شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
التاريخ الصهيوأمريكي النازي... السادية تعبر المحيط إلى فلسطين

التاريخ الصهيوأمريكي النازي... السادية تعبر المحيط إلى فلسطين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والحريات العامة

الخميس 1 فبراير 202412:28 م

في مدن الضفة الغربية، تتهادى جرافات الدولة الصهيونية، أمام مسؤولي السلطة الفلسطينية، تحرث الشوارع، وتزيل معالم الميادين، نُصْب ياسر عرفات بمدينة طولكرم مثلاً. تجريف الأسفلت إخضاع جماعي مذلّ. رأيت المهانة في عيني رجل عوقب بحلق شعره، تجريف عشوائي أهمل خصلات نافرة بين ممرات تجوبها آلة الحلاقة، فلا تمّ تنظيف الرأس، ولا احتفظ الرجل بكرامته.

في نيسان/أبريل 2003، أعلن الأمريكان غزو العراق عند تمثال صدام حسين، غطوا وجهه بالعلم الأمريكي، ومن أعلى نقطة جذبوا عنقه؛ فانكفأ. لكن الجرافة، التي لا تراعي دلالة صورة عرفات أعلى النُّصْب، نسفت القاعدة؛ فانهار البناء، وسقط عرفات، وسحقت صورته، استكمالاً لإذلاله حيّاً بتكسير مدرج مطار غزة.

من ميراث الذهنية الأمريكية، فكراً وسلوكاً، تشكلت روح الصهيونية، ولا غرابة في اعتراف الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه صهيوني فخري: "ليس شرطاً أن أكون يهودياً لأصير صهيونياً... لو لم توجد إسرائيل لكان على الولايات المتحدة اختراع إسرائيل"

من ميراث الذهنية الأمريكية، فكراً وسلوكاً، تشكلت روح الصهيونية، ولا غرابة في اعتراف الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه صهيوني فخري: "ليس شرطاً أن أكون يهودياً لأصير صهيونياً... لو لم توجد إسرائيل لكان على الولايات المتحدة اختراع إسرائيل"، إسرئيل ذراع أمريكية، وإلى الذراع تسرّبت سموم سادية استحلت حرق الزنوج أحياء حتى الموت، ليس في خناقات الشوارع، ولا في جنون الحروب الأهلية وانفلاتها. كان الحرق عقوبة رسمية، لا يستنكرها العقل السادي. البعض من هذه المخازي ذكره المؤرخ الأمريكي هوارد زِن (1922 ـ 2010) في كتابه "التاريخ الشعبي للولايات المتحدة"، السجل الدامي المسكوت عنه رسمياً، وقد ترجمه الدكتور شعبان مكاوي (1963 ـ 2005).

الجزء الأول من كتابه "التاريخ الشعبي للولايات المتحدة"

للسلوك النازي الأمريكي استثناءات أخلاقية. يحظى هذا السلوك بتأييد كتّاب فاقدي الضمير، مثل جون شتاينبك الذي رافق طياراً أمريكياً في غارة على فيتنام، وشبّه عملية قصف المدنيين بالموسيقى. لكن رالف والدو إمرسون (1803 ـ 1882)، قبل شتاينبك بأكثر من مئة سنة، سجل موقفاً إنسانياً ضاعف محبتي له، وأنا أقدّره منذ قرأت مقولته: "ليس في العالم، في وقت واحد، أكثر من اثني عشر شخصاً يقرأون أفلاطون ويفهمونه، وليس من بين هؤلاء من يستطيع أن يشتري نسخة واحدة من مؤلفاته، ومع ذلك فإن هذه المؤلفات تنحدر من جيل إلى جيل من أجل هذه القلة من القراء، كأن الله يحملها لهم بين يديه".

