شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الاتحاد التونسي للشغل ينقلب على قيس سعيد... ربيع لم يدم وخريف طويل مقبل

الاتحاد التونسي للشغل ينقلب على قيس سعيد... ربيع لم يدم وخريف طويل مقبل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحريات العامة

السبت 7 سبتمبر 202411:59 ص

لعب الاتحاد العام التونسي للشغل منذ تأسيسه، في 20 من كانون الثاني/ يناير 1946، دوراً أساسياً في كل المراحل السياسية الفاصلة في تاريخ تونس الحديث وبناء دولة الاستقلال.

لكن علاقة الاتحاد وموقفه من حكم الرئيس قيس سعيد، أثارا لغطاً سيّما بعدما تحوّلا من الدعم والتأييد إلى الهجوم الشديد اللهجة وما يشبه الاصطفاف في خندق المعارضة. وهو ما نسلط الضوء عليه في هذا التقرير.

تاريخ طويل من النضال والمواجهة 

كانت مواجهة الاستعمار الحلقة الأولى في سلسلة المواجهات التي خاضتها المنظمة الشغيلة، وتعتبر أحداث آب/ أغسطس عام 1947 بصفاقس، والنفيضة في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1950، من أبرز الأحداث التي ميّزت مسيرة الاتحاد في حرب التحرير والكفاح ضد الاستعمار الفرنسي. ولعلّ اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر 1952، كان أول صفعة يتلقّاها الاتحاد العام التونسي للشغل في مسيرته.

بعد الاستقلال، ورغم النفوذ الذي تمتّع به الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة داخل الاتحاد خاصة في السنوات الأولى من بناء دولة الاستقلال، شهدت العلاقة بين الاتحاد وبورقيبة توتراً كبيراً، وانتهى شهر العسل بينهما إثر إعلان "اتحاد الشغل" الإضراب العام في 26 كانون الثاني/ يناير 1978 في ما يعرف بـ"الخميس الأسود" الدامي، عمدت إثره السلطة إلى سجن أغلب قيادات المنظمة النقابية وعلى رأسهم الأمين العام للمنظمة وحليف بورقيبة السابق الحبيب عاشور.

وكان الطلاق النهائي بين السلطة والمنظمة العتيدة بعد الزجّ بالحبيب عاشور في السجن في القضية المعروفة بـ"كوسوب" عام 1985.

لعب الاتحاد العام التونسي للشغل منذ تأسيسه، في 20 من كانون الثاني/ يناير 1946، دوراً أساسياً في كل المراحل السياسية الفاصلة في تاريخ تونس الحديث وبناء دولة الاستقلال. كيف تطوّرت علاقة "اتحاد الشغل" بالرؤساء الذين تعاقبوا على تونس؟ وكيف تبدّلت علاقته بالرئيس قيس سعيد؟

بعد انقلابه الأبيض في 1987، وفرض سيطرته التامة على مقاليد الحكم، لم يستثنِ الرئيس زين العابدين بن علي المنظمة العتيدة من سياسة التدجين التي اتبعها.

مهادنة وهدنة غير معلنة لم تمنع الفروع الجهوية للاتحاد من تبني التحركات الشعبية التي انطلقت في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010، لتتوّج بإعلان الهيئة الإدارية الوطنية الإضرابات الجهوية يوم 8 كانون الثاني/ يناير 2011 والتي بلغت أوجّها بإضراب العاصمة في 14 من الشهر نفسه، وانطلاق النقابيين من "بطحاء" محمد علي إلى مقر وزارة الداخلية ورفع شعار "degage" (أي ارحل) في وجه النظام، ليسدل الستار بعدها بساعات نهائياً على حكم بن علي.

بعد 2011… الاتحاد في قلب الهجوم

كانت المواجهة الناعمة حيناً والشرسة أحياناً كثيرة، السّمة التي ميّزت علاقة "اتحاد الشغل" بالحكومات المتعاقبة طوال العشرية التي تلت الثورة في تونس، وسبقت الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس الحالي قيس سعيد في 25 تموز/ يوليو 2021. 

لا أحد يستطيع إنكار الدور الهام الذي لعبه الاتحاد العام التونسي للشغل بعد الثورة، والذي برز على نحو خاص بعد اغتيال القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، في إدارة الحوار الوطني بين حكومة حركة النهضة والمعارضة وأسفرت آنذاك عن انتخابات تشريعية مبكرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، ورئاسية في كانون الأول/ ديسمبر 2014.

الحضور الأبرز للاتحاد والذي تشابك فيه الدور النقابي بالسياسي في مزيج غير مسبوق، فرضته اللحظة التاريخية التي منحت الاتحاد سلطة استثنائية أرهقت الحكومات المتعاقبة بعد عام 2011 من خلال الإضرابات، التي كانت الخبز اليومي للتونسيين من 2011 حتّى 2021.

ونشرت صحيفة الشارع المغاربي، في 20 كانون الثاني/ يناير 2021، مقالاً بعنوان: "قراءة في إحصائيات الإضرابات… مليونا يوم عمل ضائعة بين 2010 و2018"، استندت فيه إلى إحصائيات مكتب الدراسات والتخطيط والبرمجة بوزارة الشؤون الاجتماعية التي بيّنت أنّ عدد الأيّام الضائعة بين عامي 2010 و2014 سجّلت زيادة قياسيّة تعادل نسبتها 384%. إضرابات شكّلت العنوان الأول لدولة خسرت دورها في فرض النظام وتتبّع المتسببّين في تعطيل التنمية.

في المقابل، رسم تغوّل النقابات وأرباب المال والسياسيين، المتحكّمين خلف السّتار في هذه الإضرابات لأغراض سياسية ومصالح شخصية، ملامح المشهد القاتم الذي عاشته تونس سياسياً واقتصادياً عشية 25 تموز/ يوليو 2021، حسب ما اتفق العديد من المحلّلين والمراقبين للشأن التونسي.

الاتحاد وقيس سعيد... بدايات سعيدة لم تدم 

على نحو لافت، ساندت المنظمة النقابية العتيدة، الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها قيس سعيد في صيف 2021، بل اعتبرتها استجابة للتحرّكات الاجتماعية والشعبية السلميّة التي انطلقت في العديد من الجهات، وفق نص بيان نشره الاتحاد في 26 من الشهر نفسه.

سامي الطاهري لرصيف22: التّاريخ لا يحتسب بمنطق الربح والخسارة. نحن (اتحاد الشغل) دعمنا الإرادة الشعبية يوم 25 تموز/ يوليو والتي كانت تنذر بانتفاضة جديدة، ولم نندم ولن نندم على إنهاء حقبة 24 تموز/ يوليو، ولكن ما جاء بعد هذا اليوم أصبح انحرافاً، واللحظة قبرت في حينه ولم تستكمل مسارها

يرى محلّلون أنّ هذا الموقف أفقد المنظمة الشغيلة وزنها، وورّط الاتحاد في منظومة حكم تسير بالبلاد إلى الاستبداد والتفرّد بالحكم، وجد الاتحاد نفسه معها في وضع سيئ، وقد ترجم ذلك على أرض الواقع بعدم مشاركة الاتحاد في المحطّات السياسية التي أراد قيس سعيد أن يزجّ المنظمة النقابيّة فيها.

ففي السادس من أيلول/ سبتمبر 2023، خرج الاتحاد من قمقم الردود الباردة، عندما أكّد الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، لجريدة الشعب نيوز، الناطقة باسم الاتحاد، عدم تخلّي المنظمة عن دورها الوطني والسياسي في ظل وجود أطراف تريد سحب البساط منها وهي خيارات لن تنجح باعتبار أن الاتحاد منظمة وطنية. وشدّد الطبوبي، وفق ذات المصدر، على استقلالية المنظمة كمسألة "حياة أو موت" تتطلّب التضحية والنّضال دفاعاً عن دورها الوطني، مردفاً بأن الاتحاد مستعد للمحطاّت القادمة رغم الوضع الصعب الذي تمر به البلاد.

وفي 2 آذار/ مارس 2024، نظّم الاتحاد العام التونسي للشغل مظاهرة كبيرة خرج فيها الآلاف من أنصاره أمام مقر رئاسة الحكومة احتجاجاً على تعطّل الحوار الاجتماعي، وعلى ضرب الحقّ النقابي، ودفاعاً عن استحقاقات الشغالين، وفق ما جاء في البيان المنشور على الموقع الرسمي للاتحاد في 6 شباط/ فبراير 2024.

تعبئة واستعراض ناجحان لكنهما متأخران، حسبما يرى مراقبون، خاصة بعد ما وصف بـ"الخطابات التحريضية" من مؤسسّة الرئاسة ضد العمل النقابي.

وكان قيس سعيد قد تساءل خلال أحد لقاءاته مع رئيسة الحكومة سابقاً نجلاء بودن في 17 آذار/ مارس 2023: هل يدخل تزوير الأختام في العمل النقابي؟

يتحدث القيادي في التيار الديمقراطي، هشام العجبوني، لرصيف22، عن مساندة الاتحاد القوية لما يصفه بـ"انقلاب 25 تموز/ يوليو"، مذكّراً بمطالبة الاتحاد في حينه بحلّ البرلمان وانخراطها في حملة "شيطنة" الأحزاب السياسية. ويضيف مستنكراً: "كان صوته خجولاً جداً تجاه المسّ بالحقوق والحرّيات والاعتداءات التي طالت الجميع من سياسيين، وإعلاميين، وصحافيّين، ونقابيين، ونشطاء مجتمع مدني، ومدونين، ومواطنين".

في المقابل، يعتقد الصحافي في جريدة الشعب نيوز، صبري الزغيدي، أن الاتحاد دعم الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها قيس سعيد "لأنه اعتبرها خطوة هامّة للقطع مع عشر سنوات من الخور الاقتصادي والسياسي"، وفق وصفه، بالإضافة إلى رغبته في "تفكيك الدولة التي قادتها حركة النهضة". ينوّه الزغيدي إلى أن الاتحاد لم يقدّم "صكّاً على بياض" لسعيد إذا ما التفّ على مكاسب الدولة من حرّيات عامّة وفردية وحقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، وهو ما حدث فعلاً بعد إصدار المرسوم 117 في أيلول/ سبتمبر 2022، والذي منح بموجبه سعيد لنفسه كل السلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية.

يؤكد الزغيدي لرصيف22 أنه تبيّن للاتحاد أن الرئيس التونسي يتّبع السياسات الاقتصادية، والاجتماعية الفاشلة نفسها التي انعكست بشكل رديء على معيشة التونسيين وسط انعدام أيّ برنامج واضح لتحسين الأوضاع، متابعاً بأن تركيز رئيس الدولة كان منحصراً في بناء برنامجه السياسي دون الأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي المأزوم، وظهرت الإرادة الحقيقية لقيس سعيد في ضرب حرية التعبير، والصحافة. "في خضم كل هذا دقّ الاتحاد إلى جانب طيف كبير من المجتمع المدني صفّارة الإنذار"، يقول الزغيدي.

بدوره، يوضح الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، لرصيف22، أنّ لحظة 25 تموز/ يوليو لم تكن من صنع قيس سعيد فقط بل كانت نتاج نضالات وصراعات في حقبة تميّزت بالتفكك والانقسام، والفتنة التي تسرّبت لقبّة البرلمان وسالت تحتها الدّماء، والاتحاد اعتبر هذه اللحظة فرصة لتصحيح المسار، والقطع مع 24 تموز/ يوليو وفرصة للبناء الحقيقي، مشدداً "المرسوم 117 الذي احتكر فيه الرئيس كل السلطات تبايناً تماماً معه".

يضيف الطاهري أنّ "التّاريخ لا يحتسب بمنطق الربح والخسارة. نحن (أي اتحاد الشغل) دعمنا الإرادة الشعبية يوم 25 تموز/ يوليو، إذ كانت تنذر بانتفاضة جديدة"، جازماً "لم نندم ولن نندم على إنهاء حقبة 24 تموز/ يوليو، ولكن ما جاء بعد هذا اليوم أصبح انحرافاً، واللحظة قبرت في حينه ولم تستكمل مسارها".

في خطوة مفاجئة... الاتحاد يصعّد

أخيراً، اعتبرت الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد قرار الهيئة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس إلغاء قرارات المحكمة الإدارية بشأن إعادة عدد من المرشحين إلى سباق الانتخابات الرئاسية، وإصدارها قائمة نهائية من جانب واحد، رغم قبولها التعاطي مع القضاء الإداري في الملف، "تجاوزاً خطيراً للقانون وتكريساً لقرار سياسي". 

ورفض "اتحاد الشغل" قرار هيئة الانتخابات الذي وصفه بـ"الخارج على القانون" و"التوجيه الممنهج والمنحاز والإقصائي" لإحداث تأثير مسبق على نتائج الانتخابات علاوة على أنّه ضرب صارخ للسلطة القضائية وأحكامها، والدليل الإضافي على "غياب المناخ الملائم والشروط الضرورية لانتخابات ديمقراطية وتعدّدية وشفّافة ونزيهة". وحذّر "اتحاد الشغل" مما اعتبره قرارات تكرّس النهج الانفرادي والتسلّطي ولا تزيد الوضع إلا انغلاقاً وتوتّراً، وفق ما نشرته جريدة الشعب نيوز التابعة للاتحاد في 2 أيلول/ سبتمبر الجاري. بيان اعتبره مراقبون مفاجئاً وشديد اللهجة يعيد الاتحاد إلى دائرة الضوء.

بيان اتحاد الشغل بشأن الانتخابات الرئاسية في تونس

في هذا الصدد، يعتبر الزغيدي موقف الاتحاد الأخير موقفاً طبيعياً، قائلاً: "هذه الانتخابات ستحدّد مصير البلاد لسنوات قادمة، والاتحاد من زاوية أنّه منظمة وطنية يهمّها الاستقرار السياسي ومن واجبها أن تصدع بموقفها". يبيّن الزغيدي أن هذا الموقف لخّصته الهيئة الإدارية كسلطة قرار داخل الاتحاد والتي اعتبرت إلغاء هيئة الانتخابات أحكام المحكمة الإدارية الباتّة، "سابقة خطيرة من شأنها أن تدفع بتونس نحو المجهول وأن تفرض تساؤلات حقيقية حول مدى شرعية الانتخابات القادمة".

الاتحاد اختار أن ينضوي إلى جانب المعارضة 

من جهته، يرى رئيس حزب التحالف من أجل تونس، سرحان الناصري، أن قيادة الاتحاد لا تملك الحق في الخوض في الانتخابات الديمقراطية، خاصة بعد ما حدث في مؤتمرها الاستثنائي بولاية صفاقس في 14 شباط/ فبراير 2021، قائلاً: "القيادة الحالية وضعت يدها على المكتب الحالي للاتحاد عابثة بالقانون الانتخابي لهذه المنظمة العريقة". يوضح النّاصري لرصيف22: "ندرك الإخلالات التي يتضمّنها القانون الانتخابي الذي وضعه رئيس الجمهورية الحالي بصفة فردية، وقبل كل المترشّحين للانتخابات الرئاسية المشاركة في هذه الانتخابات بهذا القانون، وعليهم أن يتحملوا المسؤولية كاملة".

يشير النّاصري إلى بيان 2 أيلول/ سبتمبر الجاري لاتحاد الشغل، باعتباره إعلان من القيادة الحالية للاتحاد عن أنّها اختارت أن تنضوي تحت المعارضة بعد فشلها منذ 25 تموز/ يوليو 2021 في التواصل، والتوصّل إلى اتفاق مع رئيس الدولة، متابعاً "هذا الموقف لا يتعلق بإخلالات أو مشاكل تعترض مسار 25 تموز/ يوليو 2021، بل يتعلق بأن مصالح هذه القيادة لا تتماشى مع المصلحة الوطنية".

موقف اتحاد الشغل من قيس سعيد يثير جدلاً

بالعودة إلى الطاهري، وهو الناطق الرسمي باسم "اتحاد الشغل"، فقد اعتبر أن كل بيانات الاتحاد كانت قوية منذ أيلول/ سبتمبر 2021 بعد صدور المرسوم 117، ولم تترك شاردة أو واردة إلا وسجّلت موقف الاتحاد منه"، لافتاً إلى مواقف الاتحاد من الاستفتاء والدستور دون تردّد أو مواربة.

هل التحق الاتحاد متأخراً بالمعارضة؟

بدوره، يعتقد العجبوني أن البيان الأخير من الاتحاد هو "محاولة أخرى لامتصاص غضب جزء من المنتسبين إلى الاتحاد في إطار التعبئة الداخلية، موضحاً "القيادة الحالية للاتحاد عوّدتنا على ذلك بدون أن يكون لهذا التصعيد أي أثر فعلي في الشارع تماماً كما عوّدنا الاتحاد في عشرية الرخاء الديمقراطي على إضراباته العامة وتهديداته القوية تجاه كل الحكومات السابقة".

عن مستقبل العلاقة بين "اتحاد الشغل" ومسار 25 تموز/ يوليو، بقيادة قيس سعيد، يخبر سامي الطاهري رصيف22 بأنّ "العلاقة مقطوعة بعدما اختارت السّلطة الحاليّة ضرب الحوار الاجتماعي، وحقّ التفاوض، وضرب المعايير الدوليّة للعمل والحوار… حتى الآن، ليست هناك مؤشرات على عودة الحوار، ربّما الأيّام القادمة تتضّح الرّؤى، إمّا قطيعة نهائية أو عودة اضطراريّة"

يتفق العجبوني مع الناصري في أن "الاتحاد يعتبر أن موازين القوى الحالية مختلّة ولا تلعب لصالحه، وبالتالي قد يكون فضّل الانحناء للعاصفة في انتظار مرورها"، راجياً ألّا يكون الموقف الأخير "استفاقة متأخرة جداً وبعد فوات الأوان". كذلك، ينوّه العجبوني بأن الاتحاد "كان خيمة يلتجئ إليها الجميع ولكن للأسف مثّل خيبة أمل كبرى بصمته عن كل الانتهاكات التي طالت الجميع".

"شخصياً، لم أعد أنتظر شيئاً ذا بال من الاتحاد، بالنظر إلى مشاكله وانقساماته الداخلية والتي تعمّقت بعد تعديل الفصل 20 من النظام الداخلي، وما ترتّب عنه من قضايا، واتهامات، واتهامات مضادة"، يختم العجبوني.

إمّا قطيعة نهائيّة أو عودة اضطراريّة

في المقابل، يردّ الطاهري على ذلك بأن "الاتحاد موجود وصامد على عكس أحزاب كانت في السلطة ومن بينها تلك التي كانت تحظى بنسب تصويت مرتفعة في الانتخابات، واليوم اندثر وجودها ودورها". يشرح الطاهري أن الاتحاد يستعيد دوره في الوقت المناسب وعند توفّر الشروط التي يحكمها المعطى العام في البلاد، لافتاً في هذا السّياق، إلى استفاقة ووعي جماعيين بأن "لا مستقبل للشعبوية وأن الانتصار للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التي لم تتحقق لا قبل 25 تموز/ يوليو ولا بعده، واقتصرت على أنّ تكون مجرّد سلعة تروّج في الانتخابات".

موقف اتحاد الشغل من قيس سعيد يثير جدلاً

وفي تعقيبه على المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد، يقول الطاهري إن ما يحدث مؤخّراً من انعدام الشروط المناسبة لإجراء الانتخابات والتعدّي على الحريات والتعسّف على القانون، وتجاوز السّلطات وتردّي الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية ستكون على رأس قائمة جدول أعمال المجلس الوطني للاتحاد المنعقد بين 5 و8 أيلول/ سبتمبر الجاري، بهدف العمل على توحيد المواقف داخل المنظمة بكل ما له علاقة بهذه الملفات وإصدار قرار بشأنها.

وفي معرض إجابته عن مستقبل العلاقة بين "اتحاد الشغل" ومسار 25 تموز/ يوليو، بقيادة قيس سعيد، يخبر الطاهري رصيف22 بأنّ "العلاقة مقطوعة لنتحدث عن مستقبلها بعد أن اختارت السّلطة الحاليّة ضرب الحوار الاجتماعي، وحقّ التفاوض، وضرب المعايير الدوليّة للعمل والحوار". كما يفيد بأن هذا الخيار مرتبط بفلسفة وأيديولوجيّة السّلطة التي تقوم على إلغاء الأجسام الوسيطة بين الحاكم الفرد والشعب، التي لا يمكن تغييرها، وهذا ما حدا الاتحاد العام التونسي للشغل على التوجّه إلى منظمة العمل الدولية وتقديم شكوى بالانتهاكات، وصنّفت تونس إثر ذلك ضمن القائمة المصغّرة للدول المنتهكة للحقوق النّقابية. 

ويردف الطاهري: "حتى الآن، ليست هناك مؤشرات على عودة الحوار، ربّما الأيّام المقبلة تتضّح الرّؤى، إمّا قطيعة نهائية أو عودة اضطراريّة".

بعد ساعات يصدر البيان الختامي للمجلس الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل، في مناخ خريفي تونسي يتميز بارتفاع درجات الحرارة ستكون حاسمة، إما في إثمار شجرة الاتحاد العريقة، أو فوات الأوان وتساقط أوراقها الجافة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

شكل حياتنا اليومية سيتغيّر، وتفاصيل ما نعيشه كل يوم ستختلف، لو كنّا لا نساوم على قضايا الحريات. "ثقافة المساومة" هذه هي ما يساعد الحكام على حرماننا من حريات وحقوق كثيرة، ولذلك نرفضها، ونكرّس يومياً جهوداً للتعبير عن رفضنا لها، والدعوة إلى التكاتف لانتزاع ما لنا من قبضة المتسلّطين. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image