عندما شنّت حماس هجومها الخاطف، "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، سارع البعض إلى الاشتباه بوقوف محور "موسكو-طهران"، وراءها. في الأسابيع التالية، كانت إيران هي مركز الاتهام من قبل إسرائيل والغرب. لكن في الأيام الأخيرة، ظهرت روسيا مجدداً في المشهد السياسي.
فما هو موقف روسيا من الحرب على غزة؟ وما الدور الذي تحاول أن تلعبه؟ وما أهدافها منه؟
الظهور الروسي في الحرب
الظهور الروسي الأول، بشكل يحمل دلالات في حرب غزة، كان عند لقاء وفد حماس برئاسة مسؤول العلاقات الدولية في الحركة موسى أبو مرزوق، ممثلي وزارة الخارجية الروسية. وعلى الرغم من عدم لقاء الوفد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو مسؤولي الكرملين، إلا أنه أعطى مؤشرات على أن شيئاً ما يتحرك في الغرف المغلقة، وأن حرب غزة تتجاوز في تأثيرها الإقليم، خاصةً أن نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري كاني، زار موسكو والتقى نظيره الروسي، قبل أن يلتقي الأخير وفد حماس. يومها زعموا بأن اللقاء لمناقشة التعاون الثنائي في قضايا أمنية دولية غير محددة.
بيان حماس أشاد بجهود بوتين، ووزارة الخارجية الروسية، لإنهاء ما أسمته الحركة "جرائم إسرائيل التي يدعمها الغرب". إلا أن وكالة الأنباء الروسية الرسمية "تاس"، ذكرت أن النقاش تركّز على إطلاق سراح الرهائن الأجانب من غزة، بالإضافة إلى إجلاء المواطنين الروس والأجانب من القطاع.
وكانت السفارة الروسية قد قالت في 14 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إن 16 مواطناً روسياً قُتلوا نتيجة هجوم حماس على إسرائيل، بينما لا يزال ثمانية آخرون في عداد المفقودين. وبحسب "تاس"، فإن مواطناً روسياً إسرائيلياً واحداً على الأقل، محتجز في غزة.
وزارة الخارجية الإسرائيلية، أدانت في بيان لها اللقاء، وقالت: "تعتبر إسرائيل دعوة كبار مسؤولي حماس التي اتخذتها موسكو، خطوةً فاحشةً تدعم الإرهاب، وتضفي الشرعية على الفظائع التي يرتكبها إرهابيو حماس. ندعو الحكومة الروسية إلى طرد إرهابيي حماس على الفور".
ترتبط موسكو بعلاقة مع كل الأطراف، بما في ذلك إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحماس وإيران، مما يؤهلها للعب دور حيوي. لكن الحقيقة أن هذه الميزة تضع روسيا في موقف معقّد، بين الحفاظ على مصالحها وتحقيق أهدافها، والتوازن بين الأطراف التي يربطها عداء متبادل. فما هو موقف روسيا من الحرب على غزة؟ وما الدور الذي تحاول أن تلعبه؟ وما أهدافها منه؟
وبحسب موقع المونيتور، فإن العلاقات المتوترة بين روسيا وإسرائيل أصبحت أكثر توتراً في أعقاب أعمال الشغب التي وقعت في داغستان، جنوب روسيا، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث اقتحم المئات من مثيري الشغب أحد المطارات للبحث عن إسرائيليين يصلون على متن رحلة جوية من تل أبيب. أدانت إسرائيل الحادثة، وطلبت من موسكو حماية المواطنين الإسرائيليين واليهود في روسيا.
ودافعت روسيا عن قرارها استضافة أعضاء من حماس في موسكو، قائلةً إنه من المهم الحفاظ على العلاقات مع طرفَي الصراع بين إسرائيل وحماس. فيما ادّعى خالد مشعل، الزعيم السياسي لحركة حماس في الخارج، في مقابلة مع تلفزيون روسي، أن روسيا تعتزم استخدام هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ضد إسرائيل، كمادة تعليمية في أكاديمياتها العسكرية، وأضاف: "لقد استفادت روسيا من هجومنا، لأننا صرفنا انتباه الولايات المتحدة عنها وعن أوكرانيا". كان واضحاً أن كلّاً من حماس وروسيا يصوّران اللقاء بشكل مختلف تماماً.
موسكو والأطراف المتنازعة
ترتبط موسكو بعلاقة مع كل الأطراف، بما في ذلك إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحماس وإيران، مما يؤهلها للعب دور حيوي. لكن الحقيقة أن هذه الميزة تضع روسيا في موقف معقّد، بين الحفاظ على مصالحها وتحقيق أهدافها، والتوازن بين الأطراف التي يربطها عداء متبادل.
ترتبط روسيا مع إسرائيل بعلاقة مهمة، تطورت خلال العقود الماضية. بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، وبينما اصطف الغرب ضد موسكو، عرضت إسرائيل العمل كوسيط، ورفضت إرسال أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا، بحسب موقع "المونيتور".
وأما عن علاقة روسيا بحماس، فعلى مرّ السنين، وصلت بعض الأسلحة الروسية الصنع، مثل الصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للطائرات، إلى غزة، عبر إيران. كما تحافظ موسكو أيضاً على اتصال مع حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، التي زار أمينها العام زياد النخالة، موسكو في شباط/ فبراير 2021.
أما السلطة الفلسطينية، فهي تقيم علاقات وديةً مع روسيا، وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قد زار روسيا مرات عدة، آخرها في أواخر عام 2021.
موقف روسيا من حرب غزة
على الرغم من وجود اتهامات غربية وأوكرانية لروسيا، بأنها حرّضت حماس على هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إذ قال رئيس المخابرات الدفاعية الأوكرانية كيريلو بودانوف، إن روسيا زوّدت حماس مؤخراً بالأسلحة دون أن يقدّم دليلاً على ذلك، إلا أنه لا يوجد دليل على تورط روسيا في التحريض على هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، التي شنّتها حماس، بحسب المونيتور أيضاً.
لكن حركة حماس تمكّنت من الالتفاف على العقوبات الغربية، عبر تحويل الملايين من خلال بورصات العملات المشفرة الروسية التي مقرّها موسكو، وهذا ما كشفت عنه مجلة "تايم" الأمريكية.
وفي السياق نفسه، يذكر مركز "كارنيغي الأمريكي"، أن الادّعاءات بأن روسيا نقلت أسلحةً إلى حماس لا تزال غير مثبتة، لكنها قامت على أقل تقدير بتسهيل الدعم المادي للحركة من خلال العملات المشفرة.
أما عن الموقف الروسي المُعلن، فروسيا لم تُدِن بشكل خاص هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وبدلاً من ذلك دعا المسؤولون الروس الجانبَين إلى إلقاء السلاح، وأكدوا من جديد دعمهم قيام دولة فلسطينية. وفي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تم التصويت على قرار روسي يدعو إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن، لأنه لم يُدِن حماس.
في خطاباتهم وظهورهم العلني، انتقد المسؤولون الروس مراراً وتكراراً معاملة إسرائيل للفلسطينيين. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يوم 28 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إن القصف الإسرائيلي لغزة يتعارض مع القانون الدولي. وشبّه بوتين الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة، بحصار ألمانيا النازية للينينغراد، خلال الحرب العالمية الثانية، وهو أحد أكثر الأحداث المؤلمة في تاريخ روسيا، والذي قُتل خلاله مئات الآلاف من المدنيين الروس.
