شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
كيف أصبح الرقم 40 مقدساً في الديانات والثقافات المختلفة؟

كيف أصبح الرقم 40 مقدساً في الديانات والثقافات المختلفة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الأحد 23 يونيو 202411:31 ص

على مرّ التاريخ، لعبت الأرقام دوراً مهماً في ثقافات الشعوب والديانات المختلفة من الشرق الأوسط إلى الشرق الأدنى، لما تحمله من معانٍ عميقة، فمنها أرقام ارتبطت بالحظ، وأرقام التصق بها النحس والتشاؤم، وأرقام أخرى اقترنت بالكثرة، لكن الرقم 40 دارت حوله قصص وأساطير كثيرة لمعانيه الغامضة.

رمز التطهير في الديانات السماوية

يُعدّ الرقم 40، الأكثر حظاً بين الأرقام كلها في الديانات. فبحسب كتاب "تاريخ حضارات الشرق المخفي والمغيب-أساطير بلاد الرافدين"، للكاتبين هيثم طيون وسام مايكل، فإن الرقم أخذ بُعداً كبيراً في الأساطير والديانات وحتى الحكايات الشعبية والفولكلور.

ويذكر الكتاب أن الرقم مقدّس لما له من دلالة في العقاب أو الوصول إلى الكمال، كما ذكرت الديانات الإبراهيمية، وعدّد مواضع ذُكر فيها الرقم 40 بدءاً من انهمار المياه على الأرض في أعقاب طوفان نوح أربعين يوماً، وتيه اليهود 40 سنةً في صحراء سيناء.

في المسيحية، يرتبط الرقم 40 بالصوم والتجديد الروحي. على سبيل المثال، هام يسوع 40 يوماً في البرّية حيث تعرض للإغراء من الشيطان واختبر إيمانه وقوته الروحية، والمدة ذاتها صامها يسوع وحثّ تلاميذه على صوم "الأربعينية"

وفي المسيحية، يرتبط الرقم 40 بالصوم والتجديد الروحي. على سبيل المثال، هام يسوع 40 يوماً في البرّية حيث تعرض للإغراء من الشيطان واختبر إيمانه وقوته الروحية، والمدة ذاتها صامها يسوع وحثّ تلاميذه على صوم "الأربعينية"، وفي المعتقد المسيحي أمضى يسوع 40 يوماً مع تلاميذه بعد قيامته من الموت وقبل أن يصعد إلى السماء.

للرقم 40 قدسية خاصة في الإسلام أيضاً، حيث ارتبط بأحداث مهمة، إذ نزل القرآن على النبي محمد عليه السلام، وهو في الأربعين من العمر، وتزوّج السيدة خديجة وهي في الأربعين من العمر. وجاء ذكر الرقم 40 في القرآن في مواضع مختلفة؛ ففي سورة البقرة، الآية رقم 48، حينما خاطب الله قوم موسى قائلاً: "وإذا واعدنا موسى أربعين ليلةً ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون"، وجاء ذكر الرقم في سورة الأعراف: "وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ".

ولعلَّ وحي السماء نزل على غالبية الأنبياء بعد بلوغهم الأربعين، كما وصلتنا الروايات عنهم. يفسر الدكتور وليد غالي، أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة آغا خان في المملكة المتحدة، لرصيف22، أن "الأربعين" تُعبّر عن نقطة فاصلة في الزمان أو الأحوال، أو كما يصورها المتصوفة الانتقال من مقام إلى مقام، أو من مرحلة البشر العادية إلى مرحلة النبوّة، مؤكداً أن كل هذه الروايات والأحداث مفتوحة التأويلات حسب الظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية، مستشهداً بالآية القرآنية التي تقول: "حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً". ويستكمل: "الأربعون هي مرحلة فاصلة، فهي سن النبوة والنضوج".

الرقم 40 في الديانة الزرادشتية

عاش زرادشت مؤسس الديانة الزرادشتية في إيران، وقد التُمس الرقم 40 في تلك الديانة في موضعين: الأول في موعد بدء رسالته، إذ يذكر نوري إسماعيل في كتابه "الديانة الزرادشتية: مزديسنا"، أنه بدأ مرحلة نشر رسالته في الأربعين، وبعد أربعين عاماً من وفاة زرادشت، تعرضت ديانته لعوامل التحريف، واختلطت مبادئ ومعتقدات هذه الديانة بالعديد من الديانات الأخرى، وذلك عقب اجتياح الإسكندر الأكبر لإيران وقتله حكّامها، وحرقه الكتب التي كانت تحتوي على تعاليم الديانة الزرادشتية، وكانت مكتوبةً على جلود البقر بمداد الذهب.

الرقم 40 المقدّس بين السنّة والشيعة

يحظى الرقم ذاته بتبجيل لدى أهل السنّة، فالبعض يرى أنه احتوى على إعجاز ديني، فهو بداية نزول الوحي الإلهي على النبي محمد وقد ذُكر في مواضع عدة في القرآن، كما أشرنا.

أما عند الشيعة، فمن أهم دلالاته أنه يرمز إلى أربعينية الحسين، أي ذكرى مرور أربعين يوماً على واقعة قتل الإمام الحسين في أثناء معركة كربلاء، وتستمر أربعين يوماً تنطلق من اليوم العاشر من شهر محرّم (عاشوراء) حتى العشرين من شهر صفر.

من التطهير إلى الاكتمال، يظل الرقم 40 رقماً محيّراً، فهو لا يشبه الأرقام الأخرى في اعتقاد البعض، ولكن له قدسية غريبة ومكانة خاصة في الديانات.

في هذا اليوم يتوافد الشيعة في العراق من المحافظات كافة، والشيعة من بلدان أخرى، إلى كربلاء، وتُغلَق الطرقات، ويوزَّع الطعام في الشوارع مجاناً، وتُمنَع السيارات من المرور، وتُفتَح أبواب السياحة الدينية الوافدة لا سيما من إيران إلى العراق.

تقول الإعلامية السورية المقيمة في العراق نور محمد، لرصيف22، إن الأربعين الحسينية تُعدّ مناسبةً دينيةً شعبيةً تجمع العراقيين وغير العراقيين، وتضيف: "فوجئت بمناسبة الأربعين وكنت اسأل بدهشة: لماذا يوزَّع الطعام في الأواني الكبيرة بين الأرصفة على الناس بهذه الصورة؟ حتى عرفت أنها من طقوس الاحتفال".

أضرحة "سيدي الأربعين"

في ربوع مصر، تنتشر أضرحة لمن يسمّى "سيدي الأربعين"، ويفسر الكاتب المصري أحمد أمين في موسوعته "قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية"، الصادرة عام 1953، قصةً طريفةً عنه، إذ يقول إن الأربعين "شيخ مشهور" عند القاهريين تحديداً، حيث يزعم أن له "أربعين مقبرةً"، وهذا إنما هو تعبير عن كثرتها وليس تعبيراً عن العدد الحرفي.

ويذكر أمين عن سبب انتشار هذه الأضرحة أنه يعود إلى صاحب بيت وجد أشخاصاً يتبولون في ركن من أركان بيته أو حارته، فمنعهم من ذلك، ولكنهم رفضوا الانصياع له، فاحتال عليهم بسرعة وادّعى أن هذا المكان هو ضريح "سيدي الأربعين"، مما أوقف الناس عن التبوّل في هذا المكان.

أضرحة سيدي الأربعين منتشرة في مصر، من ضريح "سيدي الأربعين" في السيدة زينب في القاهرة، إلى ضريح "الشيخ الأربعين" في مركز ديرمواس في المنيا، والمسجد الأشهر لـ"سيدي الأربعين" في السويس، وجميعها تدور حولها حكايات وأساطير، منها وجود 40 رجلاً صالحاً، وروايات شفهية تقول إنه رجل واحد أُطلق عليه لقب "الأربعين"، وهناك أسطورة شبيهة لهذه موجودة في المسيحية أيضاً، إذ يوجد دير القديسة دميانة والعذارى الأربعين في الدقهلية.

يعلق على ذلك أستاذ الأدب الشعبي في كلية الآداب في جامعة القاهرة، خالد أبو الليل، بأن ذكر الرقم 40 في مواضع مقدسة في النصوص الدينية، وترسخه في العادات والتقاليد المصرية، انعكس على الثقافة الشعبية، وظهر ذلك جلياً في المقامات الدينية المنتشرة للشيخ الأربعين.

