بين الحين والآخر، تتداول وسائل الإعلام المختلفة معلومات عن انتشار الأوبئة والأمراض المعدية بين سكان غزّة، نتيجة تحلل الجثث في الشوارع وعدم دفنها، وذلك جراء الأعمال العسكرية الإسرائيلية التي خلّفت آلاف القتلى والمصابين.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها سكان فلسطين للأوبئة، فعلى مدار تاريخها، ولأسباب مختلفة، تكررت هذه الكوارث الصحية، وكان لها تداعياتها المختلفة على الأصعدة كافة، واتخذت السلطات الحاكمة وقتها إجراءات مختلفةً لمواجهة ذلك، وهو ما يتناوله هذا التقرير.
البداية كانت مع طاعون "عمواس"، عام 18هـ/639م، وهي بلدة تقع بين الرملة وبيت المقدس. يذكر عبد الجبار رجا العودة في دراسته "الأوبئة والأمراض وأثرها على الحياة العامة في فلسطين من العصر الراشدي حتى الآن (639-2020م)"، أن هذا الطاعون انتشر بين الجيوش الإسلامية في بداية الفتوحات، ومات على إثره كثير من سكان الشام وعدد من القادة المسلمين، منهم عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وعتبة بن سهيل.
البداية كانت مع طاعون "عمواس"، عام 18هـ/639م، الذي انتشر بين الجيوش الإسلامية في بداية الفتوحات، ومات على إثره كثير من سكان الشام وعدد من القادة المسلمين، منهم عبيدة بن الجراح
وفي ولاية عمرو بن العاص، عولج هذا الطاعون بإشعال النيران وخروج الناس إلى الجبال، بعدما قضى على عشرين ألفاً من المسلمين، حتى أُطلق عليه اسم "الفناء" أو "الوباء" لشدّة فتكه بالبشر.
طواعين فلسطين أيام بني أمية
في عصر الدولة الأموية، فتكت الطواعين بالناس، ومنها ذاك الذي اجتاح بلاد الشام وفلسطين عام 69هـ/688م، وقضى على كثير من الخلق، حتى أصبح المؤرخون يؤرخون الأيام بتلك الطواعين، ففي كتابه "بذل الماعون في فضل الطاعون"، يقول ابن حجر العسقلاني: "إن الطواعين أيام بني أمية لا تنقطع بالشام".
وأصاب البلاد في عام 87هـ/705م، طاعون "الفتيات"، وسُمّي بذلك لأنه أصاب النساء دون الرجال، بينما سمّاه البعض طاعون "الأشراف" لكثرة الذين توفوا من أشراف القوم وأكابرهم.
وفي سنة 131هـ/748م، وقع طاعون "مسلم بن قتيبة"، وسُمّي باسمه لأنه أول من مات به. وبحسب العودة، كان هذا الطاعون سبباً في سقوط الدولة الأموية بسبب عجز الدولة آنذاك عن مواجهته، وكان لجهل الناس بأسباب وطرائق الوقاية منه الدورُ الأكبر في انتشاره إلى بلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا، مخلّفاً خللاً ديمغرافياً امتدت آثاره سنوات طويلةً.
ولم تتخذ الدولة الأموية أي إجراءات لمقاومة الطاعون سوى النداء لإخلاء الناس من المناطق الموبوءة، فقد أمر الخليفة معاوية بن أبي سفيان الناس بالخروج من مناطق الوباء، لكنّ الصحابي أبا الدرداء أمير الشام، رفض تنفيذ هذه الأوامر، لما في ذلك من سرعة انتشار الوباء إلى مدن وقرى أخرى بسبب الفارّين منه، بالإضافة إلى أن هذه السياسة مخالفة لحديث الرسول محمد الذي نهى عن الخروج من مناطق الوباء.
وبرغم ذلك، استمر خلفاء بني أمية في الفرار من الطاعون إلى البرّية، ولم يشذّ عنهم إلا الخليفة عمر بن عبد العزيز، بحسب العودة.
على كلٍ، دفن الناس موتاهم في البداية كما هي العادة، من خلال تكفينهم والصلاة عليهم، إلا أن كثرة وفيات الطاعون في كثير من الأحيان جعلت من الصعب إيجاد من يجهّز ويكفّن ويحفر القبور، فكانوا يدفنون موتاهم دون تجهيز وصلاة عليهم.
الحجر الصحي للموبوئين خلال العصر العباسي
في عصر الدولة العباسية، أصاب فلسطين في أول عهد الخليفة هارون الرشيد، طاعون وصفته المصادر بأنه "جارف"، بعدما أتى على أهالي بيوت كثيرة. وبشكل عام، كما يذكر العودة، قلّ حدوث الطاعون في بلاد الشام أيام العباسيين مقارنةً بما كان عليه الحال قبل ذلك.
في عصر الدولة الأموية، فتكت الطواعين بالناس، ومنها ذاك الذي اجتاح بلاد الشام وفلسطين، حتى أصبح المؤرخون يؤرخون الأيام بتلك الطواعين.
لكن في سنة 423هـ/1031م، انتشر وباء الجدري، وكثر الموت، واستمر ستة أشهر، وكان متفشّياً في الصغار أكثر من الكبار، وانتشر بشكل كبير بحيث لم تخلُ دار منه. كما أصاب الوباء فلسطين عام 897هـ/1491م، ووصل عدد الوفيات إلى 40 شخصاً يومياً.
وقتها، كان الحجر الصحي يتمّ بالعزل والحبس أحياناً، والطرد والنفي أحياناً أخرى، أو تحويل قرية أو بلدة بأكملها إلى موقع محاصَر يُمنع اقتراب الناس أو الخروج منه.
كما كان الحجر الصحي يتم في المغاور على أطراف المدن والقرى، فمثلاً كانت كنيسة الخضر أو القديس جورجيوس، في قرية برقين في جنين، معقلاً للحجر الصحي. ويذكر العودة، أن هذه الكنيسة أقيمت على مغارة قديمة استخدمها أهل تلك البلاد لحجر الرجال العشرة المصابين بالبرص (الجذام) والذين شفاهم النبي عيسى في ما اعتُبر إحدى معجزاته.
الأوبئة تفتك بجنود الحملات الصليبية
كان من أشدّ ما ابتُليت به البلاد توافق الحملات الصليبية ووباء الطاعون على فلسطين والشام، وذلك من أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر (1096-(1291. ويروي العودة، أن الطاعون فتك بالصليبيين في أثناء حصارهم لمدينة أنطاكية، كما فتك بأهل البلاد المحاصرين، كما حدث في سنة 1153م، وكذلك وباء عام 1190م الذي فتك بجيش المسلمين المتجه إلى عكا.
وفي سنة 574هـ/1178م، انحبس المطر في بلاد الشام وفلسطين، ونتيجةً لذلك اشتدّ غلاء الأسعار بشكل كبير جداً، وأكل الناس الميتة، وتبع ذلك وباء عامّ كثر فيه الموت.
وينقل العودة ما ذكره أبو الحسن ابن الأثير، في كتابه "الكامل في التاريخ"، من أن مرضاً يسمّى السرسام، وهو ورم في حجاب الدماغ يُحدث حمّى دائمةً تتبعها أعراض سيئة كالسهر واختلاط الذهن، وقد أصاب هذا المرض الناس واستمر إلى بداية عام 576هـ/ 1180م، وأدى إلى موت عدد كبير منهم.
وبحسب العودة، كانت الأديرة والكنائس في فلسطين بمثابة مواقع للحجر الصحي، إذ تطوّع الرهبان فيها لرعاية المصابين بالطاعون والجدري من أجل التكفير عن ذنوبهم. وارتبطت هذه المواقع بالغزو الصليبي للبلاد، إذ أقامت فرقة الإسبتارية الصليبية عام 1130م، هيئةً استشفائيةً خارج سور القدس في الركن الشمالي الشرقي للمدينة، على الطريق المؤدي إلى جبل الزيتون، لمعالجة المصابين من فرسان الفرقة.
كما استُخدمت زوايا الصوفية للحجر الصحي، مثل زاوية الشيخ الرومي في قرية عين ماهل في الجليل، وما زالت جدران الزاوية مُثبتة فيها مرابط السلاسل التي كانت تُربط بالمصاب لطرد المس الشيطاني أو الجنّ منهم حسب اعتقادهم الصوفي، واتخذ البعض ضفاف الأنهار ملاذاً لهم، كنهر الأردن لقداسته الدينية عند المسيحيين، بهدف الاستشفاء بمائه المقدّس.
وبعد فتح مدينة القدس وتحريرها عام 1187م، على يد صلاح الدين الأيوبي، نُقل حجر المصابين من الصليبيين إلى مدينة عكا في أماكن تشبه المشافي، وما زال سكان المدن والقرى يطلقون على المشافي لفظ "إسبتار" نسبةً إلى فرقة الإسبتارية الصليبية التي ارتبط المشفى كحجر صحي باسمها.
طواعين العصر المملوكي تصيب البشر والحيوانات
ولم تتوقف الطواعين عن غزو فلسطين خلال العصر المملوكي، ففي سنة 672هـ/ 1273م، انتشرت الأمراض والحميات في الرملة والقدس. ويروي الدكتور خالد يونس الخالدي ومحمد حمزة صلاح، في دراستهما "الكوارث الطبيعية في فلسطين (القرن 1- 10هـ/ 7- 16م)"، أن السلطة الحاكمة وقتها قامت بتجديد مياه الآبار إذ كان يُعتقد أنها سبب تفشّي الأمراض.
يُعدّ القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي، قرن الطواعين في فلسطين بلا منازع، فقد فتك بأهلها خلاله أحد عشر طاعوناً.
وفي سنة 749هـ/1348م، وقع وباء عظيم شمل الكثير من بلدان العالم، واستمر حتى بداية سنة 750م/1349م، وعُرف في أوروبا بـ"الطاعون الأسود". وبحسب الباحثين أصاب هذا الوباء فلسطين، وكان أول ظهوره في مدينة غزّة، ونتجت عنه خسائر بشرية كبيرة، ففي مدينة غزّة وحدها مات في شهر واحد أكثر من 10 آلاف نسمة معظمهم من الفلاحين، ما كان له أثر كبير على انخفاض الإنتاج الزراعي، كما باد أغلب سكان المدن الأخرى مثل جنين واللدّ والرملة ونابلس وصفد والقدس، وصارت الخانات وغيرها مليئةً بجيَف الموتى.
ولم تسلم الحيوانات البرية من هذا الوباء، فذكر تقي الدين المقريزي، في كتابه "السلوك لمعرفة دول الملوك"، أن الناس كانوا يجدون الأسود والذئاب والأرانب والإبل وحمر الوحش والخنازير وغيرها من الوحوش ميتةً، وفيها أثر الكُبة (أي الوباء). وبحسب الباحثين، وقفت الدولة المملوكية عاجزةً عن فعل أي شيء لمنع انتشار هذا الوباء، أو معالجة آثاره، خصوصاً أنه عمّ وأثّر في كل البلدان الواقعة تحت حكمها.
ويُعدّ القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي، قرن الطواعين في فلسطين بلا منازع، فقد فتك بأهلها خلاله أحد عشر طاعوناً، ويلاحظ أنها تركزت في المدن الفلسطينية الجنوبية، خصوصاً مدينة غزّة التي نالها النصيب الأعلى من هذه الطواعين، وذلك بسبب موقعها الجغرافي التجاري، فهي البوابة التي تربط آسيا بإفريقيا، ويمرّ بها التجّار والمسافرون بين القارّتين، وتالياً كانت معرّضةً لوصول الطواعين المعدية مع المسافرين الذين يقدمون إليها من مختلف البقاع.
وينطبق ذلك أيضاً على القدس التي فتكت الطواعين كثيراً بسكانها، إذ يفد لزيارة أماكنها المقدسة المسلمون والمسيحيون من مختلف بقاع العالم، ويمكن أن يحملوا معهم الأمراض المعدية.
بيد أن المماليك في هذه الفترة لم يقفوا مكتوفي الأيدي، حيث أنشأوا المشافي المعروفة بـ"المارستان" (مأخوذة من كلمة "بيمارستان" الفارسية بمعنى "مكان المرضى")، لمداواة المرضى ورعايتهم، وأُلحقوا بها غرف الحجر الصحي، وكذلك غرف حجر للمسافرين والحجاج، واهتموا بمدّ قنوات المياه إلى مدينة الخليل والقدس أيام الظاهر بيبرس والناصر قلاوون.
وعمد بعض الحكام والأثرياء إلى إنشاء ما سُمّي بحوانيت أو مغاسل الموتى، لتغسيل الفقراء وتكفينهم، ثم دفنهم وفق الشريعة الإسلامية. ولأن الناس كانت تموت بأعداد كبيرة في فترة الوباء، فإن الجثث كانت تُترك ثلاثة أيام أحياناً على الأرض ولا يُعثَر على من يواريها خوفاً من العدوى.
الطاعون يقضي على جيش بونابرت في فلسطين
خلال العصر العثماني، انتشر الطاعون في بيت المقدس وجوارها مرات عدة، وكان ينتقل إليها من دمشق أو القاهرة أو الأستانة. ويروي بشير بريكات، في كتابه "تاريخ الكوارث في بيت المقدس"، أنه لما انتشر الطاعون في مصر سنة 969هـ/1562م، قصد بعض كبار رجال الدولة إلى تجهيز أولادهم للسفر إلى فلسطين، كما اتجه عدد من اليهود والنصارى إلى جهة القدس والطور، فمنعهم الوالي العثماني من ذلك، ويقال إنه جعل على كل آدمي خرج من مصر هرباً من الطاعون من اليهود والنصارى ديناراً ذهباً، وإلا فلا يأذن له بالسفر.
وبحسب بريكات، تعاظم انتشار الوباء في القاهرة، ورحل هرباً منه خلق كثير، ما أدى إلى انتشاره في فلسطين، خاصةً غزّة والقدس.
وانتشر الطاعون بعد ذلك خلال سنوات عديدة، أبرزها في أثناء الحملة الفرنسية على فلسطين عام 1213هـ/1799م، فعندما هاجم نابليون يافا، قتل ألفين من جنود حاميتها عقب احتلال المدينة، وأمر بإعدام 2،440 جندياً، وقيل 4،100، وذلك برغم استسلامهم. كما أن الفرنسيين لم يدفنوا جثث قتلاهم، ما تسبب في انتشار الطاعون بين قوات الاحتلال الفرنسي في يافا، وارتفع عدد الإصابات بين جنود الحملة خلال حصارهم لميناء عكا، ما ساهم في دفع الجيش إلى الانسحاب من فلسطين، كما يروي بريكات.
وفي أواخر سنة 1226هـ/1812م، انتشر طاعون شديد في الأستانة، وانتقل من خلال "جبة جوخ" أُرسلت كهدية إلى يهودي في عكا، فانتشر الوباء فيها بشكل مروع، ثم زحف إلى يافا وبيت المقدس، واستمر حتى سنة 1229هـ/1814م، وتسبب في موت عدد كبير من اليهود.
محاجر صحية للحُجّاج المسيحيين
ولأن خطر الوباء كان قادماً من أوروبا مع الحجاج المسيحيين إلى القدس، فقد طبّقت السلطت العثمانية نظام الحجر الصحي، أو "الكرنتينا"، بهدف الحيلولة دون انتشار الأمراض المعدية، والطاعون خاصةً. ويشرح بريكات، أن إدارة كل مدينة رئيسة -الساحلية، خاصةً إذا كانت ترسو فيها سفن حجاج المسيحيين، كانت تحبس القادمين إليها في موقع معيّن خارج أسوارها لثلاثة أيام، فإذا مضت هذه الفترة ولم يظهر عليهم أي مرض يُسمح لهم بالدخول، وإلا فلا يؤذن لهم به.
وأقيمت المحاجر الصحية في عهد حملة إبراهيم باشا (1831-1840)، حيث كان يشجع الحجاج والسياح الأجانب على زيارة فلسطين. وبحسب بريكات، أُنشئت الكرنتينا الأولى في بيروت سنة 1834، لاستقبال الركاب وحجزهم فيها، وقد طلب إبراهيم باشا، حاكم الشام في تلك الفترة، من القناصل الأوروبيين التزام رعاياهم الكامل بهذه التعليمات. ونظراً إلى طول المسافة من بيروت إلى القدس، أقيمت كرنتينا في يافا، ثم في ما بعد في القدس خارج السور سنة 1949.
وبعد سقوط الدولة العثمانية، أقامت حكومة الاحتلال البريطاني محجراً صحياً بين مصر وفلسطين، ولم يكن يدخله إلا العرب، وأما اليهود وسائر الأجانب فقد كانوا يروحون ويجيئون أحراراً.
وبرغم تحسن الخدمات الصحية منذ بداية الاحتلال البريطاني، وقعت بعض الإصابات بالطاعون، منها في سنة 1341هـ/ 1922م، عندما أصيب سبعة أشخاص بمرض الطاعون في مدينة يافا، وتمت السيطرة على المرض خلال شهرين.
كما ظهرت إصابات بطاعون البقر عام 1345هـ/ 1926م، وأنشأت بلدية القدس مسلخاً جديداً على طريق رام الله، وضم محجراً صحياً للحيوانات عام 1354هـ/1935م.
الحجاج والجنود ينقلون الكوليرا إلى فلسطين
وكان للكوليرا نصيب من هذه الأوبئة، إذ دخلت فلسطين مراراً عبر عودة الحجاج من مكة التي يختلط فيها الآلاف من مناطق العالم الإسلامي كافة، حسب ما يذكر سليمان أبو ستة، في دراسته "الأوبئة في فلسطين".
في سنة 574هـ/1178م، انحبس المطر في بلاد الشام وفلسطين، ونتيجةً لذلك اشتدّ غلاء الأسعار بشكل كبير جداً، وأكل الناس الميتة، وتبع ذلك وباء عامّ كثُر فيه الموت
في سنة 1902، انتشرت الكوليرا في المدن المكتظة بالسكان، مثل القدس وطبريا ويافا، نتيجة عدم استعمال وسائل العناية الصحية الكافية، كما انتشرت خلال الحرب العالمية الأولى بواسطة الجنود الأتراك، خصوصاً في أثناء المجاعة سنة 1915.
كما هاجمت الملاريا سكان فلسطين بسبب تكاثر الناموس في الأحواض والبرك وقنوات المياه. ولأن الإدارة العثمانية لم تطبّق قواعد إجرائيةً صحيةً لمكافحة هذا المرض، فقد كان جنود الجيش العثماني هم أكثر الضحايا.
وعند دخول الجيش البريطاني إلى فلسطين، أدركت القيادة أهمية الحرب الوقائية الصحية، فاكتشفت دواءً لمعالجة الملاريا مستخرجاً من لحاء شجرة الكينيا، والتي استُوردت من أستراليا وزُرعت في فلسطين منذ سنة 1920، وصُرفت لكل جندي حبّة يومياً، وبذلك قلت إصابات الجنود بشكل هائل مقارنةً بضحايا الجيش العثماني.
وبحسب أبو ستة، لجأ الجيش البريطاني إلى استعمال سلاح الملاريا ضد الجيش العثماني، وذلك بتطويقه ودفعه إلى المناطق المنخفضة في غور الأردن المصابة بهذا المرض، وبقاء الجيش البريطاني في الأماكن الجبلية الجافة، ما يضمن سقوط الجنود العثمانيين قتلى بفعل الملاريا.
ومع تراجع الملاريا بالتدريج بعد الحرب العالمية الأولى، أصيبت فلسطين بوباء الأنفلونزا الإسبانية، الذي حمله الجنود الأمريكيون إلى أوروبا، ومنها إلى فلسطين عن طريق الجيش البريطاني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...