لا عيب في الاقتباس، فكثير من الأعمال الفنية في عالمنا العربي، وفي مصر خاصة، تعيش على الاقتباس والتدوير. لكن ما يعيب هو أن يتحول الاقتباس إلى نكبة على المقتبس إذا أساء الاقتباس. هذا ما حدث مع فيلم "أهل الكهف"، المقتبس أولاً من قصة أهل الكهف التي تناولتها الأديان السماوية، ثم من مسرحية من أربعة فصول بالاسم نفسه للأديب توفيق الحكيم.
الفيلم – كما هو مكتوب في مقدمته – يعلن أن حكايته لا تمت بصلة إلى ما ذكر في القرآن أو النصوص الدينية، وأنه فقط مستوحى من رواية "أهل الكهف" للكاتب "توفيق الحكيم". وهذا خطأ وقع فيه صناع الفيلم من البداية لأنها مسرحية وليست رواية كما هو مكتوب، والفرق بين المسرحية والرواية كبير.
بداية الأحداث وسياقها
تبدأ أحداث الفيلم عام 250 ميلادية في عهد الإمبراطور "ديقيانوس" (الممثل مصطفى فهمي) واضطهاده للمسيحيين في ذلك الوقت. فيهرب سبعة أشخاص اعتنقوا المسيحية سراً من بطشه، على رأسهم قائدا جيشه "سبيل" (الممثل خالد النبوي)، والقائد "بولا" (الممثل محمد ممدوح)، مع الممثل محمد فراج في دورين لتوأم "نور ونار"، و"أحمد عيد" في دور راعي الغنم "مليخة"، و(توفيق رشوان) في دور "خشب" وحفيده الطفل المولود حديثاً الذي سيأخذ دور الراوي (الممثل أحمد بدير).
الفيلم – كما هو مكتوب في مقدمته – يعلن أن حكايته لا تمت بصلة إلى ما ذكر في القرآن أو النصوص الدينية، وأنه فقط مستوحى من رواية "أهل الكهف" للكاتب "توفيق الحكيم"، وهذا خطأ وقع فيه صناع الفيلم من البداية لأنها مسرحية وليست رواية
يهرب هؤلاء السبعة ويختبئون داخل كهف ليمر عليهم ثلاثمائة عام من النوم المتواصل، وعند استيقاظهم يصطدمون بتغير شكل الحياة ويدخلون في صراع بين حاضر غريب عليهم، وفقدان ذويهم، وشعور بالوحدة بسبب عدم وجود أي ما يربطهم بحياتهم الماضية، ولعدم تقبلهم للحياة بشكلها الجديد رغم انتشار المسيحية وقت استيقاظهم من نومهم في الكهف، فيقرروا بعدها العودة تارة أخرى إلى الكهف انتظاراً للموت. والفيلم سيناريو أيمن بهجت قمر وإخراج عمرو عرفة.
إخراج مستنسخ برداءة
أثناء مشاهدتي للفيلم المصري "أهل الكهف" كانت معاناتي الأولى معه هي الملل من الأحداث ورتابتها، ومن السيناريو الذي قام بعملية تهجين بين النص المسرحي لتوفيق الحكيم والنص الديني والخلط بينهما، ليخرج هذا المسخ المعيب والعقيم درامياً والممطوط حد الملل، ومقاومة المغادرة قبل انتهاء الفيلم.
ثم زادت المشكلة عندي أكثر مع تلك المشاهد المنقولة نقلاً حرفياً من أفلام أجنبية مثل "300"، وخاصة في مشاهد المعارك والقتل لخالد النبوي قائد جيوش الإمبراطور "ديقيانوس" وزميله القائد "بولا" محمد ممدوح. أما الفيلم المنسوخ منه كادرات كاملة حد التطابق فهو فيلم "Gladiator"، الذي تم إصداره عام 2000.
مشاهد كاملة منسوخة من فيلم "300"، أما الفيلم المنسوخ منه كادرات كاملة حد التطابق فهو فيلم "Gladiator"، الذي تم إصداره عام 2000.
رغم مرور عشرين عاماً على هذه التحفة الفنية للنجم "راسل كرو"، وبقائها محفورة في ذاكرة المشاهد الغربي والعربي، إلا أن صناع فيلم "أهل الكهف" وبمنتهى الاستسهال قاموا بعملية استنساخ لمشاهد كاملة لمعارك من "Gladiator" نقل المسطرة، وكأن المشاهد نسي النسخة الأصلية اعتماداً على عامل النسيان لدى المشاهد العربي.
هذا الاستنساخ مصنوع بسذاجة مع فارق الإمكانيات بين النسخة الأصلية من الفيلم الأمريكي في استخدام تقنية الـ(CGI)، أو الصور المصنوعة بالكمبيوتر في الفيلم المصري "أهل الكهف"، وكذلك مع الفارق في الدقة والإتقان، وخاصة في اللقطات والزوايا الواسعة للمعارك، والتي أظهرت الاستسهال وعدم الحرفية، وكانت مشاهد التقاء الجيوش في المعارك غاية في السوء باستخدام الغرافيك.
فقد حاول المخرج والمصور إكثار عدد المقاتلين أثناء المعارك، ولكنها المشاهد خرجت في النهاية بصورة كارتونية ضعيفة، أكدت ضعفها اللقطات القريبة حين يتقلص عدد المحاربين في مشاهد القتال لخالد النبوي ومحمد ممدوح في النصف الأول من الفيلم. ثم باتت أسوأ في النصف الثاني مع ظهور محمد فراج وأحمد وفيق قبل نهاية الفيلم ومعارك بها "راكورات" ما كان ليقع فيها عمل بهذه الضخامة والإنتاج.
خليط بين العامية والفصحى
بغض النظر عن التخبط في معضلة هل اللغة العامية أصلح للحوار أم الفصحى، جاء المزج بينهما ساخراً في النهاية. فلا الفيلم حافظ على اللهجة العامية طوال الأحداث، ولا وازن بين الفصحى في الحوار، وصنع هجيناً آخر من لغة لا تمت إلى الفصحى أو العامية، وأقرب إلى لغة الشارع الدارجة في مفردات لا تتوافق مع زمن الفيلم وأحداثه وقصته.
كل هذا فصلني كمشاهد، لتطفو في عقلي مشاهد فيلم "Gladiator" وترتسم في عيني لتزيد مساحة الحنق على هذا الاستسهال دون اجتهاد أو إبداع. مشكلة استخدام اللهجة العامية مشكلة تعاني منها الأعمال التاريخية المصرية معاناة مريرة، تجعل الجدل عليها قائماً مع صدور أي عمل، لتعيد المقارنة بينها وبين الأعمال التركية أو السورية التي تتفوق بجدارة على المصرية في اللغة. وهي مشكلة دائمة وستظل موجودة مع فقر الإبداع والتسطيح الفني.
"مورفولوجيا" الممثلين ومساوئها
رغم أن الفيلم يضم نجوماً كباراً من حيث الخبرة والتجربة والمهنية، إلا أن تمثيل الأغلبية خرج هو الآخر نسخاً مشوهة من أداءات لممثلين أجانب. وحتى أداءات قديمة بذات الشكل والتكوين لذات الممثل نفسه. على رأس هؤلاء النجم الأول للعمل خالد النبوي، الذي لم يجتهد في أن يغير من جلده ولاذ إلى المنطقة الآمنة والنمطية من أداءات وتمثيل سابق لأعمال بعينها، كان بطلاً فيها، في مقدمتها الأداء الذي قدمه في مسلسل "ممالك النار"، والذي لا يختلف عن تمثيله وحركاته وطريقته في فيلم "أهل الكهف". حتى الشكل الخارجي والظاهري للشخصية بدا مستنسخاً من شخصيته في مسلسل "ممالك النار".
ثم تأتي شخصية القائد "بولا" التي يقدمها الممثل محمد ممدوح. فرغم أن الدور جديد في مسيرته الفنية إلا أنه متأثراً أيما تأثر بطريقة تمثيل أبطال فيلم "Gladiator"، مع انتقالات عاطفية وانفعالات غير مبررة يشاركه فيها الممثل خالد النبوي قبل الاختباء في الكهف، وبعد الاستيقاظ في عالمهم الجديد بعد 300 عام أو يزيد. فبسبب اختلاف عوالم الزمنين، كان لابد من اختلاف المشاعر وردود الأفعال بما يناسب الأحداث.
رغم أن الفيلم يضم كبار النجوم من حيث التجربة والمهنية، إلا أن تمثيل الأغلبية خرج هو الآخر نسخاً مشوهة من أداءات لممثلين أجانب. وحتى أداءات قديمة للممثلين المصريين أنفسهم. على رأس هؤلاء النجم الأول للعمل خالد النبوي، الذي لم يجتهد في أن يغير من جلده، وشخصية القائد "بولا" التي يقدمها الممثل محمد ممدوح
أما الشخصية الأكثر ارتداداً إلى مفهوم الكلاسيكية والتنميط في التمثيل فهي شخصية الوزير اليهودي "عرموش" التي جسدها النجم صبري فواز. هذه شخصية تمثل ارتداداً لفكرة اليهودي الخبيث في أفلام الأربعينيات والخمسينيات، حيث الضحكة الصفراء الباهتة والعيون الخبيثة في نظرتها وحركاتها بوضوح معيب لمعنى الشر وشخصية الشرير الكلاسيكية.
وهي ذات الفكرة التي استهلكتها الدراما العربية والمصرية، خاصة في سينما الخمسينيات وحتى فيما بعد كما في مسلسلات "رأفت الهجان" و"دموع في عيون وقحة".
أما ثاني خطايا شخصية الوزير اليهودي "عرموش" فهي تأثرها واستنساخها وخاصة في النصف الأول من الفيلم من إحدى شخصيات فيلم "Gladiator"، وهي شخصية "كاسيوس" منظم حلقات المصارعين التي جسدها الممثل والمخرج والمنتج الإنجليزي الراحل "ديفيد همينجز".
ثم تأتي شخصية مزدوجة الظهور حيث التوأم "نور ونار"، وجسدهما الممثل محمد فراج.
رغم اجتهاد فراج في التفريق بين الشخصيتين، حيث شخصية "نور" المثالية في عقليتها وإيمانها التي تعيش في يوتوبيا متماشية مع اسمها كإسقاط سطحي في استخدامه الرمزي للسيناريست، وشخصية "نار" النقيض لشخصية توأمه "نور"، وما لهذا الإسقاط في الاسم "نار" الانتهازي النفعي المتسلق والمتلون والعائش مع الديستوبيا في سلام نفسي. رغم هذا الاجتهاد ولولاه في محاولة فراج المضنية للتفريق في أداء الشخصيتين استناداً إلى اللجوء لطريقة التمثيل الصوتي المرتفع في شخصية "نار" والمنخفض في مستواه في شخصية "نور" وبعض النظرات الخبيثة والغاضبة والحركات التعنيفية من جسد "نار"، ما كان للمشاهد أن يفرق بينهما، مع أخطاء في المكياج في شخصية "نار" واستعانة بدوبلير لم يتم إتقان مكياجه، ليظهر تارة بشعر مختلف في لونه عن لقطات أخرى.
وتأتي في المنزلة الأسوأ في التمثيل شخصية "بريسكا" التي جسدتها الممثلة "غادة عادل". هي شخصية لا تختلف عن توأم "نور ونار" لمحمد فراج. الفارق الوحيد بينهما أن شخصية "بريسكا" الأولى التي ظهرت في النصف الأول من الفيلم قبل أحداث الهروب للكهف في عهد الإمبراطور "ديقيانوس" وابنته بالتبني لا تختلف في أدائها التمثيلي عن شخصية "بريسكا" ما بعد الاستيقاظ من الكهف بعد القرون الثلاثة.
كذلك، فمشاهد القتال التي أدتها الممثلة "غادة عادل" كان بها سوء تدريب وسوء حركة، فقد كان لزاماً عليها التدرب على القتال بالسيف، وخاصة أنها ظهرت في مبارزة مع قائد جيوش كبير هو "سبيل" (خالد النبوي) الذي كان قديماً حبيبها في السر. ثم اختلط عليه الأمر فظل متخيلاً أنها حبيبته الحالية منكراً النوم الطويل لسنوات في الكهف. مع مشاهد لتلاقي الحبيبين "القائد سبيل" (خالد النبوي) و"بريسكا" (غادة عادل) مقحمة في الأحداث على استعجال. ولولا اختلاف الملابس وتسريحة ولون الشعر بين شخصية "بريسكا" في النصف الأول من الفيلم و"بريسكا" في النصف الثاني لما كان هناك فرق.
أداء غادة عادل وجميع الأدوار النسائية جاءت الأكثر تهميشاً وتسطيحاً وعدم توظيف، وظهور مفاجئ واختفاء مفاجئ كما في أدوار "هاجر أحمد" (بنت خشب) و"ريم مصطفى" (تسنيم)، وحتى الممثلة "بسنت شوقي" (تسنيم) سارت على نفس النسق في الاستسهال التمثيلي.
أداء غادة عادل وجميع الأدوار النسائية جاءت الأكثر تهميشاً وتسطيحاً، مع ظهور مفاجئ واختفاء مفاجئ على نفس النسق في الاستسهال التمثيلي.
ثم تتكرر الاستنساخات المكررة من فيلم "Gladiator" في لحظة قتل القائد "بولا" (محمد ممدوح) بخنجر على يد الممثل "أحمد وفيق" (دريس)، كمحاكاة واستنساخ واضح واستدعاء لموت المحارب (ماكسيموس/ راسل كرو) من "Gladiator" المنتهك والمستباح من كثرة استنساخ مشاهد منه ورؤيته لزوجته كخيال لحظة موته. وهو ذات التكرار الذي قام به الممثل "محمد ممدوح" مرة سابقة في مسلسل "قابيل" ولكن كانت في المسلسل سالف الذكر أكثر إتقاناً وإقناعاً لرؤية مخرج لا يستنسخ ولكنه يبدع.
أداء الممثلين وتوظيف الشخصيات
في نهاية المطاف، لم يقدم الممثل "بيومي فؤاد" شخصية الإمبراطور في النصف الثاني من الفيلم كما يلزم لهكذا شخصية لها ما لها من السلطة والقوة. فبدت وبطريقة "بيومي فؤاد" لا تخرج عن كونها شخصية "بيومي فؤاد"، الكوميديان لا التراجيدان اللازمة للشخصية المكتوبة، والتي من المفترض أنها دبرت نهاية "درامية"، لكن لم يظهر فؤاد منذ البداية سوى الدوران في شخصيته وذاته وحركاته لا يمت بصلة للامبراطور.
الشخصية الوحيدة التي حافظت على ثباتها، وأضفت الابتسامة في فيلم "أهل الكهف" من حيث خفة الدم والتمثيل هي شخصية "مليخة راعي الأغنام" لأحمد عيد، التي ربما حافظت على الجمهور وعلى عدم مغادرتي لقاعة السينما والندم على دفع ثمن تذكرة لهكذا استنساخ معيب يتكرر. وسيظل يتكرر في غياب المهنية والإتقان على حساب النسخ المشوهة واستسهال منهجية الـ"القص واللصق" في سينما المسخ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين