شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ألّفت رواية مخالفة للعادات التركية… لكن القصة لم تنته هنا بالنسبة لعالية خانُم

ألّفت رواية مخالفة للعادات التركية… لكن القصة لم تنته هنا بالنسبة لعالية خانُم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والنساء

الثلاثاء 20 أغسطس 202402:21 م

"العود هو صديقي وحبيبي وسبب حياتي ومصيري، ولا أعلم ما كان سيحدث لي لو لم يكن العود في حياتي! ولا كيف كنت سأصبر على لوعات الحب الذي لم يخمد لهيبه سوى العود!"؛ هكذا وصفت فاطمة عالية خانم، أهمية العود والموسيقى في حياتها، في رواية "عودي" التي ألّفتها في عام 1899، وكانت هذه الرواية مخالفةً لعادات وتقاليد تلك الفترة في تركيا.

كانت فاطمة عالية توبوز، كاتبةً وصحافيةً وناشطةً في مجال حقوق المرأة خلال العهد العثماني، كما أنها أول روائية تركية، ولها مكانة مهمة في الأدب التركي.

وُلدت فاطمة عام 1862، في إسطنبول، وكان والدها أحمد جودت باشا، مؤرخاً وفقيهاً وشاعراً مشهوراً. أمضت طفولتها متنقلةً بين حلب ودمشق ويافا وبيروت، وذلك بسبب عمل والدها الذي كان يتنقل باستمرار من بلد إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى.

كانت فاطمة عالية توبوز، كاتبةً وصحافيةً وناشطةً في مجال حقوق المرأة خلال العهد العثماني، كما أنها أول روائية تركية، ولها مكانة مهمة في الأدب التركي

درست فاطمة في المنزل تحت إشراف شقيقها الأكبر علي، بسبب أن أسرتها لم تقبل بإرسالها إلى المدرسة، فحمل شقيقها مسؤولية تعليمها الدروسَ المدرسية. في بعض الأحيان، كانت فاطمة تحضر معه الدروس التي تقام في منزلهم، وتتعلم خلالها من الأساتذة البارزين في ذلك الوقت. بعد مرور بعض الوقت من تعليمها، اكتشف علي أنها مهتمة باللغة الفرنسية، ولذلك رتّب لها حصةً لتتعلم هذه اللغة، وسرعان ما وصلت فاطمة خانم، إلى مستويات عالية في القراءة والكتابة باللغة الفرنسية. بعد انتهائها من الدراسة، تزوجت وهي في السابعة عشرة من عمرها، من عثمان نوري باشا، وهو حفيد أحد رجالات الدولة الكبار في تركيا، وأنجبت من هذا الزواج أربع بنات.

"امرأة ما"

في العقد الأول من زواجهما، مارست فاطمة القراءة في السرّ، إذ منعها زوجها من القراءة والكتابة، وعلى الرغم من أن والده وعائلته من قادة الإصلاحات في تركيا، إلا أنه كان من الصعب عليه تقبّل فكرة تعلّم المرأة. في ظل مثل هذه الأفكار، أصبحت فاطمة وشقيقته أمينة، من أوائل الناشطات النسويات في تركيا، بقطعهما طريقاً طويلاً وشاقاً لتجعلا الكتابة والأنشطة الاجتماعية أمراً طبيعياً في حياة السيدات.

عالية خانم على دراجة

بعدما علم والد فاطمة بهذا الأمر، طلب من زوجها أن يسمح لها بالقراءة. واحتراماً لوالدها سمح لها زوجها بقراءة الكتب، وبعد فترة، تمكنت فاطمة من إقناع زوجها بأن دراستها لا تشكل خطراً على حياتهما الزوجية. وأخيراً تمكنت من تحقيق الحرية في القراءة والكتابة، واحتفالاً بهذا النصر العظيم، بدأت على الفور بترجمة أحد الكتب التي قرأتها في السابق.

بدأت حياتها الأدبية في عام 1889، بترجمة رواية للروائي الفرنسي جورج أوهينت. وقّعت فاطمة ترجمتها لهذه الرواية التي صدرت في تركيا تحت عنوان "مرام"، بـ"امرأة ما"، نظراً إلى ظروفها والمجتمع الذكوري الذي تعيش فيه. بعد نشر هذا الكتاب، لم يتقبّل القرّاء والكتّاب الذين قرأوا الكتاب، بأي شكل من الأشكال، أن تكون امرأة في تركيا تعرف اللغة الفرنسية، إلى حد ترجمة الكتب من هذه اللغة، وقامت نقاشات ونشبت خلافات استمرت لفترة طويلة، بين مؤيدين هذا الأمر ورافضيه من الأدباء الأتراك.

عالية خانم

جذب نجاح هذا الكتاب انتباهَ والد فاطمة، ومن هذا المنطلق أتاح لها فرصة أن تتعلم، وأيضاً لكي يتمكن من التشاور معها حول أفكارها الأدبية. ومنذ ذلك الوقت، شاركت فاطمة وشقيقتها بشكل مستمر في دروس والدهما في التاريخ والعلوم الاجتماعية والدينية. في الوقت نفسه، أولى أحمد مدحت، الذي كان من أهم الناشرين والصحافيين والكتاب في العصر العثماني، اهتماماً خاصاً لترجمة فاطمة، ولهذا كتب نقداً عن هذا الكتاب في جريدته.

بعد ذلك، التقى مدحت بفاطمة، وقدّمها في كل مكان على أنها ابنته الأدبية. وفاطمة التي ترجمت المزيد من الكتب خلال تلك الفترة، اختارت لنفسها توقيع "امرأة ما"، وهو التوقيع نفسه الذي جاء على أول كتاب ترجمته. بعد فترة، ألّفت فاطمة بالمشاركة مع أحمد مدحت، روايةً حملت عنوان "الخيال والحقيقة"، وهذا الكتاب هو أول مشروع أدبي في تاريخ الأدب التركي يكتبه مؤلفان.

يروي هذا الكتاب، قصة حب بين وفاء وودات، ووفاء هي فتاة صغيرة لا تشبه الفتيات التي في عمرها، تكشف لِوِدات عن أسرارها بإرسال رسائل له. ودات الذي كان يمرّ في أوقات عصبية، شفي قلبه الجريح برسائل وفاء هذه، ومن هنا بدأ يخبرها عن أحلامه ومشكلاته. يُعدّ هذا الكتاب من الكتب الأولى التي تتم فيها مناقشة العلاقات الرومانسية وقضايا ومشكلات الأزواج بشكل علني في ذلك الوقت، وقد صدر هذا الكتاب تحت توقيع "امرأة ما وأحمد مدحت".

وفي عام 1892، نشرت فاطمة كتاب "منظمة"، لأول مرة باسمها الحقيقي، وحاولت فيه أن تجعل عبارة "الحب الأول للمرأة"، عبارةً عابرةً ولا معنى لها، وربما كانت هذه إحدى خطواتها الأولى في النضال من أجل حقوق المرأة. وعلى العموم كانت فاطمة تهتم بشكل أساسي بالقضايا التي كانت تُعدّ من المحرّمات في زمنها.

صورة عالية خانم على نقود تركية

بعد سبعة أعوام من إصدار كتاب "منظمة"، ألّفت كتاب "عودي" عام 1899، ويروي هذا الكتاب قصة عازفة عود، تعيش في حلب، ولا تتمتع بحياة زوجية ناجحة، وفي الوقت نفسه هي امرأة متمردة تحبّ الحب والموسيقى والعود. تبدأ أحداث هذه الرواية في الفصول الأولى منها في مدينتَي حلب ودمشق، وتنتقل أحداثها في الفصول الوسطى إلى بيروت، وتنتهي في إسطنبول.

"عودي" كان كتاباً رائداً ومهماً في عصره، كتبته فاطمة بلغة بسيطة ومفهومة لنساء تلك الفترة، إذ حاولت أن تجعل الكتاب ملموساً لجميع النساء وقريباً من حياتهنّ الحقيقية، وتناولت فيه القضايا المتعلقة بالمرأة مثل: الحب والمودة في الحياة الزوجية، ووجود التوازن والانسجام بين الزوجين، وأهمية التعارف قبل الزواج، وتعدد الزوجات، وتعليم المرأة، والطلاق، والزواج المؤقت للرجال، وفردية المرأة، والعمل والكسب، وعدم الاعتماد مالياً على الرجال. وبجانب أعمالها الأدبية، كتبت فاطمة العديد من المقالات حول المرأة وحرية المرأة دون أن تتخلى عن وجهة نظرها المحافظة، ونشرتها في صحيفة "للنساء فقط".

طُبعت صورة فاطمة خانم، التي تُعدّ من أهم النساء في تاريخ تركيا، ومن أكثر النساء نشاطاً وتأثيراً في قضايا الإصلاحات والتطور، على ورقة الـ50 ليرةً التركية في عام 2009

من الأنشطة الأخرى لفاطمة، تأسيس جمعية "المرأة العثمانية" الخيرية، التي أسستها في خضم الحرب بين اليونان والدولة العثمانية، وكانت من مهام هذه الجمعية، مساعدة أسر جرحى الحرب، ويمكن اعتبار هذه الجمعية أول جمعية نسائية في تاريخ تركيا.

من "ولادة كاتبة عثمانية" إلى الطرد من الجمعيات الأدبية

كتب أحمد مدحت كتاباً تحت عنوان "ولادة كاتبة عثمانية"، ونشر فيه مقالاته التي كتبها عن فاطمة عالية توبوز، وكذلك أضاف رسائل من فاطمة إلى هذا الكتّاب، حاول أن يصف من خلالها شخصيتها.

وأصدرت فاطمة، آخر أعمالها، رواية "أحمد جودة باشا وزمانه"، عام 1914، وهذه الرواية كُتبت بقصد تصوير الحياة بعد العصر الدستوري، وقد تسببت في طرد فاطمة من الجمعيات الأدبية بسبب انتقادها مواقف الحكومة السياسية والاجتماعية في ذلك الوقت. توفيت فاطمة عالية توبوز في 13 تموز/يوليو 1936، في إسطنبول.

طُبعت صورة فاطمة خانم، التي تُعدّ من أهم النساء في تاريخ تركيا، ومن أكثر النساء نشاطاً وتأثيراً في قضايا الإصلاحات والتحول، على ورقة الـ50 ليرةً التركية في عام 2009.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image