شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"إما إنت ويايه أو بعثي وإرهابي"... كيف يتم اختيار رئيس البرلمان في العراق؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحريات العامة

الأربعاء 17 يناير 202405:19 م

عاد ضجيج الخصومات ليرهق كاهل الحياة السياسية في العراق، إذ يرفض المتخاصمون الركون إلى الهدوء أو محاولات التعاون، برغم مرور أكثر من عامين على حسم نتائج الانتخابات البرلمانية، والبت في المزاعم التي رافقتها بتزوير نتائجها أو ما تلاها عند تشكيل الحكومة الحالية.

هذه المرة، شبّت نيران الخصومة بين حزب "تقدّم"، الذي يتزعم أكبر كتلة سُنّية في البرلمان، وبين قوى الإطار التنسيقي الشيعي من جهة أخرى. وبرغم نجاح قوى الإطار التنسيقي في استبعاد محمد الحلبوسي، من رئاسة البرلمان والحياة النيابية، بقرار من المحكمة الاتحادية العليا، في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إلا أنها عادت إلى معارضة مرشحه للمنصب.

بديل الحلبوسي

لم يكن استبعاد الحلبوسي مستغرباً في الوسط السياسي العراقي، فتحالفه مع التيار الصدري جعله في مرمى نيران خصوم الصدر في الإطار التنسيقي المقرّب من طهران، والذي يُصرّ الآن على استبعاد مرشح الحلبوسي لرئاسة البرلمان.

وكان حزب "تقدّم"، قد أعلن في 15 كانون الثاني/ يناير الحالي، عن ترشيح النائب شعلان الكريم، بدلاً من الحلبوسي لمنصب رئاسة البرلمان.

وشعلان الكريم، شيخ عشيرة البو عيسى في العراق، وُلد عام 1967 في ناحية دجلة التابعة لقضاء سامراء في محافظة صلاح الدين، وعمل مديراً لناحية دجلة ثم قائمقام قضاء سامراء بالوكالة عام 2003، وحصل على مقعده البرلماني الأول عام 2010، ضمن ائتلاف "وحدة العراق"، عن تجمّع الميثاق العراقي وزعيمه رئيس ديوان الوقف السنّي، أحمد عبد الغفور السامرائي، وأُعيد انتخابه في عام 2014، ضمن ائتلاف القائمة الوطنية، بزعامة إياد علاوي، كما فاز في الانتخابات الأخيرة، ضمن حزب "تقدم" الوطني، الذي يرأسه الحلبوسي.

لم يكن اعتراض الإطار التنسيقي على شعلان الكريم جديداً، فقادة الإطار يعتقدون أنه ستكون وكيلاً للحلبوسي، وذراعه داخل قبة مجلس النواب، نظراً إلى قربه من رئيس حزبه وقيادة فرع "تقدم" في محافظة صلاح الدين. ليس هذا فحسب، بل يُعتقد أن خلافات الإطار التنسيقي مع الكريم ترجع إلى معارضته السابقة لسياسة نوري المالكي، واتهامه بالتسبب في سقوط المحافظات السنّية بيد تنظيم داعش.

وبناءً على ذلك، حاولوا إبعاده، منذ ترشحه لانتخابات مجلس النواب الأخيرة، ونشروا وقتها مقطع فيديو يوثق مشاركته في قيادة التظاهرات التي اجتاحت المدن السنّية بين عامي 2013 و2014، وعدّوه مؤيداً لتنظيمَي القاعدة وداعش.

بعد تأجيل ومماطلة داما أكثر من شهرين، عقد البرلمان مساء 13 كانون الثاني/ يناير الحالي، جلسةً لاختيار رئيسه الجديد، تنافس فيها 5 مرشحين على المنصب. فوز مرشح الحلبوسي بغالبية الأصوات، كان كفيلاً بإثارة الموقف!

ردّ الكريم على هذه الاتهامات في بيان نشره على صفحته الرسمية في فيسبوك وقتها، قال فيه: "نرى بعض الصفحات المدفوعة من قبل أجندات سياسية ضعيفة النفس، قامت بتلفيق التُهم بحقنا. قد نسوا أننا قد نزفنا شباباً ولم تطب جراحنا على فراقهم، وهم أبناؤنا في حشد مكيشيفة، وقد قاتلنا العصابات الإرهابية جنباً إلى جنب مع أبنائنا في الحشد البطل، وما تعرضنا له من خراب ودمار على يد داعش، ونحن نعلم أن هذه الهجمات لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، وهذا لن يُثنينا عن خدمة أهلنا في صلاح الدين".

وقاد الكريم، عشيرته، ضمن الحشد العشائري في مواجهة تنظيم الدولة في أثناء احتلالها محافظة صلاح الدين، وأُعيد ترويج المقطع في الأزمة الحالية، وفبركته عبر إضافة أناشيد تمجّد تنظيم القاعدة، مع نشر فيديو آخر يرجع إلى عام 2014، يُمجّد فيه الرئيس الراحل صدام حسين.

وكانت محكمة التمييز الاتحادية، قد أفضت إلى براءة الكريم، في عام 2014، في قرارها الذي يحمل الرقم 140 في 11 آذار/ مارس عام 2014، ولكن ذلك لم يشفع له، وأعيد رفع القضية ضده من قبل النائب المقرّب من قوى الإطار التنسيقي، يوسف الكلابي، وآخرين، بوصفه مؤيداً لحزب البعث المحظور.

والغريب أن محمود المشهداني، وهو البديل المفضّل لدى الإطار، سبق أن مجّد صدام حسين بدوره، ولكن تم "طم السالفة" (الحكاية)، فالإطار لا يستخدم مثل هذه الأوراق إلا بعد اشتداد خلافاته مع الشخصية المستهدفة، ويطبّق المثل المعروف في العراق: "إما تكون ويايه (معي)، أو إنت لص أو إرهابي أو بعثي"، وهو الاتهام المعهود لدى المتخاصمين السياسيين.

وعن ذلك يقول المحامي علي الموسوي، إن إقرار المحكمة قابل للتغيير في حال إبراز وثائق جديدة تدين المتّهم، وتؤدي إلى إعادة فتح القضية والحكم على المتهم بالسجن لمدة 7 سنوات، إذا ثبت تمجيده أو تعاطيه مع النظام السابق أو رموزه.

وردّاً على هذه الدعوة، رفع حزب "تقدّم" وحلفاؤه، دعوى قضائيةً ضد النائب الأول، وعضو الإطار التنسيقي، محسن المندلاوي، اتهمه فيها بمخالفه الدستور والنظام الداخلي البرلماني في أثناء جلسة اختيار رئيس البرلمان.

مخالفات دستورية

بعد تأجيل ومماطلة داما أكثر من شهرين، عقد البرلمان مساء 13 كانون الثاني/ يناير الحالي، جلسةً لاختيار رئيسه الجديد، تنافس فيها 5 مرشحين على المنصب، وحصل النائب طلال الزوبعي على صوت واحد فقط، فيما نال عامر عبد الجبار، 6 أصوات، وحصد رئيس البرلمان السابق، والمقرب من قوى الإطار التنسيقي، محمود المشهداني، 48 صوتاً، فيما وصل سالم العيساوي إلى 97 صوتاً، واكتسح مرشح الحلبوسي قائمة المرشحين بحصوله على 152 صوتاً.

فوز مرشح الحلبوسي بغالبية الأصوات، كان كفيلاً بإثارة الموقف، خاصةً أن الإطار التنسيقي أمل فوز العيساوي أو المشهداني المقرَّبين منه، وبغض النظر عن ذلك فقد أدرك قادة الإطار احتمال فقدان سيطرتهم على رئاسة البرلمان، ودفعا برئيس الجلسة وعضو الإطار التنسيقي، محسن المندلاوي، إلى الدعوة للتصويت على قانون هيئة رئاسة البرلمان.

زجّ المندلاوي لهذا القانون كان كفيلاً بتبيان مدى استقتال الإطار التنسيقي على المقعد، بحسب الباحث السياسي عثمان الموصلي، خاصةً أن التعديل الأخير تم بمعية الحلبوسي.

وكان الحلبوسي قد أعلن بطلان مصطلح هيئة الرئاسة، بعد خلافه مع نائبه الأول وعضو التيار الصدري المستقيل حاكم الزاملي، حول صلاحيات رئيس البرلمان، وأًصرّ الزاملي وقتها على مشاركة نائبي رئيس البرلمان في اتخاذ القرارات عبر مسمى هيئة الرئاسة. ولكن الحلبوسي رفض ذلك، وأكد وقتها على حصر صلاحيات اتخاذ القرارات بيد رئيس البرلمان عند وجوده على رأس عمله، مستنداً إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 87 لعام 2010، ونص على أنه "لدى التدقيق والمداولة وجد أن دستور العراق لم يشكل في أحكامه كافة، هيئةً تُدعى هيئة الرئاسة، وإنما أورد في مواده وجود رئيس لمجلس النواب ونائب أول ونائب ثانٍ".

وبحسب توضيح الموصلي لرصيف22، فإن الإطار التنسيقي يرغب عبر إعادة هذه التسمية، في تحييد الرئيس الجديد وتقييد قراراته في حال عدم نجاح مفاوضاته مع الكتل السنّية أو خروج التصويت السرّي من بين أيديه.

لم يكن طرح هذا التعديل على التصويت، المخالفة الوحيدة، إذ يمنع الدستور رفع الجلسة حتى انتخاب رئيس البرلمان، وفقاً للمادة 55، التي تنص على أن "ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيساً، ثم نائباً أولاً وثانياً، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس"، ولكن المندلاوي رفعها بالفعل، وتغاضى عن منح المنصب لشعلان الكريم بعد حصوله على غالبية الأصوات.

يقول مصدر سياسي داخل البرلمان، إن المندلاوي التقى بالفعل قيادات سياسيةً في الإطار التنسيقي بعد مغادرته قاعة مجلس النواب، في أثناء الأزمة، وعاد بعدها إلى داخل القاعة معلناً تأجيل الجلسة.

ويؤكد هذا وجود رغبة سياسية في مخالفة القانون من أجل استكمال التفاوض بين الأطراف واختيار مرشحين أكثر قبولاً لدى الإطار التنسيقي.

"قوى الإطار التنسيقي تستخدم أوراقاً من شأنها تطويع أي معارض لها، سواء عبر ابتزازه بتهم الفساد أو فضحه عبر اتهامات أخرى. الحلبوسي واحد من ضحايا هذه الأوراق، وقد تمكّن الإطار من عزله باستخدام ورقة الفساد والتزوير، بعد معارضته للكثير من مشاريعه. وفي الوقت ذاته، يحاول الإطار التنسيقي تجنّب تكرار سيناريو الحلبوسي"

ويؤكد في حديثه إلى رصيف22، أن هذه السلوكيات ليست جديدةً بل سبق اعتمادها مرات سابقةً في أثناء انتخاب أعضاء اللجان البرلمانية، وتمرير القوانين، ويعمد المتخاصمون إلى إثارة الجدل من أجل إطالة مدة التفاوض والوصول إلى تفاهمات ترضي الكتلة الأكبر أو الخصم الأكثر قوةً.

لماذا الصراع على عرش البرلمان؟

يبدي الإطار التنسيقي اعتراضه على مرشح الحلبوسي، ليس بسبب قرب الكريم منه، ولكنه يريد أيضاً أن يفرض سيطرته على المشهد ومنع جموح رئيس البرلمان الجديد.

ويقول الباحث السياسي عثمان الموصلي، إن قوى الإطار التنسيقي تستخدم أوراقاً من شأنها تطويع أي معارض لها، سواء عبر ابتزازه بتهم الفساد أو فضحه عبر اتهامات أخرى، وإن الحلبوسي واحد من ضحايا هذه الأوراق، وقد تمكّن الإطار من عزله باستخدام ورقة الفساد والتزوير، بعد معارضته للكثير من مشاريعه. وفي الوقت ذاته، يحاول الإطار التنسيقي تجنّب تكرار سيناريو الحلبوسي.

ويضيف الموصلي في تصريحه لرصيف22، أن هذه السلوكيات لا تنبع من أهمية منصب رئيس البرلمان وقدرته على اتخاذ القرارات فحسب، ولكن من كونه قادراً على منع تمريرها وتعطيل الكثير من المشاريع التي ترغب القوى في إقرارها، بالإضافة إلى قدرته على التواصل مع القوى الدولية، والاستفادة مادياً من استثماراتها عبر تمرير مشاريعها في البرلمان، أو تسهيل دخولها إلى السوق العراقية، وتالياً يعتقد أن رغبة الإطار في السيطرة على هذا المنصب، تنبع من رغبته في الاستفادة المادية في ظل الأزمة الاقتصادية الحاصلة في العراق.

من جانب آخر، فإن رئيس البرلمان قادر على معارضة الحكومة وتعطيل عملها، وهو ما يزيد من رغبة بعض قوى الإطار التنسيقي في السيطرة عليه، خاصةً في ظل الصراع الحاصل داخل قوى الإطار التنسيقي والحكومة من جهة أخرى، إذ يرغب المالكي مثلاً في فرض سيطرته على الحكومة وإمكانية التدخل في عملها عبر البرلمان بعد فشله في الوصول إلى ذلك بالوسائل الأخرى، كما يريد المقرّبون من السوداني تعزيز وجود السوداني أمام منافسيه والحفاظ على استقرار حكومته.

توافق خلف الكواليس

تعوّد متابعو المشهد السياسي العراقي على أخبار الأزمات قبيل كل عملية انتخاب، ولعل وصف هذه الأزمات بالعرجاء هو الأقرب إلى الواقع، فهي لا تجد طريقاً إلى الحل إلا بعد ترتيب أوراقها بين المتخاصمين.

تعوّد متابعو المشهد السياسي العراقي على أخبار الأزمات قبيل كل عملية انتخاب، ولعل وصف هذه الأزمات بالعرجاء هو الأقرب إلى الواقع، فهي لا تجد طريقاً إلى الحل إلا بعد ترتيب أوراقها بين المتخاصمين

بحسب القراءة الحالية، فبرغم اعتراض الإطار التنسيقي على مرشح الحلبوسي، إلا أن المفاوضات لا تزال مستمرةً بينهما خلف الكواليس.

ويقول الباحث السياسي عامر السداوي، إن بعض نواب الإطار التنسيقي صوّتوا بالفعل لصالح شعلان الكريم، وهو أمر قد يعدّه البعض تمرداً منهم على قيادتهم السياسية، ولكنه يرجع في الحقيقة إلى رغبة منهم في إثارة الفوضى وإطالة مدة التفاوض والحصول على فائدة أو ضمانات الطاعة من المرشحين السنّة.

ويؤكد هذه المزاعم مصدر قيادي في حزب "تقدّم"، فيقول: برغم معاداة الإطار للحلبوسي، إلا أن قادته أبدوا انفتاحهم على طرحه مرشحين آخرين بدلاً من شعلان الكريم، إذ يشعرون بالحذر منه بسبب طبيعته العنادية وعدم القدرة على التنبؤ بخطواته.

ولكن الحلبوسي بحسب تأكيد المصدر لرصيف22، لا يزال مصرّاً على مرشحه، ليس بسبب قربه منه أو تفضيله إياه، ولكن لتدشين مناورات جديدة تفيده شخصياً وسياسياً، وبذلك سيتحتم على الإطار تقديم تنازلات أخرى له بخصوص القضايا المرفوعة ضده في المحكمة الاتحادية، وضمان عدم الاستمرار في إقصاء المقربين منه، من مناصبهم الحكومية أو السياسية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

شكل حياتنا اليومية سيتغيّر، وتفاصيل ما نعيشه كل يوم ستختلف، لو كنّا لا نساوم على قضايا الحريات. "ثقافة المساومة" هذه هي ما يساعد الحكام على حرماننا من حريات وحقوق كثيرة، ولذلك نرفضها، ونكرّس يومياً جهوداً للتعبير عن رفضنا لها، والدعوة إلى التكاتف لانتزاع ما لنا من قبضة المتسلّطين. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image