يتعاطى المخدرات مذ كان عمره 14 عاماً، عاش مرارة الواقع، وسُجن لـ6 أشهر، واضطر لدفع غرامة بلغت 5 ملايين دينار عراقي أي حوالي 4000 دولار، أثقلت كاهل أهله الفقراء.
بهذه الكلمات يمكن اختصار قصة منتظر الذي بالكاد أكمل عقده الثاني (21 عاماً).
أدخله التعاطي في مشكلات كثيرة "أثّرت على سمعته وسمعة أهله ودفعته إلى اعتزال عائلته وأطفاله"، ليعيش رحلةً مع التعاطي، فالسجن، الذي لم يكن الحل لأن "المخدرات انتشارها داخل السجن أوسع منه في الشارع" كما يقول لرصيف22.
لذا ازدادت وتيرة تعاطيه بعد خروجه، وتوسعت لتشمل مختلف أنواع المخدرات لكثرتها ورخص ثمنها في "النجف"، فـ"سعر المخدرات في كربلاء مرتفع مع وفرتها" بحسبه.
أحد أصدقائه أدخله إلى هذا العالم، ليأتي صديق آخر وينتشله منه، يقول: "طلب مني الذهاب إلى مركز القناة في بغداد للتعافي، وكي أصبح في مأمن إذا تم الاعتراف عليّ من قبل من كنت أتعاطى معهم لوجود كارت التعافي معي".
حال منتظر لا يختلف كثيراً عن حال ما يقارب نصف جيله في هاتين المحافظتين بحسب التقارير، إذ يعيش أبناء محافظتَي كربلاء والنجف حياةً تختلف عن الحياة في باقي محافظات العراق. فالموقع الديني والأضرحة الموجودة فيهما، تجعل منهما مدينتين مغلقتين. ففي كربلاء، لطالما سعت الجهات الدينية والسياسية إلى نبذ أي اختلاف في الفكر والدين والحرص على وضع قوانين وإجراءات كانت أشبه بأسوار تعزل حدودها عن أي دخيل فكري أو انفتاح "غربي".
لكن الانغلاق والتحفظ كانت لهما ضرائب كثيرة لا يرضى القائمون على المدينة بالاعتراف بها، من بينها لجوء الشباب إلى المخدرات كهروب من الواقع.
الخريطة الساخرة... والجارة "أرجنتين"
في نهاية رحلة قصيرة، تحط المخدرات محطّ رحالها بين أيدي الشباب العراقي المكبوت. مصدر تلك الممنوعات ليس بعيداً عن مصدر فرض المحظورات، وفي الحالتين -أي الحظر والإدمان- لا يُعترف بهما.
في العام 2019، وخلال مؤتمر صحافي لرئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، الذي أطيح به بعد اندلاع احتجاجات عارمة للشباب العراقي ضد الفساد والتبعية للجارة الشرقية إيران، من قبل أحزاب السلطة، قال عبد المهدي، عبارةً شهيرةً أصبحت متداولةً كرمز للسخرية من هروب النظام من الاعتراف بالتبعية. رسم عبد المهدي خريطةً لمصدر المخدرات ابتداءً من "الأرجنتين وطريقها إلى عرسال اللبنانية ومنها إلى سوريا وصولاً إلى العراق، لتؤسس شبكات تستغل الشباب من أجل كسب أموال هائلة".
دخل منتظر السجن، واضطر لدفع غرامة قاربت 4000 دولار، وتسبب بقطيعة مع أهله وأطفاله بسبب إدمانه على المخدرات التي يقول إن أسعارها في النجف أرخص من أسعارها في كربلاء، قبل أن يسجل نفسه في أحد مراكز علاج الإدمان
خريطة عبد المهدي وتصريحاته تناقضت مع ما جاء في تصريحٍ لقائد عمليات البصرة رشيد فليح (تبعد عن منفذ الشلامجة مع إيران 30 كم)، قبل ستة أشهر من مؤتمر عبد المهدي، بأنّ "80% من المخدرات الداخلة إلى البصرة تأتي من إيران، حيث "تستغل العديد من عصابات المخدرات المواسم الدينية التي تتضمن زيارة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء لتهريب أنواع مختلفة من المخدرات".
مديرية مكافحة المخدرات في محافظة كربلاء أعلنت لاحقاً عن تفكيك شبكة دولية لتجارة المخدرات في المحافظة، وضبط كيلوغرام وربع من المخدرات مع أسلحة وأموال في حوزة أفراد إحدى العصابات. وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في وزارة الداخلية، أعلنت أيضاً عن القبض على إحدى أخطر عصابات تجارة المخدرات في محافظة كربلاء، والمكونة من 5 متهمين بينهم سيدتان.
يعزو الناشط الاجتماعي أمير طلال، انتشار تعاطي المخدرات ورواج الاتّجار بها في المدن المقدسة ذات التشدد الديني، إلى فقدان أو غياب المتنفسات التي تشغل الشباب والمراهقين، وإلى الضغط الاجتماعي بسبب الأعراف والتقاليد؛ سواء من الأهل أو مما يصدر من قوانين تجميلية،مثل "قانون قدسية كربلاء"، والأهم غياب تطبيق قانون العقوبات بحق المقبوض عليهم من التجار لكونهم مدعومين بغالبيتهممن جهات متنفذة.
بين تصريح عبد المهدي وواقع الحال، تكمن حقيقة يدركها جميع العراقيين، وهي أن "المخدرات تقطع حدود العراق الشرقية، قادمةً من إيران، تحت حماية جماعات مسلحة وجهات متنفذة".
كربلاء تحت وطأة "الهجوم الشرس"
لا تزال المحافظات تشهد تزايداً في انتشار المخدرات، مما يتطلب إستراتيجيات مكافحة محلية ودولية متنوعة. وكربلاء (108 كم عن بغداد)، ذات الصبغة الدينية الشيعية المتشددة، وهي واحدة من المدن الرئيسية في البلاد، ليست استثناءً.
"هنالك هجوم شرس على العراق من الدول المجاورة بتجارة المخدرات، وكربلاء جزء من البلد وتوجد فيها أنواع مختلفة من المخدرات. نحن نحاول السيطرة على الرؤوس الكبيرة ووضعها تحت المراقبة" ؛هذا ما أدلى به نائب محافظ كربلاء علي الميالي.
وفق تصريحات رسمية، 80% من المخدرات الداخلة إلى البصرة تأتي من إيران، حيث تستغل العديد من العصابات المواسم الدينية وزيارة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء.
وبالنظر إلى هذا المشهد، وبحسب الإحصائيات الصادرة من وزارة الداخلية منذ بداية العام 2023، وحتى تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بلغ عدد المقبوض عليهم "17،294شخصاً منهم 121 تاجراً أجنبياً"، لذا فإن محاربة المخدرات تظل مسؤوليةً مشتركةً تتطلب التعاون بين الحكومة والمجتمع الدولي، خصوصاً بعد تصريح مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، بأن "مخدر الكريستال يُعدّ الآن المخدر الأخطر والأكثر انتشاراً في العراق"، محذّراً في تقرير صدر في شباط/ فبراير من العام الماضي، من أنه "أصبح يُصنع سرّاً داخل العراق بعدما كان يُهرّب سابقاً من إيران"، وهذا ذاته ما أكده اللواء أحمد الزركاني، رئيس مديرية شؤون المخدرات في وزارة الداخلية، قائلاً: "العقد الأخير شهد تحوّل العراق من ممر إلى مستهلك وموطن للمخدرات".
تحديات الإدمان في كربلاء
في تصريح مثير، وصف الخطيب الشيعي جعفر الإبراهيمي، الإدمان على المخدرات بأنه "كارثة متنقلة وقنبلة موقوتة"، وربطه بالفقر والبطالة واليأس. ولعل هذه الكلمات تلخّص الواقع القاسي الذي يواجهه الشباب في المناطق الفقيرة والمحرومة في كربلاء.
كما تؤكد الأرقام الصادرة عن مجلس القضاء الأعلى في العراق، أن نسبة الإدمان على المخدرات تبلغ 50% بين صفوف الشباب، مع وصول نسبة التعاطي إلى 70% في المناطق الفقيرة.
تقول الناشطة صفا عامر، إن غياب المتنفسات الاجتماعية والثقافية والرياضية المدعومة من قبل الحكومة المحلية من الأسباب التي تؤدي إلى انتشار المخدرات لغياب الاحتواء الكامل لفئة الشباب، وقد أصبحت كربلاء عبارةً عن مطعم كبير لكثرة انتشار المقاهي والمطاعم فيها".
وتضيف: "المعالجات ليست جديةً لانتشال الشباب والمراهقين من واقع التهميش المرتبط بالسياسة وبطابع ديني، وآخرها تشريع قانون يحمي قدسية المدينة (قانون قدسية كربلاء)، الذي يضاف إلى الأسباب المساعدة على انتشار المخدرات ومنها الكبت والتعتيم والحرمان ووقت الفراغ".
تشير معظم التصريحات الرسمية إلى انتشار المخدرات في النجف وكربلاء، لافتقاد الشباب فيهما إلى أي متنفس، وذلك بسبب القيود الدينية العائلية والرسمية، وتحديداً "قانون قدسية كربلاء"، إذ تبيّن التقارير أن الفئة العمرية التي تتعاطى المخدرات تتراوح في الغالب بين 15 و35 عاماً
أما إيناس كريم، رئيسة منظمة "عراق خالٍ من المخدرات"، فتقول بأن أكثر من 40% من الناس في العراق يتعاطون المخدرات. وتضيف بأن الفئة العمرية التي تتعاطى المخدرات بشكل أساسي تتراوح أعمار أفرادها بين 15 و35 عاماً، لكن غالبية الأشخاص في مراكز الإدمان تتراوح أعمارهم بين 17 و25 عاماً.
وتتابع كريم بأن المخاوف من العقوبات القانونية والوصمات الاجتماعية تمنع الأشخاص الذين يعانون من الإدمان من طلب العلاج، وتشير إلى انتشار "مقاهي بيع المخدرات"، حيث يتم ملء النرجيلة بالمخدرات، دون علم روادها.
مخالفة الدستور
"قانون قدسية كربلاء الذي شُرّع في مجلس المحافظة، يتضمن عقوبات على من يخالف تعليماته"؛ هذا ما بيّنه النائب السابق في مجلس محافظة كربلاء.
ويمنع القانون المذكور الاستماع إلى الموسيقى، أو التجول في السوق مع السيدات، بل ينص على العقاب على الجهر بذلك. كما يمنع أية مظاهر تتعارض مع النظام والآداب العامة، وعرض الملابس النسائية في الشوارع أو في واجهات المحال بشكل فاضح، ويمنع دخول النساء غير المحجبات إلى محافظة كربلاء، ويمنع أيضاً الجهر بالأغاني أو الأقوال الفاحشة المخلّة بالحياء في الأماكن العامة والشوارع والأحياء السكنية، وينص على معاقبة كل من يفتتح أو يدير محلاً للعب القمار ويعدّه لدخول الناس وكل من ينظم ألعاباً من هذا القبيل.
في الوقت الذي يُطرح فيه مشروع قانون حظر المشروبات الكحولية، يقول أحد النوّاب بوجود "أحزاب متنفذةً ومليشيات تجني مبالغ طائلة من صالات الروليت والقمار وتجارة المخدرات والنساء".
يقول القانوني منتظر حميد، إن تشريع مثل هكذا قانون من قبل مجلس محافظة كربلاء يُعدّ مخالفةً للدستور وفق المادة 61 من الدستور العراقي التي تنص على أن "مجلس النواب يختص بتشريع القوانين الاتحادية"، وتالياً فدور مجلس المحافظة يقتصر على الدور التنفيذي وليس التشريعي، ويضيف أن سنّ مثل هكذا قوانين يُعدّ مصادرةً للحريات الشخصية التي كفلها الدستور العراقي، ومن روّجوا لهذا القانون ليس همّهم قدسية المدينة، لأن الأجدر بهم معالجة الجرائم والانتهاكات والسرقات التي تحدث في أروقة مؤسسات الدولة عن طريق تطبيق قانون العقوبات العراقي، لا الذهاب نحو تشريعات تراد منها غايات حزبية سياسية، فهذه المعالجات هي من تعطي قدسيةً حقيقيةً لساكني المدينة.
تعقّب الناشطة صفا عامر بالقول: "إن ظاهرة المخدرات ظاهرة مرتبطة بسوء إدارة البلاد".
الهروب من الواقع إلى المجهول
"آني بصراحة أتحدث الآن لا أبجي ولا أتأثر، لأن آني بعد تعبت، آني دموعي نشفن.. بعد ماكو شي يئذيني" ؛تقول فاطمة ذات الـ15 ربيعاً، والتي بدأت قصة هروبها من "الواقع الأليم" الذي عاشته بعد وفاة أمها، وتعنيف والدها المخمور لها، وفقدان من يحتويها، لتعيش دور "الخادمة" في بيت خالها.
هي قصة هروب بدأت بسبب صديقتها المقربة في المدرسة المتوسطة التي نصحتها بأخذ الحبّة الوردية "لتساعدها على النوم ونسيان الواقع"، ولتبدأ رحلة الإدمان "بحبايتين في اليوم" وتنتهي "بشريطين في اليوم الواحد".
الاكتئاب لن يفارقها إلا "بأخذ المزيد من الحبوب"؛ هذا ما قالته لها صديقتها التي تجلب الحبوب من "صيدلية أختها". بينما لعب والدها دور "المتفرج"، وللتخلص من فاطمة طلب منها الانتحار "بإعطائها المسدس لتقتل نفسها"، لكنها تراجعت"لأنها تقوم بتربية أخيها الأصغر منها سنّاً".
الكبت والحرمان جعلا فاطمة تهرب من واقعها المرير لتصبح ضحية الافتراس في مجتمع "الوحوش" بحسب كلماتها، فيما تتعالى أصوات الناشطين بالتحذير من تغييب الشباب العراقي من خلال المخدرات.
تقول هناء أدور، رئيسة منظمة "الأمل" العراقية، إنّ الوصف الحقيقي لما يحدث هو أنّ الوضع بات كارثياً، وإنّ المخدرات تسرح وتمرح بحماية مجهولة حتى تفشّت بين الشباب.
وتزيد الباحثة الاجتماعية سمر الفيلي بقولها: "قبل سقوط النظام البائد لم تكن المخدرات موجودةً كما الآن، لكون العقوبات كانت مشددةً وتصل إلى الإعدام. أما الآن، ونتيجة ضعف الإجراءات الرادعة، استفحلت تجارة المخدرات وفق آلية من أمن العقاب أساء الأدب".
وتضيف: "هناك جهات تساند وتساعد على انتشار المخدرات والاتّجار بها، وهي من أدخلت هذه الظاهرة إلى المجتمع".
المخدرات في المدارس
المدارس والمؤسسات التعليمية هي المكان "الهادئ" لانتشار المخدرات. حتى بات التعامل معها على مبدأ "نفتح أذناً ونغلق أخرى"؛ هذا ما قاله الخطيب الشيعي الشيخ الإبراهيمي، محذراً من أن "الصمت حيال هذه القضية سيؤدي إلى انتشارها بشكل كبير داخل المجتمع".
تقول خ. أ.، وهي مديرة إحدى المدارس في كربلاء فضّلت عدم ذكر اسمها: "نواجه معاناةً كبيرةً مع الطلبة، فبرغم كل الإجراءات التي اتخذناها في مدارسنا إلا أننا صُدمنا بحجم المتعاطين داخل المدارس وبوجود الموزّعين أيضاً".
اتجهت فاطمة ذات الـ14 عاماً إلى المخدرات نتيجة وفاة أمها وإدمان أبيها على الكحول وعملها كخادمة في بيت خالها، تقول إن صديقتها أعطتها بعض الحبوب من صيدلية أختها، وبعد أن كانت تكتفي بحبة يومياً لم يعد شريط كامل يكفيها
بدأت المديرة رحلتها مع علاج الطلبة منذ وقت ليس بالبعيد، وزادت وتيرة التواصل أكثر مع أهالي الطلبة، تضيف في حديثها لرصيف22: "منهم من تقبّل الأمر، وآخرون رفضوا بدواعي سمعتهم، وطلبوا نقل أولادهم من المدرسة". هي تجربة رأت فيها "العجائب والغرائب" كما تقول، وتعزو الأمر إلى "ضعف الإجراءات من قبل الجهات المعنية في أخذ دورها لمعالجة انتشار المخدرات".
