ليس من المألوف أن تطغى الأخبار التي تحدث على هامش الامتحانات على أخبار الامتحانات نفسها في مصر، لكن هذا حدث هذا العام. بدأت امتحانات الثانوية العامة في 10 حزيران/يونيو 2024 بالمواد غير المضافة للمجموع، وعقب انتهاء إجازة عيد الأضحى بدأت امتحانات المواد الأساسية في 22 حزيران/ يونيو بمادة اللغة العربية، وليس هناك ما يثير الاستغراب حتى الآن في المعلومات السابقة.
لكن ما يثير الاستغراب، هو ذيوع مقولات عن "أساليب غير مقبولة" في تفتيش أكثر من 700 ألف طالب في الامتحانات، خاصة بعدما أعلن وزير التربية والتعليم المصري د. رضا حجازي عن توجيهات عاجلة لجميع لجان امتحانات الثانوية العامة على مستوى جمهورية مصر العربية بالعمل على التفتيش بـ"العصا الإلكترونية".
فوزارة التربية والتعليم كانت قد أصدرت بيانًا رسميًا خلال الأيام الماضية تؤكد فيه على ضرورة استخدام العصا الإلكترونية لتفتيش الطلاب أثناء دخولهم اللجان، والمرور مرة أخرى بعد نصف ساعة من بداية الامتحان للتفتيش وكذلك تفتيش دورات المياه لمحاربة الغش.
أولياء أمور: "تفتيش جسدي غير لائق"
ولأول مرة، تتم الاستعانة بالشرطة النسائية في تأمين الامتحانات. فقبل بداية انطلاق ماراثون الامتحانات أعلنت وزارة الداخلية عن اختيار العناصر الشرطية المشاركة في عملية التأمين وفقًا لأعلى المعايير. حيث تم رفع درجة الاستعداد، من خلال تكثيف الانتشار الأمني بمحيط اللجان وجميع الطرق والمحاور المؤدية لها، مع الدفع بقوات التدخل السريع، مدعومةً بعناصر من الشرطة النسائية، للتعامل الفوري مع كافة المواقف الطارئة.
طالبة ثانوية عامة: " المفتشات قمن بتفتيش الملابس والجيوب حتى وصلن إلى الأذن خوفًا من وجود سماعات إلكترونية تساعد على الغش داخل اللجان".
وعلى الرغم من تنبيهات وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني المصرية بأن يتم التفتيش باستخدام العصا الإلكترونية، إلا أن بعض اللجان لم تلتزم بهذه التعليمات، وتعرض كثير من الطلاب والطالبات لتفتيش ذاتي، وصفه بعضهم بالمهين والمحرج.
تقول شيماء وهو اسم مستعار لوالدة طالب ممن قدموا الامتحانات أن التفتيش في المواد غير الأساسية كان مقبولًا، ولكنه في المواد الأساسية والمضافة للمجموع كان حادًا. واصفة الأمر بأنه "حاد وغير لائق"، مؤكدة أن التفتيش كان يتسبب بتوتر الطلبة قبل دخول الامتحان، وأن بعض اللجان تستخدم العصا الإلكترونية بينما تلجأ لجان أخرى إلى التفتيش الذاتي.
أما سلمى وهي أيضاً طالبة في الثالث الثانوي فتروي بأن إجراءات التفتيش كانت مشددة، مبررة ذلك بأن أساليب الغش الحديثة التي انتشرت هي السبب. وأضافت أن من يفتش الفتيات هن سيدات "قمن بتفتيش الملابس والجيوب وصولاً إلى الأذن خوفًا من وجود سماعات إلكترونية تساعد على الغش داخل اللجان".
مراقب امتحانات: "تجاوزات التفتيش لا تصل للتحرش"
فتحي أبو طالب (40 عاماً)، معلم ومراقب في امتحانات الثانوية العامة، يقول لرصيف22: "نستخدم العصا الإلكترونية في التفتيش، فيمشي هذا الجهاز على جسم الطالب أو الطالبة، وإن وجد معه أي شيء معدني يتم التخلص منه على الفور، والتفتيش عبارة عن مرحلتين، الأولى قبل بداية الامتحان، والمرحلة الثانية في منتصف الامتحان، حيث نحاول عدم فعل المرحلة الثانية نظرًا لتجنب التوتر في اللجان".
وعن إجراءات التفتيش الحازمة أو المبالغ بها يفسّر بأن المراقب يخاف أن تحدث أي أزمة، لأن المسؤولية القانونية تقع على عاتق كل من رئيس اللجنة والمراقب، يقول: "أكبر مصيبة للمراقب هي أن يقوم الطالب بتصوير الامتحان وتداوله على منصات السوشال ميديا". مشيراً إلى أن أساليب الغش تطورت كثيراً، يقول: "على سبيل المثال وجدنا الهاتف المحمول لأحد الطلاب داخل كيس شيبسي عائلي، ولم ترصده العصا الإلكترونية".
مراقب في الامتحانات: "لا يوجد تجاوزات تصل إلى حد التحرش، وحالات الشكوى التي تسببت بأزمة تبين فيها أن الطالب معه آلة من آلات الغش، وحتى إن كانت هناك بعض التجاوزات فهي حالات استثنائية"
أما عن التجاوزات في التفتيش الجسدي "الذاتي" والتي اشتكى منها الطلاب، فيقول: "لا يوجد تجاوزات تصل إلى حد التحرش، والحالات التي تم عمل أزمة فيها يتضح أن الطالب معه آلة من آلات الغش وإن كانت تحدث فهي استثنائية".
لكن التعامل مع حالة تحرش أو لمس غير مرغوب على أنها استثنائية ينتقص من حق الطلاب أو الضحايا، لا سيما حين يكونون من القصّر وبدون حضور الأهل.
وتقول ضحى وهو اسم مستعار لوالدة أحد الطلاب إن آليات التفتيش للصبيان جاءت حازمة أكثر من الفتيات، وإن ابنها تعرض للتفتيش في امتحان اللغة العربية أكثر من مرة، فقد تم تفتيشه على بوابة اللجنة، لكنه في منتصف وقت الامتحان حين طلب أن يذهب لدورة المياه دخل المراقب وراءه، وطلب منه خلع حذائه وتفتيشه مرة أخرى هناك.
وتضيف: "فقد ابني أعصابه من هذا الموقف وتوتر كثيرًا وضاع وقته في الامتحان"، مؤكدة أنها حاولت الاتصال بالخط الساخن لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني لتقديم الشكوى الخاصة بها بدون فائدة.
بينما يقول يوسف وهو طالب ثانوية عامة إن التفتيش في لجنته لم يكن هناك به أي تجاوز. ويضيف أن الفكرة تكمن بوجود طلاب لا يرتاحون لمن يلمس أجسامهم بينما يكون الأمر طبيعيًا لطرف آخر ما دام الأمر لم يصل للتحرش أو لمس مواطن العفة.
تفتيش من هم دون الـ18 بدون وجود الأهل
أيمن محفوظ، محامٍ مصري بالنقض، يؤكد أن تفتيش الطلاب في الثانوية العامة أمر ضروري ومصرح به تحت بند قانون مكافحة الغش رقم (205) لعام 2020، والذي يستلزم التفتيش حتى يتم مكافحة الغش وفي حالة رفض الطالب لذلك تعتبر إدانة له بأنه يحاول الغش وقد يتم تحرير محضر ضده.
ويقول لرصيف22: "ما يحدث في امتحانات الثانوية العامة هو تفتيش إداري مثله مثل تفتيش المطار، وهذا شرط لدخول المكان". مؤكدًا أن الشكاوى ليست في مبدأ التفتيش نفسه، ولكن في آليات التفتيش حيث لا يوجد قانون يوضحها، ويستكمل حديثه: "بالطبع هناك ضوابط، أهمها أن الأنثى تفتش أنثى والرجل يفتش رجل. ولا يحق لمس العورة أو التفتيش بطريقة سيئة، أو الوصول إلى حد الملامسات التي تفسّر بأنها تحرّش". مشيرًا إلى أن لمس مواطن العفة أثناء التفتيش يدخل في قضايا هتك العرض ومن حق المجني عليه/ا أن يقاضي من قام بتفتيشه/ا، فقد تصل العقوبة المغلّطة بحسب المادة 268 من قانون العقوبات المصري للسجن حتى 15 عامًا.
والدة أحد الطلاب: "في منتصف الامتحان طلب ابني أن يذهب لدورة المياه، فدخل المراقب وراءه، وطلب منه خلع حذائه وقام بتفتيشه مرة أخرى هناك، مما تسبب له بتوتر شديد".
ولدى سؤاله عن مدى قانونية التفتيش الجسدي للقُصّر أو من هم دون سن الـ18، أجاب: "التعامل مع القُصر أو الأطفال فى التفتيش له طبيعة خاصة، ويوجد قواعد للتفتيش لهم يحددها روح القانون"، مؤكداً أن تفتيشهم لا يتم بواسطة من هم يرتدون زى شرطة مثلاً، إنما تتم الاستعانة بأفراد مدنيين تحت رقابة الأجهزة الرقابية وهذا لمنع ترويع الطفل وكذلك عدم المساس بجزء من جسمه الذى يعد عورة، مشيرًا إلى أن وجود الأهل ليس شرطاً فى تفتيش طلاب الثانوية العامة ولكن يجب مراعاة نفسيتهم وحقوقهم الإنسانية أثناء التفتيش.
خبير تربوي: "بدائل التفتيش الجسدي مكلفة"
أما الخبير التربوي وأستاذ علم النفس التربوي د. تامر شوقي فيبدأ حديثه بالتذكير بأن امتحانات الثانوية العامة هي أهم امتحانات في الدولة المصرية، وقد شهدت خلال السنوات القليلة السابقة انتشارًا كبيرًا لظاهرة الغش والتسريب والتداول للامتحانات، وخاصة في ظل ظهور أدوات الاتصال الحديثة من هواتف وسماعات وساعات دقيقة وذكية.
ويقول لرصيف22: "هذا الأمر الذي جعل وزارة التربية والتعليم تتخذ كل الإجراءات اللازمة لمواجهة ظاهرة الغش الإلكتروني بهدف القضاء عليها وتحقيق تكافؤ الفرص بين الطلاب في الامتحانات، ومن أبرز الوسائل المستخدمة في ذلك التفتيش الذاتي للطلاب قبل دخول اللجان، واستخدام العصا الإلكترونية، فضلًا عن مراقبة اللجان بكاميرات مراقبة. وفي رأيي فآليات تفتيش الطلاب تعتبر جيدة إلا أنها غير كافية، والدليل على ذلك أنه لا زالت هناك تسريبات لأجهزة الهاتف والأجهزة الذكية، ولا زالت هناك عمليات تداول إلكتروني مع الإقرار بانحصار تلك الظواهر مقارنة بذي قبل".
وبحسبه فقد تحدث أحيانًا بعض التجاوزات في عملية التفتيش وتسبب الأذى النفسي للطلاب وخاصة الإناث في ظل أنهم ينظرون إلى أنفسهم كطلاب علم في مؤسسات تربوية وليسوا متهمين في مؤسسات عقابية.
خبير قانوني: "التعامل مع القُصر فى التفتيش له طبيعة خاصة، ولا يتم بواسطة من يرتدون زى الشرطة إنما تتم الاستعانة بأفراد مدنيين تحت رقابة الأجهزة الرقابية لمنع ترويع الطفل، وكذلك لعدم المساس بجزء من جسمه الذى يعد عورة، لكن وجود الأهل ليس شرطاً فى تفتيش طلاب الثانوية العامة"
ويقول: "توجد بعض الشكاوى من التفتيش في بعض اللجان ولا يصل هذا الأمر إلى الظاهرة العامة. وقد يرجع سبب تلك الشكاوى إلى مبالغة المعلمين المسؤولين عن التفتيش في ذلك خوفًا من تحملهم مسؤولية تسريب أي جهاز داخل اللجان. كما قد ترجع أيضًا إلى رفض أو مقاومة بعض الطلاب للتفتيش اعتقادًا منهم أن ذلك يجعلهم كالمتهمين أو المشتبه بهم في أقسام الشرطة. وكلا الموقفين سواء من المعلمين أو الطلاب غير مقبول، ولا بد من مراعاة الاعتدال في ذلك الأمر بلا إفراط أو تفريط".
عن الأساليب غير المقبولة في التغتيش تقول سما، هي طالبة في الثانوية العامة أنها تعرضت لها، أو كما وصفت التفتيش بكلماتها بأنه "مريب"، حين طلبت منها المربية أن تقفز قفزتين في الهواء، تقول "بنط نطتين علشان لو في حاجة في البنطلون تنزل".
ويختم شوقي: "بالطبع توجد بدائل لآليات التفتيش، ولكنها تعتبر مكلفة للغاية، لأنها يجب أن تعمم على جميع اللجان في الجمهوري، مثل استخدام أجهزة كشف دقيقة عن بعد لديها إمكانية الكشف عن وجود أي أجهزة أو أجسام غريبة مع الطلاب، وبالطبع يبقى التشويش على أجهزة الاتصال داخل اللجان هو الحل الأكثر عملية والأوفر نسبيًا ولكن لا يتم تطبيقه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...