شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
استثمار الأزمات في صراع القيم والمبادئ العالمية... الصين وروسيا في الحرب على غزّة

استثمار الأزمات في صراع القيم والمبادئ العالمية... الصين وروسيا في الحرب على غزّة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الأربعاء 14 أغسطس 202410:06 ص

عبر دورها في المصالحة الفلسطينية، استعادت بكين جزئياً اليد العليا "السردية" في المنطقة، بعد أن بدت ضعيفةً وبعيدةً مع بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث سجّلت الصين نقاطاً لدى الرأي العام العربي والعالمي لدعمها القضية الفلسطينية، حسب كاميل لونس، وهي نائبة رئيس مكتب باريس وزميلة السياسات في مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي (ECFR). فبالنسبة للصين، "لا يكمن الاهتمام الحقيقي في إسرائيل أو فلسطين في حد ذاتها، بل في السرد الأوسع الذي يسمح لها ببيعه للجمهور العالمي".

فـ"قوّة الخطاب"، هي الساحة النهائية للصراع الدائر بين الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والعالم الغربي من جهة أخرى، يتربع الفائز فيها على سدّة الهيمنة العالمية، وتغدو قيمه ومبادئه السياسية والاجتماعية وغيرها، مثار جذب العالم واهتمامه، أفراداً ووحدات دوليةً. فهل وقفت يوماً على الصراع الدولي المحموم والضبابي في هذه الساحة، واستثمار كل طرف من أطرافه للأحداث والأزمات الدولية، كالحرب الإسرائيلية الوحشية والمستمرة على غزّة، لمراكمة أوراق قوّته أو لحسم أوراق قوة الطرف الآخر؟

هُزمت "المُثُل" الأمريكية نتيجة الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، برغم انتصار الآلة العسكرية الأمريكية، حسب وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية، الدكتور حمد بن عبد العزيز الكوّراي، في "الجزيرة نت". ولم يكن يسيراً على واشنطن استعادة قوتها التأثيرية ثقافياً في العالم بعد ذلك، فكما يقول جوزيف ناي، "كسب السلام أصعب من كسب الحرب"، مشيراً إلى "ولادة نمط جديد من الدبلوماسية، أي ‘الدبلوماسية الثقافية’ مطلع تسعينيات القرن الماضي، نتيجة مخاضٍ فكري للقوى العظمى، عبر مراكز أبحاثها ومفكريها، لإيجاد آلية لاستعادة مكانتها أو مواجهة تحدياتها الجديدة دون لجوئها إلى استخدام القوة الصلبة".

"المنافسة الشرسة والعنيدة والمتزايدة بين الصين والعالم الغربي بقيادة واشنطن، ستكون معركتها الحاسمة على قوة الخطاب العالمي. ومن يستطيع هزيمة الآخر فيها يحدد الفائز النهائي في اللعبة الإستراتيجية المتعلقة بمستقبل العالم"

فالقوّة الناعمة سلاح فعّال في تحقيق الأهداف عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام، أو دفع الأموال، وفقاً لجوزيف ناي، في كتابه "القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية". وتقوم القوة الناعمة بجوهرها، على قدرة أمّة معيّنة على التأثير في أمم أخرى وتوجيه خياراتها العامة، أو التأثير في سلوك الآخرين للحصول على "النتائج والأهداف المتوخاة"، نتيجة جاذبية نظامها الاجتماعي والثقافي ومنظومة القيم والمؤسسات بدلاً من اعتماد الإكراه أو التهديد. وهذه الجاذبية يمكن تسويقها عبر الثقافة الشعبية، والدبلوماسية الخاصة والعامة، والمنظمات الدولية، ومؤسسات المجتمع المدني.

وفقاً للكوّاري، فإن "تراجع دبلوماسية الغرب الثقافية، قياساً بنمو الدبلوماسية الصينية العاملة على إعادة صياغة ‘قوانين اللعبة’، يعكس بداية انتقال قيادة النظام العالمي إلى الضفة الشرقية. ولهذه الغاية، منحت بكين دوراً مركزياً للموارد الثقافية والاقتصادية، مع تبنّي خطاب سياسي قائل بعالم متعدد الأقطاب، لا تُحتكر فيه القيادة ولا الأنماط الثقافية، ولا تُحقّر فيه ثقافات الآخر مقابل مركزية الثقافة الغربية".

