شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"صفعات على خدود المعجبين"... احتقار المشاهير لمتابعيهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الخميس 4 يوليو 202410:50 ص

أخذت صفعة عمرو دياب، المغني الشهير، حيّزاً واسعاً من الحديث المجتمعي، بالضبط كصوت الصفعة التي أسمعت كل الموجودين بالحفل تقريباً، والتي لجأ إليها "الهضبة" بعد أن حاول أحد معجبيه التقاط صورة معه (يقال لمسه أيضاً) خلال غنائه على منصّة إحدى الحفلات.

الأمر ليس فقط عن صفعة مغنّ استفزّه، على سبيل المثال، تصرّف معجب به، فقام بضربه. لو أن الأمور تجري هكذا، لكان عمرو دياب نفسه صُفع من أغلب معجبيه، المستنكرين إعلانه مع "بيبسي"، إحدى الشركات الداعمة لإسرائيل، وتدور حولها حملات مقاطعة عالمية، أو لكانت الشعوب العربية انهالت على خدود رؤسائها لطماً لأنهم أفقروا دولهم ودمّروها، لكن الفطرة الإنسانية السليمة هي أن تتمالك الناس أعصابها، حتى لا يتأذى بعضهم من بعض، وحتى تُحترم الحقوق وتُحفظ كرامة الناس ومشاعرهم.

ليست مرة أولى

الخلل الذي سببه جنون الشهرة، كان سبيلاً واضحاً لجعل ذلك الأمر يحدث بشكلٍ أو بآخر، فلم تكن تلك المرة الأولى، التي يؤذي فيها نجم أو مشهور أحد معجبيه، إذ إن ذلك الأمر حدث في أكثر من واقعة.

كان آخرها قبل أسابيع معدودة، واقعة زجر فيها الفنان أحمد عبدالعزيز ونهر أحد المعجبين الذي حاول لمسه حتى يلتفت له الممثل التلفزيوني القدير، لكن عبدالعزيز ردّ بتكبّر: "نزّل إيدك يله"، و"يله" كلمة تقال للتقليل من أهمية شخص وتحقيره.

الشاب الذي صاح فيه الممثل أحمد عبد العزيز هو من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأقرب الظن أن لديه إعاقة سبّبت له تأخراً ذهنياً، والغريب أكثر أن ذلك الشاب هو من بادر للاعتذار، بعد أن زجره الفنان القدير، فقال له: "أنا آسف يا أستاذ أحمد".

لو أن الأمور تجري هكذا، لكان عمرو دياب نفسه صُفع من أغلب معجبيه، المستنكرين إعلانه مع "بيبسي"، أو لكانت الشعوب العربية انهالت على خدود رؤسائها لطماً لأنهم أفقروا دولهم ودمّروها

نفس الأمر حدث كذلك قبل سنوات، في أحد المهرجانات، حيث كان الفنان المصري عمر الشريف موجوداً هناك، وكانت إحدى المراسلات الصحفية تحاول أخذ صورة تذكارية مع الممثل المصري الذي شارك في أعمال غربية عالمية، لكن شغفها الزائد وحماسها الكبير نحو الفنان المصري دفعاه لتوجيه صفعة قوية لها.

أخذت المراسلة الصفعة بعفوية. لم يكن الأمر هكذا بالضبط، لكنها استمرّت وأخذت الصورة وانصرفت، ثم صرّحت أنها بقيت حتى لا يلتفت الناس لها، ولتحافظ على كرامتها أمام الحضور الذين شاهدوها وهي تُصفع على وجهها.

الحكاية يمكن تلخيصها في النرجسية التي تصنعها الشهرة، في الاعتقاد أن المشهور صنف من القديسين أو المرسلين الذين لا يجوز مسّهم إلا بإذن (أو بدفع المال)، فلا أظن أن أي "نجم" من أولئك يجرؤ على القيام بالفعل عينه في بلد خليجي على سبيل المثال، أو أوربي، أو في بلد يُحترم فيه الأفراد العاديون ويمتلكون فيه حقوقاً تماثل حقوق "المشاهير"، والأمر أيضاً يتلخّص في ثقافة تعتبر أن أي شخص تجاوز عدد مرؤوسيه ثلاثة أشخاص يصبح إمبراطوراً عليهم، كمدير مدرسة مثلاً أو  رئيس قسم في دائرة حكومية صغيرة، فما بالك بـ "نجم" له ملايين المعجبين؟ لا ريب أنه يعتبر نفسه نصف إله على الأقل.

عندما أستمع لأغنية "وهي عاملة إيه دلوقت"، أجيب: "على الأغلب تضع كمّادات باردة على خدها من صفعتك"

كيف يكونون فنانين؟

تلك الحركات المحرجة والتعدّي باليد على الغير، تجعلنا نفكر في خسارة أن يكون أولئك الأشخاص فنانين، وفضيحة بيّنة أن يحملوا رسالة غاية في السمو والرقة كالفنّ الذي يقرّب الشعوب.

ليس هذا وحسب، كيف لهم أن يتعدّوا على غيرهم وهم من المفترض أن يكونوا حساسين ومنفتحين على العالم وأكثر تحضراً، وإلا هل المشاعر التي يخرجونها لنا، في الأغاني والأفلام والمسرحيات، هي صورة مزيفة عن أشخاص مزيفين؟ هذا الأمر في حد ذاته تعدّ آخر، لكن على ملايين المشاهدين وعلى مفهوم الفنّ نفسه، بطريقة غير مباشرة تلك المرة.

الآن عندما أستمع لأغنية "وهي عاملة إيه دلوقت"، أجيب: "على الأغلب تضع كمّادات باردة على خدها من صفعتك".

كما يجعلنا الأمر نتساءل عن هذا الهوس بالتقاط الصور مع المشاهير أو لمسهم أو رؤيتهم، ما الذي يمكن أن تضيفه صورة أو لمسة لشخص تجاوز الثلاثين من عمره، هل ستجعله أكثر توازناً مع نفسه والعالم؟ هل ستدفع له فواتير علاجه من ضعفه وعدم قدرته على الردّ؟

والأمر يتلخّص في ثقافة تعتبر أن أي شخص تجاوز عدد مرؤوسيه ثلاثة أشخاص يصبح إمبراطوراً عليهم، كمدير مدرسة مثلاً أو رئيس قسم في دائرة حكومية صغيرة، فما بالك بـ "نجم" له ملايين المعجبين؟ لا ريب أنه يعتبر نفسه نصف إله على الأقل

إذا ولينا الأعين نحو أوربا وأمريكا، بلاد الفن والتحضّر والقوانين (هكذا يزعم الجميع) سنجد أن ذلك يحدث أيضاً، فكلنا نتذكر صفعة الممثل ويل سميث للمراسل الذي حاول تقبيله، أو انتزاع المايكرفون من يد مراسل ورميه على الجانب الآخر من قبل كريستيانو رونالدو، الأمر الذي يدعو دوماً للتفكير: مم هم مصنوعون أولئك المشاهير ليحتقروا مشاعر الآخرين بهذه الطريقة؟

حسناً إذن، الأمر يحدث، ليس فقط في الدول العربية، ولا في بلدان محدّدة، بل في كل العالم. مئات المشاهير لا يحترمون الآداب العامة، وبعضهم جاهل بماهية احترام  المشاعر والحفاظ على كرامة الآخرين، وهو أمر، في تصوري، يدعو للنفور والبعد عن كل مشهور يفعل ذلك، حتى لا يستسهل البقية فعل ذلك، وألا يقتدي أحد بما يفعل المشاهير من عبث وتعدّ على حقوق غيرهم.

إن ما يزيد الطين بللاً، هو ما يحدث بعد حركات احتقار المشاهير لمتابعيهم هذه، بالطبع أقصد التريند، حيث تكون محركات البحث وعناوين الصحف والمجلات والبرامج التلفزيونية، تتحدّث عن تلك الوقائع.

أنا لا أتحدث عن عدم القيام بذلك أو إخفائه، فهو عمل ورسالة من واجبها نقل تلك الأحداث، لكن العبء الأكبر يعود على من يتلقى تلك الإهانة والاحتقار، التي قد تصل إلى عزله لنفسه وبعده عن الناس خشية أن يعايره أحد بما جرى له، حتى الانتحار أيضاً، وذلك قد يحتاج إلى تأهيل نفسي وعلاج، حتى يعاد دمج المعتدى عليه في المجتمع مرة أخرى، وهو أمر كبير كالواقعة التي حدثت له، فلا داعي لذلك من الأساس، وفقاً للعواقب الجسيمة والآداب الإنسانية.

وبالطبع، لكل إنسان طاقة وقدرة على التحمّل،  ولا نريد أن نحشر المشاهير في أثواب الملائكية، لكن هذا ما يسمّى "ضريبة الشهرة"، فإذا أراد النجم الذي يتعدّى على الناس ألا يستفزّ أو يتعرّض لمثل هذه المواقف التي يظهر فيها سلوكه وطبيعته، فعليه التنازل عن الشهرة، أو اعتزال ما يجعله شهيراً، فكل هذا المجد الذي يتنعّم به ما هو إلا نتيجة اهتمام هؤلاء المعجبين وأموالهم وهوسهم الذي لا ينضب.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image