تندرج هذه المادة ضمن ملف "هنا نفتح القرآن معاً، ويشعّ الحبّ"، في رصيف22.
للنص القرآني جماله وحلاوته عند المسلمين، وهم يختلفون في تذوقهم للقرآن. كل فردٍ يستشعر جمال الآيات القرآنية بطريقته الخاصة. وكلما كان المرء قريباً من اللغة والثقافة العربية، كان أكثر قدرةً على تذوق آيات القرآن والاستمتاع بجمالها. ليس العرب وحدهم من يستمتعون بجمال الآيات القرآنية. غير العرب لهم نصيب من ذلك، ولهم استقبالهم الخاص لجمال الآيات القرآنية، فمنهم من يأسره إيقاع القرآن، ومنهم من يستمتع بجمال النِعَم المذكورة فيه، ومنهم من يعينه جمال الآيات على دفع ملل الحياة واستنبات الأمل.
علاقة حب خاصة
تقول الكاتبة والأكاديمية الأمريكية الكندية لاوري سيلفرز، لرصيف22: "لا أحب أن أُشارك انطباعاتي الخاصة عن القرآن، فقد فعلت ذلك في الماضي والحمد لله، لكني لا أحب أن أفعل ذلك الآن". وتوضح: "والسبب في ذلك أن علاقة حب قوية تربطني بالنص القرآني، ولا أفضل البوح بأيّ أفكار حولها على الملأ، وأكتفي بفعل ذلك مع بعض الأصدقاء فحسب".
جمال الإيقاع القرآني
وفي ما يتعلق باستشعار الجمال في الآيات القرآنية، يقول الباحث الروسي في الدراسات السنسكريتية، نيكولا سوفوروف (أسلم وسمَّى نفسه جبريل)، لرصيف22: "النبي صلّى الله عليه وسلم قال إن الله جميل يحبّ الجمال، والقرآن كلماته جميلة، ولا أحد يستطيع أن يقلّدها، وأنا أبداً لا أستطيع أن أقول إني سَئِمتُ من تلاوة آياته أو الاستماع إليها برغم أني قرأتها أو سمعتها مرات كثيرةً".
ويحكي سوفوروف عن ذكرى له في هذا الصدد: "أتذكر أني كنت أصلِّي مع شخص وكان معنا شخص آخر ملحد وغير ناطق بالعربية ولا يفهمها، وعندما انتهينا قال لنا إن جمال الإيقاع القرآني أعجبه".
ليس العرب وحدهم من يستمتعون بجمال الآيات القرآنية. غير العرب لهم نصيب من ذلك، ولهم استقبالهم الخاص لجمال الآيات القرآنية، فمنهم من يأسره إيقاع القرآن، ومنهم من يستمتع بجمال النِعَم المذكورة فيه، ومنهم من يعينه جمال الآيات
ويضيف: "وأريد أن أقول إنَّ الايقاع القرآني لا بديل له وأستمتع به كلما رتّلته". وقالت باحثة هندية حاصلة على دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة برلين الحرة (فضّلت عدم ذكر اسمها): "أستمتع جداً بسماع مقاطع القرآن المقروءة بالمقامات الموسيقية". وتضيف: "تعجبني سورة 'الرحمن'، وسمعت الترجمة الأردية لها مرات عدة على اليوتيوب. إنها آخذة بالألباب".
آيات تُدخل الأمل إلى روحي
وفي ما يخص ما إذا كانت هناك آيات معيّنة في القرآن يستمتع بها، يقول سوفوروف: "أما الآيات التي أحبّها خاصة فهذا أمرٌ صعب أن أقوله في الحقيقة، لأن الآيات القرآنية كلها كلمات الله التامة". ويستطرد: "ولكن مثلاً أحبّ سورة المطففين التي تشتمل على آيات عن العدل، وكذلك الآيات التي جاءت في سورة 'الإسراء' لتخبر الناس بأنهم لا بد أن يزِنوا بالقسطاس المستقيم، أي بالميزان الدقيق جداً".
ويضيف: "آيات سورة 'المطففين' مثل 'إِنَّ كِتَٰبَ ٱلأَبرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَآ أَدرىٰكَ مَا عِلِّيُّونَ (19)'، والآيات: 'إِنَّ ٱلأَبرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعرِفُ فِي وُجُوهِهِم نَضرَةَ ٱلنَّعِيمِ (24) يُسقَونَ مِن رَّحِيقٖ مَّختُومٍ (25) خِتَٰمُهُۥ مِسُكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فليَتَنَافَسِ ٱلمُتَنَٰفِسُونَ'، وكذلك الآيات الأخيرة في السورة نفسها: 'فَٱليَومَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ ٱلكُفَّارِ يَضحَكُونَ (34) عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ (35) هَل ثُوِّبَ ٱلكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفعَلُونَ (36)'، وآيات سورة 'المطففين' كلّها في الحقيقة تُدخل الأمل إلى روحي وتعطيني اليقين بأنَّ عذاب الدنيا ينتهى ويحصل كل إنسان في الآخرة على ما يستحقه".
ممتع لأذني ويجعل روحي هادئةً
تقول باحثة الدكتوراه الكازاخستانية المُسلمة أييم تليبركين، لرصيف22: "تعجبني سورة 'الفاتحة' بجميع آياتها، ويبدو لي أن هذه السورة، من أهم السور في القرآن، وهي سورة تحظى بتقدير الكثيرين، وتُقرأ مرات عدة في اليوم، وتعجبني بشكل خاص بساطتها، وفي الوقت نفسه محتواها العميق للغاية". وتضيف: "أحب إيقاع القرآن عند قراءته، فهو ممتع لأذني ويجعل روحي هادئةً".
وعن تجربته الشخصية مع تذوق جماليات الآيات القرآنية، يقول الأكاديمي النيجيري المتخصص في الأدب العربي، سليمان الأفنجون، لرصيف22: "أستشعر جمال الآيات القرآنية من خلال التأمل فيها، خصوصاً في أثناء التلاوة. كما أنني أذوب في هذا الجمال في أثناء الاستماع إلى تلاوات لقراء معيّنين، مثل السديسي وعبد الباسط عبد الصمد".
جمال التنوين في نهايات آيات الإسراء
وعما إذا كان يستمتع سليمان الأفنجون، بجمال آيات معيّنة، يقول: "كل الآيات القرآنية جميلة، لكني وجدت الآيات التي تنتهي بالتنوين الاسمي جميلةً بشكل خاص عند تلاوتها، كآيات سورة 'الإسراء' فأستقبلها بسرور عندما أستمع إليها. لا أستطيع حقاً أن أوضح السبب الكامن وراء ذلك، لكني أجد متعةً كبيرةً عند استماعي إلى تلاوتها. والتنوين الاسمي هذا هو كما في نهاية الآيات التالية من سورة 'الإسراء': 'وَمَن أَرَادَ ٱلأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعيَهَا وَهُوَ مُؤمِن فَأُوْلَٰٓئِكَ كَانَ سَعيُهُم مَّشكُورٗا (19) كُلّا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِن عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحظُورًا (20) ٱنظُر كَيفَ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَىٰ بَعضٖ وَلَلأٓخِرَةُ أَكبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكبَرُ تَفضِيلا (21) لَّا تَجعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقعُدَ مَذمُوما مَّخذُولا (22) ۞وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلوَٰلِدَينِ إِحسَٰنًا إِمَّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ ٱلكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنهَرهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَولا كَرِيما (23) وَٱخفِض لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرا (24) رَّبُّكُم أَعلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُم إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلأَوَّٰبِينَ غَفُورا (25) وَءَاتِ ذَا ٱلقُربَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسكِينَ وَٱبنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّر تَبذِيرًا (26)'".
جمال الكلام عن نعم الله
يقول السيد محمد أفضل (هندي مسلم ويعمل مديراً مالياً في السعودية)، لرصيف22: "من فضل الله علينا أنه أعطى لنا مثل هذا القرآن الذي يرشدنا في الاتجاه الصحيح، ويبيّن لنا كيف نعيش الحياة. إنني أشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة".
ويضيف: "ولذلك فإنني أستمتع بجمال آيات سورة الرحمن لأنها توضح لنا النعم والخيرات التي منحنا الله إياها". وهذه بعض آيات من هذه السورة في هذا السياق: 'وَٱلأَرضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ (10) فِيهَا فَٰكِهَة وَٱلنَّخلُ ذَاتُ ٱلأَكمَامِ (11) وَٱلحَبُّ ذُو ٱلعَصفِ وَٱلرَّيحَانُ (12) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)'".
جمال القرآن يطرد الملل ويبعث الأمل
تقول الأكايمية التركية عائشة كار، التي تعمل محاضرةً في جامعة إسطنبول (Istanbul Medeniyet University)، لرصيف22: "ليست اللغة العربية لغتي الأم، ولكن منذ أن درست اللغة العربية أستطيع أن أفهمها إلى حد ما، وأتحقق بشكل مستمر من معاني المفردات لأتأكد من صحة فهمي، ويمكنني حتى الاستمتاع بجمال القرآن من خلال بعض القرّاء المشهورين، مثل السديسي ومشاري راشد وغيرهم.
كل فردٍ يستشعر جمال الآيات القرآنية بطريقته الخاصة. وكلما كان المرء قريباً من اللغة والثقافة العربية، كان أكثر قدرةً على تذوق آيات القرآن والاستمتاع بجمالها
وتضيف: "في الواقع إن ما يبهجني بشكل هو فهمي للمعاني أقرأ الآيات، حتى لو كان المعنى الذي أستطيع أن أفهمه ذا صلة بأمور أساسية في الدين، لكن القدرة على فهم المعنى لها متعتها عندي. وتوضح كارا أنها تحب بشكل خاص الآية 48 من سورة الأحزاب: 'وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلاً'". وتضيف: "والآيات التي تبثّ الأمل في نفس المؤمن لها عظيم الأثر عليَّ".
وقالت أكاديمية تركية (فضلت ألا نذكر اسمها)، لرصيف22: "لا توجد آية قرآنية أفضل من الأخرى، فآيات القرآن كلها رائعة ولكن هناك آيات لها تأثيرها عليَّ حسب حالتي المزاجية، فعندما أشعر بالملل في أثناء العمل فإنني أحب أن أستمع إلى الآية القرآنية: 'وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ' (الآية 39، سورة 'النجم')، وكذلك الآية القرآنية: 'أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ' (الآية 9، سورة 'الزّمر')".
وتوضح: "القرآن هو كلام الله لذلك جاء في أعلى مستوى من اللغة العربية والبلاغة، حتى بلغ درجة أنه لا يمكن لبشر أن يأتي بآية مثيلة لآيات القرآن، فالقرآن جماله في معناه". وتبيّن: "لأن القرآن هو رسالة الله إلى الإنسان، فإنه لا يهم جمال لغة الآيات القرآنية وأسلوبها، فإنني لا أبدو على حق إذا تجاوزت معناها وذهبت لتقييم جودتها الأدبية فهي ليست نصاً أدبياً كالقصة، ولا ينبغى أن تُقرأ بالمقامات الموسيقية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Hani El-Moustafa -
منذ 5 ساعاتمقال أكثر من رائع واحصائيات وتحليلات شديدة الأهمية والذكاء. من أجمل وأهم ما قرأت.
حوّا -
منذ 4 أيامشي يشيب الراس وين وصل بينا الحال حسبي الله ونعم الوكيل
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل هذه العنجهية فقط لأن هنالك ٦٠ مليون إنسان يطالب بحقه الطبيعي أن يكون سيدا على أرضه كما باقي...
Ahmed Mohammed -
منذ 5 أياماي هبد من نسوية مافيش منطق رغم انه يبان تحليل منطقي الا ان الكاتبة منحازة لجنسها ولا يمكن تعترف...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياموحدث ما كنا نتوقعه ونتأمل به .. وما كنا نخشاه أيضاً
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أيامصادم وبكل وقاحة ووحشية. ورسالة الانتحار مشبوهة جدا جدا. عقاب بلا ذنب وذنب بلا فعل ولا ملاحقة الا...