شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ثمن هذا الشغف نصف وجهٍ ونصف حياة… أشجان المطربة بيرغن

ثمن هذا الشغف نصف وجهٍ ونصف حياة… أشجان المطربة بيرغن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والنساء

السبت 15 يونيو 202412:24 م

اجتمع الناس في 31 نوفمبر/تشرين الثاني 1982 أمام نادي نيويورك في إزمير، للقاء ومشاهدة النجم الذي لا مثيل له في موسيقى الأرابيسك/الخيال التركية. في تلك الأثناء رأوا رجلاً يحمل دلواً من الحمض في يده ويهاجم امرأة. عندما صرخت المرأة، طلب الجميع الماءَ، فأجاب أحد الأشخاص من داخل النادي باستماتة أن المياه مقطوعة. في تلك اللحظة لم يستطع أحد أن يفعل شيئاً، وكانت عيون بيرغن الجميلة تذوب في الحمض.

دخول عالم الموسیقی والتعرف علی هاليس سربست

بيرغن سارلمشار، نجمة موسيقى الأرابيسك التركية، وُلدت عام 1959 في مدينة مرسين. عندما كانت في السادسة من عمرها، ذهبت مع والدتها إلى أنقرة، وذلك بعد انفصال والديها. كانت تعزف على المندولين وتغني منذ طفولتها، عندما كانت في المدرسة الابتدائية، هنا اكتشفت موهبتها على يد معلمتها، وبناءً على اقتراح المعلمة نفسها، التحقت بالمعهد الموسيقي، وهناك درست البيانو والتشيلو، وأصبحت الطالبة الأولى في المعهد الموسيقي لمدة عامين. لكن لم تدم الفرحة طويلاً، حيث اضطرت إلى ترك المدرسة بسبب مشاكلها المالية، ومن هذا المنطلق قدمت للتعيين في شركة البريد، ونجحت في ذلك بعد أن تلاعبت في الوثائق الرسمية لتزيد على سنوات عمرها.

قالت والدة بيرغن "قد أخبرت ابنتي عدة مرات أنك لن تكوني سعيدة مع هذا الرجل، لكنها أجابت: 'انتهى الأمر بالنسبة لي، فالآن أصبح اسمي متصلاً باسمه، ليس لدي طريق للعودة'...."

في عام 1977، ذهبت إلى نادٍ ليلي مع عدد من أصحابها، وبإصرار من رفاقها اعتلت الخشبة، وغنت هناك أغنية. فور سماعها أعجب صاحب النادي بصوتها وغنائها، وعرض عليها التعاون. تلك اللحظة كانت نقطة التحول المفصلية في حياتها، فمن ذلك الملهى الليلي بدأت حياتها الفنية، ومنذ ذلك الحين اختارت اسم "بيرغن".

بيرغن في بداياتها الفنية

لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى عرض عليها كازينو "كويوباشي" في أضنة، الذي كان يتعاون مع فنانين مشهورين في تلك البرهة، أن تتعاون معه، وهناك التقت بهاليس سربست. كان هاليس يأتي إلى الكازينو كل ليلة ليسمع صوتها، وكان يرسل لها الأزهار باستمرار. دام ذلك ثمانية أشهر متواصلة، إلى أن عرض هاليس الزواجَ على بيرغن. وبسبب ديونها الكثيرة للنادي قبلت بهذا العرض مرغمةً. هاليس، الذي كان متزوجاً وله ثلاثة أطفال، أخذ بيرغن إلى منزله بأوراق زواج مزيفة، هي التي لم تكن تعلم بحقيقة هذه الأوراق طوال فترة إقامتها في منزله. في تلك الفترة تعرضت للضرب والإساءة من قبله عدة مرات، وبعد مرور بعض الوقت، اكتشفت بيرغن أمر زواجهما المزيف، فتركت هاليس وعادت إلى أنقرة.

بيرغن وزوجها

خلال ذلك الوقت، أي في عام 1979، عملت بيرغن إلى جانب فنانين مشهورين آخرين بكازينو باشكنت في أنقرة. وبعد مرور بعض الوقت، انفصل هاليس عن زوجته وعرض الزواج على بيرغن مرة أخرى. بيرغن التي قالت في إحدى المقابلات: "على الرغم من أنني تعرضت للضرب منه، إلا أنني أحببته"، تزوجت منه مرة أخرى في عام 1982، وكان الزواج هذه المرة رسمياً. إلا أنها تركته أيضاً بعد فترة بسبب سوء سلوكه، وقررت أن تعيش منفصلة عنه. في تلك الأثناء عادت إلى أنقرة وحياتها الموسيقية، وحينها أصدرت أحد أشهر ألبوماتها بعنوان "لدي شكوى".

بيرغن… الحسناء بعين واحدة

في خريف العام نفسه، أي عام 1982، سافرت إلى إزمير مع والدتها بحثاً عن عمل، وخلال هذه الرحلة، هاجمها شخص مأجور بدلوٍ من الحمض، ادعى في ما بعد أنه استلم 500 ألف ليرة من زوجها لتنفيذ هذه الخطة. قالت بيرغن في وقت لاحق في مقابلة إن "في تلك اللحظة، أصبح كل شيء أسود، وكلتا عينيّ كانتا تحترقان. كنت شربت القليل من الكحول، وكان الأمر كما لو أنني لم أكن على علم بما يحيط بي وما كان يحدث من حولي. لم أسمع سوى الصراخ، والجميع كان يطلب الماء. والحظ عاندني وقتها، حيث لم يجدوا لي قليلاً من الماء ليغسلوا وجهي به… مزقوا ملابسي ونزعوها عن جسدي، بعد ذلك وصلت سيارة الإسعاف ونقلتني إلى المستشفى. خضعت لعدة عمليات جراحية وخرجت من المستشفى بعد 45 يوماً".

بيرغن قبل تعرضها للهجوم بالحمض

قالت والدة بيرغن، التي كانت معها أثناء الحادثة: "قبل عامين من تلك الحادثة، قام بتخدير بيرغن بمادة الإيثر وسرقها، وهو الذي كان سبب ديونها للكازينو.  لقد أخبرت ابنتي عدة مرات أنك لن تكوني سعيدة مع هذا الرجل، لكنها أجابت: 'انتهى الأمر بالنسبة لي، فالآن أصبح اسمي متصلاً باسمه، ليس لدي طريق للعودة'... ابنتي جميلة ولها صوت جيد، وشقت طريقها إلى عالم الفن في وقت قصير جداً، وعندما رأت أن المضايقات والضرب الذي تتعرض له لم ينته، قررت الانفصال عنه، فأرسل لها هاليس رسالة عدة مرات، كان مفادها أنه من المستحيل أن يسمح لها بأن تكون على علاقة مع رجل آخر".

بيرغن ووالدتها في المستشفى بعد تعرضها للهجوم بالحمض

بعد عدة عمليات جراحية وترقيع للجلد، قررت بيرغن التي خُلعت عينها اليمنى بالكامل، العودة إلى المسرح، وكانت تسرح شعرها بأسلوب خاص، بحيث تغطي بخصلة شعرٍ الجانبَ الأيمن من وجها، وبهذا المظهر الجديد، أصبحت بيرغن أيقونة الجمال.

هاليس سربست: "حتى عظامها لن أتركها لكم"

في عام 1985، وبدعوة من صاحب إحدى أكبر شركات التسجيل والبث الموسيقي، ياشار كه كه وان، جاءت بيرغن إلى إسطنبول لإحياء حفل موسيقي، حيث لاقى الحفل إقبالاً واسعاً، وفي نهاية عام 1986 صدر ألبومها "امرأة الأحزان"، وبيع منه أكثر من مليون نسخة. كان هذا الألبوم هو الأكثر نجاحاً لبيرغن في عالم الموسيقى، حيث فاز بالعديد من الجوائز.

بيرغن ووالدتها بعد تعرضها للهجوم بالحمض

خلال عام 1987، أدت دور بطولة فيلم كان يحمل نفس اسم ألبومها "امرأة الأحزان". كان الفيلم عبارة عن قصة حياتها. بعد فترة في نفس العام، حين كانت تغني في حفل موسيقي في مدينة أضنة، هاجمها مصورُ البرنامج بسكين. كانت الإصابات سطحية وغير خطيرة، ولكن عقب محاولة الاغتيال هذه، قررت بيرغن الابتعاد لفترة عن الأضواء.

دُفنت بيرغن في مسقط رأسها في مرسين، إذ قُتلت وهي في الثلاثين من عمرها، وتم حماية قبرها بقفص مدعوم بستة أقفال، بعد تهديدات من قبل هاريس بنسف القبر وقوله إنه لن يترك حتى عظامها

عاد هاليس سربست، الذي حُكم عليه بالسجن لسبع سنوات بعد اعترافه بتدبير الهجوم الحمضي، إلى بيرغن بعد إطلاق سراحه من السجن عام 1988 ليطلب يدها مرة أخرى. وقبلت بيرغن بالعرض أمام أعين معجبيها وأصدقائها المتفاجئين من قرارها.

في عام 1989، انفصلت عن هاليس بسبب سوء سلوكه معها، وعادت إلى ساحة الفن مرة أخرى، وكالمعتاد تعرضت للملاحقة والتهديد بشكل مستمر من قبل زوجها السابق. قُتلت بيرغن أخيراً على يد هاليس في منتصف ليلة 14 آب/أغسطس 1989 في أضنة.

مدفن بيرغن

بعد هذا الحادث هرب هاليس إلى ألمانيا، حيث اعتقلته الشرطة الألمانية وحكمت عليه بالسجن خمسة عشر عاماً. وتم ترحيله إلى بلاده. بعد عودته إلى تركيا، تم تخفيض مدة سجنه إلى ثلاثة سنوات، وأخيراً تم إطلاق سراح هاليس بعد 7 أشهر فحسب.

دُفنت بيرغن في مسقط رأسها في مرسين، إذ قُتلت وهي في الثلاثين من عمرها، وتم حماية قبرها بقفص مدعوم بستة أقفال، بعد تهديدات من قبل هاريس بنسف القبر. وحسب ما قالت شقيقة بيرغن في مقابلة إن "هاريس اتصل بنا في الليلة التي قتل فيها بيرغن قائلاً إنه لن يترك حتى عظامها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image