يمتاز هوارد زِن بأنه لا يتجاهل يقظة هذا الضمير الاستثنائي. في ثلاثينيات القرن التاسع عشر سُجن أوسيولا، الزعيم الشاب من هنود السيمينول، وبيعت زوجته في سوق الرقيق، وطارد الجيش قومه نحو الغرب، وضربتهم الحمى الصفراء، وعبروا الميسيسيبي مكدسين على سفينة متهالكة غاصت في النهر، وغرق 311 هندياً. وفي جورجيا بدأ البيض شن هجمات على هنود الشيروكي، للإسراع بإبعادهم، بعد إجبار أقلية منهم على توقيع معاهدة للخروج، فوجّه رالف والدو إمرسون خطاباً مفتوحاً إلى الرئيس فان بيورين، متسائلاً عن روح العدل والرحمة: "إن ما حدث لجريمة تُحيّر بمغزاها عقولنا، إنها جريمة تحرم هنود الشيروكي، كما تحرمنا نحن أيضاً، من الوطن. إذ كيف نطلق على من قاموا بتدبير هذه المؤامرة، التي من شأنها القضاء على هؤلاء الهنود التعساء، حكومتنا؟ وكيف نسمي الأرض، التي تعشش فيها لعنات فراقهم وموتهم، وطننا؟ يا سيدي! لسوف تهوي بكرسيك الذي تجلس عليه إلى حيث الخزي والعار إذا أمهرت هذه الوسيلة من وسائل الغدر بتوقيعك".

لكن الرئيس فان بيورين أمر الجنرال العام وينفيرد سكوت باستخدام القوة، فألقى على الهنود خطاب تهديد: "أرسلني رئيس الولايات المتحدة على رأس جيش قوي لإجباركم... قواتي تحتل بالفعل مناطق كثيرة من التي عليكم إخلاؤها... وليس أمامكم من سبيل إلى المقاومة أو الهرب". وتحركت القافلة صوب الغرب، ومات في الرحلة أربعة آلاف. وفي كانون الأول/ديسمبر 1838 خطب الرئيس أمام الكونجرس مزهواً "بالانتهاء من الإقصاء الكامل" لهؤلاء. واستمر الْتهام أرض الغير، ورأى البعض في انتزاع ولايتي تكساس وكاليفورنيا وغيرهما من المكسيك "علامة تدخل الذات الإلهية"، لتخليص أرواح الملايين من الخطايا. وقال السيناتور إتش. في. جونسون: "سنكون خونة وجبناء إذا رفضنا العمل على تنفيذ الإرادة الحكيمة للذات الإلهية".

أثناء حرب التوسع طمعاً في أرض المكسيك، سُجن الكاتب الرافض للحرب هنري ديفيد ثورو عام 1846، وزاره رالف والدو إمرسون وسأله: "ماذا تفعل هنا داخل السجن؟"، فأجاب: "بل ماذا تفعل أنت خارج السجن؟". ولم توجّه الكنائس إدانة للحرب، فالكاهن تيودر باركر أحد رعاة الكنائس الاتحادية في بوسطن احتقر الشعب المكسيكي "التعيس في أصوله وتاريخه وصفاته... وعليه أن يفسح الطريق لأبناء الجنس الأبيض كما فعل الهنود".

ويوضح هوارد زِن طبيعة الجيش الأمريكي الذي ضمّ متطوعين أغرتهم الأموال وفرص الصعود الاجتماعي، كما ضمّ الكثير من المهاجرين الجدد الأيرلنديين والألمان، وفرّ البعض، تحت إغراء المال، وانضموا إلى الجيش المكسيكي، وكوّنوا "كتيبة القديس باتريك".

آلة الحرب لم تفرق بين عسكري ومدني، سلبوا المدنيين وقتلوهم، واغتصبوا النساء، وتواصل الفرار من الجيش الأمريكي، وبلغ عدد الهاربين نحو عشرة آلاف جندي نظامي وأربعة آلاف متطوع، وكتب متطوع عن قيام ضابط في التدريب "بشجّ رأس جندي بالسيف". وانتهت الحرب بالاستيلاء على نصف مساحة المكسيك، وتنازلت عن نيومكسيكو وكاليفورنيا مقابل خمسة عشر مليون دولار، وكتبت صحيفة حزب الجمهوريين: "نحن لا نأخذ شيئاً عن طريق الغزو... والحمد لله!".

وكان المتطوعون الأوروبيون أوفر حظاً من الزنوج، في مجتمع طبقي قام فيه البيض، من غير مالكي العبيد، بتشجيع العبيد "على العصيان والتمرد لا تعاطفاً معهم ولكن كراهية في الأثرياء... وسخطاً على الفقر".

في تلك الأجواء المتوترة، كان الدين وسيلة للسيطرة، إضافة إلى "الإجراءات البوليسية الصارمة التي فُرضت لمواجهة البيض الذين تآخوا مع السود"، وقد عوقب رجل أبيض اسمه هيو ديفيز بالجلد؛ "لأنه أهان نفسه... ودنس جسده بنومه إلى جوار زنجي". بدأت العنصرية منذ انتزاعهم من بلادهم، واصطيادهم بوحشية، وشحنهم بعد أن يختبرهم أطباء السفن، وهم عراة تماماً، نساءً ورجالاً، ويختمون بالكيّ بختم حديدي على الصدر، وقاوم البعض، وفضلوا الموت غرقاً بالقفز من الزوارق والسفن، وفي المستعمرات كان بعضهم يقتل سادته. وبحلول عام 1800 بلغوا نحو خمسة عشر مليون إفريقي، هم من بقوا من خمسين مليوناً فقدتهم إفريقيا، إذ مات الكثيرون أثناء الرحلة.

الزنوج أفادوا بفنون التمرد هنوداً لا تنقصهم أسباب التمرد والثورة، وهم يتعرضون للإبادة. قام الإنجليز بقتلهم بالأوبئة، بأغطية "جيء بها من مستشفى الجدري، ويعدُّ هذا جهداً رائداً فيما يسمى الآن بالحرب البيولوجية!". وكانت الكوارث أحياناً تشمل الجميع، ففي مجاعة 1619، اضطر المستوطنون في فرجينيا إلى نبش القبور وأكل الجثث، "وكان الواحد منهم يتربص بالآخر كي يقتله من أجل اتخاذ جثته طعاماً".

وحين تمرّ الكارثة يسترد الرجل الأبيض عنصريته، ففي فرجينيا أُقرّ قانون تمزيق الأوصال، ضمن عقوبات كالجلد والحرق وبتر الأعضاء وتشويهها. وشهدت نيويورك عام 1721 أول تمرد واسع للزنوج الذين يمثلون عشرة في المئة من السكان، وحكم على البعض بالشنق، والتعذيب حتى الموت، كما "حرق أحد المتمردين على نار هادئة لمدة عشر ساعات".

قبل الحرق، اقترن حضور الزنوج بالذل. شهد تاجر للعبيد أنه رأى، أثناء عملية نقلهم عبر المحيط، "نساء حوامل يلدن أطفالهن وهن مقيدات بالسلاسل مع جثث من ماتوا أثناء الرحلة ولم يقم المشرفون السكارى بالتخلص من هذه الجثث". وصل الزنوج بالتزامن مع فقراء أوروبيين راغبين في السفر. سافروا بعقود كخدم، وكانوا سلعة رائجة للتجار وملاحي السفن، ومات الكثيرون منهم خلال السفر إلى بلاد اعتبرتها بريطانيا منفى، ففي سنة 1717 سنّ البرلمان البريطاني قانوناً يجعل ترحيل المجرمين إلى العالم الجديد عقوبة قانونية. وهكذا لم تولد الولايات المتحدة أمة حرة، "بل ولدت في صراع بين حرّ وعبد، سيد وخادم، ومالك ومستأجر، غني وفقير".

الجزء الثاني من كتابه "التاريخ الشعبي للولايات المتحدة"

نظام الرق استهدف القضاء على الأسرة السوداء. يذكر جورج رويك في كتابه "من الغروب إلى الشروق" أن مجتمع العبيد كان "يتصرف كقرابة ممتدة من ألف عام".

وذكر هربرت جاتمان في في كتابه "الأسرة السوداء في الرق والحرية" أن امرأة اُبعدت عن ابنها عشرين سنة، وكتبت إليه: "بي شوق لأن أراك بعد أن تقدم بي العمر"، وأن رجلاً كتب إلى زوجته التي بيعت هي وأطفالها: "أرسلي إليّ ببعض من شعر الأطفال في ورقة منفصلة واكتبي أسماءهم على الورقة".

ويلقي هوارد زِن أضواء على حالات التمرد، سوداء وبيضاء. العبد فريدريك دوجلاس أُرسل إلى بالتيمور للعمل كخادم وعامل في صناعة السفن، فتعلم الكتابة وهرب، وصار صحفياً ومحاضراً، وكتب سيرته "قصة حياة فريدريك دوجلاس".

أما جون براون فهو مناضل أبيض قاد ثورة للعبيد، وواجه حاكم فرجينيا، وطالبه بتسوية قضية الزنوج. وآخر ما كتبه في السجن قبل شنقه: "يملؤني، أنا جون براون، اليقين بأن الجرائم التي ارتكبها هذا البلد المذنب لن يطهرها سوى الدم". وعن إعدام براون، قال رالف والدو إمرسون: "سوف يمنح المشنقة قداسة كقداسة الصليب". ويقول المؤلف إن أبراهام لينكولن عارض العبودية، "لكنه لم يستطع أن يرى السود مساوين للبيض".

قال لينكولن في أحد أحاديثه: "هناك مرتبتان للأعلى والأدنى، وأنا، كأي إنسان آخر، أرى أن تكون المرتبة الأسمى للجنس الأبيض". ووقعت الحرب الأهلية، وفيها قتل 600 ألف شخص من السكان البالغ عددهم 30 مليوناً. وبمرور الوقت، توحشت الرأسمالية، وحوّلت البيض والسود إلى عبيد، وصار المزارعون العاجزون عن دفع الإيجار عمالاً بالمزارع، وهدم الجيش قرى الهنود لمدّ خطوط السكك الحديدية. وبعد انتخابات 1896 الرئاسية، قام الجيش "في ليلة باردة بقتل ثلاثمائة من الهنود كان منهم شيوخ ونساء وأطفال" في داكوتا الجنوبية، "وبذلك أرسي مبدأ أن هذه القارة تنتمي إلى البيض"، مع حرمان الفقراء، إذ يتولى الحرس حماية المزارع، فلا يستطيع رجل أن يقطف لطفل نحيف "برتقالة قد تلقى في القمامة إذا ما انخفض سعرها".

في مدن الضفة الغربية، تتهادى جرافات الدولة الصهيونية، أمام مسؤولي السلطة الفلسطينية، تحرث الشوارع، وتزيل معالم الميادين، نُصْب ياسر عرفات بمدينة طولكرم مثلاً

وظلت مظاهر العنصرية. كتبت ممرضة سوداء عام 1912 أن العاملات الملونات يخضن "معركة رهيبة"، بالمعاناة في العمل، وظلم الرجال السود "الذين من المفترض أن يكونوا حماتنا الطبيعيين... وكأننا لسنا إلا عبيداً وحيوانات". وبلغ عدد السود آنذاك عشرة ملايين زنجي، "وشاهدت الحكومة الأمريكية (في الفترة من عام 1915 إلى عام 1921 وكان رؤساء البلاد تيودور روزفلت ووليم تافت ووودرو ويلسون) الزنوج وهم يحرقون أحياء"، على الرغم من تشكل مجلس أفرو-أمريكي قومي، عام 1903، "من أجل الاحتجاج على حرق السود وعلى السخرة في العمل والتمييز ضد السود". وأشار مؤتمر للحقوق المتساوية، عام 1906، إلى وقوع 260 حالة حرق للسود منذ عام 1885.

وفي الجزء الثاني من كتابه "التاريخ الشعبي للولايات المتحدة"، يستعرض هوارد زِن تعافي بلاده من آثار الأزمة الاقتصادية التي استمرت طوال ثلاثينيات القرن العشرين، وعدم تعافيها من تجاهل الحقوق الإنسانية للزنوج، فعلى الرغم من تعاطف زوجة الرئيس فرانكلين روزفلت مع السود، فإن الرئيس "ونتيجة لخشيته من المساس بالسياسيين الجنوبيين البيض الذين يحتاج إلى دعمهم، لم يوافق روزفلت على قانون يمنع عمليات حرق السود".

كانوا يعاقبون الزنوج الأفراد بالحرق، وكأن الحرق عقيدة تمتد خارج البلاد، وتلتهم النيران قرى ومزارع وغابات ومواطنين، من أجل خدمة الرأسمالية الأمريكية. وقعت الحرائق الكبرى في دول منها الفلبين وفيتنام وكمبوديا، وتلك مأساة أخرى. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image