وفسر أبو الليل في حديثه إلى رصيف22، الهدف الأساسي من دلالة استخدام الأربعين، بأنه يعبّر عن بلوغ ذروة الكمال، كما هو الحال في قصة علي بابا والأربعين حرامياً في "ألف ليلة وليلة"، فهم ربما كانوا 39 أو 41، لكن تحديد الرقم 40 أتى للتأكيد على كمال الشيء. وفي الأمثال الشعبية يقال "يخلق من الشبه أربعين"، وفيه دلالة على الوصول إلى أقصى شيء ممكن. وفي الثقافة الشعبية إلى الآن لا تتم مراسم الزفاف في الريف عند وجود حالة وفاة بين الأقارب والجيران، إلا بعد مرور أربعين يوماً من تاريخ الوفاة، وهذا موجود في الكثير من المناطق والبلدان العربية والإسلامية الأخرى.

جذور مصرية قديمة

قدّم الأديب والمؤرخ جمال الغيطاني، روايةً متسقةً مع الطرح السابق، حيث ربط انتشار أضرحة سيدي الأربعين بالأسطورة الشهيرة لإيزيس وأوزوريس. ففي هذه الملحمة، قطع "ست" إله الشر، جسد "أوزوريس" إله الخير، ووزعه على أقاليم مصر "الأربعين" وقتذاك، حتى لا تتمكن زوجته إيزيس من إعادة الحياة إليه.

تلك الأسطورة التي طرحها الغيطاني ترسخت لدى المصريين على مدى آلاف السنين، فبحسب ما ذكره الغيطاني في كتابه "نزول النقطة": "صار كل إقليم يفخر بأن فيه جزءاً من القطع الأربعين لأوزوريس، مما أدى إلى انتشار عبادته كإله للحياة الآخرة في ربوع مصر".

من أهم دلالات الرقم 40 عند الشيعة، أنه يرمز إلى أربعينية الحسين، أي ذكرى مرور أربعين يوماً على واقعة قتل الإمام الحسين في أثناء معركة كربلاء، وتستمر أربعين يوماً تنطلق من اليوم العاشر من شهر محرّم (عاشوراء) حتى العشرين من شهر صفر

واتفق الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين في وزارة السياحة والآثار، مع هذا الطرح، وأكد أن ترسخ فكرة الأربعين عند المصريين جاءت من المصريين القدماء وتحديداً من التحنيط. وأوضح: "كانوا يضعون المتوفى في الملح لمدة أربعين يوماً لسحب كل السوائل، بالإضافة إلى الاعتقاد بأن الروح سوف تتحرر من الجسد بعد هذه الفترة. وتترتب على ذلك عادة زيارة مقبرة المتوفى بعد أربعين يوماً إلى وقتنا الحالي، واستمر الأمر إلى الآن حيث ترتدي نسوة العائلة الأسود حداداً على المتوفى أربعين يوماً".

ويفسر أستاذ الدراسات العربية والإسلامية وليد غالي، لرصيف22، كيف أن طقوس الأربعين التي تقيمها بعض المجتمعات بعد الوفاة هي نتيجة إيمان عندهم بأن الروح تظل في الجسد أربعين يوماً قبل أن تفارقه، وهي عادات وتقاليد متوارثة اكتُسبت على مدى عقود.

رغبة الوصول إلى الكمال والتطهير

يقول الدكتور خالد أبو الليل، إن الهدف الأساسي من استخدام الأرقام في الثقافات الشعبية يكون للتعبير عن أمور عدة بهدف إبراز معنى ما، ويؤكد أن ذكر الرقم 40 في حد ذاته لا يعبّر بالدقة عنه كعدد مثل الرقمين ثلاثة وسبعة، فالرقم ثلاثة يعبّر عن التحدي والإرادة في فعل الشيء، فيقال مثلاً "التالتة تابته" (الثالثة ثابتة)، والرقم سبعة يحظى بقدسية اكتمال دورة، مثل أيام الأسبوع، والطواف حول الكعبة. أما الرقم 40، فيعبّر عن الاكتمال وبلوغ الشيء المستوى الأقصى له.

من التطهير إلى الاكتمال، يظل الرقم 40 رقماً محيّراً، فهو لا يشبه الأرقام الأخرى في اعتقاد البعض، ولكن له قدسية غريبة ومكانة خاصة في الديانات.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image