فـ"التناقض الرئيسي في عالم اليوم ليس بين ما يُسمّى ‘الديمقراطية مقابل الاستبداد’، الذي تتبناه حفنة من البلدان، ولكن بين التنمية واحتواء التنمية، وبين العدالة العالمية وسياسات القوة"، قال وزير الخارجية الصيني السابق، تشين قانغ.

وكجزء من محاولاتهما لتحدّي النظام الدولي القائم وجعله أكثر ملاءمةً لمصالحهما، تمت إعادة تعريف الديمقراطية، في بيان روسي-صيني مشترك، عقب زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى بكين ولقائه نظيره الصيني، سين جين بينغ، مطلع شباط/ فبراير 2022. أدان البيان دعم واشنطن للقيم الديمقراطية باعتبارها "نموذجاً واحداً يناسب الجميع"، مشدّداً على ضرورة "حماية حقوق الإنسان وفقاً للوضع المحدد في كل بلد واحتياجات سكانه". وخلاله، عارض الطرفان "إساءة استخدام القيم الديمقراطية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة بحجة حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان".

قوة الخطاب العالمي... ساحة المعركة الحاسمة

نجاح بكين المحتمل في تشجيع وجهات نظر نقدية للديمقراطية، وأكثر تعاطفاً مع أساليب الاستبداد عبر الجنوب العالمي، قد يقوّض تدريجياً قدرة واشنطن والديمقراطيات الأخرى على التحدث بمصداقية عن مستقبل ومصالح مشتركة بين الدول التي تربطها القيم والتطلعات الديمقراطية، حسب نيفا ياو، وهي زميلة غير مقيمة في مركز الصين العالمي التابع للمجلس الأطلسي. ومن خلال إقامة تدريبات ونشاطات أخرى في دول الجنوب العالمي، تهدف بكين إلى تحويل النظام العالمي القائم على مركزية الديمقراطية والحقوق الفردية إلى نظام آخر "محايد للقيم".

من جانبه، يشير لاو سيو كاي، وهو أستاذ فخري في علم الاجتماع في الجامعة الصينية في هونغ كونغ، في صحيفة CHINA DAILY، إلى أن "المنافسة الشرسة والعنيدة والمتزايدة بين الصين والعالم الغربي بقيادة واشنطن، ستكون معركتها الحاسمة على قوة الخطاب العالمي. ومن يستطيع هزيمة الآخر فيها يحدد الفائز النهائي في اللعبة الإستراتيجية المتعلقة بمستقبل العالم. فالغرب بما امتلكه من مزايا كبيرة في الاقتصاد، والقوة العسكرية، والثقافة، والدين، والتعليم، والإعلام، والإنترنت، تمتع بالحق المطلق في الحديث عن العديد من الشؤون والقضايا الدولية. والأسوأ من ذلك، استغلاله المتعمد لقوة الخطاب للتشهير بمؤسسات الصين وثقافتها وقيمها ونموذجها للتنمية وإنكارها وتشويه سمعتها".

مع ذلك، فإن "تغييرات في الوضع الدولي خلال العقد الماضي، منحت بكين وضعاً أكثر ملاءمةً لتعزيز قوة خطابها العالمي بشأن القضايا الدولية والأيديولوجية المهمة، إن استطاعت استغلال الفرص التي ولّدتها هذه التغييرات ببراعة. وتتجسد هذه التغييرات أساساً في انحدار لا رجعة فيه لواشنطن والغرب، عبر استمرار الهيمنة العسكرية والدبلوماسية والثقافية والمالية للولايات المتحدة في الانحدار، وفقدان بريق تفوّق المؤسسات والقيم ونماذج التنمية وأنماط الحياة التي يروّج لها الغرب، وصعود لا يمكن إيقافه للصين وعدد من البلدان الساعية إلى تعزيز استقلالها الإستراتيجي والتخلص من أغلال الغرب"، وفقاً لكاي، الذي يستشهد بتصنيف مؤشر القوة الناعمة العالمي لتمويل العلامات التجارية لعام 2022، الصين في المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، وهي المرة الأولى التي يرتفع فيها إلى هذا الحد.

وفي هذا الإطار، نشر مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي تقريراً عن قوة الخطاب الصيني، منطلقاً من تعريف قوة الخطاب بأنها القدرة على وضع أجندة سردية تركّز على إعادة تشكيل الحوكمة العالمية والقيم والمعايير لإضفاء الشرعية على سلطة الدولة وتسهيل التعبير عن قوة الدولة، مُشيراً إلى اعتقاد قادة الصين بأن "اكتساب قوة الخطاب يمكّن بكين من اكتساب القوة الجيو-سياسية اللازمة لترسيخ نفسها كقائد عالمي"، ونشر معاييرها وقيمها، وإضعاف قوة واشنطن في النظام الدولي. وأشار تقرير آخر، إلى اعتقاد بكين بقيام قوة الخطاب على عنصرين يعزز أحدهما الآخر، "القدرة على الكلام"، أو التعبير عن رؤية متماسكة للنظام العالمي، و"القدرة على إسماع الصوت"، أو تعريف الجمهور بماهية الرسالة، ثم اقتناعهم بها، وهو ما يتطلب تضمين القيم الثقافية في النظام بحيث يتعلق الأمر بهيكلة العلاقات بين الدول.

وبحسب لاو سيو، "يتعين على بكين القيام بكشف شامل وعميق لعيوب المؤسسات والقيم الغربية، مع اقتراح ‘حلول صينية’ يمكن محاكاتها. بالإضافة إلى فضح طبيعة الاستغلال والقمع والمعاناة التي جلبها ‘النظام الدولي الليبرالي’ الغربي للبلدان الأخرى، لإثبات عدم إفضائه إلى السلام والتنمية العالميين. كذلك، يجب عليها نشر وشرح النظام الدولي الجديد الذي اقترحته، والقائم على فكرة ‘مجتمع مصير مشترك للبشرية’، وتنفيذ مبادئ الإنصاف والعدالة والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعاون المربح للجميع والشمولية الواسعة في العلاقات الدولية. فالتحديث على النمط الغربي قائم على ‘هيمنة الغرب وعدوانه وقمعه واستغلاله للعالم الآخر’، ولم يطوّر أي دولة غير غربية. كما أن ‘الديمقراطية على النمط الغربي’، ‘جميلة في الشعارات وسيئة في الجوهر’. وإجبار واشنطن لدول غير غربية على تنفيذها، عبر الإكراه السياسي أو العمل العسكري وسواهما، أدى إلى انزلاق أغلب هذه الدول إلى اضطرابات سياسية، أو انهيار الحكم، أو فشل اقتصادي، أو انقسام اجتماعي".

فشل الاتحاد الأوروبي، كقوة دولية معيارية قائمة على قيم ومبادئ مركزية السلام والحرية والديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، في توحيد صوته تجاه الحرب الإسرائيلية على غزّة. في المقابل، امتنعت الصين وروسيا عن وصف حركة حماس بالإرهاب، واستغلّت الصين السلوك الأمريكي بهدف إبراز صورتها كصانعة سلام في الشرق الأوسط

الحرب على غزّة من ميادين هذا الصراع

فشل الاتحاد الأوروبي، كقوة دولية معيارية قائمة على قيم ومبادئ مركزية السلام والحرية والديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، في توحيد صوته تجاه هذه الحرب، حسب الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أحمد قاسم حسين. فإلى "جوار تناقض مؤسساته الرسمية، انقسمت دوله بين دول منحازة كلّياً إلى إسرائيل وأخرى معارضة لها بدرجات متفاوتة. ظهر هذا الانقسام جلياً في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدعو إلى هدنة إنسانية فورية في قطاع غزّة، في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بالإضافة إلى تصريحات وبيانات مؤسسات الاتحاد الأوروبي المؤكدة لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، في انحياز مطلق للأخيرة ومسايرة لموقف واشنطن من هذه الحرب".

وفي ورقتها البحثية على موقع الجزيرة للدراسات، تشير أستاذة اللسانيات وتحليل الخطاب في كلية الآداب والفنون في جامعة منوبة التونسية، منية عبيدي، إلى غياب أسباب وجذور الصراع المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود، وانتهاكاته المستمرة لحقوق الفلسطينيين عن التغطية الإعلامية الغربية لوقائع الحرب الجارية على غزّة، واختزاله في عملية "طوفان الأقصى"، مع تقديم صورة "نظيفة" عن الحرب، و"تعقيم" الآلة العسكرية الإسرائيلية، عبر إخفاء أخبار الخسائر المدنية وفظائع قصف المساكن والبيوت فوق رؤوس ساكنيها وتدمير البنية التحتية أو تداعياتها الإنسانية على المجتمع الفلسطيني، مكرراً رواية وأخبار تل أبيب الزائفة عن "حرق أطفال رُضّع" و"اغتصاب نساء إسرائيليات" وغيرهما، ومشيرةً إلى الأولوية القصوى "لمعركة الرواية" لدى صانع القرار السياسي والعسكري الإسرائيلي، لا تقلّ شأناً عن "معركة الأرض"، بل هي جزء لا يتجزأ منها.

في المقابل، امتنعت الصين وروسيا عن وصف حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) بالإرهاب، برغم إدانتها لاستهداف المدنيين. بل إن أول بيان صيني خاص بالصراع الأخير بين "حماس" وإسرائيل قد أغضب الأخيرة، التي عبّرت عن "إحباط عميق" من عدم إدانة بكين "لحماس"، وإغفال التنويه بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، حسب BBC. وفي حديثها إلى الموقع، قالت داون ميرفي، وهي باحثة أمريكية متخصصة في الشؤون الصينية، إن "الوقوف إلى جانب الفلسطينيين يلقى صدى في البلدان العربية، وفي البلدان ذات الغالبية المسلمة، وفي أجزاء كبيرة من بلدان ما يُعرف بالجنوب العالمي".

استغلّت الصين السلوك الأمريكي بهدف إبراز صورتها كصانعة سلام في الشرق الأوسط، حسب الباحثة الفلسطينية وطالبة الدكتورة في العلاقات الدولية، رزان شوامرة، وهي مختصة بالشؤون الصينية أيضاً. وفي حديثها إلى رصيف22، تستشهد شوامرة بـ"انتقاد المبعوث الصيني في الأمم المتحدة، تشانغ جيون، واشنطن لاستخدامها حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار وقف إطلاق النار الذي تقدّمت به البرازيل لمجلس الأمن في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. طريقة تصويتهم لا تؤدّي إلا إلى التشكيك في استعدادهم للسماح للمجلس باتخاذ أي إجراء، وفي صدقهم لإيجاد حل للمشكلة". قال جيون متابعاً، "يتعيّن على الدول أن تتمسك بالضمير الأخلاقي بدلاً من التشبث بالحسابات الجيو-سياسية، فضلاً عن المعايير المزدوجة". ولتأكيد جهود بلاده المجردة في صنع السلام، اعتبر أن "أيّ مبادرة تساهم في السلام سوف تحظى بدعم الصين القوي"

بدوره، وصف بوتين الحرب الإسرائيلية على غزّة بالمذبحة، وأحد أسبابها سياسة الاستيطان الإسرائيلية: "دولة إسرائيل قامت، والدولة الفلسطينية كما نعلم لم تقُم. زيادةً على ذلك، استولت إسرائيل على بعض الأراضي التي عدّها الفلسطينيون ملكاً لهم، بطرق مختلفة، ولكن من خلال القوة العسكرية". وقال بوتين متابعاً: "الولايات المتحدة حاولت تعويض الفلسطينيين بمختلف الوسائل بدلاً من العمل على إقامة دولة فلسطينية".

برأي الباحث في التاريخ والعلاقات الدولية، والمتخصص في الشؤون الأوراسية، أحمد دهشان، في حديثه إلى رصيف22، "الحرب الإسرائيلية على غزّة منحت موسكو القدرة على مجابهة الغرب أخلاقياً عبر فضح ما تسميه بالمعايير الغربية المزدوجة، من خلال مقارنة التضامن الغربي الواسع النطاق مع إسرائيل، ودعمها عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً، مقابل ما حدث تجاه روسيا، برغم الادّعاءات نفسها، أو زيفها، بين كلا الأمرين. وهو ما ظهر في تصريحات الرئيس بوتين منذ اللحظات الأولى للحرب على غزّة، والمواد الإعلامية التي تصدر في الإعلام الروسي حتى اليوم".

ويقول: "حالياً، حصر الروس واشنطن في زاوية، من خلال ظهور الأخيرة أمام المجتمع الدولي والجنوب العالم، وهو أولوية موسكو حالياً. المجتمع الغربي مجتمع منافق، لا يساعد على الاستقرار العالمي، والأزمة مع روسيا لم تكن بسبب احتلالها أراضي الغير، لكن لوجود عداء غربي مع روسيا، ولتعطيل مسيرة الأخيرة، وهو ما يمكن ملاحظته من قبل كل متابعي الإعلام الروسي المسموع والمقروء والمرئي، وعبر تصريحات المسؤولين الروس جميعاً".

"الحرب الإسرائيلية على غزّة منحت موسكو القدرة على مجابهة الغرب أخلاقياً عبر فضح ما تسميه بالمعايير الغربية المزدوجة، من خلال مقارنة التضامن الغربي الواسع النطاق مع إسرائيل، ودعمها عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً، مقابل ما حدث تجاه روسيا، برغم الادّعاءات نفسها، أو زيفها، بين كلا الأمرين"

سابقاً، قارن مراقبون صينيون تقاعس واشنطن، بجهود بكين المستمرة لإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة النقاش الدولي، مشيرين، حسب المجلس الأطلسي، إلى أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى المنطقة في تموز/ يوليو، جعلته أول رئيس أمريكي يفشل في تقديم اقتراح لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، حيث يصرّ ساسة الصين، بمن فيهم الرئيس شي، على أنها القضية "الأساسية" المؤثرة على سلام واستقرار الشرق الأوسط، لذا تتم إثارتها من قبل ممثل بكين في الأمم المتحدة، تشانغ جون، كل شهر من العام "كالساعة".

مع ذلك، غالباً ما تعتمد إستراتيجية بكين على خطاب فارغ ودبلوماسية خرقاء. فمساراتها الثلاثة لتنفيذ حل الدولتين لعام 2021، لم تقدّم أكثر مما هو واضح؛ تعزيز تفويض السلطة الفلسطينية، ودعم الوحدة والمصالحة بين الفصائل الفلسطينية، واستئناف محادثات السلام. كما أن مبعوثي الصين الخمسة الخاصين بالقضية الفلسطينية، ومعظمهم من الدبلوماسيين المخضرمين القريبين من التقاعد، جاءوا وذهبوا دون تحقيق نتائج إيجابية في السنوات العشرين الماضية.

اتهمت بكين واشنطن بالمراوغة والانتقائية والازدواجية في التعامل مع القانون الدولي، مؤكدةً انتفاء وجود مصالح أنانية لها في الصراع كحال واشنطن. ووفقاً لجيون، "مثل هذا النهج المراوغ وغير الفعّال لن يؤدّي إلا إلى تسريع سقوط غزّة في كارثة إنسانية أكبر". وعليه، تختم شوامرة بالقول، غن الصين نجحت عبر سياستها الخطابية في تعزيز صورتها لاعباً إيجابياً ومهماً، وحققت قبولها في الملف الفلسطيني، وانطباعاً إيجابياً على المستويين الرسمي والشعبي الفلسطينيين عنها يُستبعد تغييره.

تدويل القضية الفلسطينية

"من خلال تأكيد موقفها المحايد تجاه الحرب على غزّة، تريد بكين التحقق من الموقف الأخلاقي لواشنطن وإضفاء الشرعية على تدويل القضية الفلسطينية، والدعوة إلى مؤتمر سلام عالمي، لإزالة واشنطن من موقعها التاريخي كحكم بلا منازع في هذا الصراع"، بحسب أحمد أبو الدوح، وهو زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منصة تشاتام هاوس. والهدف النهائي هو إضعاف مكانة واشنطن والفوز عليها في حرب "قوة الخطاب"، بالاستفادة الصينية من التعاطف مع الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم.

غالباً ما تعتمد إستراتيجية بكين على خطاب فارغ ودبلوماسية خرقاء. فمساراتها الثلاثة لتنفيذ حل الدولتين لعام 2021، لم تقدّم أكثر مما هو واضح.

تعليقاً على ذلك، يقول دهشان: "تحدثت الصين باللغة الروسية نفسها عما يُسمّى بالمعايير الغربية المزدوجة، مع إبراز نفسها كدولة تدعو للسلام وللتفاهم وإيقاف الحرب، بينما تسعى واشنطن إلى تسعير هذه الحرب. وعبر صحفها الرسمية، كالت المقالات الصينية، على غير العادة، انتقادات حادةً لإسرائيل في كل مراحل التوغل الإسرائيلي في غزّة، وهي انتقادات أرجعها البعض إلى تراجع إسرائيل عن بعض المشروعات الملاحية مع الصين، وبأنها نوع من أنواع الهجوم على واشنطن".

ويضيف: "كذلك فإن الحرب الإسرائيلية على غزّة منحت بكين القدرة على أن تكون طرفاً ووسيطاً يتحدث عن ضرورة وقف الحرب. وتم التأكيد على حق إقامة الدولة الفلسطينية وتأييدها، خلال الاجتماع الوزاري العربي-الصيني الأخير. وحديثاً، تم إجراء مصالحة بين ‘حماس’ والفصائل الفلسطينية برعاية صينية. بالإضافة إلى ذلك، أرهقت هذه الحرب واستنزفت جزءاً ليس بالقليل من الرصيد الغربي الدبلوماسي والأخلاقي. وهو ما قد تحتاجه الصين مستقبلاً، في حال حدوث أي نزاع مع تايوان. فكل هذه الأمور منحت الصين دوراً أكثر اتّساعاً في المنطقة، مع قدرة على نقد المواقف الأمريكية".

و"تدرك روسيا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعمان إسرائيل بشكل كامل، لكنهما يجسدان الشر الآن ولا يمكن أن يكونا على حق بأي شكل من الأشكال"، وفقاً لما نقلته وكالة فرنس برس عن تدوينة للمستشار السابق في الكرملين، سيرجي ماركوف. كما نقلت عن خبيرة السياسة الخارجية الروسية، هانا نوت، قولها: "أهم طريقة ستستفيد منها روسيا في أزمة غزّة هي تسجيل نقاط في محكمة الرأي العام العالمي". وبحسب بوتين: "حينما تنظر إلى المعاناة والأطفال الملطّخين بالدماء (في غزّة)، فإنك تطبق قبضتك بقوة (من شدة الغضب)، وتنهمر الدموع من عينيك".

ومن جانبها، قدّمت السياسات الغربية المقيّدة لأدائها دوراً متوازناً، نتيجة دعمها المطلق لحملة التدمير الإسرائيلية لغزّة والإبادة الجماعية للفلسطينيين. قدّمت دافعاً وفرصةً لدور صيني أكبر في الجهود الدبلوماسية لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، حسب مركز الشرق الأوسط للشؤون الدولية. ونجاحه سيسهم في رفع مكانتها الإقليمية والدولية، مقارنةً بالولايات المتحدة التي تضرّرت سمعتها كثيراً بعد عملية "طوفان الأقصى"، حيث وضعت بكين نفسها على طرف نقيض لواشنطن، ووجّهت انتقادات لاذعةً لسلوكها في مجلس الأمن، خاصةً استخدامها حقّ النقض ضدّ قرارات متتالية لوقف إطلاق النار. كذلك لم تتوانَ بكين عن استخدام نبرة حادة لشجب ممارسات إسرائيل في غزّة.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard