شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
أمريكا وإيران... عداء تروّضه المصالح؟

أمريكا وإيران... عداء تروّضه المصالح؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الأربعاء 14 فبراير 202411:41 ص

كتبت في مقال سابق، أن الحرب القادمة ستكون في سوريا وليس في لبنان. وفي مقالٍ ثانٍ صغت لوماً لبعض المحللين الذين ينطلقون من افتراض أساسه أن إيران وأمريكا عدوّان، وهذا يعني بالضرورة أنني لا أفترض هذا العداء بين البلدين، حتى وإن كانت الحرب تستعر بين حلفائهما؛ في غزة ولبنان والعراق واليمن.

فبرأيي، لقد ولّى زمن الحروب الدينية والقومية، أو تراجعت وتيرتها في عالم اليوم، والتي كانت تحدث بين أعداء واضحين ويتم تعريفهم بسهولة، ونحن في عصر حروب المصالح والامتيازات. في هذه الحروب قد يصبح عدو اليوم، حليف الغد، أو تجري الحرب لامتياز محدد دون عداء جوهري أو طويل الأمد بين طرفيها.

سأضيف إلى هذه المقدمة القصيرة، ما يبدو جلياً لأي متابع، أي حقيقة أن الخطاب التمثيلي الخارجي، وأقصد هنا الخطاب السياسي وليس العسكري فقط، لفلسطين والفلسطينيين، صار بيد الناطقين باسم حماس، وأن السلطة بالكاد يُسمع صوتها. ولا أعني هنا أنها لا تتحدث أو لا تحاول، بقدر ما أعني أن اللاعب الرئيسي مع المفاوضين والوسطاء، وحتى الأعداء، هو حماس وليس أي طرف آخر. كما أن الخطاب السياسي الخارجي للبنان تكرّس مؤخراً أو تم الاستحواذ عليه بشكل شبه كلي من قبل حزب الله وحلفائه في لبنان، وأن الحكومة في لبنان، أو على الأقل الأطراف والتيارات المعارضة لإيران، لا تصدّر خطاباً يمكن التقاطه من الأطراف الدولية. وليس خافياً على أحد أن اليمن كذلك لا يتم تصدير موقفه إلا من خلال الحوثيين والناطقين العسكريين والسياسيين باسمهم.

ولّى زمن الحروب الدينية والقومية، أو تراجعت وتيرتها في عالم اليوم، والتي كانت تحدث بين أعداء واضحين ويتم تعريفهم بسهولة، ونحن في عصر حروب المصالح والامتيازات. في هذه الحروب قد يصبح عدو اليوم، حليف الغد، أو تجري الحرب لامتياز محدد دون عداء جوهري أو طويل الأمد بين طرفيها

ربما أستطيع أيضاً إضافة بعض المتداول من أن خاتمة ملف التطبيع الخليجي الإسرائيلي، كانت قبل أربعة أشهر على وشك التوقيع. فالشروط الموضوعة لهذا التطبيع، والتي يتم التفاوض عليها منذ سنوات، كانت قد أُنجزت، وتم تجاوز معظمها برعاية أمريكية، ولم يبقَ آنذاك إلا بعض التفاصيل المتعلقة بشرط الدولة الفلسطينية، وحق تقرير المصير للفلسطينيين.

ومن المعروف أن تطبيعاً عربياً مع إسرائيل برعاية ودعم أمريكيين سيؤدي إلى تقوية الحلف المعادي لإيران، وسيجعل الأخيرة معزولةً في المنطقة، بل سيجعلها لقمةً سائغةً أو سهلةً في مفاوضات ملفها النووي. وهذه المفاوضات تراوح مكانها منذ سنوات طويلة، فتتقدم تارةً وتتوقف تارةً أخرى، حسب الجالس في البيت الأبيض، وحسب اعتبارات كثيرة ليس آخرها المصالح والمطامع الإسرائيلية في المنطقة.

سأضيف إلى كل ما سبق افتراضاً خاصاً غير مستند إلى برهان حقيقي، هو أن القضية الفلسطينية لم يعد لديها بطل. والبطل الذي أقصده هو الرمز الذي وإن لم يصنع إنجازاً، إلا أنه قادر على تجيير الإنجاز لصالحه، أو لنقل إن من خلاله تتم الإنجازات. ولكي يكون هناك إنجاز معتبر ويتم ترويجه والاعتزاز به لا بد أن تكون هناك مشكلة عصية على الحل.

ومن المعروف لأي مراقب أو مهتم أن القضية الفلسطينية لم يتحرك في مفاصلها شيء منذ عشر سنوات، أي منذ استحواذ بنيامين نتنياهو واليمين القومي والديني على الحكم والسلطة في إسرائيل.

الإضافة الأخيرة التي سأقوم بها هي التصريحات السياسية المرافقة للعمل العسكري على الأرض. وأقصد هنا تصريحات السياسيين المنضوين تحت لواء حلف المقاومة والممانعة، ومدى عشوائيتها بل وتضاربها أحياناً. ولو استثنينا التصريحات التي كانت تصف المأمول من الحرب، واكتفينا بتلك التي تخص وحدة الساحات، فإننا نجد أن حزب الله مثلاً صرّح مؤخراً أنه يساند غزة، أي أنه لا يخوض حربه هو ضد عدو مشترك له ولغزة ولبقية أقطاب الممانعة. كذلك الأمر مع الحوثيين في اليمن. أما في العراق فحدّث ولا حرج؛ ففي حين بدأت التصريحات قويةً تجاه إسرائيل وفكرة وجودها، تحولت إلى وجود القواعد الأمريكية في المنطقة. كل ذلك يجري بينما دمشق كزعامة تاريخية لحلف الممانعة تصمت تماماً منذ بداية الحرب، في سابقة لم نعهدها أبداً، وكأن الحرب تجري في قارة أخرى.

سنكتفي بهذا التمهيد، الطويل، لنقفز إلى الحاضر، ولنأخذ عينةً من هذا الحاضر وهي زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الأخيرة إلى لبنان وتصريحاته اللافتة. لقد قال الرجل بما لا يترك مجالاً لأي تأويل، إن زيارته تصب في منع توسع الحرب، وإن اللحظة هي لمهمة السلام في لبنان وللقبول بالقرار 1701. هذا القرار الذي يقضي بتراجع قوات حزب الله إلى نهر الليطاني وتمكين الجيش اللبناني، والقوات الدولية متعددة الجنسيات، من التواجد على الحدود مع إسرائيل وحمايتها.

هل "استوت الطبخة" بين أمريكا وإيران؟ ليس بعد. فهناك الوجود الإيراني في سوريا والذي أُوكلت مهمته إلى كل هذه الحشود من القوات الأمريكية التي توافدت مع بداية الحرب، والتي اعتقد المراقبون أنها لدعم إسرائيل في حربها على غزة. هل "استوت طبخة التطبيع" أيضاً؟ لا أظن ذلك

هل "استوت الطبخة" بين أمريكا وإيران؟ ليس بعد. فهناك الوجود الإيراني في سوريا والذي أُوكلت مهمته إلى كل هذه الحشود من القوات الأمريكية التي توافدت مع بداية الحرب، والتي اعتقد المراقبون أنها لدعم إسرائيل في حربها على غزة. هل "استوت طبخة التطبيع" أيضاً؟ لا أظن ذلك، بل يبدو أنها تعكرت قليلاً وهي في انتظار نهاية محاولات الوسطاء أو يأسهم من إيقاف الحرب على غزة.

لكن الأكيد هو أن إيران حجزت لها كرسياً على الطاولة، وأفهمت الجميع أنها لاعب أساسي في المنطقة لا يمكن تجاهله لا في حرب المصالح، وأستطيع المبالغة والقول: ولا في التطبيع أيضاً. وبعد تحسين شروط مفاوضاتها في ملفها النووي، وقبولها كدولة مندمجة مع منظومة المنطقة لن يطول الوقت لتتخلى عن كل التشكيلات والفصائل الحليفة في الدول التي اخترقتها وحاربت فيها.

على جانب آخر من العداء المفترض، يبدو أن قطار التطبيع سيصل إلى محطته الأخيرة، وذلك تحت عنوان حقن دماء الفلسطينيين في غزة. لكن ما هو غير واضح حتى اللحظة هو هل يكون هذا التطبيع في عهد حكومة نتنياهو جائزة ترضية له لعدم حسمه الحرب كما يريد، ولتحصيل تنازلات منه تضع حداً لإحراج أمريكا مع حلفائها في المنطقة، مع وعود بإنقاذه وإنقاذ مستقبله في إسرائيل، أم سيكون جزرة الترغيب لأي معارضة له ولحكومته، مع مخططات لتغيير وجه إسرائيل الدموي في العالم، والذي تكرس مع كل هذا الإجرام والتهجير في غزة؟

الشهور القادمة ستوضح لنا ذلك، وهي ستعرّف "البطل" كما أعتقد.




رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard