"جريمة في حق مصر وفي حق العملية التعليمة، وتعكس مستوى التدهور الذي أصاب العملية التعليمية وجميع قطاعات المجتمع المصري"، بهذه الكلمات علّق أستاذ العلوم السياسية والبرلماني السابق جمال زهران على واقعة استئجار مدرس لمادة الجيولوجيا، صالة حسن مصطفى للألعاب الرياضية بمدينة السادس من أكتوبر، المملوكة للدولة، من أجل إعطاء درساً خصوصياً، ما أثار جدلاً كبيراً في البلاد.
ما زاد الغضب أن حصّة المراجعة النهائية التي قدمها المدرس المدعو ماجد إمام شهدت حضور نحو 4000 طالب، امتلأت بهم الصالة، التي تعتبر الأهم على مستوى الرياضات الجماعية بخلاف كرة القدم في مصر،، قبل دخول "احتفالي أسطوري" للمدرس وسط تصفيق جميع الحضور.
مقطع فيديو تم تداوله للحظة دخول المدرس الذي يُطلق على نفسه "جيو ماجد إمام" للصالة وكأنه مسؤول رفيع المستوى، أو فنان من أصحاب الشهرة الواسعة، جعلته حديث الساعة. فخرج الإعلامي الشهير عمرو أديب وتناول الواقعة، مؤكداً أن المدرس حصل على مبلغ مليون و200 ألف جنيه مصري (نحو 25 ألف دولار أمريكي)، خلال الحصّة التي استُؤجرت لأجلها الصالة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب. ولفت إلى أن كل طالب دفع في هذه الحصّة الواحدة 300 جنيه مصري (أكثر من 6 دولارات).
تحرّك رسمي
إثر حالة الجدل الواسعة، ألقت الأجهزة الأمنية بمحافظة الجيزة، جنوب العاصمة القاهرة، القبض على المدرس، وتم تحرير محضر بالواقعة، قبل إحالته إلى النيابة العامة التي وجهت إليه تهمة جمع الطلاب من أجل الدروس الخصوصية في مكان مفتوح دون الحصول على التصاريح والتراخيص اللازمة من الجهات المعنية، قبل أن يتم إخلاء سبيله بضمان محل إقامته.
"التعليم في مصر للامتحانات وليس للحياة"، هكذا يقول لرصيف22 خبير تربوي، مؤكداً أن الطالب المصري لا يكتسب مهارات الحياة بسبب تأثير فكر المدرسين والقائمين على منظومة التعليم، بل يكتسب إجابات تتبخر بانتهاء الامتحان
وزارة الشباب والرياضة المصرية دخلت على خط الأزمة، وخرجت ببيان أعلنت فيه إحالة المسؤولين عن الصالة للتحقيق، وكذلك وقف المدير التنفيذي للصالة عن العمل لحين انتهاء التحقيقات الرسمية، موضحةً أن القرار جاء على إثر "السماح لمعلم جيولوجيا بإعطاء دروس خصوصية بالصالة صباح الأحد الموافق 9 حزيران/ يونيو الجاري، في إطار 'تنمية موارد الصالة المغطاة'، ولكن دون الرجوع للوائح القانونية الحاكمة والمنظمة لهذه الأمور".
ليست الحادثة الأولى
رغم الغضب من الحادثة التي أثارها مدرس الجيولوجيا الذي يمتلك حساباً على فيسبوك يتابعه أكثر من من 700 ألف شخص، إلا أن الواقعة ليست الأولى من حيث استعراض مدرسي/ات الدروس الخصوصية في القوة والشهرة والتباهي بهما علناً رغم محاولات وزارة التربية والتعليم المتكررة لمنع تلك الدروس وتحذير الخبراء من دورها في مفاقمة عدم العدالة التعليمية.
في عام 2022، ضجت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي المصرية بواقعة مدرس الفلسفة سيد العراقي الذي دخل في مشهد سينمائي بـ4 سيارات فارهة موقع حصة مراجعة نهائية لطلاب الثانوية العامة في إحدى مناطق محافظة الجيزة. اصطف الطلاب بلباس أبيض موحد، وهم يحملون لافتات تعبر عن التحية والحب للمدرس في ما اعتبر استغلالاً للطلاب وإشراكاً لهم في هذا "الشو" عوضاً عن منحهم الخدمة التعليمية بشكل لائق دون تعطيلهم عن مذاكرتهم.
