شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ليه الست

ليه الست "قادرة ومفترية" والرجل "ذكي وعظيم"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الاثنين 15 يوليو 202411:29 ص
Read in English:

Women are “wicked and spiteful” and men are “intelligent and great”: Why do double standards persist?

عندما أرى سيّدة عصبية (يعني عادي، مين ما بيعصّبش اليومين دول؟)، أو فيها عيوب مثلها مثل أي إنسان طبيعي، اعتيادي، أرى أن الجميع يركّز على تصرّفاتها ويقولون عنها "نكدية ولا تطاق" وباقي الأسطوانة المشروخة، وعلى المقلب الآخر، عندما نرى رجلاً يماثلها في التصرفات، وربما أسوأ حتى، الجميع يلتمس له الأعذار، وفي بعض الأحيان يعظّمون تصرفاته ويرونها تصرفات "راجل بحق وحقيق".

من أرشيف حياتي

في طفولتي، كان مدير مدرستي رجلاً صارماً، يحب فرض القوانين ولا يتلاطف مع أحد، شخصيته حادة، ربما لكنه يقوم بعمله على أكمل وجه وأكثر. كانت صرامته تصل لدرجة أن يخصم من راتب أي شخص يتأخر دقيقة واحدة فقط عن العمل، لا يستثني أحداً حتى زوجته؛ وكان يقال عنه: "شخص منضبط ومسؤول، لا يخاف في الحق لومة لائم. شخصية عظيمة".

على العكس، عندما كنت في المرحلة الإعدادية، كانت المديرة امرأة وكانت تقوم بما يفعله تماماً، فكانت توصف بـ "السادية، بلا قلب ولا رحمة، لا تصلح أن تكون في أي منصب"، يريدونها أن تترك مجال العمل وتذهب للمطبخ كعقاب على تماثلها مع الرجال.

أراقب تصرّفات المرأة والرجل عن بعد وعن قرب. وأجد أن التصرفات متشابهة إلى حدٍ كبير، فكل منهما بشر، لديه نوازع نفسية واجتماعية وأخلاقية ودينية... للمرأة نفس مشاعر الرجل ونفس الرغبات في الحياة، تريد النجاح، الشهرة، الحب، الزواج، المال، الأطفال، العائلة... كل شيء كما يريده الرجل تماماً، فلماذا تحمد صفات للرجال وعندما تتميّز بها النساء تشتم؟

للمرأة نفس مشاعر الرجل ونفس الرغبات في الحياة، تريد النجاح، الشهرة، الحب، الزواج، المال، الأطفال، العائلة... كل شيء كما يريده الرجل تماماً، فلماذا تُحمد صفات للرجال وعندما تتميّز بها النساء تُشتم؟

صوت من بعيد

هناك الكثير من النساء كنّ رائدات في جميع المجالات وتميزن ونُقشت أسماؤهن في قلوبنا وأذهاننا، فمثلاً في الفن من سيأتي مثل كوكب الشرق أم كلثوم؟ هناك الكثير من الأحاديث المتناثرة عن حدية شخصيتها ولكن لا خلاف على صوتها واختياراتها، صوت غيّر مجرى تاريخ الغنا، بل التاريخ الشخصي لمئات آلاف البشر، فهي رفيقة الليل دائماً، ورفيقة السفر والطرقات، غيرت مجرى حياة الكثيرين. لقد غيرت مجري حياتي أنا شخصياً.

في بداية مراهقتي، كنت أجلس في الشرفة ليلاً وأفكر: "ماذا أريد ان أكون؟". لا أحب العمل الروتيني، أعشق الحرية. جميع صديقاتي حينها كان مستقبلهن واضحاً إلى حدّ كبير: تخرّج وزواج ومنزل، أو تخرّج ووظيفة ثم زواج و... أما أنا فلم أكن أريد الزواج أو الوظيفة. أحبّ الفن والأعمال اليدوية، ولدي ذوق خاص في كل شيء، فماذا يجب أن أفعل؟

كان الخوف يتملكني، وفجأة تسلّلت "ثوما" من القهوة التي تبعد عن بيتي بضعة أمتار إلى قلبي وعقلي، جعلتني أشعر بأشياء مختلفة لم أختبرها قط من قبل. حلمت وتمنيت وانتظرت واصبح بداخلي مشاعر جميلة متنوعة، في ذلك اليوم كتبت منشوراً أعبّر فيه عن إعجابي الشديد بصوتها. يومها علّق شخص لا أذكر اسمه، ولكن تعليقه ترسّخ في ذهني: "كدا بدأت حياة جديدة. مبروك".

وبالفعل كنت أنتظر الليل لأستمع إليها من بعيد، تأتي لي بالأمل واليقين.

أول مقال نشرته منذ عدة سنوات كتبته على صوتها. أول فيديو قمت بتصويره كان صوتها يصدح في الخلفية. فكرت في مستقبلي وحياتي القادمة وأنا أستمع إليها من بعيد. رسمت، أحببت، فارقت، تألمت، صمدت، وهي ترافقني. أصبحت كاتبة، فنانة، حرّة، بسبب صوتها الذي هدر من بعيد واحتضن روحي.

بالرغم مما قيل عن شخصيتها إنها "نرجسية" ولها تاريخ حافل من المواقف القاسية، أرى أنها كانت امرأة تحافظ على نجاحها حتى ولو بطرق لم ترض البعض حينها، فالرجال أيضاً يفعلون ذلك! لماذا يتحدّثون عن شخصية أم كلثوم الحادة وعن نزعاتها الأنانية البشرية ولا يذكرون أشباهها من الرجال؟

عن نفسي

في بداية مراهقتي كنت أشعر بأنني مميزة فقط. لا يوجد بداخلي عيوب مثل جميع البشر، أتعامل مع نفسي كأنني ملاك يرفرف جناحاه في السماء. بمرور الوقت، وفي نهاية مرحلة المراهقة وبداية النضوج، بدأت أحسب جميع تصرفاتي وخطواتي، ردود أفعالي وأسبابها.

اكتشفت أشياء كثيرة بعيدة عن الصفات الملائكية بشخصيتي: العصبية، العند، الكسل في بعض الأوقات، التسويف، المزاجية، الانعزال، وأيضاً الحدية في الردود.

وفي شخصيتي أيضاً النقيض، مثل: الهدوء، التفهّم لأقصى الحدود، النشاط والحيوية، احترام الوقت، حب الناس، اللباقة في الحديث والردود المناسبة.

كدت أجنّ من نفسي: كيف أكون كل ذلك وأكثر في شخص واحد؟ وبدأت في رحلة اكتشاف الذات التي أخذت من عمري كثيراً، حتى تيقنت أن ما بداخلي مرآة لتصرفات الآخرين، فمثلاً أغضب لأن هناك دافعاً قوياً مستفزّاً لا أستطيع تحمّله، ليس لأنني عصبية في المطلق ولكن لأن الموقف مستفز، وهكذا العزلة: لا أستطيع مخالطة من لا أحب والأشخاص المنافقين الذين لا يجمعني معهم ودّ ولا مشاعر إنسانية، ففي الظاهر أبدو "منعزلة" ولكنني لست كذلك، أنا اجتماعية مع من أحب وأشعر بحضورهم بالراحة.

احترمت مشاعري وتعلّمت أن أسمح لها بالبوح مهما كانت العواقب. لا يهمني سوى راحة بالي ونفسيتي ويقيني بصفاء قلبي، فأنا حرة، ولدي مشاعر ومميزات وعيوب مثل جميع البشر. شيء لا يقدر بثمن عندما يكون الشخص ملماً بذاته، يعلم أنه يكمن بداخله جميع المشاعر ونقيضها، طريق يصعب الوصول اليه ولكنه يستحق العناء.

لا أعلم إن وُفّقت بشرح ما أفكّر به، وغالب الظن أنكم ستجدون أخطاء كثيرة لي في هذا النص، سيتعامى عنها البعض لو كنتُ رجلاً، بينما سيشهّر بها لأني امرأة

وجهة نظر

الآن أنا على أعتاب الثلاثين، وما زلت أرى أنه بالرغم من التقدم والعالم الحديث الذي نعيش به، ما زالت التفرقة مستمرّة لمجرّد "اختلاف الجنس".

في فيلمThe devil wears Prada" ". شخصية البطلة جدية، عملية بشكل قوي، ربما تكون مستفزّة في بعض الأوقات التي يجب أن تتحلّى فيها ببعض المرونة، ولكنها كانت تفعل ما تراه الأفضل والأصحّ بطريقتها الخاصة التي تتميز بها، وبالفعل في نهاية الأمر كانت دائماً تنجح وتقوم بفعل الأمر الصحيح.

ساعة ونصف من وقت الفيلم، ألقوا بي في دوامة التفكير بكل ما ذكرته سابقاً، لخصت "أندريا"، البطلة الثانية في مشهد واحد فقط: كانت في موعد مع شخص وصف مديرتها "ميراندا" بأنها شخصية سادية قاسية وبلا مشاعر، ولا يهمها سوى العمل والنجاح فقط، وعلى الفور تذكرت مديرتي قديماً، وراقبت المشهد حتى ردّت عليه بإيجاز شديد قائلة: "لو كانت رجلاً لما لاحظ أحد قسوتها".

لا أعلم إن وُفقت بشرح ما أفكّر به، وغالب الظن أنكم ستجدون أخطاء كثيرة لي في هذا النص، سيتعامى عنها البعض لو كنتُ رجلاً بينما سيشهّر بها لأني امرأة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image