شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
جدل المادة 57… قلق من تداعيات تعديل قانون حضانة الأطفال في العراق

جدل المادة 57… قلق من تداعيات تعديل قانون حضانة الأطفال في العراق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء نحن والطفولة

الخميس 18 يوليو 202411:24 ص

mesh al hamesh

"كيف لي أن أعرف في حال مرض ابني، أو جاع، أو برد؟ لا يزال طفلي الصغير يتشبث بشعري حتى ينام، فهو يخشى أن يبتعد عني، ويُجبَر على العيش مع والده، كما حصل مع أخيه"؛ هكذا تتحدث نجلاء حسين (31 عاماً)، من محافظة كربلاء في وسط العراق، عن مخاوفها من محاولات برلمانيين وأحزاب إسلامية متشددة تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ والموضوع سنة 1959، والتي تنظم أحكام حضانة الطفل بعد انفصال الزوجين، لا سيما في ما يتعلق بمدى مراعاة التعديلات المطروحة، الحقوق الإنجابية للمرأة وحقوق الطفل الصحية والنفسية.

ينصّ التعديل الجديد للمادة، على أن حضانة الطفل تُسند إلى الأب بشكل تلقائي بمجرد بلوغ الطفل سنّ السابعة، على خلاف المادة الحالية النافذة التي تحتفظ فيها الأم بالحضانة المطلقة. هنا، تبرز تساؤلات عدة حول تداعيات هذا التعديل على حقوق المرأة والطفل.

تقول نجلاء، وهي أمّ لطفلين أحدهما في السابعة والآخر في العاشرة، لرصيف22: "بعد خلافات بيني وبين زوجي، هجرنا ورحل عن المنزل بشكل نهائي. رفض تطليقي وظل يساومني على حضانة الأطفال، لكنني رفضت أن أتنازل عن حضانتهما. وبحكم عمله في السلك العسكري، وغيابه لأسابيع عدة عن المنزل، أتساءل كيف سيتمكن من رعاية طفلين في حال حصوله على حق الحضانة وفق التعديل الجديد؟".

القانون النافذ والتعديلات المقترحة

تنص المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية النافذ، على أن "الأم أحقّ بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية، وبعد الفرقة، ما لم يتضرر المحضون من ذلك". ويشترط القانون أن "تكون الحاضنة بالغةً عاقلةً أمينةً وقادرةً على تربية المحضون وصيانته، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، وتقرر المحكمة في هذه الحالة أحقية الأم أو الأب في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون".

كما تنص فقرات المادة المذكورة، على أنه "إذا أتمّ المحضون الخامسة عشرة من عمره، يكون له حق الاختيار في الإقامة مع مَن يشاء من أبويه أو أحد أقاربه إلى حين إكماله الثامنة عشرة من عمره إذا آنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار".

أما التعديل المنظور، فيقترح أن تكون الأم المطلّقة أحق بحضانة الولد حتى يُتمّ السابعة، ويشترط عدم زواجها مرةً أخرى، وإلا يسقط عنها حق الحضانة، لكنه لا يشترط في الأب عدم الزواج لنيل حضانة الأبناء. كما يعدّ التعديل الجدّ من ناحية الأب أحق بالحضانة من الأم في حال توفي الأب، أو انتفت في الأخير شروط الحضانة.

ابتزاز وتهديد

لا يحق للمرأة أن تطالب بتفريقها قضائياً عن زوجها عند هجره إياها إلا بعد مرور عامين كاملين على ذلك وفق القانون العراقي. لذا، اضطرت نجلاء إلى الانتظار عامَين حتى ترفع دعوى تفريق، وما أن علم زوجها بالأمر حتى أخذ منها ابنها البكر عنوةً، كما تقول.

"كان يبكي، وكان متشبّثاً بحضني حتى آخر لحظة"؛ هكذا تتذكر نجلاء لحظة سحب طليقها، والذي كان لا يزال زوجها حينها، ابنها من بين يديها عنوةً.

بعد مرور أربع سنوات قضتها بين أروقة المحاكم، حصلت نجلاء أخيراً على قرار التفريق بعد أن تنازلت عن حقوقها الزوجية كاملةً.

"أخبرني المحامي الخاص بي أنه في حال تمّ التعديل، فسأُحرَم من حضانة ابني الثاني، وسأُمنح مدةً لا تزيد عن تسع ساعات أسبوعياً فقط تُسمّى بـ'حق المشاهدة'، أراه فيها في المحكمة. كما أنّني لا أفكر في الزواج مطلقاً، فهذا يعني حرماني من أطفالي بشكل نهائي"، تقول نجلاء، وتضيف: "كوني أعمل ناشطةً في مجال حقوق الإنسان، يقوم زوجي بتحريض أولادي وأقربائي ضدّي بقوله إني امرأة عاملة تخالط رجالاً، وإني بلا شرف".

تعرضت نجلاء للابتزاز والتهديد في مراكز الشرطة، عندما قامت بالتبليغ عن زوجها بسبب تحريضه ضدّها على منصات التواصل الاجتماعي من خلال استخدام صورها التي تُظهر مشاركتها في احتجاجات تشرين عام 2019، قائلاً إنها "تهدد النسيج المجتمعي بأفكارها".

تنص المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية النافذ، على أن "الأم أحقّ بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية، وبعد الفرقة، ما لم يتضرر المحضون من ذلك". ويشترط القانون أن "تكون الحاضنة بالغةً عاقلةً أمينةً وقادرةً على تربية المحضون وصيانته، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، وتقرر المحكمة في هذه الحالة أحقية الأم أو الأب في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون". أما التعديل المنظور، فيقترح أن تكون الأم المطلّقة أحق بحضانة الولد حتى يُتمّ السابعة، ويشترط عدم زواجها مرةً أخرى، وإلا يسقط عنها حق الحضانة، لكنه لا يشترط في الأب عدم الزواج لنيل حضانة الأبناء. كما يعدّ التعديل الجدّ من ناحية الأب أحق بالحضانة من الأم في حال توفي الأب، أو انتفت في الأخير شروط الحضانة.

"الشرطة هي أداة تطبيق القانون، وأفراد

ها أصدقاء الرجال، يتعاطفون معهم ويستهينون عمداً بإرسال بلاغات المحكمة في مواعيدها إلى النساء، ما يؤدي إلى تأجيل الجلسات"، وفقاً لنجلاء، التي تضيف: "القانون مجحف وظالم، وأدخلنا في أزمة نفسية نحن الأمهات المطلقات. قلقي ليس عليّ أنا، أو على مشاعري، بل على ابني الصغير الذي حتماً سيدخل في أزمة نفسية في حال أُخِذ مني، فهو شديد التعلّق والالتصاق بي طوال الوقت، خاصةً عندما يمرض".

رفض منظماتي واسع

يُواجه هذا المقترح رفضاً واسعاً من قبل العديد من المنظمات النسوية والحقوقية، خشية أن يؤدي التعديل إلى حرمان الأمهات من حضانة أطفالهنّ.

رئيسة تحالف أمان النسوي نادية محمود، تقول لرصيف22: "هناك مساعٍ من القوى السياسية الإسلامية منذ عام 2003 وحتى اليوم، لتغيير قانون الأحوال الشخصية الحالي، لكنها عجزت عن فعل ذلك، لذا صارت تحاول أن تغيّر أو تقضم بعض المواد الموجودة فيه واحدةً تلو الأخرى، وهذه هي البداية لتغيير القانون بالكامل وجعله 'ملائماً' للشريعة الإسلامية، وتحويله من قانون مدني إلى قانون إسلامي".

وفي ما يخص التعديلات المقترحة، تقول محمود إن "القانون فيه تمييز جنسي صارخ ضد النساء، ولا ينطلق من مصلحة الطفل، وإنما من مصلحة الرجل، وهو منطلق ذكوري-عشائري، فمثلاً يحقّ للأب الحاضن الاحتفاظ بالطفل في حال قرر أن يتزوج مرةً أخرى، في حين يسقط حق الحضانة عن الأم في حال تزوجت". أما بخصوص منح أحقية الحضانة للجدّ من ناحية الأب في حال وفاة الأب، أو ثبوت عدم أهلية الأخير، فتسأل محمود: "كيف يمكن لرجل كبير في السنّ أن يرعى طفلاً صغيراً وهو نفسه بحاجة إلى رعاية، بالإضافة إلى أن الرجال في مجتمعنا الذكوري لا يقومون بالأعمال الرعائية من الأساس؟ كيف سيتمكن الجدّ أو الأب من رعاية الأطفال؟ الأمر ليس منطقياً".

في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019، قدّم النائب عن حزب الفضيلة الإسلامي حسين العقابي، مقترح التعديل لأول مرة إلى مجلس النواب، مع توقيع قرابة 50 نائباً ينتمون بغالبيتهم إلى أحزاب إسلامية مختلفة، عليه، بداعي أن المادة الحالية مخالفة للشريعة الاسلامية. وفي تموز/ يوليو عام 2021، طُرح مشروع تعديل القانون لأول مرة في أروقة مجلس النواب، وتمت القراءة الأولى له، ومنذ ذلك الحين تستمر محاولات إقراره وطرحه للنقاش في جلسات البرلمان بين الحين والآخر.

"هذا التعديل يُستخدم لأغراض سياسية، إذ تتعالى أصوات بعض النواب في البرلمان لإقراره بالتزامن مع الانتخابات، وهو تعديل نرفضه جملةً وتفصيلاً، وقد قمنا في تحالف 'أمان' النسوي بالعمل مع منظمات المجتمع المدني في العراق لتنظيم حملاتٍ ضد التعديل"، تضيف محمود.

حقوق الطفل الصحية والنفسية

تُشير ناشطات نسويات عراقيات إلى أن هذا التعديل يتجاهل دور الأم الأساسي في رعاية الأطفال، خاصةً خلال السنوات الأولى من حياتهم، كما يخشين أن يُستخدم التعديل كسلاحٍ من قبل بعض الرجال للضغط على زوجاتهم/ طليقاتهم، أو التملص من مسؤولياتهم الأبوية.

الناشطة النسوية رؤى خلف، تقول لرصيف22، إن النظر في حقوق الطفل الصحية والنفسية أمر لا يمكن تجاهله عند مناقشة أي قانون يتعلق بالحضانة، وإن الأبحاث النفسية تشير بجلاء إلى أن الأطفال، خصوصاً في سنواتهم الأولى، يعتمدون بشكل كبير على علاقتهم بأمهاتهم لتطوير الاستقرار العاطفي والنفسي لديهم.

"العلاقة بين الطفل وأمّه ليست مجرد علاقة وقتية، بل هي أساس بناء شخصية الطفل وتقديره لذاته. عندما يُحرم الطفل من حضن أمه في وقت يحتاج فيه إلى دعمها العاطفي والنفسي، فيمكن أن يؤثر ذلك سلباً على تطوره العقلي والنفسي"، تقول خلف.

وفي ما يخص الحقوق الإنجابية للمرأة، ترى خلف أن المرأة لها كل الحق في اتخاذ قراراتها المتعلقة بجسدها وصحتها الإنجابية، بما في ذلك حقها في اختيار الأمومة وتربية أطفالها، ومحاولات إعادة صياغة المادة القانونية بالشكل المطروح حالياً قد تجبر المرأة على البقاء في زواج تعس من أجل الحفاظ على حضانة أطفالها، عادّةً أن الغرض من تعديل المادة هو "إبتزاز" منظمات المجتمع المدني.

تشرح: "بين الحين والآخر، تحاول الدولة أن تقلل من جهد المنظمات المدنية الحقوقية المعنية بقضايا النساء، وتضعها في مواقف صعبة ومحرجة، فتضع مقترح التعديل على طاولتها وتبدأ بابتزاز منظمات المجتمع المدني به، في الوقت الذي تتجاهل فيه مسائل حقوقية جوهرية أخرى كحالات العنف المتصاعدة ضد النساء وزواج القاصرات وغيرها".

ترى خلف أن المادة 57 بصيغتها الحالية "ليست مكافأةً للنساء" على حساب الرجل إطلاقاً كما تروّج الأحزاب السياسية، وإنما هي من مصلحة المحضون فقط.

"وضع النساء في العراق معقد، خصوصاً مع تهالك الوضع الخدمي والصحي و الرعائي. يبتز الرجل طليقته غالباً عند حصولها على الحضانة بأن تتكفل هي بالإنفاق على الأطفال، ويتخلف عن دفع النفقة، لذا، القانون بشكله الحالي ليس مثالياً، فكيف سيصير الوضع في حال أُقِرّ التعديل؟"، تختم خلف.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

نفكر بالأطفال من أجل اليوم والغد

"هيك متعودين. هيك كانوا يعاملونا أهلنا"، وغيرها من الإجابات الجاهزة، تؤدي إلى تفادي التغيير.

المستقبل المشرق، هو أن يعيشوا في أيامنا هذه حياةً سليمةً.

كيف؟

عبر تسليط الضوء على قصصهم، وما يؤثر في حيواتهم، والمطالبة بحقوقهم وحسن تربيتهم.

من خلال التقارير والمقالات والحوارات، يمكن للإعلام أن يدفع نحو تغييرات في السياسات التربوية، وأن يعزز الحوار الاجتماعي حول قضايا الأطفال.

معاً نطرح القضايا الحساسة المتعلقة بسلامتهم النفسية والجسدية والبيئية والمجتمعية.

حين نرفع أطفالنا على أكتافنا، نرى الغد بعيونهم كما لو يكون الآن.

Website by WhiteBeard
Popup Image