ماذا تريد موسكو؟
تحركات موسكو حيال جميع الأطراف، وفي أثناء الحرب، بغرض تحقيق مجموعة من الأهداف التي تسعى روسيا إلى تحقيقها. وطالما الأمر يتعلق بالشرق الأوسط، فإن الأهداف الروسية لن تكون غامضةً بشكل كبير، وأبرزها:
ترى موسكو علاقتها بحركة حماس جزءاً من إستراتيجية الشرق الأوسط التي تهدف إلى تعزيز مكانتها في الجنوب العالمي، وهو جهد شمل منذ فترة طويلة بناء علاقات مع كل من إسرائيل وأعدائها.
الهدف الروسي الأول: تعزيز مكانة روسيا في الشرق الأوسط، فيما ترى موسكو علاقتها بحركة حماس جزءاً من إستراتيجية الشرق الأوسط التي تهدف إلى تعزيز مكانتها في الجنوب العالمي، وهو جهد شمل منذ فترة طويلة بناء علاقات مع كل من إسرائيل وأعدائها، وهو ما أكدت عليه دراسة لمركز كارنيغي للأبحاث.
وأضافت الدراسة أن البعض يرى أن علاقة موسكو بحماس تهدف إلى محاولة زرع الفوضى في الشرق الأوسط، لكن الحقيقة أن روسيا تخاف من انتشار الإرهاب منه، إذ استهدف الإرهابيون روسيا مراراً وتكراراً على مر السنين، ولديها ما تخسره من الفوضى.
الهدف الثاني: هو الهجوم على الغرب، إذ سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إلقاء اللوم على الغرب في الأزمة في الشرق الأوسط. وفي بيان، قال بوتين إن "النخب الحاكمة في الولايات المتحدة"، و"أتباعها"، يقفون وراء قتل الفلسطينيين في غزة، ويقفون وراء الصراعات في أوكرانيا وأفغانستان والعراق وسوريا. وفي 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قال بوتين إن الحرب تشكل "مثالاً واضحاً على فشل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط"، بحسب وكالة رويترز.
الهدف الثالث: هو محاولة روسيا لعب دور صانع السلام في المنطقة، حيث بدأت بمحاولة لعب دور في الأمم المتحدة، لكن دون نجاح، إذ رفض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مشروع قرار روسي يدين العنف ضد المدنيين، ورفض أيضاً تمرير القرار الروسي الذي دعا إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، وأدان هجوم حماس على إسرائيل، والهجمات على المدنيين في غزة.
استخدمت الصين وروسيا حق النقض (الفيتو)، ضد القرار الذي رعته الولايات المتحدة، بينما استخدمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حق النقض ضد القرار الذي رعته روسيا.
تتلخص رسالة موسكو إلى الشرق الأوسط، في أن هيمنة الولايات المتحدة على المنطقة أسفرت عن نتائج كارثية، خاصةً الحرب بين إسرائيل وحماس ذاتها، وأن روسيا سوف تكون وسيطاً وشريكاً دبلوماسياً أفضل كثيراً من أيٍّ من القوى الغربية، وهي الفكرة التي عرضتها دراسة لمركز "the conversation".
الهدف الرابع: هو صرف الانتباه عن الحرب في أوكرانيا، وأن تؤدي الاضطرابات في الشرق الأوسط إلى تحويل الدعم الغربي عن أوكرانيا، مما يسهل على روسيا تعزيز سيطرتها الإقليمية على أجزاء من أوكرانيا. وبحسب ما ورد، قرر البنتاغون إرسال عشرات الآلاف من قذائف المدفعية عيار 155 ملم إلى إسرائيل، والتي كان مخططاً أصلاً إرسالها إلى أوكرانيا، بالإضافة إلى ذخائر المدفعية، حيث تحتاج كل من إسرائيل وأوكرانيا إلى العديد من أنظمة الأسلحة نفسها. وحتى الآن، يصرّ مسؤولو البنتاغون على أنهم سيكونون قادرين على دعم أوكرانيا وإسرائيل في الوقت نفسه. قال وزير الدفاع لويد أوستن، في مؤتمر صحافي عُقد في بروكسل يوم 11 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي: "يمكننا أن نفعل الأمرين معاً، وسنفعل الأمرين معاً"، بحسب صحيفة التايم. لكن يعتقد العديد من المحللين أنه إذا تعلق الأمر بتحديد أولويات واشنطن فإن إسرائيل سوف تفوز.
أما الهدف الخامس، فوقف صفقة التطبيع الإسرائيلي السعودي، الذي وضعته واشنطن هدفاً خلال الأشهر الأخيرة. وبذلك ستحقق موسكو فوزاً إضافياً، إذ تعدّ أن كل الدبلوماسية الإقليمية الناشئة عن اتفاقيات أبراهام، مشروع أمريكي يهمّش روسيا.
كما أثّرت الحرب على الممر الاقتصادي الأمريكي الذي ينطلق من الهند، بسبب وقف مباحثات التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وفي الوقت نفسه، يسمح هذا الوضع بتعزيز مبادرة "الحزام والطريق" الصينية. ففي 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أشاد بوتين، بمبادرة "الحزام والطريق"، قائلاً إن روسيا "يمكن أن تلعب دوراً أساسياً، كدولة عبور بين الشرق والغرب والشمال والجنوب"، وهو ما يعكس انتهاز روسيا فرصة الحرب ووقف المشروع الأمريكي لتحقيق مكاسب اقتصادية.
التحديات الصعبة
على الرغم من قائمة الأهداف التي وضعتها روسيا، والمكاسب التي يمكنها تحقيقها من حرب غزة، إلا أن هناك مجموعةً من التحديات قد تواجهها.
على الرغم من قائمة الأهداف التي وضعتها روسيا، والمكاسب التي يمكنها تحقيقها من حرب غزة، إلا أن هناك مجموعةً من التحديات قد تواجهها. فما هي؟ وهل بإمكانها التغلّب عليها؟
إذا زادت روسيا دعمها لحماس، فمن المرجح أن يأتي ذلك على حساب تدهور العلاقات مع إسرائيل، وهذا يضرّ بالسياسة الروسية التي تسعى إلى الحفاظ على التوازنات في الشرق الأوسط، حيث أرادت روسيا منذ سنوات كسب الدعم العربي، لكن دون قطع العلاقات مع إسرائيل.
وبحسب موقع "فورين بوليسي"، فإن روسيا لا تريد تدهور العلاقات مع إسرائيل، وعلى الرغم من هدفها المشترك المُعلن مع إيران في تحدي سيادة الولايات المتحدة، إلا أن روسيا لا تسعى إلى التعاون مع طهران أيضاً. لقد حاولت الدبلوماسية الروسية في عهد بوتين دائماً -ولا تزال تحاول- تحقيق التوازن بين اللاعبين المتخاصمين في الشرق الأوسط، لأن هذا يزيد من المكاسب الروسية. إن الإبحار عبر حرائق صغيرة، بدلاً من حرب إقليمية كبيرة، مع التعامل مع جميع الأطراف، هي قواعد اللعبة التي تناسب موسكو بشكل أفضل.
ومن ناحية أخرى، فروسيا تريد الحفاظ على وجودها العسكري في سوريا دون إرسال المزيد من القوات (لأنها تخصص قواتها لحرب أوكرانيا)، وهو الأمر الذي من شأنه أن يزيد الضغط على القوات الروسية في حال امتدت الحرب إلى سوريا ولبنان، واشترك حزب الله والميليشيات الإيرانية فيها، مع الأخذ في الحسبان التعزيزات العسكرية الأمنية الأمريكية في المنطقة، فموسكو لا ترغب في رؤية إيران وإسرائيل تنجرفان إلى حرب واسعة النطاق تتورط فيها في أثناء حربها في أوكرانيا.
لن تتمكن روسيا من التحكم بكل الأوراق، فإذا توسعت الحرب، وفي ظلّ الدعم الأمريكي الكبير لإسرائيل، قد تتورط أكثر في المنطقة، وتتوسع الحرب الجديدة في الشرق الأوسط بحضور القوى العظمى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...