لم تَكد مصر والسودان تستفيقان من فشل التوصل لاتفاق قانوني ملزم مع إثيوبيا حول قواعد ملء وتخزين سد النهضة، الذي تدشنه أديس أبابا على النيل الأزرق منذ أكثر من 10 سنوات، ويثير القلاقل لدى شعبي وادي النيل، بعد سنوات من المفاوضات التي انتهت على واقع اللاشيء، حتى جاء توقيع دولة جنوب السودان على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل، المعروفة إعلامياً باسم اتفاقية عنتيبي، ليزيد الأمور سوءاً لدولتين، إحداهما تعاني الفقر المائي وتواجه أزمة اقتصادية طاحنة، والثانية تدور في فلك حرب أهلية منذ قرابة العام ونصف العام دون وجود آفاق قريبة لحل النزاع الدائر.
اتفاقية عنتيبي، التي من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ بعد مصادقة جنوب السودان عليها رسمياً، تطالب بإنهاء الحصص التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل (55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان) والتي تم إقرارها وفقاً لاتفاقيات 1929 و1959، إذ ترفض الاعتراف بتلك الاتفاقيات، مع فتح الباب أمام إعادة تقسيم حصص المياه بين دول الحوض بما يراعي نسبة إسهام كل منها.
كذلك أقرت مفهوم "توزيع المياه العادل"، مع الإلغاء الضمني للحظر التاريخي على دول المنبع لإقامة منشآت على ضفاف النيل قد تعوق تدفق مياهه لدول المصب، وإلغاء شرط موافقة القاهرة على تلك المشروعات للمضي قدماً فيها.
وبحسب الجزء الثالث من الاتفاقية، يشترط تصديق برلمانات 6 دول على الأقل، لتأسيس المفوضية التي سيكون مقرها الدائم في أوغندا.
ومع تصديق جنوب السودان اكتمل النصاب القانوني للبدء بإجراءات تأسيس المفوضية بعد 60 يوماً من إيداع الجمهورية وثائق التصديق لدى الاتحاد الإفريقي.
الخطوة التي أقدمت عليها جوبا جاءت لتثير القلق في مصر والسودان، لا سيما أنها تطرح من جديد احتمال إعادة تقسيم حصص مياه النيل، في وقت وصلت القاهرة والخرطوم لطريق مسدود مع إثيوبيا في مفاوضات سد النهضة، والتي بدأت قبل أيام قليلة في عملية الملء الخامس، دون التوصل لاتفاق قانوني ملزم لقواعد ملء وتشغيل السد، وسط اعتراض مصري سوداني على الخطوة الإثيوبية.
القاهرة التي دشنت في حزيران/يونيو الماضي، بحضور وزير الري المصري، هاني سويلم، عدداً من المشاريع في جنوب السودان، أبرزها مشروع تطهير بحر الغزال من الحشائش المائية، بجانب تدشين مركز التنبؤ بالأمطار والتغيرات المناخية، والخرطوم التي تعاني الحرب الدائرة منذ نيسان/أبريل 2023، بين الجيش الوطني وقوات الدعم السريع، وجدتا نفسيهما أمام تطور خطير فيما يتعلق باتفاقية عنتيبي، وذلك بعد انضمام جوبا المفاجئ للاتفاقية، فما هي الحلول التي تمتلكها مصر والسودان للوقوف في وجه تلك الاتفاقية الرامية لإعادة توزيع حصص المياه من جديد؟
غير مُلزمة لمصر والسودان
يقول أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، عباس شراقي، لرصيف22، إن اتفاقية عنتيبي تستهدف إلغاء كل الاتفاقيات السابقة الخاصة بمياه النيل، بما فيها إلغاء الحصص التاريخية لدولتي المصب مصر والسودان، وذلك لدى موافقة 6 من الـ11 دولة لحوض النيل، وهو ما تحقق بانضمام جنوب السودان للاتفاقية قبل أيام. إلا أن ذلك صدر عن طريق دول المنبع وبدون موافقة دول المصب، ما يعني أنه غير مُلزم قانونياً لمصر والسودان، خاصة أن الموقعين على الاتفاقية هم دول المنبع فقط.
لم تَكد مصر والسودان تستفيقان من فشل التوصل لاتفاق قانوني ملزم مع إثيوبيا حول سد النهضة، حتى جاء توقيع دولة جنوب السودان على "اتفاقية عنتيبي" لتحقّق النصاب القانوني المطلوب لسريان الاتفاقية، حيث يشترط توقيع 6 دول على الأقل
وتعارض مصر والسودان اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل، وتتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي تقر نسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان، مع رفض الإضرار بمصالح دولتي المصب.
ودَلل شراقي على صحة حديثه بالإشارة إلى اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالأنهار الدولية غير المستخدمة في الملاحة، المعروفة بـ"اتفاقية قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية"، موضحاً أن تلك الاتفاقية دخلت حيز التنفيذ في 2014، إلا أن تلك الاتفاقية تُنفذ وتسري على الـ34 دولة الموقعة عليها، بينما لا تسري على بقية الدول والذين يتجاوز عددهم الـ200 دولة حول العالم.
وهو الأمر نفسه بالنسبة لاتفاقية عنتيبي التي تسري على الدول المُوقعة ولا تسري على مصر والسودان اللتين رفضتا الانضمام للاتفاقية، وغير مُلزمة لهما.
أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا استبعد كذلك قدرة دول المنبع على إعادة تقسيم حصص مياه النيل، خاصة أن المياه القادمة من النيل الأبيض عبر بحيرة فيكتوريا تأتي من ارتفاع 1137 متراً، فيما تأتي المياه من النيل الأزرق من ارتفاعات مختلفة. فمثلاً بحيرة تانا في إثيوبيا تأتي من ارتفاع 1800 متر، إلا أنها تستقبل مياهاً من قمم جبال على ارتفاعات تتجاوز الـ4000 متر، ومن ثم تنحدر تلك المياه لمستوى الـ300 متر عند العاصمة السودانية الخرطوم، وبالتالي لا يمكن لتلك الدول حجب المياه وإعادة تقسيمها. وكل ما تستطيع فعله هو تدشين مشروعات على غرار السدود تمكنها من حجز كميات مياه لفترات محددة.
ويتساءل شراقي عن الأهداف التي تطمح لها إثيوبيا من وراء اتفاقية عنتيبي، أكثر من تلك التي حصلت عليها في مشروع سد النهضة، الذي أنشأته ونفذت 5 مراحل للملء مع تشغيل التوربينات بدون موافقة مصر والسودان، وفي تحد لكل الاتفاقيات والأعراف الدولية، مؤكداً أن تلك الاتفاقية لن تضيف شيئاً جديداً لدول المنبع، بل تزيد الشقاق بين تلك الدول ودول المصب.
ويعرب شراقي عن دهشته من خطوة جنوب السودان باعتبارها دولة ممر، ولن تستفيد بحجز المياه أو إعادة تقسيم الحصص. وإن كانت لها رغبة في ذلك، فلماذا لم تطالب بحصتها بعد الانفصال عن السودان، من حصة الـ18.5 مليار متر مكعب الخاصة بالسودان الموحد؟
الاتفاقية دخلت مرحلة التنفيذ
اعتبر رئيس تحرير جريدة التيار السودانية، عثمان ميرغني، في حديثه لرصيف22، أن انضمام جنوب السودان أدخل الاتفاقية في مرحلة التنفيذ (خلال 60 يوماً)، إذ أكمل النصاب القانوني لتكون الدول المصادقة على الاتفاقية 6 من أصل 11 اللازمة لبدء تفعيلها بحسب القوانين الدولية.
يرى سياسيون مصريون أن توقيع جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي هو جزء من المؤامرة الإثيوبية، خاصة أن مصر مقرّبة من جنوب السودان إلى حد أن للرئيس عبد الفتاح السيسي مكتباً خاصاً في جوبا.
وتحدث ميرغني عن الدول التي لم تصادق على الاتفاقية حتى الآن على غرار كينيا وإريتريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بجانب مصر والسودان، محذراً من أن تلك الدول الثلاث قد لا تتمسك بموقفها كثيراً خاصة كينيا، والتي سبق أن وقعت على الاتفاق، إلا أنها لم تصادق عليه حتى الآن.
مؤامرة إثيوبية برعاية إسرائيلية
اعتبر مستشار وزير الري المصري الأسبق، ضياء الدين القوصي، في حديثه لرصيف22، أن خطوة توقيع جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي تُعد جزءاً من مؤامرة إثيوبية، خاصة أن أديس أبابا تحاول منذ 2010 حشد أكبر عدد ممكن من دول حوض النيل معها للتصعيد ضد دولتي المصب مصر والسودان، معرباً عن اندهاشه من إقدام جوبا بقيادة الرئيس سيلفا كير على مثل هذه الخطوة، خاصة أن مصر سعت للتقارب مع جنوب السودان منذ انفصالها عن السودان، عبر تنفيذ مشروعات في البنية التحتية كإنشاء المدارس والمستشفيات، إضافة إلى مشروعات في قطاع الري والتي كان آخرها افتتاح وزير الري المصري هاني سويلم يونيو الماضي مركز التنبؤ بالأمطار والتغيرات المناخية، مع تدشين مشروع ضخم لتطهير بحر غزال من ورد النيل والحشائش، وحفر مجموعة من الآبار، مشيراً إلى أن الدعم المصري "غير المحدود" بحسب وصفه لجنوب السودان، وصل لأن يمتلك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مكتباً خاصاً في جوبا.
وترتبط مصر ودولة جنوب السودان التي انفصلت عن السودان في 2011، بعلاقات دبلوماسية رسمية، إذ اعترفت القاهرة مبكراً بالدولة الوليدة. كما سبق أن زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي جنوب السودان في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، كما تحرص القاهرة على تقديم المساعدات التنموية لجوبا بشكل منتظم ومستمر منذ انفصالها عن السودان.
ويرى القوصي أن أطرافاً خارجية كانت وراء خطوة تصديق جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي، على رأسها إسرائيل، والتي تمد الرئيس سيلفا كير بمعلومات استخباراتية "قد تكون مغلوطة" مع توفير الحماية الأمنية له، بالإضافة إلى تقديم تدريبات وأسلحة عسكرية لقوات جنوب السودان، واصفاً الخطوة بـ"الخيانة" لمصر وجهودها في دعم جوبا بالمشروعات التنموية على مدار أكثر من عقد من الزمن.
ويتفق الكاتب الصحافي السوداني الطاهر الساتي مع القوصي في وقوف إسرائيل وراء خطوة جوبا، موضحاً لرصيف22 أن اتفاقية عنتيبي لا تسعى لتقليل حصة السودان فقط، ولكنها تستهدف مصر بالأساس، وليس السودان العاجز عن استخدام الحصة المقررة له بشكل كامل، معتبراً أن ما يحدث هو بمثابة صراع العصر والسباق نحو ريادة الشرق الأوسط وتحجيم الدور التاريخي لمصر، وفتح الباب لقوى جديدة تخدم الأهداف الاستراتيجية لأمريكا وإسرائيل في المنطقة، لا سيما أن موضوع مياه النيل بالنسبة لمصر يُعد (حياة أو موت)، معرباً عن أسفه لمساعدة "دول عربية" إسرائيل وإثيوبيا في تنفيذ هذا المخطط.
الساتي اعتبر أن مصادقة دولة جنوب السودان رسمياً على اتفاقية عنتيبي، مفاجأة صادمة للسودان ومصر، لما للدولتين من علاقات جيدة مع جوبا، حيث أبقت تلك العلاقات على تحفظ جنوب السودان على المصادقة طوال السنوات الماضية، قبل أن تتعرض جوبا لوسيلتي الترغيب والترهيب من إسرائيل وإثيوبيا ودول عربية لها علاقات استراتيجية مع إثيوبيا، وتسعى لممارسة الضغوط على السودان ومصر في ملفات مهمة، ومنها الملف الفلسطيني.
إريتريا في الطريق
وفي الوقت الذي أصابت خطوة جنوب السودان الكثيرين بالصدمة، يرى أستاذ العلوم السياسية والخبير في الشؤون الأفريقية، محمد سالمان طايع، في حديثه لرصيف22، أن الاتفاقية ليست بالجديدة، حيث دخلت مصر والسودان في مفاوضات لمدة 5 أعوام في الفترة ما بين 2006 و 2010، بدون توجه واضح ومعلوم مع التكتم على تلك المفاوضات، إلا أن المثير للدهشة أن الاتفاقية تم الإعلان عنها من الأراضي المصرية، وبالتحديد من مدينة شرم الشيخ في نيسان/أبريل 2010، بدون حضور مصر والسودان ضمن الاتفاقية، وبعد شهر لاحق تم الإعلان عن توقيع أربع دول على الاتفاقية هي (إثيوبيا- رواندا- تنزانيا – أوغندا) قبل أن تنضم لهم في 19 أيار/مايو 2010 الدولة الخامسة وهي كينيا، واستمر الأمر لتوقع الدولة السادسة وهي بوروندي على الاتفاقية بعد اندلاع ثورة 25 يناير بحوالي شهر واحد فقط، إلا أنها ورغم التوقيع لم تصادق على الاتفاقية حتى الآن، بمعنى موافقة البرلمان ورئيس الجمهورية وتمريرها كقرار رسمي داخل البلاد، ما يعني أن 6 دول فقط وقعت على اتفاقية عنتيبي بعد أحدث المنضمين جنوب السودان.
ويؤكد طايع أن المادة 8 بند ب تمثل خطراً كبيراً على حقوق دولتي المصب، وتتعلق بعدم إقرار الإخطار المسبق حال اعتزام أياً من دول المنبع إنشاء سدود ومشروعات تنموية على مجرى النهر، إضافة إلى (مادة 34 ج) التي تتعلق بتطبيق تصويت الأغلبية وليس الإجماع في تمرير قرارات دول الحوض، وهو ما اعترضت عليه مصر سابقاً، كونه يمنح دول المنبع فرصة كبيرة لفرض كلمتها وتمرير القرارات التي تخدمها.
وفي هذه النقطة، يؤكد المحلل السياسي السوداني وخبير القانون الدولي، صدقي مطر، في حديثه لرصيف22، أن اتفاقية عنتيبي تجاوزت الاتفاقيات السابقة بين دول حوض النيل، وقد تكون سبباً في إحداث شرخ في العلاقات بين دول المنبع ودول المصب.
إلا أنه يرى أن أهم البنود المقلقة في الاتفاقية، هو قيام تلك الدول بمشاريع دون الرجوع لدول المصب، وخطوة انضمام جوبا للاتفاقية، تعني أنه يمكن اعتمادها من قبل الاتحاد الإفريقي دون موافقة السودان ومصر.
ويحذر مطر من خطر اقتطاع جزء من حصة السودان في مياه النيل، معتبراً أن بعض الدول تحاول استغلال حالة الحرب التي يعيشها السودان منذ قرابة العام والنصف، مراهناً على أن المصالح المشتركة التي تجمع مصر والسودان ستكون الصخرة التي تقف عائقاً أمام تنفيذ هذا المخطط، والحفاظ على حصص كلا البلدين بحسب القانون الدولي، ولن تفلح محاولات استغلال الوضع الحالي للسودان.
يستبعد خبراء الموارد المائية قدرة دول المنبع على إعادة تقسيم حصص مياه النيل، خاصة أن تلك القادمة من النيل الأبيض عبر بحيرة فيكتوريا تأتي من ارتفاعات شاهقة وبالتالي لا يمكن لتلك الدول حجب المياه وإعادة تقسيمها. وكل ما تستطيع فعله هو تدشين مشروعات على غرار السدود تمكنها من حجز كميات مياه لفترات محددة
خطوة خطيرة قادمة تنتظر مصر، وهي انضمام إريتريا لاتفاقية عنتيبي، كما يرى طايع، مؤكداً أن الأمر ليس ببعيد وهناك خطوات واضحة في اتجاه توقيع ومصادقة الدولة السابعة على الاتفاقية، معتبراً أن أمر تقاسم المياه بين دول المنبع يكاد يكون مستحيلاً من الناحية العملية، ولو امتلكت تلك الدول القدرة على ذلك، لكانت فعلت الأمر منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وما يحدث حالياً هو نوع من أنواع الضغط السياسي على مصر.
تحالف مصري إيراني تركي
واعتبر طايع أن بناء تحالفات سياسية بشكل سريع هو السبيل لمصر لمواجهة خطر اتفاقية عنتيبي، وعلى رأس تلك التحالفات، هو علاقتها بالصومال، كونها تقع في منطقة متشابكة مع دول الحوض ومن الهام للغاية استمرار تحالفها مع مصر.
إضافة لتوثيق علاقة القاهرة بدول على غرار الكونغو الديمقراطية وبوروندي وإريتريا، مع تعميق الدور المصري في ملف السودان، والحرص كل الحرص على عدم تقسيم السودان من جديد واستمرار وحدته. إلا أن أهم أدوات مصر لمواجهة خطر اتفاقية عنتيبي ومن يقف وراءها بحسب طايع، هو بناء تحالف ثلاثي قوي يجمع القاهرة وطهران وأنقرة، خاصة وأن من شأن التحالف المصري الإيراني التركي الذي ظهرت بوادره في الفترة الأخيرة، الحيلولة دون توغل قوى إقليمية في منطقة حوض النيل، تسعى لإجهاض الدور والوجود المصري.
الحديث عن الخيارات المتاحة أمام مصر للتعامل مع التطورات التي طرأت مؤخراً، يأتي في الوقت الذي لم تعلق القاهرة رسمياً على خطوة جنوب السودان، بينما تتمسك بحسب بيانات رسمية سابقة بالتأكيد على حصصها التاريخية في مياه النيل، المُقررة باتفاقيات 1902 و1929 و1959، والتي تقدر بنحو 55.5 مليون متر مكعب من المياه.
كل الخيارات متاحة لمصر
وعن أبرز الحلول التي يمكن للقاهرة أن تلجأ لها في الفترة المقبلة، يرى وزير الموارد المائية والري السابق محمد نصر الدين علام، في حديثه لرصيف22، أن الدفاع عن الأمن القومي متاح بكل الوسائل حتى العسكرية، وقضية المياه هي قضية أمن قومي بالنسبة لمصر، معرباً عن اندهاشه من عدم خروج أي تصريح رسمي حتى الآن من مصر تجاه ما يحدث من تطورات في هذا الملف الشائك، خاصة أن خطوة جنوب السودان تُمثل "عملاً عدائياً" بناء على توجيهات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
واعتبر وزير الري السابق أن حديث بعض الدول الإفريقية وعلى رأسها إثيوبيا، عن إمكانية تحويل مجرى النهر ومنع تدفق المياه تجاه دولتي المصب مصر والسودان مجرد "مزاعم فارغة" ودعاية استهلاكية، في الوقت الذي لا تمتلك تلك الدول ميزانية تُمكنها من تدشين ترعة لبضعة كيلومترات على حد وصفه، وأكبر دليل هو فشل تنفيذ قناة جونقلي، مؤكداً أن تحويل مجرى نهر عن مساره لم يحدث تاريخياً، خاصة أن الأمر ينطوي على القضاء على دول بأكملها حال حدوث ذلك.
وسبق أن كتب علام في صفحته على موقع فيسبوك، إن "بعض دول الحوض، وبتوجيهات دولية تحاول خلق حالة دائمة من القلق خاصة لمصر، لأنها دولة تعتمد على نهر النيل"، لافتاً إلى أن "مبادرة حوض النيل تعتبر أخطر محاولات الالتفاف من الغرب، للوصول إلى توافق بين دول الحوض، لإلغاء الاتفاقيات التاريخية وإلغاء الحصص المائية لمصر والسودان، وإعادة توزيعها ووضع مصر تحت مقصلة الغرب".
مصر أمام خيارين كلاهما سيئ
الخيارات المتاحة أمام مصر ضئيلة، وتتخلص في خيارين كلاهما مُر، أولهما الانضمام للاتفاقية، إلا أن تلك الخطوة ستكون كارثية على القاهرة، خاصة أن بروتوكول الاتفاقية ينص على أن التصويت يكون بالأغلبية وليس الإجماع، وبالتالي لن تمتلك مصر "الفيتو" للاعتراض على القرارات التي من شأنها أن تضر بحقوقها ومصالحها المائية، في الوقت الذي تبدو دول المنبع في حالة تكتل ما يجعلها تُصوت على القرارات التي تخدمها دون الاكتراث بدولتي المصب. ومع أغلبية هذه الدول سيتم تمرير القرارات ضد رغبة مصر. أما الخيار الثاني فلا يقل سوءاً عن الخيار الأول، وهو رفض الانضمام للاتفاقية والبقاء خارج هذا التكتل، وذلك سيمنح تلك الدول فرصة تمرير القرارات التي تخدمها بدون حضور مصر، والعمل على تنفيذ تلك القرارات والتي تخالف القوانين والأعراف الدولية، بحسب ضياء الدين القوصي.
يشير بعض المحللين إلى الدور الإسرائيلي في إقناع جنوب السودان -الصوت المرجّح في التصويت- بالتوقيع على الاتفاقية، وهي التي تمد الرئيس سيلفا كير بمعلومات استخباراتية وتوفر له الحماية الأمنية.
ويؤكد مستشار وزير الري المصري الأسبق أن الحلول الناعمة انتهت ولم تعد تُجدي نفعاً، ولا بد أن تتخذ القاهرة خطوات تصعيدية "خشنة"، وذلك عبر التوجه لمجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، وعرض القضية مع التلويح باللجوء للخيار العسكري أمام العالم أجمع، حال تهديد الأمن المائي القومي واقتطاع أي جزء من حصة مصر والسودان في مياه النيل، والتي نصت عليها الاتفاقيات السابقة. لاسيما وأن اللجوء للاتحاد الإفريقي والجهات المانحة "لم يعد يردع أحداً"، مما يفرض على القاهرة التلويح بالورقة العسكرية، مع تحجيم العلاقات مع الدول التي تسعى للإضرار بمصالح مصر المائية.
فيما يذهب عباس شراقي لضرورة أن تدعو مصر الأصوات العاقلة، على غرار تنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، للجلوس لطاولة الحوار ومناقشة النقاط الخلافية بين دول المنبع ودول المصب، مع محاولة تقريب وجهات النظر، للتوافق بين جميع دول حوض النيل الـ11، ومن ثم سريان الاتفاقية على الجميع، واستقطاب الاستثمارات والدعم من البنك الدولي وغيره من المنظمات والمؤسسات الدولية، والتي لن تُقحم نفسها في مشروعات على النيل بدون حدوث توافق لجميع الدول المشتركة في مسار النهر.
الخيار العسكري غير مطروح سودانياً
أما عن الحلول المتاحة أمام السودان لمواجهة خطر اتفاقية عنتيبي، فقد أجمع المحللون السياسيون السودانيون الذين تحدثوا إلى رصيف 22، على أن الخيار العسكري غير مطروح ومستبعد نهائياً، حيث أكد الدبلوماسي السوداني السابق العبيد مروح، أن السودان بوضعه الحالي والحرب التي تدور على أراضيه لن يلجأ للخيار العسكري، معتبراً أن تمتين التضامن مع مصر باعتبارهما دولتي المصب، والتمسك بالحقوق التي تكفلها القوانين الدولية للأنهار العابرة للدول، هو السبيل الوحيد للوقوف أمام تحالف دول المنبع.
الحديث عن خيارات السودان لمواجهة خطر عنتيبي، يأتي في وقت التزمت فيه الخرطوم الصمت ولم تعلق على خطوة جوبا، وإن أرجع المحللون السياسيون حالة الصمت، لانشغال طرفي النزاع الجيش وقوات الدعم السريع بالحرب القائمة حالياً على الأراضي السودانية.
صدقي مطر اعتبر أن خيار الحرب المائية غير مطروح لدى الخرطوم، والأفضل هو المبادرة بحوار يشمل كل الدول المشتركة في حوض النيل، وكذلك الإقليمية المؤثرة، مشيراً إلى أن السودان سيتبع الطرق القانونية حال تأزم الأمور.
ويرى عثمان ميرغني أن الخيارات أمام السودان ضئيلة لتغيير مجرى الاتفاق، إلا أن الفرصة متاحة في استخدام الرابطة المائية بين الخرطوم والقاهرة، في تطوير العلاقات، مقترحاً تدشين تحالف يتجاوز المياه إلى مشروعات اقتصادية قد تكون أقوى من أي رابط تقليدي آخر جمع البلدين في وقت سابق، معتبراً أن السبيل الوحيد أمام السودان حالياً هو خلق مزيد من التنسيق مع مصر، والعمل على استمالة القوى الإقليمية المؤثرة لصالحه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...