يعيشُ في مخيم نهر البارد أكثر من 45 ألف لاجىء فلسطيني، حسب إحصائيات الأونروا الأخيرة، وغالبيتهم من قرى الجليل المحتل، من صفد والغابسية والسموعي وعمقا وسعسع والشيخ داوود وصفوري وجاحولا، وغيرهم من قرى الشمال الفلسطيني.
بعد حرب 2007 مع المنظمة الإرهابية التي أخذت المخيم رهينة، وخاضت معارك مع الجيش اللبناني، ظلّ المخيم يعيش تداعيات تلك الحرب، إن كان على الصعيد الإعمار، أو على الصعيد الاقتصادي والثقافي والوطني.
هناك مسافة لا بأس بها بين مخيم نهر البارد وبين الجوار اللبناني، ولكن الأمر لا يخلو من بعض البيوت اللبنانية في المخيم، وبعض العائلات التي أصبح بينها وبين الفلسطينيين مصاهرة، بالإضافة إلى البيوت التي يمتلكها لبنانيون داخل المخيم.
لاجئون ومواطنون
بعض المسؤولين الذين تحدثت معهم يقولون بأن تلك المنازل شكلت مشكلة حقيقية في إعادة إعمارها إبّان الحرب، لأنّها ليست فلسطينية لاجئة، هكذا نظرت وكالة الغوث (الأونروا) إليها، وفي ظل غياب الدولة اللبنانية وتحمّل مسؤوليتها في إعادة إعمار هذه البيوت/ المواطنة، تظلّ الأسئلة مثل الجراح المفتوحةً إلى يومنا هذا.
كيف يعيش اللبناني مع الفلسطيني في المخيم وسط ما يعانيه كل منهما من نكبات ومآس؟ وهل المواطن يشبه اللاجىء في المعاناة على أرضهِ وفي المخيم؟
فكيف يعيش المواطن مع اللاجئ في المخيم في ظلّ ما يعانيه كل منهما من نكبات ومآس؟ وهل المواطن يشبه اللاجىء في المعاناة على أرضهِ وفي المخيم؟
ماذا عن شعور الفلسطيني واللبناني بالبلد؟ وتمسّك الفلسطيني بالعودة إلى وطنه المحتل، وقدسيّة هذا التمسّك يجعله يشعر دوماً بالمؤقت، حتّى لو نال حقوقهُ كاملةً، بعكس شعور اللبناني الذي لا يشعرُ بهذا المؤقت، وهناك اختلافٌ في اللهجة، ما زال بعضُ اللبنانيين الذين يعيشون في المخيم حتّى لو أجادوا اللهجة الفلسطينية، يتكلّمون بلهجتهم الأصلية.
أنا لبنانية وأعيش كفلسطينية
تقولُ سارة الحسن، لبنانية الجنسية (24 عاماً) وهي من سكان مخيم نهر البارد: "أنا بنت لبنانية الجنسية وأعيش في المخيم، وجدت الكثير من التحديات كون جنسيتي لبنانية وليست فلسطينية، لكنّني وبكل صراحة أعتبر نفسي فلسطينية، لأنّني ولدت في المخيم وعشت مع الفلسطينيين، ولم أعش مع اللبنانيين، وحتّى أشارك هنا بكلّ الأنشطة والمظاهرات التي تخرج على الشارع العام دعماً لغزة".
وتضيف في حديثها لرصيف22: "أشعرُ أنّني منهم ولا أختلف عنهم، سوى أنّني أحمل الهوية اللبنانية فقط، وبعد أن أنهيت دراستي في المدرسة، انتسبت إلى مركز سبلين التابع للأونروا، ففكروا أني فلسطينية لأنّني أتكلّم باللهجة الفلسطينية، وحين طلبوا منّي الهوية وعرفوا أنّني لبنانية رفضوني، مع أنّ معدلي السنوي جيّد جدّاً، وقالوا لي: الفلسطينيون أولى بالتعليم، وجلست في البيت لا أفعل شيئاً، فانتسبت لمركز خاص وبدأت التدريس فيه، ودولتنا غائبة تماماً عنّا، مع أنّنا نعيش مع لاجئين كمواطنين في مخيمهم، فأنا أسأل الدولة: هل نحن لاجئون أم مواطنون؟ ما عدتُ أعرف".
تقولُ سارة وهي لبنانية من سكان المخيم إنها وجدت الكثير من التحديات في كونها ليست فلسطينية، لكنّها رغم هذا تعتبر نفسها فلسطينية، لأنّها من مواليد المخيم وعاشت مع الفلسطينيين، وهي اليوم تشارك في كلّ الأنشطة والمظاهرات التي تخرج دعماً لغزة
بلال المصري لبناني الجنسية ومتزوج من فلسطينية 53 عاماً، يتفق مع ما قالتهُ سارة الحسن، يقول لرصيف22 بأنّهُ يعيش في المخيم كأنّهُ فلسطيني تماماً، بحكم أن زوجتهُ الفلسطينية، ويقف مع القضية الفلسطينية بكل حيثياتها، يشارك ويساعد في تنظيم الأنشطة الثقافية والوطنية في المخيم، ويعتبرها جزءاً من النضال حتى التحرير، وأصبح أصدقاؤه جميعاً فلسطينيين، وبرغم من لهجته اللبنانية، فهو لم يشعر أبداً بالإختلاف.
يقول: "باختصار لأنّنا عرب، وليس لأنّنا لبنانيون وفلسطينيون، وليس لأنّني أقيمُ منذُ زمنٍ في المخيّم، أنا أعيش كلاجىءٍ وكمواطنٍ وكإبن قضية كبيرة هي القضية الفلسطينية".
وَيختلف وضعه عن سارة، ويؤكّد بأنّ أولادهُ حَصلوا على كَرت الإعاشة كَلاجئين ويستطيعون التعلم بحكم أنّ أمّهم فلسطينية، وتعلموا في مدارس الأونروا ويعيشون كفلسطينيين في المخيم، وهو يعيش معهم، ويقول أيضاً إنه حصل على كرت الإعاشة الذي يشملُ الطبابة والتعليم.
"شو بتفرق يعني"؟
كلاهما -سارة وبلال- يعيشان في انسجامٍ حقيقي مع اللاجئين في مخيم نهر البارد، لكنّ السؤال هنا: كيف يرى ابن المخيم سارة وبلال كلبنانيين يسكنان المخيم؟ يعني كيف تتعامل مع جارك اللبناني في المخيم؟ كلاجىء مثلك أم كمواطن غريب؟
أمّا هدى الحاج (25 عاماً) فهي فلسطينية الجنسية من أم لبنانية، تقول لرصيف22: "أمي لبنانية وتعيش معنا في المخيم منذ أكثر من 15 سنة، وهي تتفاعل بشكلٍ كبيرٍ مع كل الأحداث في المخيم، وتقول حين ننتصر سأعودُ معكم إلى فلسطين، خذوني معكم، لقد أصبحت أمي تتقن الأكلات الفلسطينية التراثية مثل: الملوخية، والمجدرة، والمسخن، وأنا حين أتكلم باللهجة اللبنانية مثل لهجتها تقول لي: من فضلك تكلمي باللهجة الفلسطينية، (شو بتفرق يعني).
يختلف وضع بلال عن سارة لكونه متزوج من فلسطينية، لذا تعلم أولاده في مدارس الأونروا بحكم أنه حاصل على كرت الإعاشة الذي يشمل الطبابة والتعليم.
أم هدى من قرية بحنين المجاورة للمخيم، وعاشت كل طفولتها قبل الزواج في المخيم، لذلك تعرف كل شيء عن المخيم، وقد تفاعلت بشكل كبير مع طوفان الأقصى 7 أكتوبر.
تقول هدى: "أمي تكرر دائماً بأننا يجب أن نقاتل جميعاً كي نعود إلى فلسطين، وأنا أيضاً، لا أعيش الاختلاف كوني من أم لبنانية، بل أشعر بأنّني فلسطينية الأبوين، لأنّها علمتني عبارة مهمة، دائماً كانت تقول (نحن شعب واحد)".
ليس ثمة اختلاف كبير بين المواطن واللاجىء في بلدٍ كثرت فيه التناقضات السياسية والاجتماعية والجغرافية، والعادات والتقاليد، لكنّ سارة وبلال وهدى أكدوا أنّ القضية واحدة والشعب واحد، لا يتجزأ، رغم بعض التحديات والاختلافات في الهوية، وفي لون الهوية، وشكل الهوية، لكن الوجوه تبقى تحدّق نحو فلسطين من قلب مخيم نهر البارد، ولو غيّرت هذه الحروب الحجر والبشر، لكنّها لن تغيّر قيمة الإنسان ومفهوم إنسانيته النبيلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين