شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
في ذكرى 30 يونيو...

في ذكرى 30 يونيو... "لهذا" أو "لماذا" ثار المصريون ضد الإخوان المسلمين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحريات العامة

الاثنين 1 يوليو 202401:38 م

الزمان: 21 يونيو 2013، المكان: ميدان رابعة العدوية، الحدث: تجمّع الإخوان رفقة أنصارهم من الجماعات الإسلامية الأخرى القادمين من جميع محافظات مصر، دفاعاً مسبقاً عما يُمكن أن يحدث بعد ذلك اليوم بتسعة أيام، والذي، من وجهة نظرهم، مؤامرة لإحداث انقلاب على الشرعية.

أما ما قيل هناك على منصات التجمع فكان أمر آخر. كان وعيداً مباشراً بالدم لمعارضيهم، ودعوة للتجهّز من أجل قتال ضد الشعب الذي حدّد يوم 30 يونيو ثورة تنهي حكم الإخوان، ووصفهم هؤلاء بأعداء الثورة والدين والله. يحدث كل ذلك بعد عام واحد من توليهم الحكم، حينها اطمئن قلبي نحو فكرتي بأن عاماً واحداً فقط كافٍ لرحيلهم، وأنه لو طال الأمد أكثر من ذلك فلن يكون التخلّص من تيارهم الهجين بين الدين والسياسة والإرهاب أمراً محتملاً، دون حرب شوارع وتدمير الأخضر واليابس، على أقل تقدير.

في حركة خادعة يقوم بها معظم مؤيدي السيسي، جنباً إلى جنب مع النادمين على مشاركتهم في الثورة، تُنسب 30 يونيو إلى السيسي شخصياً، حتى لو سألت شباب الجيل الأحدث عن الداعي لثورة 30 يونيو وقائدها، ربما يقولون إنه السيسي

الذكرى واللطميات

في كل عام وفي ليلة الثلاثين من يونيو، أجد البعض يجلد ذاته أو غيره ندماً على المشاركة في ثورة 30 يونيو. ازدادت تلك الظاهرة بشدة في الأعوام الثلاثة الأخيرة، فمن وجهة نظرهم، الثورة لم تخلع نظام الإخوان فحسب، لكنها أتت بعبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، وفي حركة خادعة يقوم بها معظم مؤيدي السيسي، جنباً إلى جنب مع النادمين على مشاركتهم في الثورة، تُنسب 30 يونيو إلى السيسي شخصياً، حتى لو سألت شباب الجيل الأحدث عن الداعي لثورة 30 يونيو وقائدها، ربما يقولون إنه السيسي.

المؤيدون يريدون نسب فضل التخلّص من تيار متطرّف إلى رئيسهم، والنادمون ينفضون أيديهم من الثورة التي أصبحوا لا يفخرون بها، بنسبها إلى السيسي.

على ذلك المنوال، تتكرّر اللطميات كل عام، وتجد في ساحة اللطميات هذه مقاطع فيديو عديدة تُريك كم كان سعر كيلو اللحم ولتر البنزين وسعر صرف الدولار في عام مرسي، وكأنهم يقولون إن ثورتنا ضد الإخوان اقتصرت على الطعام والدولار، ناسين أو متجاهلين أموراً أعظم دفعتنا للثورة، حتى في وجود خطر عودة نظام مبارك أو صعود نظام آخر مشابه له.

للثورة أسباب أخرى

بالعودة إلى ما قبل الثلاثين من يونيو، يُمكنك أن تلاحظ بوضوح كيف لاعبت الجماعة ثوار يناير، وبقية الأحزاب المتواجدة حينها، بخبث شديد كي تنال ما تخطط له بعيداً عن أي معوقات، فتجد أن قيادات الإخوان سرعان ما تغاضت عن شبه خارطة الطريق التي اتفقوا عليها مع القوى الثورية الأخرى بعد ثورة 25 يناير، وأعني بذلك توزيع السلطة لضمان المشاركة الواسعة لكافة أطياف الشعب المحروم طوال عمره من أي تمثيل يُذكر، فسارعوا بالاستحواذ على أغلبية البرلمان، وتراجعوا عن وعدهم بعدم المنافسة على مقعد الرئاسة، وخاضوا الانتخابات الرئاسية بمرشح وآخر احتياطي، والبقية معروفة للجميع.

إذا أردنا أن نتحدث بلغة الأرقام الرسمية، فقد انتصروا بالصناديق نعم، لكن إن أردنا أن نكون مُنصفين فقد تم ذلك تحت استغلال فجّ للدين والأكاذيب، وتشويه الأطراف الأخرى، واستغلال تنظيم الجماعة في عمليات توجيه الناخبين، واستغلال كل ما يُمكن استغلاله في هذا التوقيت، من ضخّ أموال طائلة في مساعدات عينية للمحتاجين والتي هي رشاوى للمغلوبين على أمرهم في حقيقة الأمر، وبثّ خطاب كراهية نال من أعراض وذمم المنافسين تحت راية الدين، مستغلين حداثة عهد المصريين بالسياسة والحرية.

كانت تلك الخطيئة الأولى، وأحد أسباب معارضة كثير من القوى السياسية للجماعة وحزبها، والتي اشتعلت أكثر منذ لحظة مرسي الأولى في القصر الرئاسي.

بعد ذلك توالت المفاجآت على مرأى ومسمع جميع قطاعات الشعب، إذ وجدنا الوجوه الإخوانية المبتسمة المضيئة تتحوّل في كل مكان تقريباً لوحوش كاسرة، تهدّد الناس في أعمالهم وإعلامهم وفنهم، وتعتدي عليهم في شوارعهم متى استطاعوا فعل ذلك، وبشكل رسمي، أقصوا جميع القوى السياسية من أي مشاركة تُذكر، عند تشكيل الحكومة على سبيل المثال، في مشهد عام يُذكّرنا بإفيه عادل إمام الشهير "فجأة النور اللي في وشه انطفى والنسر اللي على قورته طار وقالي إنت ملكش حاجة عندي".

الإرهاب والأحزاب

من ناحية أخرى، شعر المصريون بالهلع عند رؤيتهم لرموز الإرهاب يتحولون لوجوه إعلامية أو ضيوف في الحفلات القومية، مثل احتفال ذكرى انتصار السادس من أكتوبر، الذي جلس في صفوف حضوره الأولى طارق الزُمر، أحد المتهمين بالتخطيط لاغتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، ناهيك عن نشاط العناصر الإرهابية غير المسبوق في سيناء وجنوب الوادي، وحتى الصعيد الذي كان منيعاً ضد الظهور العلني للجماعات المسلحة خارج إطار الدولة، شهد مرّة استعراضاً شبه عسكري بسيارات الدفع الرباعي لجماعة إسلامية، وكأنهم يقولون لبقية الشعب: ها قد أصبح لنا درع وسيف وبرلمان ورئيس يحمينا.

الأمر الذي يجعل الأحداث التي تبعت خلع محمد مرسي منطقية تماماً، عندما انطلق الإرهابيون يعيثون فساداً في شتى بقاع مصر، عند أقسام الشرطة المحترقة والمليئة بجثث الضباط والمجندين، وفي شوارع رمسيس التي سجّلت لأوّل مرة رفع علم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على سيارة تقل مسلحين ملثمين، وبالطبع في سيناء التي أخبرنا أحد أشهر قيادات الإخوان حينها، محمد البلتاجي، بأن الذي يحدث هناك من عمليات إرهابية سيتوقف في اللحظة التي يعود فيها مرسي إلى الحكم، في تهديد واضح باستمرار الإرهاب حتى تسليم مصر للجماعة مجدّداً، فُجر لا يحتاج لشرح ولا استفاضة.

حلاوة البدايات وظُلم النهايات

لا شك أن معظم المتباكين على عام الإخوان يعرفون كل ما ذُكر هنا، وربما أكثر، لكن ما يعيشونه من سوء للأحوال الاقتصادية وفساد للمناخ السياسي الحالي، يجعل من المحتمل أن يتناسى هؤلاء ما عشناه واقعياً في ذلك العام المذكور، أو يحملهم على التساؤل حول ماذا لو أكمل مرسي مدته، ثم تلاه رئيس مدني من تيار مختلف يُصحّح الأوضاع مثلاً.

الأزمة هنا أن كل الخطايا السابقة ارتكبت خلال العام الأول من حكم الإخوان، وذلك يدفعنا للتفكير ملياً في نقطتين، النقطة الأولى هي أن ذهاب البعض في المقارنة بين نظامي عبد الفتاح السيسي والإخوان، إلى مقارنة السنة اليتيمة لحكم محمد مرسي بأكثر من عشر سنوات في عهد السيسي، ضرب من تغييب حقيقة معروفة لدى كل قارئ للتاريخ المصري، وهي أننا اعتدنا أن تكون السنوات الأولى في حياة الرؤساء داخل قصورهم هي الأنجح، ثم بعد ذلك وعندما يُصيبهم مرض الالتصاق بالقصر، يفقدون رصيدهم شيئاً فشيئاً، حتى الرئيس الحالي -رغم معارضتي الشديدة له- فعل ذلك، فالأعوام الأولى للسيسي شهدت على الأقل القضاء على الجماعات الإرهابية التي نشطت بشدة في الفترة بين 2011 و2013، وفي رأيي فمقارنة ذلك العمل بسنة محمد مرسي كاملة ستكون نتيجتها في صالح السيسي.

ما يُكبّل أيدينا في أوقات كثيرة عن معارضة أشرس لأنظمة الحكم في بلادنا هو الخوف من السقوط في بئر الفوضى المدمّرة الذي تكرّر من حولنا، ولأننا كلما نظرنا إلى بئر مثل تلك، وجدنا جماعة دينية متطرّفة كانت هي التي حفرتها

وإذا اعتبرنا أن كل رئيس أتى لسدة الحكم في مصر اتبع معنا خطة "حلاوة البدايات"، فالوحيد الذي فشل في فعل ذلك هو مرسي، أي أنه لم يفلح حتى في تحقيق الحد الأدنى من أي شيء على الإطلاق.

النقطة الثانية، ستكون تخيلاً لكيف كانت ستُصبح مصر بعد أربعة أعوام من الإخوان؟ وأعني بذلك أربعة أعوام من إحكام قبضتهم على المؤسسات التي لم ينجحوا في "أخونتها" في عامهم الأول، كالقوات المسلحة والشرطة والقضاء والإعلام.

أؤمن تماماً أن ما منع الإخوان من الفتك بمعارضيهم، كما كان يفعل مبارك، هو تلك النقطة تحديداً، أي عدم قدرتهم على فعل ذلك وليس عدم رغبتهم، والدليل أنهم تجاوزوا حتى الحد المتوقع لمحاولاتهم فرض السيطرة والإقصاء على التيارات السياسية والزجّ بمعارضيهم في السجون، رغم أنهم لم يتسلحوا بعد بالمؤسسات الأربع الكبرى، فماذا لو فعلوا؟

الإجابة أعرفها وتعرفونها، لكنها قيلت أكثر من مرة على لسان أنصارهم، عندما أكدوا بأن خطتهم تمتد لثمان سنوات من الحكم، تليها أخرى لأحد أمثالهم، كحازم صلاح أبو إسماعيل. في رأيي أن ثورة الثلاثين من يونيو في 2013 كانت فرصة وحيدة للتخلص من كابوس يحيط بمصير هذه البلد، أقسى من الأحلام المزعجة التي سبقته وتلته.

لماذا أكتب هذا المقال؟

السؤال السريع الذي يردّده كثيرون عند الحديث عن ثورة 30 يونيو هو: "هل يعجبك الحال الآن؟". بالطبع لا يعجبني الحال، ورغم ذلك فما زلت أرى تلك الثورة أمراً كان لا بد منه، وإن قيل فيما بعد "شر لا بد منه"، ولست من محبي الاختيار بين مُرّين، لكني سأقول بصراحة شديدة، إن ما يُكبل أيدينا في أوقات كثيرة عن معارضة أشرس لأنظمة الحكم في بلادنا هو الخوف من السقوط في بئر الفوضى المدمّرة الذي تكرّر من حولنا، ولأننا كلما نظرنا إلى بئر مثل تلك، وجدنا جماعة دينية متطرّفة كانت هي التي حفرتها، وهنا خوفنا مبرّر.

وأكتب هذا المقال لأن ببساطة، الذاكرة البشرية تحتاج لاسترجاع مستمرّ لأهم الأحداث التي يعني نسيانها تهديداً بضياع محتمل، أو بئر جديد، ولأنني لا أعلم ماذا يحمل الغد لبلادي، أخشى وسط حالة الغضب واليأس الحالي أن يأتي حاملاً الإخوان مرة أخرى، لذا "فَذَكِّر".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard