بعكس التوقعات بأن تكون نيويورك الوجهة الخارجية الأولى لرئيس إيران الجديد، مسعود بزشكيان، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ستكون بغداد هي الوجهة الأولى لبزشكيان، ولمدة ثلاثة أيام تبدأ من 11 أيلول/ سبتمبر الجاري، في زيارة سيتم خلالها توقيع عدد من مذكرات التفاهم التي كان من المقرر توقيعها من قبل الرئيس السابق، إبراهيم رئيسي، الذي توفي مع عدد من المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، قبل أسبوع من زيارته المقررة إلى العراق، في حادث تحطم طائرته في شمال غرب إيران، بعد عودته من زيارة رسمية إلى أذربيجان.
"زيارة رئيس بلادنا إلى العراق أكثر فعاليةً في تطوير العلاقات على الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية كافة، وتؤدي إلى تعميق وتجذير وتوسيع العلاقات بيننا"، قال السفير الإيراني لدى العراق، محمد كاظم آل صادق.
من جانبه، قال مسؤول سياسي عراقي كبير، حسب وصف صحيفة "ذا ناشيونال": "يريد الإيرانيون إظهار أهمية العراق في سياستهم الخارجية كأولوية أولى". وليس مفاجئاً أن يكون العراق وجهة أول رحلة خارجية لبزشكيان، فقد قالت طهران إنها ستواصل سياسةً خارجيةً تركز على تعزيز علاقات إيران مع الدول المجاورة.
وزير إيران في رقع الشطرنج الإقليمية
مصلحتان رئيسيتان تعليان أهمية العراق لدى إيران، وفقاً لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي (cfr)، أولاهما منع حكومة بغداد من أن تصبح معاديةً لطهران مرةً أخرى، بعد الحرب المدمّرة بين البلدين (1980-1988). وثانيهما طرد القوات الأمريكية من العراق والمنطقة عموماً. "ببساطة لا يمكنك فصل العراق وإيران"، قال الرئيس العراقي السابق، برهم صالح، خلال فعالية للمجلس عام 2021.
العراق في المدرك الإستراتيجي الإيراني قديم قدم التاريخ، ويمثّل المسرح الذي تتشكل عليه القوى الإيرانية على مدار التاريخ إذ "يُعدّ العراق المحدد لإيران في ما يتعلق بتفوقها الإستراتيجي إقليمياً وتاريخياً. الإمبراطورية الفارسية/ الساسانية، لم تتشكل إلا بعد سيطرة الفرس/ الملك كورش على مملكتي بابل الأولى والثانية"
في هذا السياق، لكن مع اختلاف جوهري في المضامين، تحدث مستشار الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، ووزير الاستخبارات الأسبق، علي يونسي، في مؤتمر "إيران والقومية والتاريخ والثقافة"، عام 2015، عن عودة "إيران الكبرى"، وعودة إمبراطوريتها ثانيةً، وعاصمتها العراق هي "مركز التراث والثقافة والهوية الإيرانية".
"العراق ليس مجرد منطقة نفوذ ثقافي بالنسبة لنا. إنه أيضاً هويتنا وثقافتنا ومركزنا وعاصمتنا. هذه القضية موجودة اليوم كما كانت في الماضي، لأنه مثلما لا توجد طريقة لتقسيم أراضي إيران والعراق، لا توجد طريقة لتقسيم ثقافتنا أيضاً"، قال يونسي، وأضاف: "يجب علينا إما أن نقاتل بعضنا البعض أو نتّحد. والغرض من هذا الاتحاد ليس إزالة الحدود، بل القضاء على الحدود. وبدلاً من ذلك، أن تصبح جميع الدول في الامتداد الإيراني أقرب، لأن مصالحها وأمنها مترابطان".
العراق في المدرك الإستراتيجي الإيراني قديم قدم التاريخ، ويمثّل المسرح الذي تتشكل عليه القوى الإيرانية على مدار التاريخ، حسب حسام بوتاني، وهو رئيس مركز صنع السياسات للدراسات السياسية والإستراتيجية؛ لذا "يُعدّ العراق المحدد لإيران في ما يتعلق بتفوقها الإستراتيجي إقليمياً. وتاريخياً. الإمبراطورية الفارسية/ الساسانية، لم تتشكل إلا بعد سيطرة الفرس/ الملك كورش على مملكتي بابل الأولى والثانية. ولم تتداعَ هذه الإمبراطورية إلا بعد معركة القادسية في العراق، وفقدان سيطرتها عليه، لتندثر بعدها نتيجة توالي الهزائم أمام جيوش الخليفة عمر بن الخطاب".
كذلك، كانت بغداد حدّاً فاصلاً بين الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية خلال معاهدة "زهاب" (معاهدة قصر شيرين)، عام 1639، ما يشير إلى أهمية العراق كمحدد أساسي لنفوذ/ دور إيران في المنطقة، أو لكونه مصدراً إستراتيجياً يضع حداً لهذا النفوذ/ الدور. وهو محدد مستمر حتى وقتنا الراهن، فالعراق خلال الحرب العراقية-الإيرانية شكّل مصدراً إستراتيجياً حقيقياً أوقف تمدد "الثورة الإسلامية في إيران" إلى باقي دول المنطقة. وما حدث بعد 2003، يثبت أن هذه الحرب لم تكن نزوةً عدوانيةً عراقيةً كما يتهيأ للبعض. فمشروع "إيران الثورة" الإقليمي بدأ بالخروج والتمدد في المنطقة بعد هذا التاريخ، نتيجة خروج العراق من المعادلة الإقليمية. ولولا ذلك، لما تمكّنت إيران من التغلغل في سوريا ولبنان وفلسطين، ولاحقاً اليمن. وعليه، "يلعب العراق دور الوزير في لعبة الشطرنج الاقليمية الإيرانية"، يقول بوتاني، لرصيف22.
على مدى العقدين الماضيين، عظّمت طهران مكاسبها في العراق، سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً، حسب المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)؛ إذ "امتلكت خلالهما وجوداً مسلحاً في العراق وجماعات مواليةً لها في البرلمان والحكومة وبعض أجهزة الدولة، كما بات العراق في مقدمة وجهات الصادرات الإيرانية غير النفطية وأكبرها، حيث هيمنت البضائع الإيرانية على قرابة 25% من احتياجات السوق العراقي من المنتجات المستوردة، لا سيما الغذائية منها. إلى جانب تصدير إيران الكهرباء والغاز إلى العراق، مما ساعد في إحكام قبضة طهران على مفاصل الدولة العراقية من جهات عدة".
حاجز إستراتيجي لإيران
على خلفية مشاركته في مسيرة "أربعينية الحسين" مؤخراً، وخلال لقائه المستشار الثقافي العراقي، شدّد "حجة الإسلام" مصطفى رستمي، رئيس الهيئة التمثيلية "للولي الفقيه" في الجامعات الإيرانية، على ضرورة زيادة التبادل الطلابي واستغلال قدرات إيران العلمية لتحسين المستوى العلمي للطلبة العراقيين. ووفقاً لرستمي، لدى الهيئة التمثيلية خطط مستقبلية لتوسيع العلاقات العلمية والثقافية مع الجامعات العراقية، داعياً المسؤولين إلى المتابعة المستمرة، لإيجاد المزيد من مجالات التعاون. وكان البلدان قد وقّعا في آذار/ مارس 2023، اتفاقاً أمنياً بهدف "الحد من التحديات الأمنية غير المرغوب فيها".
وفي وقت سابق، أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، عن اعتزام بلاده إجراء محادثات مع العراق بهدف التوصل إلى اتفاق إستراتيجي بين البلدين. مع تأكيده على مكانة العراق الخاصة لدى طهران. وهو ما رحّبت به لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي، كتمهيد لعقد اتفاقية إستراتيجية في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.
العراق ولبنان يقبعان في صلب المصالح الإستراتيجية الإيرانية؛ العراق أولاً ولبنان ثانياً، حسب الباحث الأهوازي في مركز الحوار والدراسات ومقره واشنطن، كميل البوشوكة، ولربطهما ببعضهما تحتاج إيران إلى سوريا.
يضيف البوشوكة في حديثه إلى رصيف22: "العراق في البعد الإستراتيجي يخدم المصالح الجيو-سياسية الإيرانية، إذ تستطيع إيران من خلاله السيطرة على كامل المنطقة. فمن خلال سيطرتها على العراق تستطيع تهديد أمن تركيا، والسيطرة على سوريا، وتصل إلى حدود كل من الأردن والسعودية وتهدد الكويت. ومن خلال سوريا تصل إلى الساحل السوري ولبنان، ما يمكّنها من تهديد مصر ومصالحها الاقتصادية. إلى جانب تهديد القواعد البريطانية في قبرص، والأسطول الأمريكي الموجود في البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى تهديد إسرائيل، التي تتعامل معها إيران وفق الملفات التي تخدم مصالحها. لكن في النهاية تستطيع تهديدها".
لولا الاقتصاد العراقي وتغلغل إيران في العراق، لما صمدت إيران أمام العقوبات الأمريكية "حيث يمثّل العراق متنفساً اقتصادياً لإيران، تمكّنت عبره من إفشال برنامج العقوبات المفروضة عليها، من خلال التجارة البينية بينهما، إلى جانب تهريب النفط الإيراني عبر الموانئ العراقية"
يمثّل العراق حاجزاً إستراتيجياً ضد التهديدات التي قد تطال إيران، يحميها من عدوان عسكري محتمل أو من ضغط سياسي غربي. إلى جانب فرملته نفوذ الدول الإقليمية التي يهيمن عليها "السنّة"، حسب مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية. ومن خلاله، تمكنت طهران من ممارسة النفوذ والحفاظ على ممر برّي لحلفائها في سوريا ولبنان، وتالياً ترسيخ قوتها الإقليمية وخلق مجال نفوذ متصل في المنطقة، حيث سهّل هذا الممر الحركة السلسة للميليشيات المتحالفة مع إيران عبر الدول الثلاث، ما أدى إلى تسريع استجابتها المنسّقة للتهديدات المتصورة تجاه "محور المقاومة" الذي تقوده.
إلى جانب ذلك، يشكّل العراق جبهة إيران الإستراتيجية المتقدمة لمواجهة القوات العسكرية الأمريكية المتمركزة بالقرب من حدودها. وهو ما يتماشى مع أهدافها الجيو-سياسية الإقليمية الشاملة، ومنها تقليص النفوذ العسكري الأجنبي في جوارها المباشر. وعلى خلفية صراع الظل مع إسرائيل، ازدادت أهمية العراق الإستراتيجية في إستراتيجية إيران الجيو-سياسية. فالضربات الأخيرة ضد الحوثيين في اليمن تسلّط الضوء على النطاق الجغرافي المتزايد للصراع، وتؤكد على التحديات المعقدة التي تواجه خصوم إيران لكبح طموحاتها الإقليمية. فيما تحافظ طهران على دورها كمنسق مركزي وداعم لهذه الميليشيات، مع تكييف إستراتيجياتها للتنقل في المشهد الجيو-سياسي المتغيّر ومتابعة أهدافها الإستراتيجية الأوسع.
وفي هذه الإستراتيجية، يعمل العراق كنقطة محورية لإيران لإبراز نفوذها السياسي والديني، ما يعزز دورها كلاعب إقليمي مهم. كما أن مواءمة توجه بغداد السياسي مع توجه طهران تعزز المكانة الإقليمية للأخيرة، وتمدّها بالقوة لموازنة نفوذ منافسين إقليميين، كالرياض وأبو ظبي والدوحة وأنقرة.
إذا تم إخراج العراق من معادلة السيطرة الإيرانية، أو أصبح على تضادّ معها، فسيمثّل حائط صدّ يقطع إيران عن كل امتداداتها الإقليمية، وتالياً ارتطام المشروع الإقليمي الإيراني بجدار سميك يتداعى عنده، حسب بوتاني. كذلك، "لو عاد إلى العراق دوره الإقليمي، لن يكون لإيران حضور في المعادلة الإقليمية، ما يدلل على أن العراق جغرافياً وإستراتيجياً يمثّل قاعدة نفوذ متقدمةً تدير بها طهران الأذرع التي أنشأتها كافة، أو مختلف مقاربات مشروعها الإقليمي. وهو ما يدلل أيضاً على أن العراق يقع في منطقة القلب بالنسبة إلى الإستراتيجية الإيرانية الإقليمية وليس ضمن حافاتها الإستراتيجية".
مع ذلك، يشير بوتاني إلى تخلّف مكاسب طهران الاقتصادية "مقارنةً" بمكاسبها الإستراتيجية من العراق، برغم تشكيل الأخير متنفساً إيرانياً كبيراً جداً للتحايل على العقوبات، وبرغم ما قد يصيبها من اختناق كبير جداً، نتيجة خنق أذرعها الاقتصادية فيه.
متنفّس اقتصادي ومركز للالتفاف على العقوبات
"العلاقات بين العراق وإيران ثابتة ومتماسكة وغير قابلة للتغيير"، قال الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني الراحل رئيسي. وكان الأخير قد أعلن خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، في أيلول/ سبتمبر 2021، عن توافق الجانبين على إلغاء التأشيرة بينهما. إلى جانب موافقة بغداد على زيادة حصة إيران بشأن "زائري الأربعينية". "لدينا علاقات عميقة مع العراق"، قال رئيسي، وأضاف: "نتطلع إلى تعزيز العلاقات بين العراق وإيران". فيما أشار الكاظمي إلى مناقشة مجموعة من الملفات الثنائية، منها "ملف تعزيز العلاقات الأخوية والروابط التاريخية"، إلى جانب "مناقشة الملفات الاقتصادية والربط السككي وزيادة التبادل التجاري".
في هذا السياق، أعلن أمين المجلس الأعلى للمناطق التجارية الصناعية الحرّة والاقتصادية الخاصة بإيران، حجة الله عبد المالكي، في آذار/ مارس الماضي، عن توقيع مذكرة تفاهم مع خمس دول، من بينها العراق وسوريا، لإنشاء منطقة حرّة مشتركة، وهو ما يسّهل وصول إيران إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وكانت الدول الثلاث قد وقّعت في تموز/ يوليو 2019، محضراً للتعاون في مجال النقل الشامل، لزيادة المشاريع المشتركة بينها، وتطوير البنى التحتية للنقل الثلاثي، عبر سكة حديد "الشلامجة-البصرة-اللاذقية"، لتعمل على ربط شبكات السكك الحديدية من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط. وللإحاطة بهذا المشروع يمكن مراجعة تقريرنا السابق.
لولا الاقتصاد العراقي وتغلغل إيران في العراق، لما صمدت إيران أمام العقوبات الأمريكية، بحسب ما يقول الخبير العراقي غانم العابد، لرصيف22؛ "حيث يمثّل العراق متنفساً اقتصادياً لإيران، تمكّنت عبره من إفشال برنامج العقوبات المفروضة عليها، من خلال التجارة البينية بينهما، إلى جانب تهريب النفط الإيراني عبر الموانئ العراقية، وعبر التهريب من خلال المنافذ الحدودية غير الرسمية التي تسيطر عليها بعض الميليشيات الموالية لإيران".
يضيف: "تأمل الدولتان وصول تجارتهما الرسمية البينية إلى 20 مليار دولار سنوياً. وقد بلغت خلال الأشهر الخمسة الأولى لهذا العام قرابة 4.8 مليارات دولار. إلا أن الميزان التجاري يميل لصالح إيران، فالصادرات العراقية إلى إيران لم تتعدَّ الـ750 مليون دولار، ما يعني أن هذه التجارة تصبّ في مصلحة إيران، ولا تتيح مجالاً لاستفادة عراقية من الأسواق الإيرانية. زيادةً على ذلك، يُعدّ العراق ورقة طهران المسلحة، من خلال بعض الميليشيات العقائدية المرتبطة بها، والتي دائماً ما تناور/ تفاوض بها مع الأطراف المتصارعة معها. ونظراً إلى عقائدية هذه الميليشيات، فإن أي أمر يأتيها من إيران تعدّه فتوى لا يمكن التغاضي عنها أو تجاهل تنفيذها".
مؤخراً، أشار رئيس الوزراء العراقي، محمد شيّاع السوداني، إلى أن ديون العراق جرّاء شراء الغاز الإيراني بلغت أكثر من 11 مليار يورو، وأن بلاده ستقدّم النفط الخام لإيران مقابل الحصول على الغاز، لإنهاء مشكلة الموافقة الأمريكية على المدفوعات لطهران. وكان الجانبان قد توصّلا إلى اتفاق بهذا الخصوص في تموز/ يوليو 2023، بعد تخفيض إيران لصادراتها من الغاز الطبيعي إلى النصف، كوسيلة ضغط على العراق لإيجاد حل لتسوية ديونه المستحقة مقابل صادرات الغاز.
"العراق منذ زمن الشاه الإيراني كان هدفاً إستراتيجياً لخدمة مصالح إيران الجيو-سياسية، برغم امتلاك الأخيرة لأفضل اقتصاد في المنطقة. لكن مع تدهور الاقتصاد الإيراني نتيجة العقوبات التي فرضها بدايةً الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، باتت طهران تنظر إلى العراق نظرةً جيو-سياسيةً واقتصاديةً أو جيو-اقتصاديةً"
ونظراً إلى عدم إمكانية الاستغناء عن الغاز الإيراني لتوليد الطاقة في العراق، منحت واشنطن إعفاءات عدة من العقوبات لتسهيل حصول بغداد على الطاقة من طهران، حتى خلال حملة "الضغوط القصوى" التي شنّها الرئيس الأمريكي السابق، والمرشح الرئاسي الحالي دونالد ترامب، ضد إيران. وفي حزيران/ يونيو 2023، أعلنت مصادر عراقية عن حصول بغداد على التصاريح اللازمة من واشنطن لتسوية بعض ديونها المتضخمة، إلى جانب إعلان غرفة التجارة الإيرانية العراقية الإفراج عن قرابة 10 مليارات دولار أمريكي من الأموال التي تعود لإيران في العراق. إلا أن كلمة "إفراج" فيها الكثير من اللبس، وفقاً لبيجن خواجه بور، في أمواج ميديا. فالعلاقات التجارية في هذا السياق أكثر تعقيداً مما تبدو عليه.
يفكك خواجه بور، وهو خبير جيو-سياسي في الطاقة والاقتصاد الإيرانيين، وعضو المجلس الاستشاري لمجموعة أبحاث أوروبا والشرق الأوسط، هذا التعقيد، بإشارته إلى تعيين الكيانات الإيرانية، خلال اتفاقيات التصدير الإقليمية التي تعقدها، "وصيّاً"، و"حساباً مصرفياً وصيّاً"، يمكّن الشركة المستوردة من تسوية ديونها عبر تحويل الأموال إلى "حساب مصرفي وصيّ" محدد. وهنا يكون حساب الوصيّ لدى المصرف العراقي للتجارة. وعليه، عند إعلان بغداد دفع ديونها لطهران مقابل واردات الطاقة، فهذا يعني أنها حوّلت الأموال إلى المصرف العراقي للتجارة، فيما تنتظر طهران قيام الأخيرة بتحرير الأموال المقيدة لتصبح تحت سيطرتها الكاملة.
ولمعالجة هذه الدينامية جزئياً، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في 19 تموز/ يوليو 2023، تجديد التصريح للعراق لاستيراد الطاقة الإيرانية، "الشيء الوحيد المختلف في هذا التجديد، هو توسيع الإعفاء للسماح بتحويل الأموال إلى حسابات مقيدة في بنوك مختارة تابعة لجهات خارجية"، حيث أفيد بإعطاء واشنطن الضوء الأخضر لتحويل جزء من الأموال الإيرانية إلى تركمانستان، لتسوية ديون إيران، مع السماح بتحويل جزء آخر إلى الرياض لتغطية مصاريف الحجّاج الإيرانيين، من دون أن تكون هناك خطط لنقل أي أموال إلى إيران، حسب ما قال مصدر إيراني رفيع لأمواج ميديا.
يقول البوشوكة: "نتيجةً لفرض العقوبات على إيران، أصبح العراق ذا أهمية اقتصادية لإيران إلى جانب أهميته الإستراتيجية والجيو-سياسية. فالعراق منذ زمن الشاه الإيراني كان هدفاً إستراتيجياً لخدمة مصالح إيران الجيو-سياسية، برغم امتلاك الأخيرة لأفضل اقتصاد في المنطقة. لكن مع تدهور الاقتصاد الإيراني نتيجة العقوبات التي فرضها بدايةً الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، باتت طهران تنظر إلى العراق نظرةً جيو-سياسيةً واقتصاديةً أو جيو-اقتصاديةً"، مشيراً إلى أن العراق حالياً يشكّل مصدر تمويل لأغلب الميليشيات الولائية الإقليمية في المنطقة.
ومؤخراً، عدّد رئيس مصلحة الجمارك الإيرانية محمد رضواني فر، الشركاء الـ5 الأوائل لبلاده في تجارتها غير النفطية خلال هذه الفترة: "الإمارات وتركيا والعراق وباكستان وروسيا"، حيث "بلغت قيمة تجارة إيران غير النفطية مع الإمارات 11 مليار دولار، ومع تركيا 6 مليارات دولار، ومع العراق 4.8 مليارات دولار، ومع باكستان 1.1 مليار دولار، ومع روسيا 969 مليون دولار"، وهو ما يشكل تراجعاً لمرتبة العراق وقيمة تجارته مع إيران في قائمة الدول المتاجرة مع الأخيرة. وقد أشار المجلس الأطلسي في وقت سابق، إلى أن الصادرات الإيرانية إلى العراق تتجاوز 8 مليارات دولار سنوياً، بينما تبلغ الصادرات العراقية إلى إيران مليار دولار واحداً فقط.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه