تُعدّ قصة الحب بين "برج غلطة" و"برج الفتاة"، من الأساطير الرومانسية التركية، ومن أكثر القصص غرابةً وخيالاً، إذ يقال إن هذين البرجين كتبا رسائل حب إلى بعضهما بعضاً لسنوات، لم تصل أي منها إلى الحبيب، لأن مضيق البوسفور كان أكبر حاجز بين الاثنين، وكل واحد منهما كان مشتعلاً بحب الآخر، من دون أن يعلما بحبهما لبعضهما بعضاً، حتى ذلك اليوم الذي أتى فيه شخص اسمه أحمد جلبي.
هزارفن أحمد جلبي، عالم تركي من القرن السابع عشر الميلادي، جاء إلى برج غلطة في يوم عاصف، وقرر تحقيق رغبة البرج بأي ثمن، وذلك بتوصيل رسالته إلى البرج الآخر، إذ صعد إلى أعلى برج غلطة وهو يحمل على كتفيه أجنحةً كبيرةً صنعها كأجنحة الطير، وأخذ الرسائل التي كتبها برج غلطة إلى برج الفتاة، وقفز من أعلى البرج وفرد جناحيه. ويقال إن الجلبي طار لمسافة 3،358 متراً، وعَبَرَ من فوق المضيق، وهبط على جانبه الآخر، أي في حي "أوسكودار" حيث موقع "برج الفتاة"، وبهذا أوصل رسائل الحب هذه.
تعدّ قصتا الحب "برج غلطة" و"برج الفتاة"، من الأساطير الرومانسية التركية، ومن أكثر القصص غرابةً وخيالاً، إذ يقال إن هذين البرجين كتبا رسائل حب إلى بعضهما بعضاً لسنوات، لم تصل أي منها إلى الحبيب
ولغاية يومنا هذا، يشكك العلماء والمؤرخون في قصة طيران الجلبي، ولكن عندما يتعلق الأمر بحبّ أبراج إسطنبول الجميلة، يتفق الجميع على حقيقة هذه القصة، التي برهنت لبرج الفتاة، أنه لا يحترق في نار الحب من طرف واحد، برغم أنه كان متأكداً من عدم التمكن من التواصل مع حبيبه، ومنذ ذلك قطع عهداً على نفسه، ألا يرفع عينيه عن حبيبه إلى أبد الآبدين.
لقد كانت قصة الحب الخيالية هذه رمزاً لكل العشاق الذين يستحيل التواصل بينهم، إذ يعتقد السياح والمصوّرون الذين يزورون إسطنبول، أن أكثر صور هذه المدينة خيالاً ورومانسيةً، هي التي يقف فيها البرجان محدّقَين في بعضهما البعض.
تاريخ البناء
برج الفتاة الذي يُعدّ من أشهر رموز مدينة إسطنبول، هو بناء رمزي يحتوي على آثار العديد من الحضارات، يبلغ ارتفاعه 9 أمتار وتم بناؤه في القرن الخامس قبل الميلاد على يد جنرال يوناني في جزيرة صغيرة جداً، تقع عند التقاء البحر الأسود وبحر مرمرة في مضيق البوسفور، ويمكن القول إن هذا الهيكل هو الوحيد المتبقي من العصر البيزنطي في منطقة سالاجاك في أوسكودار في إسطنبول.
صعد العالم التركي أحمد جلبي إلى أعلى "برج غلطة" وهو يحمل على كتفيه أجنحةً كبيرةً صنعها كأجنحة الطير، وأخذ الرسائل التي كتبها "برج غلطة" إلى "برج الفتاة"، وقفز من أعلى البرج وفرد جناحيه.
لقد تغيّر الهيكل المعماري لهذا البرج مرات عدة، ومظهره الحالي يُعزى إلى الإصلاحات والإضافات التي تمت خلال الفترة العثمانية في القرن الثامن عشر. بُني برج فتاة الجميل باستخدام الحجر والطوب الأبيض، وكان في البداية بمثابة برج مراقبة ومنارة في ليالي البوسفور المظلمة. وبعد مرور بعض الوقت، أصبح مركزاً لجمع الضرائب، حيث كان على السفن التي تريد عبور المضيق والدخول إلى إسطنبول، أن تتوقف عند هذه الجزيرة الصغيرة وتدفع ضريبة المرور، وفي ذلك الوقت، أصبح برج الفتاة بمثابة مكتب جمركي لمضيق البوسفور.
في العهد العثماني، وفي أثناء تفشّي الطاعون، تحولت هذه الجزيرة إلى محل حجر صحي، إذ بمجرد ملاحظة أصغر علامات المرض في شخص ما، كان يُرسل ذلك الشخص إلى برج الفتاة الذي تحول إلى مستشفى ومحل حجر للمصابين، وبما أن البرج تم بناؤه في وسط البحر، فإن نقل المرضى إلى هذا المستشفى ومركز الحجر الصحي المؤقت، منع انتقال المرض إلى حد كبير آنذاك.
وبرغم عدم وجود وثائق وأدلة كثيرة في هذه القضية، إلا أن هناك العديد من القصص المحلية، التي تشير إلى أن العديد من الشخصيات المرموقة سُجنت في هذا البرج خلال العصر العثماني، وكان السلاطين العثمانيون يسجنون أفراد عائلاتهم فيه. ومن أشهر سجناء برج الفتاة، الأمير سليمان العثماني.
لماذا برج الفتاة؟
هناك العديد من الأساطير حول أسباب تسمية هذا البرج، وأشهرها "أسطورة هيرو ولياندرس"، التي تقول إن الإلهة والراهبة الجميلة هيرو، تقع في حب شاب يُدعى لياندرس، ويقع هو أيضاً في حبها، فيتعمق الحب بينهما إلى درجة أنهما يقضيان الصيف كله في المغازلة والمضاجعة. وهيرو التي كانت تقيم في برج الفتاة، كانت تشعل النار كل ليلة حتى لا يضلّ حبيبها طريقه إليها ويعبر المضيق بسلام، أما هو فكان يقطع عرض المضيق بالكامل سابحاً كل ليلة للقاء حبيبته.
عندما انتهى الصيف، قرر الاثنان التوقف عن رؤية بعضهما البعض، والعودة إلى اللقاء مجدداً في الربيع. لكن في منتصف الشتاء، وفي إحدى الليالي العاصفة في إسطنبول، رأى لياندرس ناراً مشتعلةً في برج الفتاة، فظن أن حبيبته أشعلت النار طلباً للقائه، فقرر أن يمضي إليها. لم يستطع أحد أن يمنعه من الذهاب إلى البرج، وقفز الشاب في البحر الهائج، لكن النار انطفأت قبل أن يعبر المضيق.
تاه عن طريقه في تلك الليلة العاصفة العتماء، ولم يصل إلى البرج أبداً. وفي الصباح التالي، وجدت هيرو جثة حبيبها على شاطئ الجزيرة، ولم تستطع تحمل رحيل حبيبها، فألقت بنفسها من أعلى البرج في البحر. يعتقد البعض أن البرج سُمّي "برج الفتاة" تكريماً لولاء هيرو وحبها للياندرس.
يعتقد السياح والمصوّرون الذين يزورون إسطنبول، أن أكثر صور هذه المدينة خيالاً ورومانسيةً، هي التي يقف فيها البرجان محدّقَين في بعضهما البعض
وهناك أسطورة أخرى حول تسمية هذا البرج، تفيد بأن إمبراطوراً بيزنطياً كانت له ابنة يحبها ويعتني بها أكثر من عينيه، وفي أحد الأيام، خلال حفل أقيم في قصره، أصرّ عرّاف على مقابلة الإمبراطور هذا، ونجح بفضل إصراره في لقائه، وأخبره بأن ابنته ستموت بسبب لدغة أفعى في عيد ميلادها الثامن عشر. صُدم الإمبراطور وارتجف خوفاً من سماع هذا الخبر، وأمر بإيجاد مكان خالٍ من أي حيوان لا يمكن أن يصل إليه أي إنسان أو حيوان، ليقام فيه برج يحمي الفتاة من كل خطر، فشُيّد "برج الفتاة" في تلك الجزيرة، ونقل ابنته إليه.
كان الإمبراطور يزور ابنته كل يوم، ويُحضر لها بنفسه الماء والطعام، وأخيراً عندما وصل يوم ميلادها الثامن عشر، أعدّ سلّة فواكه لابنته بدقة شديدة، وأخذها لها لتتناول منها ما تشتهي. أكلت الفتاة من السلة، وعندما مدّت يدها لتأخذ آخر حبة عنب، لدغها ثعبان كان مختبئاً في السلة، فماتت ابنة الإمبراطور على الفور. ويعتقد البعض أن هذا البرج أصبح يُسمّى "برج الفتاة" بعد هذه الحادثة.
برج الفتاة والشعراء
إلى الأساطير والقصص الحقيقية حول هذا البرج التاريخي الجميل والمهم في مدينة إسطنبول، كان ولا يزال هذا المبنى، محط اهتمام العديد من الشعراء والكتّاب، لذا حضوره بارز في أشعار الشعراء الأتراك، مثل أورخان ولي وآتيلا إيلخان، كما له أثر واضح في قصص وروايات العديد من الأدباء ومنهم الكاتب والسياسي التركي أحمد حمدي طانبينار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 4 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 5 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ اسبوعينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.