مدير مكتب الصحة النفسية في دائرة صحة كربلاء، د. عامر الحيدري، أعلن أن دائرته تستقبل في أحد مستشفيات المحافظة عدداً من المتعاطين للمؤثرات العقلية والمخدرات، الراغبين في العلاج والتخلص من الإدمان، لكن أغلبهم يتوجهون إلى العيادات الخاصة بالأمراض النفسية، خشية تعرضهم للمساءلة القانونية في المستشفى أو للحفاظ على السرّية، كاشفاً أن غالبية متعاطي المخدرات هم من فئة الشباب، وأن نسبة 30%منهم من النساء"، عازياً تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات إلى ضعف الجانب النفسي والتربية والعنف والمشكلات الأسرية والبطالة وأصدقاء السوء.
ويستطرد الحيدري: "في المستشفى لدينا ردهة لعلاج المرضى النفسيين والمدمنين، وهذا ليس صحيحاً. ينبغي أن يكون هناك مركز خاص لفئة المدمنين، تُطبّق فيه برامج تأهيلية محددة ومختلفة عن برامج معالجة الأمراض النفسية". ويقرّ الحيدري بوجود ارتفاع في مؤشر تعاطي المخدرات والمؤثرات العقيلة في الوقت الحالي، وإلى وجود حاجة كبيرة لمصحات خاصة بمعالجة المدمنين.
حظر الكحول يساعد على انتشار المخدرات
يُمثّل قانون حظر المشروبات الكحولية صراعاً بين الدين والسياسة في العراق. ففي الوقت الذي يُطالب فيه التيار الديني بحظر تام للكحول، يرى التيار المدني أن هذا القانون يُعدّ تدخلاً في الحريات الشخصية. في العام 2016، تم التصويت على قانون حظر المشروبات الكحولية، لكن لم يُنشر في الجريدة الرسمية، وتالياً لم يدخل حيز التنفيذ لغاية نشره في 20 شباط/ فبراير الماضي 2023.
يُشير السياسي الآشوري يونادم كنا، إلى أن "الأحزاب الإسلامية مارست ضغوطاً على رئيس مجلس النواب آنذاك لعرض قانون حظر المشروبات الكحولية، على الرغم من تأكيده على أنه خرق للنظام الداخلي ومخالف لقرار المحكمة الاتحادية والدستور". محذراً من أن "القانون يحتوي على خروقات كبيرة تمس الأمن الوطني، ويدفع بالشباب نحو المخدرات، كون أسعار المشروبات الكحولية سترتفع، والحصول عليها سيكون صعباً". ويُضيف: "اللجوء إلى المخدرات يعني ازدياد الجريمة والقتل".
وفي نفس الوقت يقول النائب فائق الشيخ علي بوجود "أحزاب متنفذةً ومليشيات تجني مبالغ شهريةً تصل إلى 50 مليون دولار من صالات الروليت والقمار وتجارة المخدرات والنساء".
ويرى المؤيدون أن القانون ضروري للحفاظ على الأخلاق والقيم الإسلامية، ومنع انتشار الجريمة. من ناحية أخرى، بينما يرى المعارضون أن القانون يهدد الأمن الوطني، ويدفع بالشباب نحو المخدرات، ويُشجع على الفساد.
حرب على المخدرات... بثغرات
يبقى ما سبق مجرد لمحة عن واقع مُعقّد ومعركة مستمرة ضد تجّار الموت. فوزارة الداخلية تقول إنها "تكافح بشدة لاحتواء المشكلة، لكنها تواجه تحديات هائلةً". فتلك الثغرات الحدودية الشرقية، التي تشكل مسالك سهلةً لتهريب المواد المخدرة، تبقى مفتوحةً، وتُثير الصعوبات التقنية والجغرافية تساؤلات حول كيفية فعالية إغلاقها.
تحاول وزارة الداخلية، بقيادة الوزير عبد الأمير الشمري، مواجهة المخدرات. لكنّ الصعوبات جمة، "خاصة مع وقوف دول وميليشيات خلف تجارة المخدرات".
ووفقاً للوزير الشمري، "ما زالت المخدرات تُهرَّب عبر ممرّات حدودية متعددة، من بينها ثغرتان عند شط العرب على الحدود مع إيران، يبلغ طولهما أكثر من 100 كيلومتر". ويعزو الشمري "صعوبة وضع حواجز على النهر في تلك النقطة إلى وعورة المنطقة".
في العام 2023، تم ضبط ثلاثة أطنان ونصف من المخدرات فضلاً عن 15 طناً من المؤثرات العقلية
ويقول دبلوماسي غربي مقيم في بغداد، لوكالة فرانس برس، إن أهمية العراق الناشئة في تهريب الكبتاغون قد تُعزى جزئياً إلى حملة القمع في الأردن المجاور.
وعززت الأردن من وجود حرس الحود والجيش على حدودها الشمالية في محاولة لقطع طرق التجارة عبر أراضيها، وأنشأت منتدى لمعالجة التهريب من سوريا، في حين غالباً ما تفتح قوات الأمن الأردنية النار على تجار المخدرات المشتبه بهم.
وقال الدبلوماسي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنه حتى قبل نحو سبع سنوات، كان العراق بلد عبور بشكل حصري تقريباً، لكن ذلك تغير تدريجياً حيث يمكن للمخدرات أيضاً أن تحل محل الدفع مقابل حقوق المرور.
وأضاف الدبلوماسي بأن "إعادة البيع المحلي التي نتجت عن ذلك ولّدت استهلاكاً محلياً وربما... سوقاً حقيقيةً"، مشيراً إلى ارتفاع نسبة الشباب بين سكان العراق البالغ عددهم 43 مليون نسمة.
مع العلم بأن القوات الأمنية كانت قد كشفت عن ضبط معمل لتصنيع المخدرات، وهي سابقة يعدّها كثيرون "الأخطر" حتى الآن.
إحصائيات خطيرة
تُظهر الإحصائيات الصادرة عن مديرية مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية العراقية ازدياداً خطيراً في تجارة وتعاطي المخدرات في البلاد خلال السنوات الأخيرة. ففي العام 2019 فقط تم القبض على 6،074 متهماً بتجارة المخدرات وتعاطيها.
ليرتفع الرقم في العام 2020 إلى 7،514 شخصاً، مع ضبط أكثر من 300 كيلوغرام من المخدرات وأكثر من 14 مليون حبة كبتاغون.
أما في العام 2021، فوصل عدد المقبوض عليهم إلى 12 ألفاً و822 شخصاً، بينهم 60% كانوا تجار مخدرات، وضُبط 481 كيلوغراماً من المخدرات ونحو مليوني حبة كبتاغون، ليبقى العدد في ازدياد برغم الدعوات المستمرة للسيطرة على هذه الآفة.
وتُظهر إحصائية عام 2022، اعتقال 16 ألفاً و851 متهماً بتجارة وترويج المخدرات، تراوحت أعمار أغلبيتهم بين 18 و30 سنةً، بينهم 500 دون سن الـ18، و250 امرأةً وفتاةً، مع ضبط 490 كيلوغراماً من مادة الكريستال و15 مليون حبة كبتاغون.
أما في العام 2023، فأعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد مقداد الموسوي، عن ضبط ثلاثة أطنان ونصف من المخدرات فضلاً عن 15 طناً من المؤثرات العقلية.
بحسب المحامي حسن عبد الله، المتابع لقضايا المخدرات: "إذا افترضنا أن نصف عدد المعتقلين هم مروّجون فنحن أمام كارثة، إذا كان كل واحد منهم يزوّد عشرات من الأشخاص بالمواد المخدرة".
وتتفق المصادر الأمنية على أن الهيرويين والحشيش والحبوب المخدرة والكريستال هي من أكثر الأنواع انتشاراً اليوم في العراق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكلام صحيح والله الواحد كان مكسوف وهو بيقرأ الكلام ده و فى ناس حوله لسه بيهزروا فى نفس الموضوع ،...
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعن أي نظام تتكلم عن السيدة الكاتبة ، النظام الجديد موجود منذ سنوات ،وهذه الحروب هدفها تمكين هذا...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ اسبوعينمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ 3 اسابيععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...