شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
التحوّل الديني في مصر... من ينقذنا من هذه المباراة المُملّة بين الدينين؟

التحوّل الديني في مصر... من ينقذنا من هذه المباراة المُملّة بين الدينين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

نشر معيد مسيحي بكلية الهندسة شهادة باعتناق الدين الإسلامي، معلقاً عليها: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبدالله ورسوله الحمد لله  والشكر لله الذي هداني لهذا، وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله، بحمد الله تعالي أعلن أسلامي للعالم جميعاً وأنا بكامل إرادتي وقواي العقلية، وفي هذا المقام أشكر أبي وأمي وأخوتي على ما قدموه من دعم ورعاية وتربية طوال حياتي، وأسال الله العظيم أن يحفظ أبي وأمي وإخوتي، اللهم أمين اللهم أمين".

أغلق المعيد المتحوّل للإسلام، التعليقات إلا للبعض من أصدقائه، وبالتالي لم يستطع الفريقان الجود بما في صدورهم/ن، إلا من خلال مشاركة المنشور أكثر من 41 ألف مرّة، أما للدعم بكلمات الانتصار والنشوة العددية، أو على الجانب الآخر الثورة والسب وإلصاق القصص، فيما نادى فريق ثالث باعتبار الأمر عادياً بديهياً ولا يستحق كل هذا الإزعاج.

 حالة معيد الهندسة الذي أسلم لن تكون الأخيرة، الأمر أشبه بمشاهدة مباراة: في كل مرّة يتحمّس الجمهور، يثور، يغضب حتى يلمح الكرة تستقرّ في الشبكة، فيكون هدفاً لواحد منهما، هكذا حال ما نسميه، مجازاً، "حرية الاعتقاد"

مباراة متكرّرة وحريات صورية

لم تكن حالة معيد الهندسة متفردة، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، الأمر أشبه بمشاهدة مباراة: في كل مرّة يتحمّس الجمهور، يثور، يغضب حتى يلمح الكرة تستقرّ في الشبكة، فيكون هدفاً لواحد منهما، هكذا حال ما نسميه، مجازاً، "حرية الاعتقاد".

 يتعامل المجتمع الأصولي المحافظ مع الدين باعتباره جزءاً أصيلاً من الشرف، وتُعامل محاولة الإعلان عن تغيير المعتقد كوصمة عار، تحاول الأسرة الخلاص منها ومحوها بكل الطرق الممكنة، وفي هذا السياق يقول عمرو عزت، في مقالته "لماذا لا نعترف ببساطة أننا لا نحب (حرية العقيدة)؟": "إن مفهوم الحرية المقيدة، نابع من تراثنا الاستبدادي وتربيتنا القمعية الأصيلة التي يقول فيها الأب أو الأم للابن بعين حمراء وحواجب معقودة ويد تلوّح وعيداً: أنت حر! افعل كما تحب ولكن تحمّل ما سيجري لك! أنت حر!".

إلى جانب المجتمع وأعرافه، تشكل الأديان نفسها -المسيحية والإسلام- عقدة استحقاقية لأتباعها، تُشعرهم بالتميّز وترسخ النظرة الدونية للآخرين، الأمر تصل ذروته طبعاً في حالة كان هؤلاء الآخرون ملاحدة أو لادينيين أو أتباع ديانات وضعية، "فالدين عند الله الإسلام"، وبهذه الآية يرى المسلمون أن كل الديانات إنما هي مجرد عقائد صغيرة لا ترتقي لدرجة الدين، بل وتقسم أتباع اليهودية والإسلام بين "مغضوب عليهم" و"ضالين"، فيما ترى المسيحية أن المؤمنين بها وحدهم أبناء الله وذكر السيد المسيح "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ"، في إشارة لطقس المعمودية الذي هو أول شروط اعتناق المسيحية، عطفاً على تربية الأطفال الصغار في مدارس الأحد على هذه الاستحقاقية: "أنتم ولاد المسيح، مينفعش تختلطوا بولاد العالم!".

المسيحيون وملف التحول الديني في مصر

يتعامل مسيحيو مصر مع حالات التحوّل الديني من المسيحية إلى الإسلام بطرق مختلفة، تصل إلى الغضب الهيستري في حالة كانت المتحوّل أنثى، فعلى مدار الأربعة عشر عاماً الأخيرة، تعامل المجتمع المسيحي مع كافة حالات التحوّل الديني للنساء على أنها حوادث خطف واختفاء أو أَسْلَمَة قسرية، فالسيناريو المعهود أن يظهر هاشتاج يطالب بعودة الفتاة المختفية، ثم تظهر الفتاة في فيديو رديء الجودة لتعلن إسلامها، فتكون النتيجة غضباً عارماً وتشكيكاً بإرادة الفتاة وتأكيداً على إجبارها، حتى تمرّ أيام معدودة، يتدخل الأمن، فتظهر صور للفتاة بجانب أسرتها ورجل دين يرفع صليبه في وجه الجمهور، ويحاوط المشهد أيقونات الكنيسة التابعة لها، دون إشارة من قريب أو بعيد إلى أي شخص مدان في عمليات الخطف أو محاكمتهم أو عرض أي تفاصيل، حتى بات الأمر أشبه بمسرحية هزلية.

لا يتحرّك المجتمع المسيحي بهذه الشدة في حال كان المتحول للإسلام ذكراً، فيكتفون بالتلميحات والسبّ والجزم بأنه يهوذا الذي باع المسيح، وستحرمه فعلته "المشينة" من دخول ملكوت السموات، ويعود هذا الاختلاف في ردّ الفعل إلى أن المسيحيين هم جزء من مجتمع شرقي محافظ، يرى في الفتاة شرف العائلة، ومجرّد خروجها أو هروبها من منزلها عار يساوي عار إقامة العلاقات غير الشرعية أو الحمل دون زواج، كما أنه مجتمع يرى الفتاة أقلّ مرتبة من الرجل، ولا يحق لها أي اختيار، فردي طواعية حتى ولو كان أمر يخص جسدها!.

على الجانب الآخر، يتعامل المجتمع المسلم مع هذه النماذج باعتبارها إحدى الغنائم الجديدة، وتصل نبرات وصيحات التكبير مداها في استفزاز وقهر الجانب المسيحي الذي يرى في نفسه الجانب الأضعف في المشهد، الأمر الذي يصل في النهاية إلى هروب الأسر المسيحية المتضرّرة من بلدتهم تجنباً لعمليات الذلّ الممنهجة التي يخضعون لها –بحسب مايتبنّاه الفريقان من ثقافة شرقية- لها اعتبارات لا تستطيع معها التعايش في هذه الأجواء.

تشكّل الأديان نفسها -المسيحية والإسلام- عقدة استحقاقية لأتباعها، تُشعرهم بالتميّز وترسّخ النظرة الدونية للآخرين، الأمر تصل ذروته طبعاً في حالة كان هؤلاء الآخرون ملاحدة أو لادينيين أو أتباع ديانات وضعية

الأحوال الشخصية وقصص الحب

في دراسة رشيد جرموني، المعنونة "سوسيولوجيا التحولات الدينية في العالم، ظاهرة المتحولين الدينيين نموذجاً"، يذكر أنه لا يمكن الركون في تفسير ظاهرة التحول الديني للأسباب الاعتقادية والوجودية فقط، لكن تسيطر دائماً الأسباب الاجتماعية والسياسية والثقافية، تحديداً في التحوّل إلى الإسلام.

هذا ما نراه جلياً في حالات التحوّل الديني المسيحي إلى الإسلام، فمثلاً بحسب شهادات النساء المتحوّلات للنساء العائدات والباقيات، فإن عامل الخلافات الزوجية والأسرية في حالة المتزوجات هو السبب الرئيسي الذي تذكره بعض النساء بالفعل، السبب الثاني هو الإغواء العاطفي للقاصرات و قصص الحب المختلطة، بحسب تصريحات رجال الدين المسيحي، هذه الأسباب، وبغضّ النظر عن انطباقها على كل الحالات من عدمه، إلا أنها لا يجب أن تعدّ مبرّراً لعمليات التجييش على مواقع التواصل الاجتماعي للضغط بعودة النساء رغماً عن إرادتهن، في النهاية هن اخترن بمحض إرادتهن التحول الديني كحلّ لمشكلاتهن.

في هذا السياق، تُجبر الكنيسة الفتيات المتحولات إلى الإسلام بالرجوع إلى أسرهن، متبنية قصة خطفهم، وهي على علم كامل بأن "حدوتة" الخطف هذه مزيّفة وهزلية، فإنها تتفاخر –في الوقت نفسه- أن ما حدث مجرّد خلافات زوجية مثلاً، فيكون الحل من وجهة نظرهم، أن تعود المرأة المعنَّفة إلى الزوج المجرم، فتستقيم الحياة، وهذا أفضل بالطبع من اعتناق مسيحية للإسلام وجلب العار! وتعود مشكلة تكرار هذا السبب لسيطرة الكنيسة على ملف الأحوال الشخصية للمسيحيين ومنع الطلاق إلا لعلّة الزنا، هذا القرار المنفرد الذي تم تطبيقه منذ السبعينيات من قبل البطريرك السابق، والذي هو في الأصل راهب لا يفقه من أمور الحياة الزوجية شيئاً، فتسبب في كوارث لا تعترف بها الكنيسة أبداً، وعليه تلجأ النساء بشكل خاص إلى التحوّل الديني لمحاولة الخلاص.

أما في حالة الدكتورة سالي نسيم التي تبنت الإسلام كعقيدة، لا لشيء سوى الإيمان، بحسب تصريحاتها وأسرتها، ولمّا لم تجد الهاشتجات نفعاً في عودتها، خرج أسقف منطقة "عزبة النخل" بمحافظة الجيزة، ليخوض في شرفها علناً في اجتماع عام، بدعوى "غلطت مع واحد بتاع دليفري علشان كده أسلمت"، فما كان من سالي إلا أنها هاتفته في مكالمة طويله تعاتبه على حديثه، لم يقتنع الرأي العام لا بأهليتها ولا قرارها، وانساق وراء سبب علاقاتها العاطفية الذي طرحه الأسقف بأريحية.

عشرات من النساء راجت قصصهن عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى عادت النسبة الأكبر منهن عنوة واختفين عن الظهور ثانية. لن يعترف المجتمع بأكمله بأحقيتهن في اختيار مصائرهن لأنهن نساء، فيتدخّل لأجل عودتها إلى أحضان كنيستها من جديد، لأنها في النهاية "خروف ضال" يجب البحث عنه، ونظرية "الخروف الضال: هذه لا تنطبق على الرجال، لكن ربما يتبنى الناس تجاهه فكرة "كلب وراح!".

لا يتحرّك المجتمع المسيحي بهذه الشدة في حال كان المتحول للإسلام ذكراً، فيكتفون بالتلميحات والسبّ والجزم بأنه يهوذا الذي باع المسيح، أما إذا كان بنتاً، فهو عار يساوي عار إقامة العلاقات غير الشرعية أو الحمل دون زواج

الحرية الدينية في اتجاه واحد

طبقاً للتقرير الدولي للحرية الدينية في مصر، فإن القانون يكفل حرية الاعتقاد للأفراد، لكن في الواقع تعترف الحكومة بالتحوّل إلى الإسلام فقط، ولا تعترف عموماً بالتحوّل من الإسلام إلى أي دين آخر، وعانى عدد كبير من المتحوّلين إلى المسيحية في تغيير أوراقهم الرسمية، أشهرهم كانت قضية محمد حجازي، أول مصري مسلم يرفع قضية لإثبات تغيير ديانته للمسيحية وتعديل سجله المدني، وقضية ماهر الجوهري الذي قدّم محاميه شهادة تعميده من الكنيسة لإثبات اعتناقه الدين المسيحي، الأمر الذي قابلته المحكمة بالرفض في الحالتين، وانسحب عدد من المحامين من القضايا لأسباب تخصّ تلقيهم تهديدات.

في مقابل هذا التعنّت الواضح، فإن كل ما يتطلّبه الأمر لاعتناق الإسلام، شهادة من الأزهر الشريف، وبعدها تسير الأمور في تغيير الأوراق الرسمية بغاية السهولة، حيث تكتسب الحالة مساندة الأغلبية من المسلمين، فالانضمام إلى الدين الرسمي للدولة، لا شكّ، يقابله الترحيب الشديد المعنوي والمادي، وتعكس حالة تحول معيد الهندسة هذه "البروبوغاندا" الضخمة التي وصلت إلى حدّ جمع التبرعات لتقديم رحلة عمرة هدية تحوّله للإسلام، في المقابل لايستطيع أي متحول/ة من الإسلام للمسيحية إعلان هذا خوفاً على حياته وتجنباً لأي أحداث عنف طائفي يمكن أن تقع للمسيحيين كعقوبة.

ولكن في حالة الإعلان النادرة، يُقابل التحوّل للمسيحية، أو أي ديانة أو مذهب آخر، بدعوات العنف المباشر، أو توجيه تهمة ازدراء الأديان، التي تعرّض الفرد للسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، لمجرّد طلبه البديهي في حرية الاعتقاد التي تكفلها القوانين الوطنية والدولية، وفي ظل قبول المجتمع المسلم للعلاقات العاطفية التي تربط بين مسلم ومسيحية وينتج عنها التحوّل إلى الإسلام، فإنها ترفض بشكل قاطع هذه النوع في حالة انقلب الأمر، بل وتتعامل بسياسة العقوبات الجماعية، حيث وثّقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في دراسة عدداً من الانتهاكات التي طالت مسيحيين على خلفية الاشتباه في علاقات عاطفية لشباب مسيحيين مع فتيات مسلمات، كدفع مسيحي أجرة سيارة ميكروباص لسيدة مسلمة، فيتدخّل البعض ويفسّر ذلك بوجود علاقة بينهما، ويقومون بحرق منزل المسيحي ومحلّ عمله، أو كما حدث، من سير مسيحي ومسلمة معاً في شارع عام وسط مدينة العامرية، أو كما حدث في واقعة سيدة الكرم.

لن ينقذنا من هذه المباراة المتكرّرة سوى اعتبار قرار اعتناق أي دين هو قرار جدير بالاحترام والحماية القانونية، باعتباره حقّاً أصيلاً من حقوق الإنسان

من ينقذنا؟

لن ينقذنا من هذه المباراة المتكرّرة سوى اعتبار قرار اعتناق أي دين هو قرار جدير بالاحترام والحماية القانونية، باعتباره حقّاً أصيلاً من حقوق الإنسان. يأتي هذا برفع سقف المطالبات بتفعيل قوانين حرية الأعتقاد بشكل واقعي، دون الرضوخ لسيطرة الأغلبيات الدينية، أو نواح الأقليات التي تجبر أعضاءها على العدول عن قرارتهم بدعاوى مختلفة، الأمر الثاني الذي نراه بديهياً في حالة مصر بالتحديد، هو إلغاء المادة الثانية من الدستور، التي تشرعن لعدم ضمان الحريات الدينية في المجتمع، ليس فقط للمتحولين من الإسلام للمسيحية، ولكن أيضاً في القضايا المتأزمة التي تخصّ كافة الأقليات الدينية والمذهبية وأصحاب الأديان الوضعية، بحسب مايسمونهم.

الأمر الثاني هو إلغاء المادة الثالثة من الدستور، والتي تلقي بمسيحيي مصر وأحوالهم الشخصية في يد رجال الكنيسة، الذين عجزوا بشكل تام عن حل أزمات هذا الملف، ولم يعترفوا بهذا العجز ولن يحاولوا إصلاحه.

الخلاصة، إن إلغاء هاتين المادتين ربما يفتح الباب إلى علمنة القوانين الوطنية التي سيترتب عليها مزيداً من الانفراجات في ملف الحريات الشخصية في مصر، فيما يخصّ: التحوّل الديني، ممارسة الشعائر والزواج والطلاق، وحتى إشكاليات الزواج المختلط في مصر كما شرحنا، عطفاً على ضرورة إلغاء المادة 98 من قانون العقوبات، والخاصة بالازدراء الذي يتعارض مع كافة المواد التي تكفل حرية الرأي والتعبير.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image