نسير على الجانب الأعلى من مخيم نهر البارد، مقابل الأوتوستراد العام الذي يربط بين مدينة طرابلس وبلدية حلبا وصولاً إلى الحدود السورية، بعد الشارع الطويل إلى جوار المخيم، في بلدة بحنين جارة المخيم والملتصقة تماماً به، نمشي كل يوم إلى هناك، بالقرب من القلعة القديمة التي تسمى قلعة "حكمون اليهودي".
كتب عنها بعض الرحالة
كانت القلعة على شكل منزل من قبل زمن الحكم العثماني للشمال اللبناني، وهي مقابلة تماماً لمخيم نهر البارد، ولا تبعد إلا بضع دقائق مشياً على الأقدام. وكما ذكرت المصادر الموثقة عن القلعة، كانوا يطلقون عليها أيضاً برج حكمون اليهودي.
بعد الشارع الطويل إلى جوار نهر البارد، في بلدة بحنين جارة المخيم والملتصقة تماماً به، نمشي كل يوم إلى هناك، بالقرب من القلعة القديمة التي تسمى قلعة "حكمون اليهودي" التي كان يروي عنها كبار السن قصصاً قديمة، حين كان المخيم لا يزال خياماً
وقد ورد عنها في أدب الرحلات، مما ذكره القس تومسون في مذكراته، يقول:
"ثمة أكمة لافتة بآثارها القديمة للغاية على القمة. يسمونها برج حكمون اليهودي Burj Hakmone el-Yehûdy. لا أستطيع التحقق الآن من هوية حكمون اليهودي هذا. ولكن الآثار تبدو على الأرجح فينيقية أو يهودية، ومن بين المؤشرات التي تساعد في توضيح الأمر أن المملكة اليهودية تمددت في زمن قديم إلى هذا السهل وإلى قسم على الأقل من جبال النصيرية. بالقرب من هذا التل قبور تعود بشكلها إلى أزمنة قديمة جداً؛ وشمالي النهر، فوق الخان، توجد بقايا مدينة شاسعة. انتزعت حجارتها الكبيرة بمجملها ربما لبناء مدينة طرابلس وقلاعها. فالبقايا والفخاريات والآبار وتقطيع الصخور تشير إلى وجود هذه المدينة الكبيرة. ولعل اسمها – كل ما له علاقة بالاسم- مدفون في ظلمة العصور القديمة جداً".
وقد قيل أن بعض القيادات في الجيش الإسرائيلي وزعوا خريطة دينية على الجنود أثناء غزو لبنان عام 1982، كان من بينها قبر النبي يوشع الذي لا يلامس جبل تربل ولا يبعد كثيراً عن قلعة حكمون، التي كانت بمثابة نقطة على الخريطة تؤكد أطماع الصهاينة بدولة كبرى لا تحتل فلسطين فقط بل كل من حولها.
كنت أسمع من جدي حين نخرج لنتمشى جوار المخيم في منطقة بحنين، فيقول لنا: "هل وصلتم إلى قلعة حكمون اليهودي؟ فكنت أحفظ هذا الاسم دون أن أنتبه أو أبحث مَن يكون.
العجوز التي تسكن القلعة
دائماً ما خطر في بالي أنه يهودي ويحكم هذه المنطقة، لم أكن أسأل عنه كثيراً، ولكن بعد فترة من الزمن صرت كلما مررت من هناك، انتابني فضول أن أدخل إلى القلعة وأسأل عنها، وخصوصاً أنها أصبحت بين البيوت المسكونة.
قيل إن بعض القيادات في الجيش الإسرائيلي وزعوا خريطة دينية على الجنود أثناء غزو لبنان عام 1982، كان من بينها قبر النبي يوشع الذي لا يبعد كثيراً عن قلعة حكمون.
ذهبت إلى هناك، فخرجت امرأة عجوز تسكن جانب القلعة، وسألتني: ماذا تريد؟ قلت لها: "أريد أن أعرف عن قلعة حكمون اليهودي، لأن جدي كان يحدثني عنها كثيراً. عندما كان يذهب للصيد قديماً كان يختبئ فيها من الشتاء". قالت: من أين أنت؟ قلت لها: فلسطيني من مخيم نهر البارد، فأدركت ما أريد، حينها قالت: تفضل، المدخل من هناك. فدخلت، وشاهدت الحجر القديم في القلعة من الداخل، ورأيت التاريخ، وأخذت الكثير من الصور.
يقول عبد الفتاح غازي (53 عاماً) من مخيم نهر البارد لرصيف22 إنه حين كان صغيراً كان يذهب كثيراً إلى القلعة ليجلس ويتمشى هناك، وكان الأهل يقولون له كلما ذهب إلى القلعة: هل زرت قلعة حكمون اليهودي اليوم؟ ويؤكد أنهم كانوا يقولون عنها برج حكمون اليهودي، لأنها كانت على شكل برج كبير، وفي هذه الأيام وعلى مر الزمن أصبحت صغيرة من تهافت الحجارة عنها، واكتظت البيوت من حولها.
وفي سنة 2007 حين وقعت حرب مخيم نهر البارد، وبعد انتهاء الحرب، بدأت مراحل الإعمار، ثم تم اكتشاف مدينة أورتوزيا الرومانية تحت مخيم نهر البارد، مما أعاق عملية الإعمار في ذلك الوقت. ربما تكون أورتوزيا جزءاً من هذا التمدد الآثاري القديم الممتد وصولاً إلى القلعة.
هل بالفعل هناك نفق عظيم تحت القلعة؟
أما ابن مخيم نهر البارد الحاج أبو صالح موعد (67 عاماً) فيقول: "هذه القلعة كانت معروفة ببنائها اليهودي، وكنا نقصدها كثيراً، ونحن في سن الشباب، فنجلس فوقها لأن مكانها عالٍ جداً ويطل على المخيم. كان يسمى أيضاً البرج اليهودي، وكنت أعرف أيضاً أن هناك نفقاً تحت الأرض يمتد من القلعة إلى نهر البارد. وهذا النفق طويل جداً، وفيه آثار قديمة لهم، وهو يربط بلدة بحنين من القلعة إلى قلب المخيم، امتداداً حتى جسر النهر الحديدي القديم.
في العام 2007 حين وقعت حرب مخيم نهر البارد، وبعد انتهاء الحرب، بدأت مراحل الإعمار، وتم اكتشاف مدينة أورتوزيا الرومانية تحت مخيم نهر البارد، مما أعاق عملية الإعمار في ذلك الوقت. ربما تكون أورتوزيا جزءاً من هذا التمدد الآثاري القديم الممتد وصولاً إلى القلعة
ويضيف في حديثه لرصيف22": "ربما يكون له علاقة بأورتوزيا التي ظهرت مؤخراً. والجيل الأول في مخيم نهر البارد يعرفها أكثر منا، لأن وجودها تاريخي، ولكننا كنا نعرف أنها من آثار اليهود في شمال لبنان، يعني جانب مخيمنا. فكنت أقصدها للصيد مع أصدقائي لأنها تقع في مكان استراتيجي وسياحي رحب على التلة، ولكن العمران اليوم غطى عليها من كل النواحي، وبقيت القلعة إلى يومنا هذا".
يقول فتحي ربيع (68 عاماً) من مخيم نهر البارد لرصيف22 بأنه حين كان شاباً درس في القلعة وحولها، وحين لجأ أهله إلى المخيم، وجدوا ما اسماه "القلعة اليهودية" حين كان المخيم لا يزال خياماً عام 1948. وبحسب القصص المتواترة فحكمون هذا هو لبناني يهودي كان يعيش في القلعة في زمن الحكم العثماني في شمال لبنان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه