفة، التي كان أفلاطون وأرسطو يريان فيها ضروة قتلنا نحن أهل الزمانة، إلّا أنّ هناك إلهاً كسر كلّ التوقّعات، لكن يا لخيبة الأمل، لقد تصوّرت هيفايستوس سيشفي كل أهل الزمانة بكلمة أبراكادابرا، لكنّه انشغل بحبّ أفروديت التي كانت تخونه مع إله الحرب إريس، لكنّه ربي، ماذا أفعل به، هو أعرج وأنا مصاب بالروماتيزم، وأمشي على عكازين، ليس لي فيهما مآرب أخرى كموسى، إلّا أن أصفع بهما عجيزات النساء.
ماذا أفعل يا يهوا؟ كل الآلهة غير مبالية بنا، نحن أهل الزمانة، أكانت تلك الآلهة كاملة أم ناقصة، لذلك اعذرني، فأنا أعرف أنّك إحدى الكائنات التي خلقتها ننماخ، وأوجد لك إنكي عملاً وهو أن تكون إلهاً. لن أعبد تلك الآلهة الكاملة يا يهوا، وسأرفض إلهي الأعرج المولّه بأفروديت، ولن أصرخ كما فعل المسيح: هيفايستوس، هيفايستوس، لماذا شبقتني! بل سأقول كجدي الأعمى المعرّي: هذا جناه (إلهي) عليّ وما جنيت على أحد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 11 ساعةجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 6 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.