شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"يتناوب الجنود على اغتصاب معتقلي غزة بالعصي"... شهادات صادمة من معتقل "سديه تيمان" الإسرائيلي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

Inside 'The Slaughterhouse': Brutal torture and rape in Israel's Sde Teiman prison

يسمونها في غزة "مصيدة نتساريم". وهي النقطة التي يصطاد فيها الجيش الإسرائيلي شباب غزة في ممر نيتساريم، الذي فُصل من خلاله شمال غزة عن جنوبها.

ومن هناك، يقتاد الجنود الإسرائيليون المدنيين إلى مصائرهم التي تبدو كأنها مصير واحد: معتقل "سديه تيمان" في النقب. 

يبعد المعتقل نحو 30 كيلومتراً عن غزة. ينعته الفلسطينيون بالمسلخ. وهناك قد يقضي الأسرى شهوراً معزولين عن العالم، ودون أن يعرفوا إلى أين تم اقتيادهم.

ترمي إسرائيل في غزة، على نحو دوري، الأسرى الذين تطلق سراحهم من هذا المعتقل. من هؤلاء، سمع العالم شهادات مروعة عن أساليب التعذيب الجنونية التي تعرضوا لها، ورأى وجوههم المتهدمة، وأطرافهم التي أكلتها الأصفاد، أو التي بُترت في بعض الأحيان بحسب شهادات أطباء إسرائيليين أيضاً.

لكن العالم لم يسمع، بدقة، عن حالات اغتصاب الأسرى، إلا حين دخل خالد محاجنة، أول وآخر محام يطأ أرض المعتقل.

ففي شهادته لرصيف22، يقول محاجنة، على لسان موكله محمد عرب، الصحافي في التلفزيون العربي الذي اعتقله الاحتلال من مستشفى الشفاء قبل مئة يوم، إن "الأسير الذي يراكم "مخالفات" لدى الجنود، أو ربما يتجرأ على طلب شيء، يجرونه إلى الساحة ويتناوبون على اغتصابه بالعصي أمام أعين سائر المعتقلين".

يصادف اليوم 26 حزيران/ يونيو 2024 اليوم العالمي لدعم ضحايا التعذيب. لكن بأي "شكل من أشكال الدعم يحظى هؤلاء المعتقلون، الذين يقدر عددهم بألف معتقل، والذين تتعدد أعمارهم؟" بحسب محاجنة، من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم العشرة سنوات، وحتى الشيوخ الثمانينيين.

آخرهم أسير من ذوي الإعاقة، لم يتمكن الأطباء من معرفة هويته بعد إطلاق سراحه الليلة، وذلك بسبب فقدانه ذاكرته تحت التعذيب. فضلاً عن فقدانه بصره وجزءًا من أعضائه الداخلية.

وقد يلقى هؤلاء حتفهم في هذا المعتقل، كما حصل مع عشرات الفلسطينيين حتى الآن، من بينهم الطبيبان إياد الرنتيسي وعدنان البرش، دون قانون أو رقيب يحمي حقهم بالعدالة.

الأسير الذي يراكم "مخالفات" لدى الجنود، أو ربما يتجرأ على طلب شيء، يجرونه إلى الساحة ويتناوبون على اغتصابه بالعصي أمام أعين سائر المعتقلين

"كنت أجثو على ركبتيّ 24 ساعة"

داوود أبو رية هو أحد الناجين من "سديه تيمان". وكان اعتُقل حين ناداه جندي على حاجز "نتساريم" وهو يمشي في رحلة نزوحه إلى الجنوب.

"ناداني باسمي"، يقول العشريني داوود لرصيف22، "ثم بدأ باستجوابي، فسحلي بين المعتقلين. عصّبوا عينيّ وكبلوا يديّ واقتادوني إلى ما فهمت لاحقاً بأنه معتقل سديه تيمان الذي لا يصلح حتى للحيوانات"، يضيف.

منذ لحظة اعتقاله الأولى، تعرض داوود لشتى أنواع التعذيب والتنكيل والإهانة. لم يجرؤ أثناء نقله إلى المعتقل على الصراخ من شدة الألم الناتج عن إصابة تعرض لها خلال قصف منزله شمال غزة. فكان يكظم وجعه، عاضّاً بقوة على أسنانه، حتى كادت تنكسر. كظم داوود الألم خوفاً من أن يسمع أنينه الجنود ويقوموا بتعذيبه أو ضربه مكان الإصابة، كما يفعلون عادةً مع سائر المعتقلين.

"كان يأمرني الضابط بأن أجثو على ركبتيّ مدة 24 ساعة. يمنعني أن أتحرك أو أن أقف أو أستند إلى أيّ شيء. كل ذلك خلال حرماني من مياه الشرب"، يقول داوود لرصيف22.

ويردف: "كنت أقف مع عشرات المعتقلين، مصطفاً في طابور الحمام لقضاء حاجتي، ذلك بعد أيام من حرماننا من دخول الحمام. وفجأة، يمنعنا الضابط من الدخول، وينهار علينا بالصراخ والضرب وأبشع الشتائم البذيئة، بغرض إذلالنا واستفزازنا".

شكلت فكرة الذهاب للحمام بالنسبة لداوود أزمةً نفسيةً كبيرة، فكان يشعر بالإهانة في كل مرة يريد فيها قضاء حاجته، الأمر الذي دفعه إلى طلب العمل في تنظيف الحمامات، ما أتاح ذلك له دخولها في أي وقت.

يذكر داوود ليلة جلدَ ضابط أحد الأسرى على يديه. كان المعتقل في حالة صمت. وكأن الضابط تعمّد أن يُسمع جميع الأسرى صراخ الأسير.

وفي صباح اليوم التالي، أيقظ الضابط الأسرى وبدأ بجلدهم وصعقهم بالكهرباء بأسلوب مثير للرعب. وهو يقول لهم بالعبريّة إن سبب ما يحدث لهم هو المقاومة الفلسطينية.

صورة مسرّبة من معتقل "سديه تيمان" حصلت عليها "سي إن إن"

معتقل للانتقام وليس للتحقيق

كان الجيش الإسرائيلي حوّل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ثلاث منشآت عسكرية إلى معسكرات اعتقال، أبرزها معتقل "سديه تيمان"، الذي يديره الجيش وليس سلطة السجون الإسرائيلية.

وفيما كشف تقرير لـ"سي إن إن"، بأن المعتقل مقسم إلى جزئين. الأول يُوضع فيه الفلسطينيون تحت قيود جسدية شديدة، والثاني هو عبارة عن مستشفى ميداني يُربط فيه المعتقلون الجرحى إلى أسرة ويرتدون الحفاضات.

يشير محاجنة إلى أن عمليات بتر وعمليات أخرى تُجرى هناك للأسرى بعد إصاباتهم جراء القصف في غزة، دون تخدير أو مسكنات.

ويقول على لسان موكله، إن "القسم الأول هو عبارة عن "براكيات" كبيرة. في كل منها يقبع نحو 150 أسيراً. جميعهم راكعون، مربوطو الأيدي ومعصوبو الأعين على مدار 24 ساعة".

ممنوع على هؤلاء الالتفات أو الكلام. فأيّ نأمة قد تعرضهم للتعذيب والتنكيل بأبشع الطرق.

"الأسرى مدنيون وليسوا عسكريين. واعتقالهم لا يأتي بهدف استدراجهم في التحقيق بقدر ما يأتي بهدف الانتقام منهم"، يؤكد محاجنة. مضيفاً بأنه لم يتم التحقيق مع موكله إلا بعد 40 يوماً من اعتقاله. ذلك حين سألوه، كما سألوا آخرين غيره: "وين حماس مخبية الصواريخ؟"

الأسرى مدنيون وليسوا عسكريين. واعتقالهم لا يأتي بهدف استدراجهم في التحقيق بقدر ما يأتي بهدف الانتقام منهم

وبالطبع، لم يلتق أيّ من هؤلاء الأسرى بمحامين أو منظمات حقوقية. "لقد تم عرضهم مرة واحدة فقط على المحكمة المركزية عن طريق الفيديو"، يفيد محاجنة. ويضيف: "مر القاضي عن موكلي، سأله: هل تدعى محمد عرب؟ اعتقالك ممدد إلى أجل غير مسمى، بتهمة الانتماء إلى تنظيم معاد. هكذا يبدأ الأمر وينتهي".

لا يفهم المعتقلون هذه التهم أو تفاصيلها، ويجهلون مصائرهم تماماً، كما يؤكد محاجنة، الذي يواجه عجزاً مطلقاً في أداء عمله كمحام في ظل هذه الظروف.

موت يوميّ تحت التعذيب

بعد رحلة مريرة شبهها بالموت، خرج الأسير الثلاثيني علام حجازي من معتقل "سديه تيمان". وذلك بعد أن قضى نحو 17 يوماً مكبل اليدين معصوب العينين، لا يعرف ما يدور حوله.

لم يطالب علام سوى بتطبيق الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية، وفق المواثيق والأعراف الدولية التي تنص على حماية الأسرى داخل السجون، بحسب تعبيره.

اختُطف علام من مصيدة "نتساريم"، ثم خضع لتحقيق طويل قبل نقله إلى معتقل "سديه تيمان"، الذي قال إنه اختبر فيه ما هو "أعنف وأقسى مما سمعناه عن معتقل غوانتنامو".

"ما يحدث داخل المعتقل عبارة عن مجزرة حقيقية بحق السجناء. هناك تُمحى جميع حقوقهم الإنسانية الأساسية، فيُحرمون من الطعام والشراب والنظافة الشخصية"، يقول علام لرصيف22. ֿويؤكد بأنه حرم كذلك من الأغطية والفراش في فصل الشتاء القارس. فضلاً عن أن بيئة السجن كان مرتعاً للأوبئة والأمراض الجلدية كالجرب، وقد انتشرت بكثرة بين المعتقلين.

أيقظ الضابط الأسرى وبدأ بجلدهم وصعقهم بالكهرباء بأسلوب مثير للرعب. ويقول لهم بالعبريّة إن سبب ما يحدث لهم هو المقاومة الفلسطينية

"في كل يوم كان يموت أسير من التعذيب والتنكيل والأمراض الجلدية. في حين لم تقم أية جهة حقوقية أو أممية، كالصليب الأحمر، بزيارة السجن أثناء تواجدي فيه"، يضيف علام.

ويؤكد خالد محاجنة بأنه علم بموت ستة أسرى في الشهرين الأخيرين من موكله، الذي يسمع، كغيره من المعتقلين، ما يتحدث به المجندون هنا وهناك عن حالات الموت.

أما بالنسبة للطعام، فيشير علام إلى أن وجبة الأسير لا تكفي لإطعام عصفور. فعانى بنفسه من سوء التغذية وفقد 40 كيلوغراماً من وزنه.

يأكل الأسرى، بحسب محاجنة صنفاً واحداً من الطعام في وجبات الفطور والغداء والعشاء. يقدم الجنود لهم ملعقة من اللبنة، خيارة أو حبة بندورة، وقطعة "مصة" وهي الخبز الجاف الذي يأكله اليهود في عيد الفصح.

"يعاني الأسرى من حالات إمساك شديدة جراء ذلك. ويفقدون أوزانهم بشكل جنوني. فقد فقد محمد عرب نحو 40 كيلوغراماً من وزنه"، يقول محاجنة. ويؤكد على أنه يُسمح للأسرى بالاغتسال دقيقة واحدة في الأسبوع. ومن لا يلتزم بهذا الوقت يتعرض للتعذيب والمعاقبة.

"مسألة النظافة الشخصية معدومة. لم يبدل موكلي بنطاله منذ 70 يوماً، ولم يبدل قميصه منذ 50 يوماً"، يقول محاجنة.

كابوس

قبل أيام، اهتز العالم بعد أن بحلق في عينيّ بدر دحلان (30 عاماً)، الذي خرج من معتقل "سديه تيمان" بعد شهر من احتجازه. فالتقطت كاميرات الصحافيين وجهه وعينيه المصدومتين من هول ما مرّ به في المعتقل.

بكلمات مقتضبة ومهزوزة، أجاب بدر على أسئلة الصحافيين، واصفاً ما عاشه بالكابوس. "تم اعتقال شقيقي من مدينة رفح. في تلك اللحظ، اختفت أخباره عنا. لم نكن نعرف عنه أي شيء، لم نعرف إن كان حياً أم قتله جنود الاحتلال"، يقول شقيقه جهاد دحلان لرصيف22.

ويردف: "ثم بعد نحو شهر أطلقوا سراحه، ووجدناه داخل أروقة مستشفى شهداء الأقصى يتلقى العلاج رفقة مجموعة من الأسرى الذي كانوا معه".

يشير جهاد إلى أن شقيقه بدر كان يعاني، قبل الاعتقال، من اضطرابات نفسية. لكنها ازدادت سوءاً وتدهوراً أثناء اعتقاله، ما يؤكد تعرض شقيقه للتعذيب والتنكيل داخل المعتقل.

فقد ظهرت على جسد بدر آثار الكدمات والضرب، ويعاني الآن من صعوبة النوم والحركة، كما يؤكد شقيقه.

"كابوس" كانت الكلمة التي استخدمها خالد حين وصف زيارته إلى المعتقل. "كابوس بالنسبة لي كمحام. فماذا يشعر المعتقلون؟" يتساءل.

التقى خالد، على مدار 15 عاماً، مئات الأسرى في السجون الإسرائيلية التابعة لسلطة السجون. لكنه يصف زيارته لمعتقل عسكري بالمرعبة. فقد نُقل إلى المكان بمركبة عسكرية، واستقبله جنود ملثمون. ثم تم تفتيشه وتحذيره من القيام بأي شيء يمس بأمن المكان أو الجنود أو "الدولة". دون أن يدري ما المقصود بهذا التحذير.

التقى محاجنة بموكله محمد الذي كان مكبّلاً بيديه وقدميه. "جروه جراً نحوي. واستغرق الأمر بعض الوقت حتى وثق بي وبدأ بالكلام، بعد أن طمأنته على عائلته في غزة، والتي لا يعرف عنها شيئاً منذ أن اعتقل"، يقول.

ويضيف بأن موكله كان يعتقد أنه معتقل في معسكر في خانيونس وفوجئ حين علم بأنه في "سديه تيمان".

يُسمح للأسرى بالاغتسال دقيقة واحدة في الأسبوع. ومن لا يلتزم بهذا الوقت يتعرض للتعذيب والمعاقبة

هل يُغلق المعتقل؟

وكانت أمرت المحكمة الإسرائيلية العليا يوم الأحد 23 حزيران/ يونيو 2024 الدولة الإسرائيلية بتقديم توضيح حول ظروف اعتقال الأسرى في "سديه تيمان".

يتضمن ذلك شروحاً حول الطعام الذي يقدم لهم، والرعاية الطبية، والنظافة الشخصية، وأساليب التعذيب.

"سيجد هؤلاء ألف عذر وحجة كي يستمروا في الإبقاء على هذا المعتقل. لا ينبغي المطالبة بتحسين ظروف الاعتقال، بل بإغلاق المعتقل"، يقول محاجنة.

ويردف: "قالت النيابة قبل ثلاثة أسابيع إنها تنوي إغلاق "سديه تيمان". لكن ما رأيته من تجهيز يشير إلى عكس ذلك. كما أن موكلي أكد لي بأنهم يستقبلون معتقلين جدداً بشكل يومي".

"العالم كله يتحدث عن المختطفين في غزة. جيد. لكن ماذا عن هؤلاء المختطفين المدنيين؟ من سيدافع عنهم ويمنحهم العدالة؟"، يتساءل.

ويشير محاجنة إلى أن منظمات حقوق الإنسان تشجب وتستنكر. لكن المؤسسة الإسرائيلية لا تبالي بقانون أو صورة أو رأي عام. فها هو الإعلام يكشف تفاصيل ظروف اعتقال الأسرى الغزيين، دون أن يحرض عليه أحد أو يكذّبه أحد. كأن إسرائيل لا يرف لها جفن حين يدور الحديث عن انتهاكاتها للأخلاق وحقوق الإنسان. وكأن هناك، كما يصف محاجنة، من محا الخطوط الحمراء ومنح الحرية لمن يفكر ليل نهار بابتكارات جديدة لتعذيب الفلسطينيين وتجريدهم من إنسانيتهم. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image