لم يعد رفع الأفلام من صالات العرض في مصر يعني نهاية دورة مشاهدتها، فمع منصات المشاهدة الرقمية، وقبلها الفضائيات التي تحتل مكانة مهمة في البيوت المصرية، لا يزال أمام الأفلام التي تفشل في تحقيق الإيرادات اللائقة للبقاء في صالات العرض النادرة فرصة لتحقيق صدى لدى المشاهدين وتعويض منتجيها عن الخسائر، لكن هل تنطبق هذه القاعدة على كل الأفلام؟
مثل بطله الذي جاهد على الشاشة لتحقيق النجاح، حاول فيلم "خمس جولات " الذي استقبلته دور العرض المصرية في مطلع سبتمبر/أيلول الفائت المجاهدة للوصول للجمهور. اعتمد صناع الفيلم على نجومية حققها بطله رامي الشرقاوي بعد ظهوره في مسلسل "لعبة نيوتن" للمخرج تامر محسن وبطولة منى زكي ومحمد فراج، استطاع الشاب المصري الذي ينطق العربية بلكنة أمريكية ويتمتع بخفة ظل واضحة أن يحقق شعبية لافتة وقتها، لكن بطولته الأولى في فيلم "خمس جولات" جاءت بعيدة جداً زمنياً عن نجاحه الذي خبا سريعاً، كما أن موضوع الفيلم ليس من الموضوعات التي تحقق النجاح عادة في دور العرض المصرية.
تتعامل السينما مع الرياضات البدنية على أنها مصدر جذب من خلال استغلال شعبية الرياضيين لجذب جمهورهم إلى قاعات العرض، أو تقديم حكايات البطولة الملهمة أو المضحكة، على أن ينتهي الفيلم عادة بانتصار البطل أو الفريق الذي ينتمي إليه البطل ولو لم يكن مؤهلاً للفوز
يذكر أن الفيلم سُحب من الصالات في بداية شهر الشهر الماضي لضعف الإقبال عليه وقلة إيراداته، وهو يعد من الأفلام الرياضية ويتناول رياضة جديدة وهي رياضة الـ mma.
تتعامل السينما مع الرياضات البدنية على أنها مصدر جذب من خلال استغلال شعبية الرياضيين –تحديداً لاعبي الكرة في العالم العربي- لجذب جمهورهم إلى قاعات العرض، أو تقديم حكايات البطولة الملهمة أو المضحكة، على أن ينتهي الفيلم عادة بانتصار البطل أو الفريق الذي ينتمي إليه البطل ولو لم يكن مؤهلاً للفوز.
تقدم تلك الأفلام حول العالم في قوالب مختلفة، لكن السينما المصرية ظلت مخلصة للقالب الكوميدي ملازماً للافلام الرياضية، ولم تنجح الأفلام التي خرجت عن هذا الإطار في تحقيق نجاح يذكر، خاصة أن صناعة الدراما حول البطل الرياضي يحتاج إلى ابتكار كون الحبكة تكاد تكون واحدة: بطل، يولد في وسط لا يحفزه على النجاح، يواجه الكثير من الصعاب، يقرر التحدي، ينهزم، يزيد إصراره ونشاهد "سيكوينس" تدريب مجهد ومكثف، ثم ينتصر ويحقق النجاح فينتهي الفيلم. كيف يمكن لفيلم مصري إذن أن يبتكر حول هذا البناء الثابت والمتكرر؟
الرياضة في السينما المصرية
تهتم السينما الأمريكية بتناول تأثير الرياضة على الحياة، وتحاول أن تظهر جوانب مختلفة للرياضة مثل البيزنس المرتبط بها والقائم عليها وأجواء المراهنات وغيرها، يتيح لها هذا قدرة على التنويع والخروج بدرجات متفاوتة على التكرار المتوقع من مثل تلك الأفلام، يظهر هذا في تكرار نجاح سلاسل الأفلام حول الرياضة الواحدة، كالأفلام المختلفة التي قدمت عن رياضة الملاكمة وأبرزها سلسلة روكي وكريد وقبلها فيلم Raging Bull لمارتن سكورسيزي ومن بطولة روبرت دي نيرو الذي رشح لعدة جوائز رفيعة من بينها الأوسكار.
فيلم "5 جولات" هو محاولة للخروج عن الطريقة النمطية لأفلام الرياضة، مع وضع رياضة جديدة "القتال المختلط" في عالم جديد ووضع قصص جانبية في شكل جولات وصراعات تتوازى مع جولات المباراة التي يخوضها بطل الفيلم الشاب الذي يعاني من فقد الثقة والخوف من الفشل
ينطلق نجاح تلك الأفلام من كونها تقوم على الجوانب الإنسانية لأبطالها وترسم شخصيات يسهل تصديق واقعيتها لابتعادها عن آفة السينما المصرية: "مثالية البطل النموذج". تكرر هذا في أفلام عديدة مثل النمر الأسود وقبضة الهلالي – وغيرها من أفلام نجم الرياضات القتالية يوسف منصور- وغيرها من الأفلام التي تقدم رحلة صعود خطية، لبطل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بطل يكاد من فرط مثاليته أن تنبت له أجنحة الملائكة.
خرجت عن ذلك أفلام قليلة مثل مستر كاراتيه وغريب في بيتي، إلى جانب الأفلام كوميدية الطابع مثل 4-2-4 وأونكل زيزو حبيبي وحتى الحاسة السابعة الذي يتفرد بكونه "بارودي" لأنماط متعددة من الإنتاج الفني، لا الأفلام الرياضية وحدها، ما جعله من أكثر الأفلام الرياضية، ومن أكثر الأفلام المصرية ابتكاراً بشكل عام. لكن لنسأل من جديد: هل الابتكار ضمانة للنجاح، لنتذكر أن فيلم الحاسة السابعة نفسه لم يحقق نجاحاً في شباك التذاكر.
5 جولات... لكمة قوية للماضي
فيلم "5 جولات" هو محاولة للخروج عن الطريقة النمطية لأفلام الرياضة، خصوصاً في مصر، ووضح هذا التركيز في كل شيء، بداية من وضع رياضة جديدة "القتال المختلط" في عالم جديد مع وضع قصص جانبية في شكل جولات وصراعات تتوازى مع جولات المباراة التي يخوضها بطل الفيلم الشاب الذي يعاني من فقد الثقة والخوف من الفشل، ويتردد بينه وبينه النجاح، ما يجعله يخرج عن المثالية التقليدية لبطل الفيلم الرياضي المصري.
أحد عناصر جاذبية الفيلم هو نوعية الرياضة التي تدور من خلالها الأحداث، ولكن ليس ذلك فقط؛ وإنما أيضاً الطريقة التي حاول بها الفيلم حكي قصته، فهي ليست رحلة صعود وهبوط تقليدية في بناء خطي منتظم يأخذنا من النقطة (أ): "الهزيمة" إلى النقطة (ب) "الانتصار"؛ بل هي رحلة في عالم البطل الداخلي وعالمه المحيط لصناعة بطل من لحم ودم يشبه الكثير من مجايليه. لكن الحبكة الجيدة والإخلاص لا يكفيان لصناعة فيلم ناجح خاصة إن كانت العناصر الإنتاجية المتصلة بتوقيت طرح الفيلم وتوزيعه لم تخدمه على الإطلاق في موسم عنوانه الكوميديا.
ربما لم يحقق الفيلم نجاحاً في دور العرض ولم يعوض – حتى الآن – ما أنفقه منتجوه لأجل صناعته، لكن الفيلم نجح في أن يخط طريقاً مغايرا لصناعة الأفلام الرياضية، وقد ينجح في أن يحقق نجاحا جماهيريا عند عرضه من خلال منصات المشاهدة المختلفة، وما نجاح "الحاسة السابعة" المتأخر عنا ببعيد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...