شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
ثورة أم حرب أهلية؟ أزمة المصطلحات وتراكم المعارك السورية

ثورة أم حرب أهلية؟ أزمة المصطلحات وتراكم المعارك السورية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الثلاثاء 20 أغسطس 202403:56 م

تتداخل المصطلحات المعرّفة بالحالة السورية، أكثر من تداخل الأيادي والأجندات الإقليمية والدولية فيها؛ ثورة بشقّيها السلمي والمسلّح، صراع مسلّح، حرب أهلية، حرب بالوكالة، صراع إقليمي أو صراع دولي؟ المفارقة الوحيدة في ذلك، اتفاق طرفَي المعادلة السورية، نظام الأسد والمعارضة الساعية إلى إسقاطه، واللذين يكاد ينعدم اتفاقهما، على رفض تسمية الحدث السوري بالحرب الأهلية، حيث يتمسك الأول بتوصيفها "مؤامرةً كونيةً" و"حرباً على سوريا"، فيما يصرّ الثاني على أنها ثورة، مؤيداً ذلك بالشواهد والأدلة، غير اللازمة أصلاً، بعد أن عبقت روائح ثورة الياسمين الدمشقي بأنفاس القارات العالمية السبع.

قبل الولوج في المأساة السورية ومعضلة التسميات، لا بدّ من الإشارة إلى أن انزلاق أي ثورة إلى أتون الحرب الأهلية أو الصراعات البينية الداخلية، بما فيها صراعات المصالح أو صراعات الأفكار والتوجهات السياسية، أمر وارد، وهو ما طال الكثير من الثورات وشبيهاتها، بل طال درّتها؛ الثورة الفرنسية التي شهدت ثلاثة أعوام من الإرهاب أطاحت بآباء الثورة وعباقرتها. كما طال أيضاً أرقى ما يمكن أن تطالب به ثورة على وجه الأرض، ولو أنها لم تنطلق كثورة، أي الثورة الأمريكية التي عزمت ولاياتها الشمالية على إلغاء الرقّ والعبودية، وهو ما كانت تعارضه الولايات الجنوبية في الولايات المتحدة الأمريكية، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية بينهما. فالثورات لا تختلف عن شخوص محرّكيها، وينتابها الوهن والاعتلال والتيه والانحراف كما الإقدام والتضحية والإيثار والتعاطف والرحمة والغضب الإيجابي.  

أزمة التعريفات 

الثورة تغيير أساسي في تنظيم الدولة، أو في السلطة السياسية فيها، خلال فترة قصيرة من الزمن، وقد تنطوي على ثورة شعب ضد السلطة. ويمكن تقسيمها إلى نوعين، بحسب أرسطو، أولهما ينتهي إلى تغيير الدستور القائم واستبدال نظام الحكم بشكل كامل، وثانيهما يحافظ على نظام الحكم القائم بعد تغيير الحكام. وعليه، فالثورة "اندفاع شعبيّ للمطالبة بتغيير الأوضاع السياسية أو الاجتماعية تغييراً جذرياً"، وهو تعريف لا يزال يحظى بالاعتبار برغم تطاول زمنه، وبروز مفكرين ومنظّرين اجتماعيين وسياسيين وقانونيين أفاضوا وأجادوا في الوقوف على الثورة وماهيتها. ففي كتابه "تشريح الثورة"، عدّ كرين برنتون، أنها "عملية حركية دينامية تتميز بالانتقال من بنيان اجتماعي إلى بنيان اجتماعي آخر"، صابّاً جلّ اهتمامه على الجوانب الاجتماعية للثورة. فيما عدّها بيتر أمان، "انكساراً مؤقتاً أو طويل الأمد لاحتكار الدولة للسلطة يكون مصحوباً بانخفاض الطاعة". وبذلك تلاقى السياسي بالاجتماعي مناصفةً فيها. 

تتداخل المصطلحات المعرّفة بالحالة السورية، أكثر من تداخل الأيادي والأجندات الإقليمية والدولية فيها؛ ثورة بشقّيها السلمي والمسلّح، صراع مسلّح، حرب أهلية، حرب بالوكالة، صراع إقليمي أو صراع دولي؟ المفارقة الوحيدة في ذلك، اتفاق طرفَي المعادلة السورية، النظام والمعارضة، على رفض وصف الحدث السوري بـ"الحرب الأهلية"

بدوره، ركّز الماركسي يوري كرازين، على الشقّ الاقتصادي بوصف الثورة "قفزةً من التشكيل الاقتصادي والاجتماعي البالي إلى تشكيل أكثر تقدّماً". فيما حصرها أيرك هوبز باوم، بالحيّز الاجتماعي باعتبارها "تحولاً كبيراً في بنية المجتمع"، وهو ما عززه قاموس "شامبر"، بعدّها "تغييراً شاملاً وجذرياً بعيد المدى في طرائق التفكير وفعل الأشياء". وباستثناء تعريف أمان، لم تتطرق التعريفات الواردة وسواها إلى مسألة السلطة وتنازع الحكم كوسيلة لتغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. لذا غالباً ما يتصدر التعريف التقليدي للثورة الذي تبلور غداة الثورة الفرنسية واجهة التعريفات، وبموجبه الثورة انتفاضة شعبية تقودها نخبة فكرية وسياسية تهدف إلى تغيير نظام الحكم بالقوة وإحداث الانقلاب الثوري الكبير.

على الجانب الآخر، عرّف الباحث في جامعة ستانفورد، جيمس فيرون، الحرب الأهلية بأنها "نزاع عنيف داخل بلد ما، وقتال بين مجموعات منظمة تهدف إلى تغيير السياسات الحكومية القائمة أو تولّي السلطة". فيما عرّفها آخرون بأنها "صدام عسكري مستمر، داخلي، يفضي إلى مقتل ما لا يقل عن 1،000 شخص في ميدان المعركة سنوياً، وتتواجه فيه قوات الحكومة المركزية مع قوة متمردة قادرة على إيقاع خسائر في صفوف القوات الحكومية، تعادل 5% على الأقل من عدد القتلى في صفوفها". وكحال الثورة، لم يتفق العلماء والسياسيون على تعريف موحد للحرب الأهلية. كما تغافل القانون الدولي واتفاقيات جنيف عن تأطيرها، ومرّ عليها القانون الإنساني الدولي مواربةً، من خلال حديثه عن "نزاع مسلح غير دولي (داخلي)"، يؤدي إلى مواجهات مسلحة مطولة بين جماعات مسلحة أو بين قوات الحكومة وجماعة مسلحة أو أكثر.

مع ذلك، الحروب الأهلية ليست واحدةً، وتختلف تبعاً لدوافعها وأسباب نشوبها. فمنها الصراعات الثورية الناجمة عن أمل في الحكم الذاتي أو الاستقلال، كالحالة اليوغوسلافية مطلع تسعينيات القرن الماضي. ومنها الحروب الأهلية الطائفية أو العرقية، وهي أكثر من سواها، بجوار نوع من الحروب الأهلية يندلع نتيجة طموح فرض الحكم والسيطرة على الحكومة المركزية، كالحالة الإسبانية والروسية قبل تنازل القيصر نيقولا الثاني وبعده، والليبية واليمنية حالياً.

أوجه التشابه والاختلاف

تضيق فوارق التمييز بين الثورة والحرب الأهلية، وتنعدم الرؤية أحياناً إلى وقت انزلاق ثورة ما خلال فترة زمنية معينة أو نهائياً إلى أتون الحرب الأهلية. فكلتاهما تسعيان إلى تغيير وضع قائم وإحداث تغييرات في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية للبلاد، وتحدثان ضمن حدود بلد واحد، ويغفل القانون الدولي عن تأطيرهما، أو بالأدق يتجاهلهما باعتبارهما شأناً داخلياً وأعمالاً خارجةً عن الشرعية. وبالإضافة إلى إمكانية تشاركهما في العنف، في حال جنوح الثورة إلى استخدام العنف (الثورة قد تكون سلميةً وقد تكون عنفيةً)، يشكل كلا الحدثين مدخلاً لتدخلات إقليمية ودولية، وهو ما يعدّه البعض عاملاً غير وحيد للتمييز بينهما. 

مع ذلك، تتميز الثورة عن الحرب الأهلية بتوجيه إمكاناتها ضد الحكومة القائمة غالباً، فيما يغلب توظيف جماعات الحرب الأهلية جهودها تجاه مكونات فصائل عرقية أو دينية/ مذهبية. ويتمايزان أيضاً في منشئهما، فالجشع وتحقيق أقصى قدر من المكاسب، من أسباب الحرب الأهلية. فيما تتفجر الثورات غالباً نتيجة الاستياء الشعبي. كما تختلفان في الأهداف، حيث تسعى الثورات إلى تغيير الوضع القائم وتحقيق مثل عليا غالباً، وتقتصر أحياناً على إسقاط النظام السياسي ونخبه الحاكمة مع استبدال الدستور القائم. فيما تندلع الحروب الأهلية للمطالبة بحقوق فردية أو جماعية تُحجم السلطات الحاكمة عن منحها طواعيةً. ويبقى الفارق الجوهري بينهما، أن الثورات مبتدؤها خروج المدنيين على السلطة الحاكمة بعكس الحروب الأهلية التي تقوم على مواجهات بين فصائل مسلحة ضد بعضها البعض، قد تكون الحكومة المركزية أحد أطرافها.

لم تخفِ الثورة السورية نفسها، لا بسلميتها المتألقة عالياً، ولا بعنفها الناري وجبروتيتها أيضاً، عبر وقوف قلة قليلة في كثير من الأحيان في مواجهة أضعافهم عدداً وعدةً، إلى جانب أمثلة لا تُعدّ ولا تحصى عن بطولات فرسانها.

مهما يكن، وبعكس ما يروّج له، لا سيما مسألة شعبوية الحديث عن مساواة الضحية بالجلاد حين توصيف الثورة بالحرب الأهلية، ليس هناك تمايز واضح في تعاطي القانون الدولي مع الحدثين، لا سيما وأن هذا القانون أغفل أصلاً تأطيرهما. ففي كلا الحدثين إما أن يتم الاستحواذ على السلطة، عبر هزيمة القوات الحكومية (حال كانت الحكومة طرفاً في الحرب الأهلية، وهو ما يشترطه البعض لاعتبارها حرباً أهليةً)، وحينها يكتب الطرف المنتصر شرعيته الدولية بيديه (مع ملاحظة إمكانية أن يكون نظاماً دولياً معزولاً/ معاقباً أو غير معترف به من كل أو من أغلبية المجتمع الدولي في حالات الحرب الأهلية). 

عدا ذلك، فإن جلوس طرفي/ أطراف الصراع على طاولة المفاوضات بوساطة دولية، لا يتم على قاعدة المساواة بين الضحية والجلاد، بل على أساس الندّية، وهي اعتراف ومكسب قانوني وسياسي للطرف غير الحكومي، فالقوانين الدولية لا تعترف غالباً إلا بالحكومات. وللدلالة على ذلك، يمكن الالتفات إلى مهام المبعوثين الدوليين الخاصّين باليمن وليبيا وسوريا، والتي تتمحور حول تقريب وجهات نظر الفرقاء، بهدف الوصول إلى حكومة وطنية أو لإقرار دستور يؤدي إلى إنتاج هذه الحكومة.

أما عن مسألة المساواة بين الضحية والجلاد، فالقوانين الناظمة لهذا الأمر، تعرّف الضحايا بدقة، وتحاكم إن أمكن لها ذلك مرتكبي الانتهاكات بحقهم، سواء أكان الجاني ماكسميليان روبسبير، أو جان جاك روسو، أو كان الانتهاك في حق الجنرال فرانكو أو الزعيم الليبي معمر القذافي. والأخير، إن هُيّئت محكمة حيادية لمحاكمة منفّذي حكم الإعدام بحقه، لتمت إدانتهم نتيجة الانتقام الممارَس في حقه، دون اعتبار لثوريتهم أو لتاريخ القذافي الظلامي في حق معارضيه.  

الحدث السوري وماهيته

لم تخفِ الثورة السورية نفسها، لا بسلميتها المتألقة عالياً، ولا بعنفها الناري وجبروتيتها أيضاً، عبر وقوف قلة قليلة في كثير من الأحيان في مواجهة أضعافهم عدداً وعدةً، إلى جانب أمثلة لا تُعدّ ولا تحصى عن بطولات فرسانها. وبعيداً عن سفسطائية السلميين اللاموضوعية واللاعقلانية أيضاً، فإن جنوح الثورة إلى العنف كان فرضاً لا خياراً. وتالياً فإن انزلاقها إلى العنف لم يكن سمةً شائنةً. إلا أن خطأها حينها، كان الخلط في مواجهاتها بين السلطة والدولة، وهو أمر قد يكون عائداً لعقود من تغلغل السلطة في مفاصل الدولة ومؤسساتها المركزية والثانوية. أما خطؤها الأكبر، فكان سماحها لتيارات التطرف بالنمو في مناطق نفوذها، وهي تيارات عملت جهات محلية وإقليمية، ومن طرفي المعادلة السورية، على استخدامها في معركتها مع السلطة القائمة، بالنسبة للجهات المنتصبة على الضفة الثورية، أو لتصديرها بهدف دمغ الثورة بالإرهاب من قبل حكومة دمشق، لتحويل أنظار القوى المحلية والإقليمية والدولية إلى المخاطر التي قد تطالها جراء سقوطها/ إسقاطها. 

ومع توجيه الثورة السورية بندقيتها نحو هذه المجاميع بداية عام 2014، دخلت الساحة السورية في أتون حرب أهلية دون إلغاء أو قضم الكثير من التوصيف الثوري للحدث السوري. إذ إن العديد من القوى الثورية هي من حملت مهمة مواجهة هذه المجاميع المتطرفة بجانب مواجهتها لقوات النظام، والتي دخلت عدداً من المعارك الدونكيشوتية بهدف تسليم مناطق معيّنة لهذه المجاميع الظلامية، أو عبر قصف الطيران لقوى الثورة خلال معاركها مع هذه المجاميع، لترجيح كفة الأخيرة. وهو ما قابلته الأخيرة باتفاق أو من دونه، بفتح معارك ذات خلفيات عرقية أو مذهبية أفادت نظام الأسد. 

خلال هذا الصراع، برزت على الساحة السورية قوى أخرى ذات مطالب فئوية، عرقية أو أيدولوجية/ مذهبية، مما عقّد المسألة السورية، وزادها تعقيداً الانخراط المباشر لبعض القوى الإقليمية والدولية، مع حفاظها على خطوط عدم التماس في ما بينها، إلا عبر وكلاء محليين. وهو ما نقل الحدث السوري، إلى صراع داخلي مسلّح وحروب بالوكالة، مع صراع إقليمي-دولي منضبط. مع ذلك، لم تتلاشَ السمة الثورية عن الساحة السورية، برغم التراجع الكبير في التأثير والفعالية لقوى الثورة والمعارضة، نتيجةً لما ذُكر آنفاً، ونتيجة فك ارتباط بعض القوى لصلتها بالثورة لصالح حسابات فئوية أو أيدولوجية، بجانب تلاشي قوى ثورية، نتيجةً لقيود اتفاقيات خفض التصعيد الناجمة عن توافقات سوتشي وأستانا، وهي قيود تم فرضها على أحد الطرفين دون الآخر، نتيجة توافقات ومصالح الدول الراعية لاتفاقات أستانا.

ومع انتفاضة السويداء، التي دخلت عامها الثاني مؤخراً، دخل عامل جديد، أو بالأدق متجدد، بانتفاضة شعبية تدرجت مطالبها من الخدمي بدايةً إلى السياسي نهايةً، بما فيها المطالبة بإسقاط النظام لدى شريحة معتبرة من الشارع الثائر، ضمن حساباتها المعقدة للوقوف في وجه السلطة الحاكمة، والتي تعتمد بدورها حسابات أشد تعقيداً لمواجهة هذا الحراك. وإلى جانب ذلك، تتوالى بين الفينة والأخرى صدامات مسلحة بين قوى عشائرية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، نتيجةً لعوامل عدة، يتقدمها رفض الأولى للتهميش الممارس بحقها من قبل الإدارة الذاتية الحاكمة لأغلب مناطق شمال شرق سوريا، وبجوارهما تتعاقب السيطرة، بين الليل والنهار، في بعض مناطق شمال شرق سوريا والبادية السورية بين القوى الحاكمة لتلك المناطق وجيوب قوى الظلام المتبقية لغاية اليوم. 

وعلى هذا الاختصار القاصر لقراءة المشهد السوري، يبدو من الصعوبة، إن لم يكن من الاستحالة، توصيف الحالة السورية توصيفاً دقيقاً ومنصفاً وفق التعريفات والمصطلحات المتداولة. وهو ما يستحضر المقولة الفلسفية "صحيح ما قبل جبال البيرينيه، خطأ ما بعدها"، مع مراعاة تعدد وتقارب فواصل التخطئة في الجغرافية السورية الحالية كثيراً.

خلال هذا الصراع، برزت على الساحة السورية قوى أخرى ذات مطالب فئوية، مما عقّد المسألة السورية، وزادها تعقيداً الانخراط المباشر لبعض القوى الإقليمية والدولية. وهو ما نقل الحدث السوري، إلى صراع داخلي مسلّح وحروب بالوكالة، مع صراع إقليمي-دولي منضبط. مع ذلك، لم تتلاشَ السمة الثورية عن الساحة السورية

مع ذلك، هناك عامل هلاميّ قد يساعد في توصيف المشهد السوري، يمكن تسميته بالفضاء العام، بما فيه من عالم افتراضي ومنصات وسائل تواصل اجتماعي، والشارع المسحوق بين رحى الهم الاقتصادي والهم الثوري/ الوطني، والمهجرين داخلياً وخارجياً، بمن فيهم الثوار، والشباب الثوري المثقف، مع بعض منظمات المجتمع المدني، وهو فضاء مستكين يفتقر حالياً إلى أدوات التأثير والفعالية بإعادة ثورته إلى سيرتها الأولى، نتيجة تداخل قوى إقليمية ودولية، وتعدد وتمايز الفواعل المحلية. 

إلا أن هذا الفضاء يمتلك أدوات تأثير وفعاليةً غريبةً في فرملة مشاريع وأد الثورة وأهدافها. وهو ما يمكن ملاحظته من حراك شعبي يخبو ويعود مجدداً في مواجهة العديد من قوى الأمر الواقع، وآخره حراك مناطق سيطرة القوات التركية والجيش الوطني السوري المدعوم من قبلها، حين أعلنت أنقرة رغبتها في تطبيع العلاقات مع حكومة دمشق بالتزامن مع هجوم عنصري على اللاجئين السوريين في ولاية قيصري التركية. 

وختاماً، لا بد من العودة إلى التعريفات الواردة في بداية المقال، والتي أشارت غالبيتها إلى أن الثورة هي ذلك الحدث المؤدي إلى تغيير جذري في المجتمع، أو في طرائق تفكيره. وهو ما حققه الانفجار السوري، لا سيما في طرائق تفكير السوريين وأنا منهم. وهو ما يخشاه نظام الأسد في مسألة عودة اللاجئين، فهذا النظام حقق نجاحاً كبيراً، سابقاً وحالياً، في تدجين معارضيه أو قمعهم، لكنه عاجر عن تطويق طرائق تفكير جديدة لهذا الشعب، لا سيما ما يُسمّى بـ"الجيل Z" منه وما بعده، ممن شبّوا خلال هذه الثورة، أو وُلدوا وكبروا خلالها، بعيداً عن مخالب هذا النظام ومنظومتيه الفكرية والثقافية الاستبداديتين. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ذرّ الرماد في عيون الحقيقة

ليس نبأً جديداً أنّ معظم الأخبار التي تصلنا من كلّ حدبٍ وصوبٍ في عالمنا العربي، تشوبها نفحةٌ مُسيّسة، هدفها أن تعمينا عن الحقيقة المُجرّدة من المصالح. وهذا لأنّ مختلف وكالات الأنباء في منطقتنا، هي الذراع الأقوى في تضليلنا نحن الشعوب المنكوبة، ومصادرة إرادتنا وقرارنا في التغيير.

Website by WhiteBeard
Popup Image