موكب دخول العراقي الفخم لم يختلف كثيراً عن مدرس الجيولوجيا الذي استقل سيارة مرسيدس رافقها عشرات الطلاب الذين حملوا لافتات باسمه، في وجود عناصر الحراسة المشددة (البودي جارد)، في مشهد وثّقه فريقه بتصويره من خلال طائرة درون المحظورة في مصر.
واقعة العراقي سبقتها بأشهر واقعة مشابهة لمعلمة أحياء مصرية تدعى أسماء عماد ظهرت وهي محاطة بـ4 شبان (بودي جارد) خلال دخولها لتقديم حصّة مراجعة على مسرح الهوسابير بالأزبكية في القاهرة، حضرها نحو 300 طالب وطالبة. لاحقاً، أُلقي القبض عليها ووجهت النيابة العامة لها تهمة تنظيم فعالية دون ترخيص.
إلى ذلك، تباهت المدرسة، التي لُقبت بــ"حوت الأحياء"، لاحقاً بالضجة التي أحدثتها مراجعتها.
التعليم بالـ"درجات"
تثير هذه الوقائع المتكررة تساؤلات حول ما آل إليه وضع المنظومة التعليمية في مصر، وواقع الاستعراض والتباهي بالقوة والشهرة الذي بات مسيطراً عليها مؤخراً، وانعكاساته على أجيال من الطلاب والطالبات وعلى المجتمع المصري ككل.
أستاذ علم نفس التربوي بجامعة المنوفية، الدكتور سامي أيوب، اعتبر في حديثه لرصيف22 أن واقعة مدرس الجيولوجيا تمثل "انحرافاً" يعكس العقلية التي باتت تسيطر على الكثير من القائمين على مهنة التدريس في مصر، والذين باتوا يتعاملون مع التعليم باعتباره مجالاً للربح بالنسبة لهم، وهدفه الحصول على "درجات" بالنسبة للطلاب، على العكس من المهمة الأساسية للتعليم المتمثلة في اكتساب الخبرة والمعرفة بالشكل الذي يؤدي لتغيير أداء الطلاب للأفضل وتأهيلهم لسوق العمل، مؤكداً أن منظومة التعليم تواجه "خللاً خطيراً" يتمثّل في عدم فهم الحاجة الأساسية المستهدفة منه، وطبيعة المهمة التي تقع على عاتق المدرسين وكذلك الطلاب.
خطر كبير على تفكير الأجيال المقبلة حذر منه أيوب جراء مثل هذه الوقائع إذ اعتبر أن الطريقة التي بات يتبعها العديد من المدرسين في البلد، المعادلة القائمة على "النجاح والرسوب" للطالب/ة مقابل تحصيل أكبر مبلغ ممكن من المال للمعلم/ة، وإن عبر مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، من شأنها أن تساهم في تغيير طريقة تفكير الأجيال القادمة.
يضيف: "قد تُصبح المَادة الهدف الرئيسي للأجيال الناشئة، وإذا أراد الطالب الحصول على الأموال فعليه النجاح في الامتحانات بأية طريقة كانت سواء عبر الغش أو التحايل بالطرق غير الشرعية، دون الاهتمام بالفائدة العلمية التي سيحصل عليها من المناهج الدراسية".
ويلفت أيوب إلى أن هناك مشكلات تواجه منظومة التعليم في مصر، على رأسها أن رواتب المدرسين لا تكفي احتياجاتهم، ما يدفعهم للبحث عن طرق لزيادة الدخل سواء عبر الدروس الخصوصية، أو قبول رشوة، أو تقديم وصفات للنجاح في الامتحانات دون الاهتمام بمستوى استفادة الطالب من المناهج التي يدرسها على مدار العام الدراسي، مشيراً إلى أن "الخلل في منظومة التعليم يأتي من رأس الهرم". فالوزراء الذين تولوا مسؤولية هذه الحقيبة الهامة في السنوات الأخيرة، غير مدركين لأهداف التعليم المصري، بعيداً عن الشعارات الرنانة المعتادة غير القابلة للتطبيق، على حد قوله.
ويستنكر أستاذ علم النفس التربوي، الحالة التي آل إليها التعليم في مصر، والعقلية التي باتت تسيطر على تفكير المدرسين والطلاب، واصفاً إياه بـ"التعليم الزائف" حيث تُنفق المليارات سنوياً عليه دون استفادة حقيقية، بل وعادةً ما يُفرز أشخاصاً "مرتشين ومجرمين يؤثرون بشكل سلبي على مختلف فئات المجتمع".
وضع أسئلة من خارج المنهج
الخبير التربوي الدكتور حسن شحاتة، له وجهة نظر مغايرة لواقعة مدرس الجيولوجيا وما شابهها من وقائع سابقة حيث يعتبر في حديثه لرصيف22 أن استفحال ظاهرة الدروس الخصوصية وجمع المدرسين آلاف الطلاب في حصص المراجعة النهائية "أمر طبيعي نتيجة أن أسئلة امتحانات الثانوية العامة في مصر تأتي من داخل الكتاب المدرسي، والطلاب يحفظون الإجابات التي يقدمها لهم المدرسون، ما يجعلهم أداة حفظ لا فهم".
كما يرى أن حصول هؤلاء المدرسين على شهرة وأموال طائلة نتيجة مبررة لهذا النسق التعليمي، مشيراً إلى أن السبيل للقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية وتفكير المدرسين الحالي القائم على نقل الإجابات للطلاب لتدوينها في ورقة الامتحان دون فهم، يتمثّل في وضع أسئلة الامتحانات من خارج الكتاب المدرسي، بالشكل الذي يقيس مستوى الفهم لا الحفظ، ما يصعب توقع أسئلة الامتحانات ويدفع المدرسين ومراكز الدروس الخصوصية إلى تغيير تفكيرهم ودورهم في العملية التعليمة.
"حوت الأحياء" و"وحش الكيمياء" و"ملك الفيزياء" و"أبو التاريخ" و"موسوعة الجغرافيا"... واقعة مدرس الجيولوجيا الذي استأجر صالة رياضية وجمع نحو 4 آلاف طالب/ة في حصة مراجعة تِثير غضب المصريين، وخبراء يقولون إنها تعكس واقع المنظومة التعليمية حيث يتم الاهتمام بالمظاهر على حساب المضمون في عملية "تعليم زائف" هدفها الأساسي الحصول على درجات لا على تحصيل علمي أو تأهيل لسوق العمل
يضرب شحاتة مثالاً بأسئلة امتحانات الثانوية العامة التي تم وضعها في عهد وزير التربية والتعليم المصري السابق طارق شوقي، موضحاً أنها جاءت من خارج الكتاب المدرسي، ما نتج عنه انخفاض نسبة النجاح وتَدنّي مجاميع الطلاب بنسبة 10%، كون جزء من الأسئلة جاء لقياس مستوى الفهم بعيداً عن طريقة الحفظ المتبعة في التعليم المصري، والتي يعتمد عليها المدرسين.
"التعليم في مصر للامتحانات وليس للحياة"، هكذا يردف الخبير التربوي حديثه، مؤكداً أن الطالب المصري لا يكتسب مهارات الحياة تحت تأثير فكر المدرسين والقائمين على منظومة التعليم، بل يكتسب إجابات تتبخر بانتهاء الامتحان، مؤكداً أن ما يحدث في التعليم يتناقض مع الأفكار والتوجهات التي تروّج لها الدولة التي هي "في وادي" والتعليم في "وادي آخر". الدليل على ذلك برأيه "حالة الفشل التي تصيب الكثير من المتفوقين في مرحلة الثانوية العامة، عند دخولهم المرحلة الجامعية، بعدما نالوا 'تفوقاً وهمياً' في ظل سياسة التعليم المُتبعة".
تقاعس الدولة عن تطوير التعليم
في الأثناء، يرفض البرلماني والقيادي السابق في حزب الوسط، طارق الملط، انتقاد مدرس الجيولوجيا والإساءة إليه، مؤكداً أنه لم يقترف أي خطأ يحاسب عليه، وإن كان لا بد من الحساب فالأولى هم مسؤولي وزارة الشباب والرياضة الذين سمحوا بتأجير القاعة الرياضية المملوكة للدولة لمدرس يرغب في تقديم حصة مراجعة نهائية.
ويرى الملط أن هذا المدرس كان "يقوم بمهمة تقاعست عن تأديتها الدولة" إذ تراجع مستوى التعليم بشكل كبير داخل المدارس الحكومية، ما دفع أولياء الأمور للبحث عن طريقة لتحصيل العلم عبر الدروس الخصوصية على الرغم من تكلفتها الباهظة عليهم، وكذلك بسبب عدم التزام المسؤولين عن ملف التعليم في مصر بالنسبة التي أقرها الدستور المصري وأقسم عليها المسؤولون من كبيرهم لصغيرهم، والمخصصة لبند الإنفاق على التعليم في الموازنة العامة للدولة.
ويقول إن كل هذه العوامل أثرت بالسلب على العملية التعليمية وجودتها، في الوقت الذي يتم فيه الإنفاق "ببذخ" على أمور غير ذات أولوية ولم يقرها الدستور، معتبراً أن هذه الواقعة تُعرّي نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي ومنظومة التعليم التي يديرها، وتُعري سوء الخدمات المقدمة للمواطن.
وتنص المادة رقم (19) من الدستور المصري الصادر عام 2014، على التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم قبل الجامعي لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وأن التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار.
انعكاس لواقع التعليم في مصر
من جهته، يرى المفكر وخبير علم الاجتماع السياسي، عمار على حسن، في حديثه لرصيف22 أن واقعة مدرس الجيولوجيا، تعتبر جزءاً من حالة "الاستعراض المظهرية" التي تسيطر على المجتمع المصري في السنوات الأخيرة، مؤكداً أنها ظاهرة عالمية، إلا أنها تزايدت في مصر بشكل كبير نتيجة التحوّل إلى مجتمع استهلاكي، غرائزي، نفعي، ينشغل بالشكليات والطقوس أكثر من الجوهر والجذور.
يستنكر عمار الحالة التي بات عليها المجتمع المصري اليوم حيث تفاعل مع حالة الاستعراض والتباهي التي ظهر بها مدرس الجيولوجيا داخل القاعة الرياضية، وكم الأموال التي جناها من حصة المراجعة التي قدمها لآلاف الطلاب، بدلاً من الاهتمام بالمضمون وقدرته على إيصال المعلومة الصحيحة للطلاب في هكذا ظروف.
ويعتبر عمار أن الواقعة الأخيرة لمدرس الجيولوجيا تعكس الحالة التي بات عليها الكثير من المدرسين في مصر خلال السنوات الأخيرة، والذين راحوا يطلقون على أنفسهم ألقاباً غريبةً على غرار "ملك الكيمياء – وسلطان الفلسفة – وأبو التاريخ – وموسوعة الجغرافيا"، ويتم كتابتها على المواد التعليمية التي تُباع للطلبة وكذلك في الإعلانات بالشوارع، بغض النظر عن حقيقة إجادته للمادة التي يدرسها من عدمه.
وهو يصف الواقعة بأنها تُظهِر "شخصاً استعراضياً حاول جذب الأنظار بجمع الآلاف الطلاب في قاعة رياضية كدليل قوة على تمكّنه من المادة، ومحاولة لإغراء طلاب آخرين للالتحاق بالدروس التي يقدمها في قادم السنوات وبالتالي تعزيز أرباحه، إضافة إلى الحصول على مكانة اجتماعية بواسطة التباهي والاستعراض".
ويتابع شارحاً: "حالة مدرس الجيولوجيا هي جزء من حالة الاستعراض التي باتت تسيطر على المجتمع المصري بشكل عام، والتعليم بشكل خاص، بهدف استغلال التعليم في تحصيل الأموال دون بناء تعليم حقيقي وأجيال مُتعلمة، لا سيّما أن هذا الشخص مطلوب منه في دقائق قليلة أن يُعلّم آلاف الطلاب كيف يخطفون الدرجات بغض النظر عن التحصيل من عدمه، ويعلمهم الحيلة والتحايل كجزء من 'ثقافة الفهلوة' في سياق عملية 'تعليم أدائي آلي عابر' تهدف إلى تحصيل الدرجات دون جني المعرفة".
سباق محموم وراء الأرقام القياسية غير المجدية
يرى عمار أن هكذا وقائع هي من إفرازات واقع الدولة المصرية اللاهثة خلف أرقام قياسية غير مجدية للمواطن، على غرار "أطول ساري علم في العالم" و"أكبر مسجد" و"أكبر كلمة سلام في العالم"، دون المضي قدماً في تنفيذ الأولويات التي تمس المواطن وتساهم في تحسين مستوى معيشته.
وهو الأمر الذي تسرّب إلى منظومة التعليم، برأيه، حيث كان المدرس ينال شهرته قديماً عبر الإجادة والعرق والكفاح وتأهيل طلاب على مستوى تعليمي عالٍ، قبل أن يصبح الأمر حالياً عبارة عن سباق محموم بين المدرسين على استخدام أدوات استعراض القوة والنفوذ، بما يشبه عدداً من الشخصيات التي تتصدر المشهد في مصر مؤخراً وترتبط في الأذهان بالقوة والبلطجة. من أمثلة هذه الشخصيات رجلا الأعمال صبري نخنوخ وإبراهيم العرجاني، المقربين من السلطة.
"حادثة مدرس الجيولوجيا هي جزء من حالة الاستعراض التي باتت تسيطر على المجتمع المصري بشكل عام، والتعليم بشكل خاص حيث المعلم مطلوب منه في دقائق قليلة أن يُعلّم آلاف الطلاب كيف يخطفون الدرجات بغض النظر عن التحصيل من عدمه، ويعلمهم الحيلة والتحايل كجزء من 'ثقافة الفهلوة' في سياق عملية 'تعليم أدائي آلي عابر' تهدف إلى تحصيل الدرجات دون جني المعرفة"
وينوه عمار كذلك إلى أن حالة الاستعراض والترويج انتقلت في مصر من بند السلع، لتصيب جميع قطاعات الحياة وفي مقدمتها التعليم، والذي جرى "تسليعه" ويتم الترويج إليه حالياً باعتباره بضاعة، في انحراف خطير عن أهداف العملية التعليمية، مشيراً إلى أن ذلك "سينعكس بالسلب حتماً على المجتمع عبر زيادة تكلفة التعليم، وسيؤثر على تفكير الأجيال المقبلة التي ستلهث وراء الأموال بأي وسيلة كانت".
"جريمة في حق مصر"
أما البرلماني السابق وأستاذ العلوم السياسية، الدكتور جمال زهران، فيقول لرصيف22 إن واقعة مدرس الجيولوجيا هي "جريمة في حق مصر وفي حق العملية التعليمة، وتعكس مستوى التدهور الذي أصاب العملية التعليمية وجميع قطاعات المجتمع المصري". وهو يشرح أن الحادثة تعكس "قمة الابتزاز من منظمي الدروس الخصوصية"، والحل برأيه يتمثّل "في المحاسبة بأشد العقوبات الممكنة وعلى مسمع من الرأي العام بحيث يكون الأمر رادعاً لتجار التعليم ونقطة انطلاق لإصلاح المنظومة".
كان عدد الكباري في مصر قبل 10 سنوات يزيد قليلاً عن 2300 كوبري فيما وصل العدد مؤخراً إلى أكثر من 46 ألف كوبري، بينما يتم إهمال ملفات رئيسية كالتعليم والصحة.
يذهب زهران أبعد من ذلك بالقول إن الواقعة "مظهر من مظاهر الانحطاط الذي وصل له المجتمع المصري في ظل دولة صامتة"، متسائلاً: أين الدولة والحكومة والوزارات مما حدث؟ وهو يشير إلى أن "الشخصيات البلطجية باتت تسيطر على المشهد في جميع القطاعات، في ظل إعلام يخدم توجهاتهم ويحسّن صورتهم، ويروج للفتوة الذي يأخذ ما يعتبره حقه بالقوة"، مطالباً بـ"العمل على اختفاء هذه الشخصيات من المشهد بشكل كامل في الفترة المقبلة، وعدم تصدير الصورة السيئة للرأي العام والأجيال الجديدة".
يطالب أستاذ العلوم السياسية أيضاً بضرورة أن تعمل الدولة على تنفيذ الأولويات التي أقرها الدستور المصري بعيداً عن الإنجازات الرمزية التي لا تفيد، وأولها أن تنفق ما أقره الدستور على ملف التعليم، مستنكراً إنفاق المليارات على تشييد الطرق والكباري والمستمر بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة حيث كان عدد الكباري في مصر قبل 10 سنوات يزيد قليلاً عن 2300 كوبري فيما وصل العدد مؤخراً إلى أكثر من 46 ألف كوبري، بينما يتم إهمال ملفات رئيسية كالتعليم والصحة. ودعا إلى إعادة توجيه الإنفاق الحكومي بالشكل الذي يفيد المجتمع والمواطن، خاصة وأن الدولة على مدار عقد كامل اهتمت بالأمور المادية دون الاهتمام بالبشر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ اسبوعينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...